الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقات و التصنيفات..بيير بورديو-2-

امير عزيز

2013 / 10 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الابنيه الاجتماعيه المتجسده

و يعني هذا في المقام الاول, ان العلم الاجتماعي و اثناء تشييده للعالم الاجتماعي, لا يأخذ فقط في الاعتبار ان الفاعليين الاجتماعيين و في اثناء ممارساتهم الاعتياديه, هم موضوعات/ذوات فعل بناء هذا العالم, و لكنه يهدف بين اشياء اخري الي دراسه مبادئ تشكل و تكون هذا البناء, و يبحث عن اسس هذه المبادئ في الواقع اي في العالم الاجتماعي نفسه , و هو و في اثناء فعل التشييد هذا يقطع مع الادعاءات المثاليه "المثاليه هنا بالمعني الفلسفي اي اسبقيه الفكر علي الوجود" و التي غالبا ما تصاحب مفهوم الدور الفعّال للمعرفه. العلم الاجتماعي بهذا المعني بيحث في التوزيع الموضوعي للخصائص او سمات التصنيف "التي ذكرنا انها تعمل تحت مستو اللغه و الوعي", و هذه الخصائص او السمات و خصوصا الماديه منها تظهر علي السطح من خلال من خلال عمليات المسح و التصنيف و التي تسبق عمليات التوزيع و الاختيار "للادوار و المكانه الخاصه بالافراد", و يدرس اي العلم الاجتماعي قواعد عمليات التصنيف التي يطبقها الفاعل الاجتماعي علي كل الظواهر التي يتناولها, اي انه لا يقتصر كما قلنا علي دراسه توزيع الخصائص و السمات .
و بالتناقض مع المنظور الادراكي في المعرفه الاجتماعيه "1", فانه يبحث في مبادئ الانقسام بشكل عام و الانقسامات الاجتماعيه كتجل لهذه المبادئ, (بين الاجيال او الاجناس..الخ), و الاختلاف في استخدام هذه المبادئ بين الفاعلين الاجتماعيين, طبقا للمكان الذي يحتله هذا الفاعل في عمليه توزيع الخصائص (السؤال الذي يعني ضروره وجود احصائات). نستنتج من ذلك ان المنظومات الاجتماعيه التي يفعّلها الوكلاء الاجتماعيون خلال الممارسه, هي بهذا المعني منظومات مُتضمنه, و متجسده, و ان المعرفه العمليه الاوليه بهذا العالم و التي تنشأ بشكل مسبق و في سياق من "العقلانيه", هي عمليه تفعيل اطرا للتصنيف, و للادراك و التقييم, و انها نتيجه بالاساس الي الانقسام الموضوعي الي طبقات (يستخدم بورديو مفهوم الطبقه هنا للاشاره الي مجموعات عمريه, او جنسيه, او طبقات اجتماعيه), و هي تلعب دورها مره اخري تحت مستو الوعي و الخطاب, و نفهم من خلال ما سبق ان هذه المبادئ المتعلقه بالانقسام هي مبادئ شائعه لدي كل الفاعلين الاجتماعيين و انها تجعل من الممكن انتاج عالما له معني مقبول, و بديهي..

كل الفاعلين الاجتماعيين في تكوين اجتماعي بعينه يتشاركون في اطر مفاهيميه اوليه, اطر من المفاهيم التي تتموضع في البدايه علي هيئه ازواج من الصفات المتناقضه, تُستخدم عادهً لكي ما تصنف او تحدد مكانه الفرد في العالم الاجتماعي, انها شبكه المتعارضات بين العّلي " المتسامي, الرفيع, النقي" و بين الادني " المبتذل, الخسيس, البسيط, المتواضع"..بين الروحي و بين المادي..بين الحسن "المُصفي, الانيق", و بين الخشن " الثقيل , الاحمق, الفظ, الوحشي"..بين المضئ " الثاقب, الحي , الرقيق, البارع", وبين الثقيل " البطئ, الغبي, متبلد الذهن, المُجهد, الاخرق"..بين الحر و بين المُرغم..بين المتسع و بين الضيق..او في بعد اخر بين المتفرد"النادر, الكلي, المتميز, الاستثنائي,غير المألوف" و بين الشائع "المعتاد, المالوف, التافه, المبتذل, التقليدي"..بين المتالق "اللامع, الذكي" و بين الباهت "الرمادي, المتوسط, الملتبس"..و تكون هذه المتناقضات الرحم الذي تتكون منه كل المفاهيم الشائعه المشتركه, و التي تجد مثل هذه الجاهزيه في القبول, لان كل النظام الاجتماعي يكمن خلفها..هذه الشبكه من ازواج المفاهيم المتناقضه تجد مصدرها الجوهري في التناقض بين المُهيمن "النخبه" و بين المُهيمن عليه "الجماهير"..انها تعدد غير معدود او مدرك كليا لكنه متبادل للوحدات الممكنه او القائمه كازواج..هذه الجذور الاسطوريه"ازواج المتناقضات" ينبغي ان تاخذ مدارها كاملا لكي ما تستطيع ان تعيد انتاج نفسها الواحد تلو الاخر في عمليه لامتناهيه ترتبط بكل الموضوعات الاجتماعيه المُعاده, و المتراجعه, لكي ما تظهر كاستنكارات مروعه لكل اشكال التنميط و و التسطيح و التسويه و السقوط في اطار المتجانس و الغير متمايز التي تعرّف انهيار المجتمعات, و تهددد بغمر كل معالم التميز الذي ارسته البورجوازيه في حالتنا في مراحل سابقه..

