الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هداية الملحدين وتنوير المتدينين

حمودة إسماعيلي

2013 / 10 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا يفصل بين التعصب والبربرية إلا خطوة واحدة
دنيس ديدرو

ينقسم البشر ثقافيا لفئتين : فئة لا تقدر على استيعاب العالم دون وجود اله (خالق له) يسهر على تنظيمه، و فئة أخرى تعجز عن ادراك وجود قوة غيبية تتحكم بتنظيم الكون، لدى فإنها ترفض أن تعترف باله حاكم للطبيعة غير القوانين الفيزيائية. أما البقية الباقية فإنها : إما لا تهتم بكلا الموقفين، فالقمح والزيت أو الجنس أهم لديها من وجود اله من عدمه ! أو أنها على استعداد لتكون مع الأغلبية، مع أي منهما تكسب ود الأغلبية.

عقلانيا يتم نشر أي فكر هادف بالدعوة إليه وعرضه على الناس، ومن تعجبه المادة المعروضة فإنه ينضم أو يعتنق المفاهيم المقدمة إليه (نظرا لأنه يرى أنها تفيده). وهكذا كانت بداية أغلب الأفكار الدينية والسياسية عبر التاريخ (التسلط والاكراه يتم بعد أن تترسخ هذه الأفكار لدى الأغلبية، كانتقام مما عانت منه تلك الأفكار ببدايتها وما لقيته من قمع بحقها عند رغبتها بالانضمام للساحة السوسيوثقافية).

بداية بالوثنيين وقمعهم لليهود والمسيحيين، واليهود وقمعهم للمسيحيين، والمسيحيين وقمعهم لليهود والوثنيين، والوثنيين وقمعهم للمسلمين، مرورا بالمسلمين و"أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام. وحسابهم على الله تعالى" (رواه البخاري ومسلم)، ظل المشهد الذي تنقلب صورته باستمرار هو عدم السماح بنشر الأفكار والدعوة إليها، كتاجر يرفض أن تباع أي مادة بالسوق غير المواد التي يملكها.

وكأمانة فكرية فإن الرؤية السابقة عن القمع الإسلامي لها رؤية خاصة حسب الباحثين المتدينين، نقرأ في الشرح الذي يتطرق لتوضيح هذه النقطة : "إن انقسام الناس إلى مصدّق ومكذّب، ومؤمن وكافر، أمر حتمي تجاه كل ما هو جديد، وتجاه كل دين أو معتقد، وإذا كان انقسامهم أمرا لازما؛ فإنه يجب على ذلك الدين أو ذلك المعتقد أن يتعامل مع كلا الفريقين، وجميع الطائفتين، وهذا عين ما جاءت به شرائع الله عز وجل، ومنها الإسلام. لقد أمرنا الله تعالى في دين الإسلام أن ندعو المعرضين والمكذبين بالحسنى، وأن نجتهد في ذلك، بل أن نجادلهم بالتي هي أحسن، فإن أبوا، كان لزاما عليهم ألا يمنعوا هذا الخير من أن يصل إلى غيرهم، ووجب عليهم أن يفسحوا لذلك النور لكي يراه سواهم، فإن أصروا على مدافعة هذا الخير، وحجب ذلك النور، كانوا عقبة وحاجزاً ينبغي إزالته، ودفع شوكته، وهذا مما أشار إليه النبي"(1) أي الحديث الذي ذكرناه سابقا.
فرغم أن الشرح يناقض الحديث (فهو في وادي والحديث في وادي)، ورغم أن بعض كبار الفقهاء كأبي حنيفة لم يعتمدوا الأحاديث كمرجع، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو : هل جميع المتدينين عامةً والمسلمين خاصةً يعتنقون تلك الرؤية التي طرحها الشرح ؟

عندما يجمع الإنسان أو مجموعة من البشر أفكارا معينة (كأيديولوجية) قادرة على منحهم اجابات على كل تساؤلاتهم وتصوراتهم لمناحي الحياة (مامعناه أنهم امتلكوا الحقيقة)، فإنهم يضعونها بحظيرة كما يضعون مجموعة من الخرفان ويغلقون عليها وعلى انفسهم داخلها. ليصبح عالهم هو حدود تلك الحظيرة المسيجة فقط، ويصير كل ما يوجد خارجها أو له صلة بما هو خلف حدودها، خطرا يهدد أمنها ! . هنا تنشأ الدوغمائية (الجمود الفكري).

أي فرد من المجموعة سيرغب بترك الحظيرة أو سيفطن إلى أن هناك عالم آخر بالخارج أو سيجد أن نمط العيش داخلها لم يعد مجديا، فإنه سيُعاقب وسيُرفض طلبه طبعا ! لأنه بتصرفه هذا قد يجر ويلات على أمن الحظيرة إما بتقليد الآخرين له (أو بعضهم) وترك المجموعة، أو بتسرب مخربين إثر فتحها، أو بعودته هو لتدميرها إن وجد أن معارفه لا يستحقون أن يظلوا هناك. ونظرا لتصور أن هناك تهديد خارجي بتدميرها فإن هذه الجماعة الساهرة على حماية الحظيرة، ستبدأ بالتخطيط لكيفية زيادة قوتها، حتى تستطيع القضاء على كل من يوجد خارج حدودها لأنه يشكل تهديدا، إلا في حالة انضمامه والرضوخ لشروطها وقوانينها واعتناق ايديولوجيتها.

