الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يستطيع النهوض بالمجتمعات العربية؟ - السؤال الخاطئ

نضال الربضي

2013 / 10 / 18
المجتمع المدني


من يستطيع النهوض بالمجتمعات العربية؟ - السؤال الخاطئ

ربما أن السؤال في حد ذاته و إن كان طموحا ً جدا ً يحمل في ذاته رغبة الخير و النهوض إلا أنه خاطئ ٌ تماما ً، فالسؤال يجب أن يكون "كيف تنهض المجتمعات العربية؟"

إن الصياغة الأولى للسؤال صياغة تلقائية عفوية ناتجة من الموروث التربوي في بيئاتنا العربية الذي يركز على القائد أو النبي أو البطل، و يجعل منه محرك الفعل و الفاعل الذي تدور حوله الأحداث بينما الأخرون يستمدون إلهامهم و قدراتهم من هذا الشخص الأوحد الذي يحمل في عقله مفاتيح الحل، و طريقة الحل، و يملك الحكمة و القدرة و القوة ليحشد الناس و ليبدأ بالحل و ليضمن استجابتهم و رغبتهم في العمل معه و ليعمل بهم و ليستديم العمل و ليُتمه بواسطتهم إلى نهايته.

بينما يخبرنا التاريخ الحديث و يعلمنا بدرس ٍ لا مجال للشك فيه أن الشخصية الفردية لا يمكن أن تقوم عليها مجتمعات تتمكن من تسيد الحضارة أو تشارك فيها بشكل فعال دائم (و لنضع تحت كلمة دائم عدة خطوط لنركز عليها)، فأفكار القائد أو النبي أو البطل هي أفكاره الشخصية المُلزمة له حسب رؤيته و قدرته على التفكير و حسب حساسية عقله العلمي أو مجموعه العصبي أو كلاهما، فقد يأتي بفكرة عبقرية فذة تلتف حوله من أجلها الجماهير، حتى إذا ما عاد للتراب بعد نهاية عمره البشري أتت أجيال جديدة وجدت أن الفكرة السابقة لم تعد تُلائم عصرها و زمنها ولا تلبي حاجاتها الديناميكية بحسب قانون الحياة المتغير.

كما أن الالتزام بأفكار القائد أو النبي أو البطل إلى ما لها نهاية ستجر صراعات كبيرة بين الأجيال، فبعد أن يٌعلن أول فرد ٍ أن الحل القديم للمشكلات الحديثة غير جيد حتى تنفتح أبواب المعارك الفكرية من الذين ما زالوا عقائدين بالعاطفة تجاه قائدهم الأول أو نبيهم الأعظم أو بطلهم الأوحد، و هنا أنا لا أتحدث عن الدين فقط كما سيُسقط التفسير كثيرون على أنه التفسير الوحيد، لكني أشمل أيضا ً مع الدين قادة عسكرين و سياسين و رموزأنظمة أشتراكية أو ثورية أو رأسمالية أو فلسفية من أمثال ستالين و ماو و جيفارا و شافيز و نيتشه و سبينوزا (دون ترتيب)، فالجميع معني بهذه الفكرة لأن الجميع مُتأثر بها و خاضع لها بشكل أو بآخر.

و تبدو خطورة الوضع أكبر ما تكون عندما تحاول عقيدة دينية أن تسيطر على مسار المجتمع السياسي و الاقتصادي، شأنها شأن عقيدة سياسية تحاول السيطرة على مسار المجتمع الديني الفردي و الاقتصادي، لأن كلتا العقيدتين الإقصائيتين سوف تدخلان في حرب الاقتصاد و السياسة ضد الدين و الفردية الشخصية، و هذه الأربعة هي أصلا ً مُتكاملات ٌ في المجتمع المدني الحر و متوازيات ٌ في مجتمعات العولمة، فالأصل ألا تتدخل السياسة في دين الناس، و ألا يتدخل دين الفرد في سياسة الدولة، و أن تجتمع السياسة مع الدين لخدمة الفرد و إعلائه فوق أي قيمة أخرى.

في مجتمعاتنا العربية بشكل خاص يتحول الحديث عن أهمية التنمية و استغلال الطاقات البشرية بطريقة صحيحة و تأهيل الفرد فكريا ً بتنويره و توسيع آفاقه و الاعتراف بدوره ضمن منظمومة بشرية مُتكاملة تراه إنساناً ، أقول يتحول هذا الحديث إلى معركة عقيمة بمجرد أن تتدخل الجماعات الإلهية الموكلة بتفسير دستور الله و الحفاظ عليه لتبدأ بالحديث عن الأخلاق و الفساد و الانحلال الذي ستجره علينا عملية التنمية، بينما لم يخض أحد في الأساس في موضوع الأخلاق الذي لا علاقه له هنا بإعادة تأهيل الفرد علميا ً و منطقيا ً و تنويريا ً، لكن الوصاية لا بد أن تأخذ شكلها، و لا أفضل و لا أسهل و لا أضمن من الشرف للحديث عنه.

بينما في المجتمعات الغربية يأخذ هذا الحديث منحى ً آخر مختلفا ً تماما ً حيث أن الطرف العارض لفكره و الراغب في تطبيقه و قبوله من المجتمع (و أقول قبوله و لا أقول فرضه فلا مكان للفرض بالقوة هناك) يبدأ في حشد البراهين و الحجج المجتمعية و الاقتصادية و العلمية التي تدعم مشروعه، و يراقب بدأب و ترقب و دراسة الحجج المضادة و البراهين الضاحدة المقابلة و الآلية التي سيتخذها خصمه ذاك الذي يرغب في تطبيق مشروع آخر، أما المجتمع فيرى هذا و ذاك و يأخذ من هذا و يرد على ذاك و يأخذ من ذاك و يرد على هذا، و قد يأخذ منهما من كُل ٍّ بقدر، و قد يردهما بالكلية، لأنه مجتمع مدني علماني حر يُحسن تقيم حاجاته و يأخذ ما يناسب حاجاته و يرد ما لا يناسبه و يبقى مفتوحا ً على الاحتمالات مع كونه مالك نفسه في كل هذه الدورة التي لا تنتهي و التي هي دورة صحية بكل المقايس.

فلنعد إلى سؤالنا الثاني "كيف تنهض المجتمعات العربية؟" و الذي قد ألغى إلغاء ً تاما ً فردية الفعل و دكتاتورية الفاعل الأوحد في السؤال الأول غير المنطقي.

تنهض المجتمعات العربية عندما تُحس الشعوب العربية أن حاجتها هي في العلمانية مُلباة، فتقوم بتأسيس الأحزاب الفاعلة التي تستطيع التأثير في الجماهير لتمارس ديموقراطياتها المتاحة و تبني عليها و تمضي بها قدما ً حتى مرحلة الدستور العلماني الذي لا توجد فيه كلمة "دين الدولة"، لأن وجود هذه المادة في الدستور هو تفويض لتجار الوكالة الإلهية لركوب ظهور الناس و العباد و التسلط عليهم في دنياهم و دينهم و آخرتهم، و صاحب هذ القلم من المؤمنين بالله لكنه من غير المؤمنين بأوصياء الله و تجار دين الله و راكبي ظهور الناس باسم الله.

تنهض المجتمعات العربية عندما لا ترى الناس حاجة ً لتؤكد في الدستور أن مواده مُستمدة من الشريعة، فالشريعة حمالة أوجه و لها تفسيرات فقهية مُختلفة و ربما مُتضاربة في بعض الحالات و فيها تيسير يجعله تجار الدين تعسيرا ً بضيقهم و ضحالة فهمهم، و يُسخرونه لضرب الناس بعضهم ببعض و اضطهاد فئة منهم و يعطيهم حقا ً موازيا ً لحق الدولة في التشريع و دستورا ً غير مكتوب موازيا ً لدستور الدولة و يجعل من ولاء الناس ولائين واحدا ً غامضا ً هلاميا ً للدولة و الآخر غامضا ً هلاميا ً آخر لدستور الله الذي فسره وكيل الله على الأرض، و تكوين النتيجة ولائين ليس أحدهما بولاء بدل ولاء ٍ واحد للدولة لا يتعارض مع العقيدة الفردية التي لا شأن لها بكل هذه الأمور الحياتية و الاقتصادية و السياسية.

بعد أن تكتب المجتمعات العربية دساتيرها حسب حاجتها تستطيع بكل جرأة و إقدام أن تصحح الخلل الفظيع في مناهجها التربوية في المدرسة و الجامعة فتبدأ بالمواطنة و تعريفها أن الإنسان العربي هو مواطن و ليس مسلم أو مسيحي، هو مواطن جنسيته هي كذا في وكن كذا، أما دينه فلا شأن له بالعملية التربوية، هناك مادة التربية الدينية فليبقى الدين فيها و ضمنها و لا يخرج أو يتعدى على الرياضيات و العلوم و الفيزياء و الكيمياء و كافة العلوم الأخرى، و لتكن مخرجات التعليم علمية ً بحتة و ليست دينية و لتكن أيضا ً مربوطة ً باقتصاديات السوق و حاجة سوق العمل، حتى تتحدد قيمة الفرد بإنسانيته في المجتمع و يصبح الشرف مفهوما ً مقدسا ً مُرتبطا ً بإنتاجه في المجتمع و ليس بحضورة المسجد أو الكنيسة، و ليكن حضوره في كليهما أمرا ً خاصا ً به و حقا ً له لا سيفا ً يحمله في وجه المجتمع لتثبيت قيمة ٍ لا يمتلكها.

و حتى تنهض المجتمعات العربية ينبغي أن تُدرك المجتمعات العربية أن أوضاعها الاقتصادية تحدد مكانتها العالمية بين الأمم، و بالتالي لا بد و يجب و لا بديل عن الإتجاه للاقتصاد و دراسة كافة جوانبه و أسباب تعثره و وضع الخطط لتصويب هذه الأوضاع و تشجيع الاستثمارات المحلية قبل كل شئ و الغير المحلية (حسب الفائدة لنا و ليس حسب الرشوة التي يدفها المستمثر ليبلع الأوطان)، و العمل على استراتيجيات مُستدامة للسنين الخمس و العشر و الخمسين القادمة لتحديد مخرجات إنتاجية و اقتصادية داعمة لخزينة الدولة دعما ً دائما ً لا مؤقتا ً و تحديد آليات التنفيذ و المراقبة للمراحل و آليات التصويب، بناء ً على نظام مؤسسي يعتمد على المؤسسة لا على الفرد و على الخطة و المشروع و الاستراتيجية لا على المُنفِّذ و شطارته.

نحتاج للخروج من عباءة عبادة الفرد إلى ثقافة الإنسان المُنتج، حيث نقف بأجمعنا متساوين أمام دستور ٍ هو عقد اجتماعي نرتضيه كلنا لا يجعل لأحد حبلا ً على عنق الآخر و لا بردعة ً على ظهره بأي اسم كان، حتى نمضي نحو الإنسان و نحو الإنتاج و نحو النهوض الشامل بالإنسان.

العلمانية هي الحل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر ينهي خطة ترحيل اللاجئين ?


.. شاهد| نقل نساء وأطفال أصيبوا في قصف إحدى مدارس الأونروا وسط




.. صعود اليمين في الانتخابات العامة يثير قلق المهاجرين في فرنسا


.. عبور الصحراء أخطر على المهاجرين من عبور البحر




.. كير ستارمر ينهي خطة ترحيل اللاجئين من بريطانيا إلى رواندا