ما يبدو كاقوي التناقضات حضورا في الاسطوره الاجتماعيه, دائما ما يشتقون قوتهم الايديولوجيه من حقيقه انهم يشيرون خلفهم, بتكتم اكثر او اقل, الي التناقض الجوهري في النظام الاجتماعي, التناقض بين المُهيمن , و المُهيَمن عليه, و الذي يتجلي في انقسام العمل, هذا الانقسام سيكون متجذرا في حالتنا بين مبدأين "زوج من الصفات المتناقضه او اكثر"..الدنيوي و الروحي..المادي و الذهني..الخ, الفضاء الاجتماعي بهذا المعني و الذي اشرنا اليه سابقا "اثناء الحديث عن تحديد مكان و مكانه الفاعل الاجتماعي" , يمكن فهمه و قراءته كجداول صارمه من فئات اجتماعيه مكونه, و مضافه باستمرار..و التي تنظم معني هذا العالم في اذهان الذوات المنتميه اليه و التي تتشكل من خلال معناه, نفس اطر او جداول التصنيف "و التناقضات الكامنه خلفها و التي يتم التعبير عنها من خلال هذه الاطر" يمكنها ان تعمل , او ان تُدرك من خلال دورانها حول مواضع استقطابيه محدده في هذا الفضاء الاجتماعي, اما في حقل الصراع الطبقي, او في حقل الانتاج الثقافي, و الذي ينتظم حول التناقضات المنتجه للطبقه المهيمنه او لعلاقات المُهيمن و المُهَيمن عليه.."علي سبيل المثال التناقض بين البورجوازيه و المسرح الطليعي"..لذلك فان التناقض الرئيسي او الجوهري وهو التناقض الطبقي, عادهً ما يدعم تناقضات من الدرجه الثانيه او الثالثه , هذه التناقضات التي تكمن خلف "انقي" الاحكام الجماليه او الاخلاقيه, و يقدمون لنا انفسهم من خلال تعاطف عال او اقل, مفاهيم سهله او مركبه, اساليب بسيطه, او معقده في الحكم علي هذه القيم..

التناقض بين الكثيف و الخفيف "و الذي سيحوي ازواجا من الصفات كما اشرنا سابقا حيث يمكن ان ننسب اليه البطئ في مواجهه المتحرك, او الميت بمواجهه الحي, المعتاد بازاء الاستثنائي..الخ", في مجموعه من استخداماته و خصوصا المدرسيه منها, يفيد في التمييز بين الحس الشعبي او البورجوازي الصغير, بين الحس البورجوازي, يمكن ان يتسخدم بواسطه النقد المسرحي بواسطه القطاع المُهيمن من الطبقه المسيطره لوصف العلاقه بين مسرح "النخبه" المُدان لتظاهره بالانحياز لقيم الشغيله و الكدح, و تعاليمه الجائره, و بين المسرح البورجوازي المثمن عاليا لبراعته, و لقدرته علي النفاذ الي ماهو وراء السطح, و علي النقيض من ذلك, فانى النقد النخبوي و بتحويل بسيط في التوجه, يعبر عن نفس العلاقه بخفه تتسم بالرعونه, و تتناقض مع العمق. بشكل مشابه فانه يمكن توضيح ان التناقض بين اليسار و اليمين, و الذي في صيغته الاساسيه ينشغل بالعلاقه بين المُهيمن و المُهيمَن عليه, يمكنه ايضا ببعض التغيير ان يعيد صياغه العلاقه بين القطاعات المُهيمن عليها, و القطاعات المُهيمنه, داخل الطبقه المهيمنه, كلمات مثل اليسار و اليمين عندئذ سوف تشابه معان قريبه من الوقوف علي اليمين او علي اليسار من خشبه المسرح, و بدرجه اكبر من الانفصال عن معناها الاصلي, يمكنها ان تخدم اتجاها نحو التمييز بين نزعتين متنافستين داخل مجموعه فنيه او ادبيه طليعيه, و هكذا..