هذا ما يفعله الدوغمائيون أكانوا أرثدوكسيين أو جهاديين أو نازيين، فهم لا يختلفون "كمحكمة تفتيش" لها أسماء متنوعة.

إن الملحدين يرون المتدينين كمُنوَّمين مغناطيسيا، والمتدينين يرون الملحدين كقاصرين عقليا (التهديد لم يعد بين الأديان فيما بينها بقدر ما أصبح بين الدين والإلحاد كخطر! ). فكيف ينتظر المتدين من هداية الملحد الذي يراه كشخص متخلف فكريا أو مضطرب عقليا ؟! وكيف ينتظر الملحد من تنوير المتدين الذي يراه كشخص يتخبط في الظلام ؟!

إن الحقائق تفرض نفسها، كما يفرض المطهّر الفعال قوته على الجراثيم. لدى فإن الدوغمائيين "سجناء الحظائر" من يتجولون بالمواقع المخالفة لتوجهاتهم الفكرية، والخاصة بنشر أفكار معينة حتى يتسنى لمعتنقي فكر شبيه التعبير عن ذاواتهم، الذين يسعون لدحض أي فكر مخالف لهم حتى لو كان يُنشر بمنطقة بعيدة عن حظيرتهم. إنما هم مثل من يزور موقعا إباحيا ليضع له تعليقات مفادها أن ما يقومون به يعتبر "عيبا" ويلزمهم أن يستتروا !! . إن الزيارة واضافة التعليق كافية لاظهار أن عملهم ناجح، ما سيدفعهم للاستمرار وزيادة الانتاج، ففشلهم مرتبط بتجاهلهم وليس بالمنظور الأخلاقي للزبون ! .

لأنه سبق ولمحنا بعض المُعلِّقين "المتدينين" الذي يطلبون من موقع ما حذف مقال أو يقومون بشتم وسب كاتبه لأن المقال يتضمن افكارا ضد الدين أو يدعُ للعلمنة، والكارثة أن الموقع "علماني" ويضع "العلمانية" كلافتة بأعلى صفحته لتوضيح أن الموقع مخصص لهذا النوع من الأفكار. فالأمر شبيه بمن يقوم بسب الكتاب وشتمهم لأنهم ينشرون أفكارا دينية ويدعون إليها بموقع "إسلامي" أو "مسيحي" ! . إن لم ينشروها بموقع مخصص لما يدافعون و يدعون له، أين تريد أن ينشروها ؟! بسطوح منازلهم ؟!! .

إن مُعلِّقاً غبيا قادر على خنق كاتب ببداية مشواره خاصة لو كان حساسا من جهة النقد. لأن تسخيفا لأفكاره وتحقير لمقاله قد يسبب له صدمة، خاصةً إن كان أول مقال له ! وهذا نظرا لأن المُعلِّق يجد ما وصفه الكاتب لا يتلائم مع الثمار الفكرية التي التهمها بحظيرته ! . فمثل هذا النوع قادر على دحض نظرية فيزيائية بقصيدة شعرية كتبها جاره بتلك الحظيرة، وليس بنظرية فيزيائية أكثر تماسكا !! .

لا يمكن تخيل "المتدين" كيف يبدوا حينما يحاول أن يقنع "ملحدا" بنصوص معينة، وهذا الأخير ليس فقط غير مقتنع بصحتها بل يرى أن حتى كاتبها لم يوجد أصلا (كشخصية خيالية) ! . كما لا يمكن تخيل "الملحد" كيف يبدو بنظر "المتدين" وهو يحاول تنويره، وهذا الأخير يراه كأبله يعاني من شيء ما بعقله ! .

يجب عرض الأفكار مثل ما تُعرض الأغراض بالسوق، من يرغب بغرض ما سيأتي ليقتنيه. فلنتخيل سوقا يقوم فيه البائعون بإمساك أي زبون يمر بالقرب من المحل ويهددونه : بإما أن يشتري منهم أو سيقطعون أصابعه !! . أما إن هرب الزبون لمحل آخر، فطبعا سيقوم (البائع) بحرق ذلك المحل (الذي لجأ اليه الزبون) ! .

تباً إن هذا هو ما حصل بتاريخ السوق الفكري ! .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :

1 : موقع مقالات إسلام ويب - حديث : أُمرت أن أقاتل الناس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 10 / 18 - 22:53 )
تم التعليق في خانة الفيس بوك , و السبب : سعة حجم الكتابه .


تحياتي المخلصه


2 - كم ينطبق وصفك على عبد الراوي
أمل مشـرق ( 2013 / 10 / 19 - 04:39 )
سيد حمودة، تقول
إن مُعلِّقاً غبيا قادر على خنق كاتب ببداية مشواره خاصة لو كان حساسا من جهة النقد....... وهذا نظرا لأن المُعلِّق يجد ما وصفه الكاتب لا يتلائم مع الثمار الفكرية التي التهمها بحظيرته
انتهى
كم ينطبق وصفك هذا على المعلق رقم واحد المدعو سيد عبد أبو بدر ون سلفر..ولكنك ما شاء الله لا ينطبق عليك وصف الكاتب المبتدئ فقد سفقت عبد تحليل نفسي أكاديمي عميق يمكن أن تنال عليه درجة بروفسور إذا نشرته في مجلة طبية.... لمدى علميته وإصابته كبد الحقيقة، بل مرارتها وطحالها ههههههه
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=378115
تحية


3 - رائع
ميس اومازيغ ( 2013 / 10 / 19 - 09:52 )
تحليل رائع شكرا على مجهوداتك.

اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah