الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انجاز المرأة الكويتية واشكاليات الديمقراطية في المنطقة

سردار عبدالله

2005 / 5 / 30
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


عجيب امر هذه الدولة، وعجيب ايضاً امر شعبها، لذا فليس من المستغرب ان يصطبغ حياتها ونظامها السياسي، وكذلك معاركها بقدر كبير من العجائبية. عندما دخل صدام في تلك الصبيحة الدامية من آب 1990 الكويت العاصمة، لم يجد هناك العدد المطلوب من العملاء والجحوش(وهذه كلمة كردية تطلق على الخونة)، يكفي للسيطرة على امور البلاد التي احتلها. لذا كان لابد له من اللجوء الى اللغة الوحيدة التي يفهمها ولايعرف غيرها، الا وهي القوة الفظة. وهنا سقطت سطوة الجيوش الجرارة العمياء امام ارادة الشعوب والارادة الدولية. لم يكن هذا الاّ كمثال على هذه العجائبية التي تهيمن على الوان اللوحة الكويتية، فجاءت معركة المرأة في سبيل تأمين حق المشاركة في الانتخابات العامة ترشيحا وتصويتا، معركة عجيبة من جذورها، فبينما كان النظام وامير البلاد يصران على هذا الحق، كان البرلمان الذي هو بمثابة المؤسسة الديمقراطية الضامنة للحقوق والحريات، يقف حائلا امام احقاق هذا الحق.
ان ما حدث في ذلك اليوم التاريخي من مايو الحالي تحت قبة البرلمان الكويتي لم يكن في الحقيقة الاّ تتويجاً لنضالات مضنية مستمرة، فجاء مكملاً لما انجزته المرأة الكويتية من تقدم في مجالات عدة في الحياة السياسية والثقافية والاكاديمية والفنية الكويتية. لذا نرى ان تصويت البرلمان الكويتي بالاغلبية الكبيرة على منح المرأة الكويتية حق المشاركة في الانتخابات، لم يأتي ليؤمن للمرأة في الكويت حقوقها، او يمنحها الارضية للتأهل للمطالبة ببقية الحقوق، بمعنى آخر لم تكن المرأة الكويتية تجلس منتظرة، هذه الموافقة لتبدأ مسيرتها في ممارسة دورها والمشاركة في الدولة والمجتمع، بل على العكس فإن قرار البرلمان الكويتي جاء كنتيجة للتقدم الذي احرزته المرأة الكويتية في سائر مجالات الحياة الاخرى. ونتيجة للنضالات الطويلة التي خاضتها المرأة والقوى الاجتماعية والسياسية الكويتية التي آمنت بمساواة المرأة مع الرجل، وهنا لا بد من الاشادة بموقف امير البلاد الداعم لهذا الحق في هذه المعركة الشرسة الطويلة. فالمرأة في الكويت لم تنتظر في البيت ليأتي قرار البرلمان ليسمح لها بممارسة حقها في الابداع والمشاركة في الحياة السياسية والثقافية، لا بل وحتى الاقتصادية، وعلى هذا الطريق قد افرزت اسماء كبيرة حتى على مستوى المنطقة كلها وفي مجالات مختلفة. فبعد كل هذا التقدم الكبير وهذه الانجازات الهائلة التي حققتها المرأة الكويتية في كل مجالات الابداع، وبعد الانجاز الهائل الذي تحقق للمرأة العراقية وبهذا الحجم الغير مسبوق للمشاركة في الحياة السياسية، كان من المستحيل على القوى التي وقفت حائلاً امام احقاق هذا الحق المشروع طيلة هذه السنوات، ان تستمر على موقفها، فكان لا بد لها من ان ترضخ وتقبل بالامر الواقع.
من هنا يطرح التطور الذي شهده البرلمان الكويتي هذا الشهر اشكاليات عدة لا يمكن التهرب من استحقاق مواجهتها والتعامل معها. فما هي العلاقة بين ما حققته المرأة العراقية بعد سقوط صدام وبين ماتحقق للمرأة الكويتية هذا الشهر؟ وهذا بدوره يطرح اشكالية العلاقة بين ماحدث في العراق وبين مايحدث في المنطقة برمتها على الاصعدة الاخرى، ويفجر من جديد مشكلة الاصلاح ويضعها على المحك الذي لا مفر منه، على انه يفجرها هذه المرة بكل اسئلتها ليكشف متاهاتها وخفاياها. وعلى نطاق اكثر تحديداً اي على نطاق الكويت الداخلي، يضع الاسئلة المؤجلة للديمقراطية الكويتية امام اللحظة الحرجة التي لا بد من مواجهتها. فالعملية الديمقراطية اوقضية الحريات عموما في الكويت، تصطبغ بالعجائبية التي تحدثنا عنها في البداية ويبدو انها اصبحت تلازم الكويت كقدر محتوم. فلا احد يستطيع ان ينكر ما تتمتع به الكويت من حريات في مجال التعبير عن الرأي وخصوصا الحريات الصحفية، هذه المساحة من الحريات التي كان لا بد منها لبناء صحافة متقدمة قوية، ومشهود لها على مستوى المنطقة كلها، وهذا ايضاً هو سر التقدم الذي تشهده الحياة الاكاديمية والثقافية في الكويت... وليس هناك ايضاً من يستطيع ان ينكر بأن الكويت تمتلك ومنذ سنوات طويلة، برلمنا منتخبا وان هذا البرلمان دخل وباستمرار في سجالات ومعارك حقيقية مع الحكومة، وحتى مع شخص امير البلاد، ولكن كل هذا كان ولا يزال يمارس في ظل غياب مطلق للاحزاب السياسية. ان هذا الامر يضعنا وجها لوجه في مواجهة اشكالية مهمة جداً وهي، هل ان الديمقراطية الكويتية هي انعكاس للعجائبية الكويتية، ام انها جاءت كولادة طبيعية وعلى مراحل كان لا بد من المرور بها طبقاً لحالة الخصوصية الكويتية؟
فعلى الرغم من التأخير الكبير الذي شهده اصدار القرار التاريخي للبرلمان الكويتي، إلاّ ان الجانب المهم والمضيئ في القضية هي ان القرار لم يأتي مفروضاً بصورة فوقية، بل جاء نتيجة صراع طويل ومرير، اسبغ على المشهد الكويتي نكهة ديمقراطية واضحة، فالعملية مرت من خلال صراع ديمقراطي حقيقي لم تستخدم فيه السلطة السياسية، او النظام الحاكم سلطاته بصورة تعسفية لفرض رؤيته ووجهة نظره، وانما جاء نتيجة معركة حقيقية تجاوزت اروقة البرلمان وكواليس العمل السياسي الخلفية، لتصل وبامتياز الى الشارع الذي شارك بطريقة ممتازة في معركته المصيرية هذه. اياً كانت الاجوبة على كل التساؤلات التي طرحناها، وكذلك التساؤلات الكثيرة التي لم نطرحها بعد، فإن الحقيقة التي ليس لها من مهرب هي، ان كل هذه الامور مرتبطة ببعضها البعض وبصورة حياتية لا فكاك منها، وان الاصلاح السياسي مطلب ملح لا يمكن التهرب منه ومن استحقاقاته الكثيرة المتنوعة بأي شكل من الاشكال. والمؤكد هو ان ماحدث في العراق يضع المنطقة برمتها امام مرحلة جديدة تحتم على كل شعوب ودول المنطقة التصدي لمهمة الانفتاح والديمقراطية والشفافية وحكم القانون، ويشكل حقوق المرأة اليوم جزءا حيويا واساسياً من هذه المنظومة المتكاملة، ولايمكن الاكتفاء بأخذ البعض منها ورفض البعض الآخر، والمؤكد هو ان رياح الديمقراطية ستدخل كل بيت من بيوت المنطقة، سواء أشئنا ذلك، ام ابينا، لكن هنالك جزئية هامة ومصيرية على هذا الصعيد يتحدد من خلالها مستقبل النظام السياسي، لا بل وكذلك مستقبل النظام الحاكم في كل من هذا البلدان على اساسها وهي، ان مدى تأثير هذه الرياح سوف يتفاوت في نتائجه وتداعياته طبقاً لحجم الحريات المتاحة في كل بلد من بلدان المنطقة، وعليه فلا يمكن ان تأتي تداعيات هذه العملية الشاملة في بلد غارق في الدكتاتورية والقمع، مشابهة لتداعياتها في بلد كان ولا يزال يتمتع بالكثير من الحريات ومظاهر الحياة الديمقراطية البرلمانية. من هنا تأتي اهمية ما حدث اواسط هذا الشهر في مبنى البرلمان الكويتي، فهو يطرح من الاشكاليات اكثر مما يحل، ويفرض من التحديات اكثر بكثير مما انجز، فالكويت التي تمتعت وسط بحر الاستبداد في المنطقة طيلة السنوات الماضية بقدر غير قليل من الحرية ومظاهر الحياة البرلمانية والديمقراطية، موعودة بتحولات كبيرة على مستوى تجربتها الديمقراطية وكذلك على مستوى نظامها السياسي، ولا يمكن ان يتأخر التحول الديمقراطي في تركيبة النظام السياسي الكويتي المؤهل اصلاً لمثل هذا التحول سنوات طويلة، كما حدث مع قضية مشاركو المرأة في الانتخابات، وكما ان ما حققته المرأة الكويتية سيفرض ظلاله على المنطقة واحوال المرأة فيها، فان نجاح التحول الديمقراطي الحالي في الكويت سيلقي بضلاله القوية على المنطقة كلها، من هنا يأتي التحدي الكبير الذي تواجهه النخبة السياسية الكويتية، في التصدي لاستحقاقات تطوير العملية الديمقراطية في الكويت بحيث تواكب متطلبات الديمقراطية الحديثة، وكذلك تستجيب لطموحات واحلام الكويتيين، وحتى لا تشهد الكويت تأخراً آخر في طريقها المؤدي الى التطور والديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصحفيات في غزة تحت النار في ظل سياسات القمع والتمييز


.. الصحفية غدير بدر




.. كيف تؤثر وسائل التواصل على نظرة الشباب لتكاليف الزواج؟


.. الصحفية غدير الشرعبي




.. لوحة كوزيت