الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السراق وبائع الملح

مفيد بدر عبدالله

2013 / 10 / 17
المجتمع المدني


فرحة العيد من الافراح التي ننتظرها بشغف كبير ، فنعد لها برامجا جميلة قبل ايام عديدة ،فينشغل الكثير منا بالزيارات العائلية فيما يرتاد آخرون الحدائق العامة والمتنزهات و يغادر البعض للسياحة داخل بلدهم وخارجه ، لكن آخرين يتبادلون التهاني في مواقع عملهم ولا يغادرونها حتى في العيد ،لهم مكان كبير بيننا ونحمل لهم كل الحب فنفرح لفرحهم ،الغائبون الحاضرون من رجال الامن ومنتسبي وزارات الصحة والكهرباء وعمال النظافة واخرين يسهرون على سعادتنا وراحتنا ،واكثر من نحتك بهم عمال النظافة فنخرج لهم صباح العيد مهنئين مباركين .
في هذا العيد خرجت لهم كعادتي فلم اتعرف الا على احدهم ولم تفارق صورته مخيلتي رغم اني لم اره الامن عشرة اعوام ولمرة واحدة لفترة محدودة حين كان يجمع الملح من الارض ( السبخ ) التي امام معهد الصناعة الكائن في ابي الخصيب جنوب البصرة في مكان لم يكن يفصله عن باب المعهد سوى امتار قليلة ، يرتدي ثيابا ممزقة ومبيضة من الملح الذي كان يجمعه يلقي به في عربة يسحبها حمار في مشهد يصور حالة من الاصرار والعزيمة على ملاواة يد العوز بكل شرف ، على الجانب الاخر من الشارع مشهد مغاير تماما فالعشرات منشغلين بسرقة و نهب محتويات المعهد مستغلين الانفلات الامني والفوضى اللذان كانا سيدي المشهد آنذاك ، ورغم فقر الرجل المدقع الا انه لم يكن يرفع نظره من الملح ولم تغره المسروقات الثمينة ولا سعرها الذي قد يعادل ما يقدمه له عمله في عشرة اعوام ، وقد يكون من حسن حظ البصريين ان رجلا بهذا الخلق يملح زادهم بيده الطاهرة . المنشغلون بتحميل سياراتهم على الجانب الاخر لم يكونوا من الفقراء بدلالة فخامة سياراتهم المستخدمة في نقل المسروقات ، فالمشهد يوحي للناظر بان الجشع والطمع هو من كان سببا للسرقة وليس العوز كما يدعي البعض ، وعلى الرغم من مرور كل هذه الاعوام الا اني استعيد اجزاء من هذا المشهد وانا امر من امام متسولي الطرقات لكني صباح هذا العيد استعدت الحدث بأكمله وانا التقي ببطله الوحيد الذي على ما يبدو غادر مهنته مرغما نتيجة شح الامطار في السنوات الاخيرة التي هي من اهم اسباب تكون الملح فاتجه لهذا العمل ( عامل تنظيف ) الذي لا يقل شرفا عن سابقه، غير آبه بعبارات السذج والذين ينعتون العاملين بهذه المهنة بعبارة ( الزبال ) ، ولا يعرفون ان معناها يدل على من يلقي بالقمامة ( يزبل ) وليس عامل التنظيف الذي يرفعها ويبعدها ويبعد معها اخطارها ، انا على يقين بان بطلنا لو كان قادرا ان يرفع قذارة الكثير من اصحاب النفوس المريضة التي تنهب المال العام في السر والعلن لما تردد ، اولائك الذين يبررون سرقاتهم بحجج كاذبة ليزدادوا غنى ويزدوا بؤسنا بؤسا، فتوارث بعضهم الرذائل ، فمنذ الثمانينيات دخلت بيوتهم المسروقات القادمة من ( المحمرة) بعدما غادرها اهلها لدخول الجيش ،و بيوت اخرى لهم ارتضت ان تكون مستقرا للمسروقات الكويتية، واخيرا جاء الدور على دوائرنا ومؤسساتنا الحكومية والمصارف ، وها نحن اليوم ندفع ثمن ما اقترفت تلك الايادي .
قادني فضولي لأن اسأله عن احواله ،فلم يتحدث بغير هموم العراق ،وسالت دموعه وارتجفت شفتاه وهو يصف الافعال الدنيئة للإرهاب الذي يطال الابرياء بصدق لم اعهده من الكثيرين ، تحدث بحرقة والم وكأن له شعب بأكمله من الابناء ، آلمتني عباراته كثيرا واذهلني صبره واصراره على العيش بشرف وزدت احتراما له فهو من ( مفاخر رجال العراق ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني


.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط




.. خالد أبو بكر يرد على مقال بـ -فورين بوليسي-يتهم مصر بالتضييق


.. جامعة كولومبيا: فض اعتصام الطلبة بالقوة واعتقال نحو 300 متظا




.. تقارير: الجنائية الدولية تدرس إصدار أوامر اعتقال بحق قادة من