الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفضيلة والإرهاب

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2013 / 10 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



إن أســــوأ ما يحدث لرجل يقود حزباً متطرفاً، هو أن يجد نفسه مضطراً لاغتصاب نظام حكم في لحظة يكون فيها الشعب غير مستعد لقبول سلطة متطرفة...
الشعب التونسي شعب مسلم ، ولكنه ليس شعبا عنيفا. والسكان الذين أعطوا أصواتهم في إنتخابات 23 أكتوبر لحركة النهضة لم يتوقعوا أنها ستشن عليهم حرب مسلحة، قبل كتابة الدستور !
ففي تونس هنالك نسبة تمدرس عالية جدا ، وهنالك قيم مدنية راسخة. ونخبة حداثية مؤثِّرة جدا. وملايين البشر الحاصلين على شهادة الباكالوريا و أصحاب شهادات جامعية عليا. وحركة ثقافية محترمة. وحركة نسوية متقدمة جدا. وحركة نقابية وحقوقية عريقة. ومجتمع مدني قوي ومتماسك .. بحيث يصعب على الإرهاب أن يتحول إلى أسلوب حكم ونمط حياة .. ولعل أكثر الناس وعيا بهذا الأمر هو الشيخ راشد الغنوشي ، وقد شرح ذلك علنا في الفيديو المشهور ، حيث يحث الجماعات الأكثر تطرفا على الآنتشار في المجتمع وإقامة المدارس والمخيمات والآستعانة بالدعاة التكفيريين ..

لقد كان واضحا من خلال ما صرح به في ذلك الشريط أن الرجل مسكون بالخوف من الإدارة العصرية الخارجة عن تحكمه ، وبالخوف من ضغط الوقت. وفي هذا السياق تندرج خطة تشكيل جيش إرهابي متعدد الأفواج والمهام ، بدءا بالخلايا المندسة في جمعيات خيرية ، مرورا بروابط حماية الثورة ، وصولا إلى الفيالق المسلحة المحترفة والمدربة تدريباً مهنيا عاليا على فن القتال ضد الجيش والشرطة، طبعا مع مراعاة القواعد الدقيقة للعمل السري. وهكذا سرعان ما سقط القناع ، وتخلى حزب حركة النهضة في منتصف الإمتحان عن "مبدأ الديمقراطية" الذي زرع به الوهم ، وأسس به هيئة 18 أكتوبر قبل الثورة ، وجمع به أصوات الإنتخابات ، وجرّ به حزبي المؤتمر والتكتل إلى المستنقع .

مبدأ الديمقراطية يحتم على حركة النهضة النشاط العلني السلمي وعدم الاعتداء على بقية الأحزاب وإحترام آراء الخصوم ، والتمسك بالإنتخاب في مناخ الأمن والسلم كوسيلة للوصول إلى السلطة، وهذا أسلوب غير ناجع بالنسبة لحزب متطرف يتهيأ لحكم مجتمع مناهض للتطرف، وقيادة دولة عصرية الملامح خارجة على دائرة تحكم حركة النهضة (باعتراف رئيسها). ولذلك إختار الخروج على الدولة والمجتمع معا شاهرا السلاح في جبل الشعامبي وغيره. مستخدما في الوقت عينه، "الفضيلة والإرهاب": الفضيلة التي بدونها يكون الرعب مشؤوماً، ومفضوحا ومرفوضا، ولذلك يتظاهر وزراء حركة النهضة ومتكلموها بمناهضة العنف، والتباكي على ضحاياه والمشي في جنازات الشهداء . والرعب الذي بدونه تكون "الفضيلة" عاجزة. أي تكون بمفردها غير ناجعة للاستيلاء على الحكم في أي إنتخابات مقبلة، خصوصا في ضوء الجبهات السياسية التي تقوم من حول حركة النهضة لإسقاطها عبر صندوق الإقتراع .

إن لجوء قيادة حركة النهضة إلى الإرهاب لا ينبع فقط من يأسها من إذعان التوانسة لحكم إستبداد ديني ، خاصة بعد ما جرب الشعب سياساتها، بل أيضا لأن الإرهاب جزء من فلسفة قيادة الحركة بوصفها قيادة أصولية سلفية تكفيرية عنيفة، تجر آلاف الناس وراءها باستخدام كذبة تبنيها للديمقراطية. وكذلك من المساوىء الشخصيته لهذه القيادة وطباع الغلظة والحقد على العقلانية والآنفتاح والذكاء التونسي وعلى كل مظاهر الفرح بحكم سنوات السجن والإضطهاد التي تعرضت لها في إطار صراعها على السلطة مع النِّظام البائد. وكما أسقطت قناع الديمقراطية، بانتهاجها أسلوب الإرهاب، أسقطت أيضا قناع الإسلام ، بحيث نراها الآن بصدد تدمير كل ما يوجد من نبل ومثالية وتسامح وصدق وسماحة في الاسلام .. وما من شك أن أي حزب سياسي في العالم يتهيأ لحكم أمة ، إلا وكان يحمل مشروعا أخلاقيا لذلك المجتمع ، سواء كان مشروعا دينيا أو مشروعا زمنيا (دنيويا) . وما أن يسقط من مفرداته وأسلوبه وسياساته مشروعه الأخلاقي حتى يتحول إلى عصابة منحرفة . وهذا ما سيحول حركة النهضة كلما أمعنت في الجنوح إلى السيطرة على المجتمع بالعنف إلى جهاز عسكري لمجموعة من قُطَّاع الطُّرُقْ بعيدة كل البعد عن معايير السياسة و أسس الأخلاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah


.. 178--Al-Baqarah




.. 170-Al-Baqarah