و يتلو ذلك, عندما ننظر الي استخدامات هذه الازواج من الصفات المُعرِفه, النظام الذي تكون منه الجهاز المفاهيمي للحس/المذاق, انه يكون بالاساس فقيرا جدا, غير محدد, لكن و بدقه و لهذا السبب فانه قادر علي التعبير او الاستنباط للحس غير المحدد, كل استخدام خاص لواحد من هذه الازواج من الصفات, يعطي معناه الكلي بالعلاقه مع خطاب كوني, يختلف في كل حاله من حالات استخدامه, حيث يكون مُتضمنا في هذا الخطاب العام, انه بالاساس نظام من الايضاحات الذاتيه, و الافتراضات الاوليه التي لا تتم مساءلتها, و لكن كل هذه الازواج و المحدده باستخدامات بعينها, لديها كل النغمات الخفيضه و التي تشكل الاستخدامات الاخري الممكنه, و ذلك بسبب من التماثل بين الحقول التي تُستخدم فيها و التي تسمح بالانتقال بين حقل و اخر, و ايضا بسبب امكانيه التبادل فيما بينها نتيجه للفوارق البسيطه كحاله الكثيف و الخفيف, او الجيد و الخشن..الخ..

حقيقه ان التناقضات نصف المشفره و المحتواه في اللغه تعيد الظهور من جيد, و بقيم متشابهه, كاساس للرؤيه المهيمنه للعالم الاجتماعي, في كل التكوينات الاجتماعيه المنقسمه طبقيا " معتبرهً رؤيه الناس كموضع لكل نزعه غزيزيه او جنسيه غير مسيطر عليها", يمكن فهمها بمجرد ان يدرك المرء ذلك. مُختزلين الي اطارهم التكويني الرئيسي, فان نفس العلاقات الجوهريه و بدقه هؤلاء الذين يعبرون عن العلاقات الجوهريه لمفهوم النظام " العّلي و المنخفض, القوي و الضعيف..الخ", سيعدون الظهور في كل المجتمعات المنقسمه طبقيا, و تكرار البنيه ثلاثيه الابعاد و المُعبر عنها من خلال جورج دوميزيل, و التي تحدث عنها جورج دبي في حاله المجتمع الاقطاعي "البورجوازيه و الاقطاع و الشعب", و سوف تتجذر هذه الثنائيات في مثل هذه البنيه الطبقيه كاحدي سمات التصنيف غير المدركه, مبدأن للانقسام يعملان دوما في كل المجتمعات الطبقيه, انقسام بين المُهيمن و المهيمن عليه, او الانقسام الثنائي الاخر داخل حقل الهيمنه ذاته, المحاربون و العلماء داخل المجتمع الاقطاعي, او رجال الاعمال و المثقفون في المجتمع البورجوازي..

1-يسعي المنظور الادراكي في العلوم الاجتماعيه الي التشديد علي دور الوعي في صياغه الظاهره الاجتماعيه بشكل و طبقا لبورديو يعطي له اولويه علي موضوعيه هذه الظاهره..
و الذي في كل من صيغته الاثنولوجيه, و الاجتماعيه يتجاهل سؤال كيفيه تشكل الابنيه الذهنيه, و كيفيه تصنيفها..و بالقطع لم احاول الدخول في عمق معني المنظور الادراكي بالنسبه للعلوم الاجتماعيه , فهذه مساله تحتاج كتابه منفصله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فندق فاخر في أبوظبي يبني منحلًا لتزويد مطاعمه بالعسل الطازج


.. مصر تحمل إسرائيل مسؤولية تدهور الأوضاع الإنسانية بغزة | #راد




.. نتنياهو يزيد عزلة إسرائيل.. فكيف ردت الإمارات على مقترحه؟


.. محاكمة حماس في غزة.. هل هم مجرمون أم جهلة؟ | #حديث_العرب




.. نشرة إيجاز - أبو عبيدة: وفاة أسير إثر قصف إسرائيلي