الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروب الرياحين

أشرف العوضي

2013 / 10 / 21
الادب والفن


دروب الرياحين - حصاد الزيارة . 1.
المسافة من مسكنى فى قلب المنصورة الى مسقط راسى خلف النهر حيث تعيش امى كان قبل سنوات حقولا شاسعة من القمح والذرة الان اصبحت كتل خرسانية ونتوءات من الطوب الاخمر كبثور الوجه تخترق خضار البرسيم وهشاشة سيقان الفول
اما النهر الذى كان جبار عتيا نظيفا وانا اقف فى حضرة شموخه وعنفوانه صغيرا وفى يدى سنارة البوص اهاب جنياته واخشى قاعه المظلم وتماسيحه التى لم ارها الا فى حكايات جدى اصبح كهلا واهنا بالكاد يمشى
ورغم ان بيتنا هو الاخر تبدل واصبح بناية حديثة حل محل البناء العريق الذى بناه جدى قبل ستين سنة واختفت رائحة الهواء المنعش الذى كنت اشعر به يلفح وجهى كلما ابتلعنى وسط الدار لتحل محلها روائح معطرات الجو المصنعه وهواء التكييف البادر الجامد
ورغم انى قدر واريتهم الثرى قبل سنين الا ان سمعتهم بوضوح وجلاء لا ريب فيه اصوت جدتى الحانى يدعو لى كلما راتنى وجلجلة ضحكة جدى وهو يحكى لمن تبقى من رفاق رحلته على المصطبة التى ترى النيل وصوت ابى ينادينى ان اتعجلهم بالداخل من اجل كوب الشاى الذى لم يكن يفارق يده .
رايتنى اعبث بقطعة من طين اشكلها على شكل حصان من خيال لم امتطيه ابدا ورايتنى الوذ بنفسى وفى يدى نسخة من الف ليلة وليلة كتب على غلافها الاصفر القديم غير منقحة ورايتنى وحمرة الخجل تكسو وجنتى وبنت الجيران تطبع القبلة الاولى على خدى الطفل ورايتنى اغادر صغيرا القرية المنبت ليبتلعنى لسنوات وما يزال بحر الغربة الهادر
حتى افقت من شرودى على صوت طفلة تخرج من غرفة امى لم تتعد الخامسة تشد فى بنطالى وهى تنادينى من وسط بيتنا عمو عمو انت مين .
دروب الرياحين - حصاد الزيارة .2.
سعيت اليه . حاولت جاهدا تبين الدروب واين يقع البيت وسط تلك البنايات الجديدة الشاهقة . التغيير اكثر من قدرتى على التذكر . اسير على هدى من وعى قديم بمكان يظن كثيرين منه انى غريب . تتصارع فى مخيلتى صور لرجال قد ولى زمانهم كان لهم هنا حضور وكيان .
اتطلع بقلب مفتوح فى الوجوه التى لا اعرفها المح فى احدهم ظلا لوجه قديم اليف حميم انفا معكفوا او عينا شديدة الاخضرار او قسمات صافية هادئة قبسا من وجهها حين كانت تتجلى .
امسك يد صبى اساله هل انت ابن فلان يجيب بلهجة اعرفها تفك حروفها طلاسم من كتاب مطمور فى اعماقى نعم انا ابنه انت تعرفه يا استاذ . اجيب كان صديقا قبل ان تولد يمضى وفى عقله الصغير اسئلة عن كنه هذا الفضولى القديم .
اظننى وصلت البيت لم يتغير فقط هرم وشاخ فقد بهاء محبب اختفى الاخضر الزاهى وتلاشت صور الكعبة التى رسمناها يوم عاد من الحجاز . تاملت جيدا فى الشروخ التى اصابت المتن فبان مكنون المكنون .
ناديت عليه باقصى صوت لعلمى انه يكون فى هذه الساعة فى القاعة الجوانية يجهز طعام الفطور حيث نبدا فى التوافد واحد تلو الاخر
لم ياتنى صوته كعادته يا ابنى خش هو انت غريب هكذا كان يقول حتى لعابرى السبيل
ناديت مرة اخرى وانا اعلم جيدا انه لن يخرج وان البيت الذى كان قبلتنا وبؤرتنا ومركزنا لم يعد يسكن فيه احد .
دروب الرياحين - حصاد الزيارة .3.
رغم عشقى للاضاءة الخافتة الا اننى اكون حريصا ان يضيئوا كل انوار البيت حين اعود ربما لارى تلك الوجوه القديمة وما نالها من خربشات الزمن وفعال الايام
اقول فى صمت متحسر ياه كم كبروا واوقن انهم ايضا يقولون لقد كبر الفتى الصغير الذى كان يملا جنبات الدار ضجة وحياة .
امسح بيدى على شعر تخللته شعرات بيضاء خبيثة لا تلبث ان تقف مشرعة باسقة تعلن عن نفسها كلما اتى ضيف للسلام ولا تلبث ان تهدأ حين تسمع تلك الجملة من فم احدهم :- والله كبرت يا حبة عينى ملعون ابوها الغربة بتاكل من عمرنا ما ترجع بقى وتقعد وسطينا .
وابتسم دون ان اجيب او اشفى غليل من يحكى من عمات وخالات اخشى فى كل مرة ان اعود ولا اجد احداهن .
اتسأل صادقا هو النور هنا ضعيف فيجبوا بصوت واحد كانهم يرددون اغنية جماعية لا كويس ليه سلامة الشوف فاضحك .
وفى اعماقى اريد اضاءة اقوى واشد ربما كشافات تنير وتجلى ما فى القلوب ما خفى تحت الجلد ما حوته الحشايا والخبايا ما كتبه الزمن بخط من جفاء وبعد بخط من برد وثلج على افئدة لطاملا احببت .
وحدها بينهم ارى ذلك البريق فى عنيها لمعة الحب والاحتواء كلما تحركت . تحركت بوصلتها المعلقة بى . تستقطرنى لقادم الايام حين اغيب فى تيه الغربة الابدى . كناقة فى فلاة تشرب وتشرب لتخزن لسفر طويل شاق ,
تنصت باهتمام لكل حرف ,لكل همسة. لكل ابتسامه . تستجمعنى مرة اخرى . تعيد تخزينى من جديد بشكلى بلكنتى التى تبدو غريبة لبعضهم لتلك المفردات التى تتسلل بين ثنايا الحكى
لهذا الضجيج الذى احدث حين استقر فى بيت يظل طيلة العام هادئا لا يكاد يطرق بابه غريب . وحدها امى التى ما تزال تنتظرنى دون ان تنتظر منى شيئا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي