الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأصول الحيوانية لنظرية المؤامرة

حمودة إسماعيلي

2013 / 10 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تبدو لي الحماقة محترمة إذا ماكانت جينية و وراثية، و ليس إذا كانت اختيارية و متبناة بصورة متعمدة
¤ ماريو بارغاس يوسا

تدرك الحيوانات أن خطر الافتراس يحدق بها، فقطعان الغزلان أو الثيران أو الرنة تدرك أن جماعة من الأسود تتربص بها وتنتظر الفرصة الملائمة للانقضاض عليها (كقطيع)، وتحدس غالبا (عند اقرابها من البحيرة) أن التماسيح تختبئ تحت سطح البحيرة مستعدة للقفز على أي فمٍ سينحني ليشرب. وكذلك جماعة المفترسين من الأسود أو النمور تبذل جهدا لإخفاء الفريسة عند تناولها، وذلك في ظل تواجد قطعان الضباع معها بنفس المنطقة، نظرا لأنها ستتآمر لسرقة ما تصطاده. والعالم الحيواني يعيش هذه الأحداث يوميا.

لم يختلف الإنسان عن جماعات الحيوانات هذه، كفريسة مهدَّدة أو كمفترس حذر على فرائسه، فرغم تغلبه على قصوره الجسدي بصنع أدوات (أسلحة) تمكّنه من القضاء على مفترسيه (وكذلك بالصيد)، إلا أنه عجز عن التغلب عن المهدِّد الأكبر وهو الإعصار والزلزال والوباء والفيضان الخ. ونظرا لأنه الكائن الوحيد الذي لمس وجود التهديد في هذه الأخطار ـ فأغلب الحيوانات ظلت معتمدة على رد الفعل الانعكاسي عند حدوثها ـ فإنه سعى لإيجاد تفسير لهجومها المفاجئ، حتى يتمكن من إحباطه أو اجتنابه قبل حدوثه.

هذه الأخطار المفاجئة ـ مثل هجوم الذئب، رغم أنه يرى الذئب، أما الإعصار فلا يراه ـ وهاته الرياح التي تهز أركان الغابة دون أن يستطيع أحدٌ أن يمسكها أو يراها أو يحدد ماهيتها، ستجد تفسيرها في الأرواح الشريرة (العالم البدائي لم يعرف اله أو ربّاً كان اعتماده فقط على الارواح لتفسير الكوارث الطبيعية). هنا سيبدأ نشوء الدين بتهدئة هذه الأرواح، وذلك بتقديم الطعام لها والفرائس المُصطادة بغرض كسب ودها، بل حتى لتسخيرها (هذه الأرواح) لإحداث ضررٍ بالخصوم أو المساعدة على الصيد، وذلك عن طريق التعاويذ وطقوس الكسل السحرية.

ستتم السيطرة على هذه الأرواح بظهور الإله القبلي، والذي سيصبح الأولى بالهدايا والقرابين طالما أن الأراوح تدخل تحت سلطته، وبامكانه ردعها وإيقافها. كما نرى في النص الشعري القديم :

يا رب، ابعد بمكنسة جيدة
أرواح الأشباح والكائنات المسحورة
ولا تُظهر لنا أبدا
حيوانات كريهة بقوائم طويلة
أو أشياء تسقط مدوية
يا رب ! أنقذنا من كل ذلك

ذلك الخوف من التهديد الحيواني أو التآمر الروحي/الطبيعي، سيخمد بنشوء المجتمع ونظام الحكم، لتلجأ الأفكار التآمرية والمخاوف تجاه المجتمع الآخر المُهدِّد بالاستيلاء على الثروات والمحاصيل والأراضي الخاصة، مثلما كان التهديد من القبيلة الأخرى (التي توسعت وكبرت وأصبحت المجتمع الذي نعنيه هنا).

رغم ذلك ظل المجتمع مهدَّدا بهجومات من مجتمع آخر أو جماعات الرعاع وقطاع الطرق، هذا التفكير كان دافعا لصناعة تحفة من أعظم التحف العالمية وهي "صور الصين العظيم". بذلك أصبحت المجتمعات تهتم بأمنها مثلما كانت تفعل القبائل سابقا، فبدل أن تختبئ بمساكن تحت الأرض (كقبائل السودان وإفريقيا)، فإنها قامت ببناء الحصون وتطويق المدينة بسور حجري عالي، كما كانت القبائل تقوم بتطويق القرية بسور صغير من الحجارة أو الطوب مع تشديد الحراسة.

لكن عندما يعرف المجتمع المُؤمَّن خارجيا، مشاكل داخلية، فإن السلطة كانت دائما تلقي باللوم على المنشقين أو المعارضين، ذوي الجمعيات السرية التي تعمل بالخفاء، مجموعة من الأفراد يستهلكون أفكارا بسيطة، صارت الدولة تلقي عليهم بجل المشاكل السياسية والاقتصادية التي يعرفها المجتمع.
تلقائيا سيتم بعث "الخوف اللاواعي" ـ من القوى الغيبية الخارقة ـ نحو هذه الجمعيات أو الأخويات لإحيائه. فكما يُعْرَف على أنه صار للدولة الحديثة قوة سياسية لا تقهر، وبما أن هذه الجماعة من الأفراد استطاعت أن تتفوق عليها رغم نفوذ مؤسساتها، فهذا يعني أن هذه الأخويات تمتلك قوى الطبيعة المدمرة والتآمرية. بذلك ستنفرد الماسونية (جماعة بنائي المعابد الأحرار) وجماعة الإيلوميناتي (طلبة العلم المتنورين) بقوى الأرواح الخفية بالوعي الجمعي، أي قدرة خارقة للتآمر على الكون.

وشكل هذا تخفيفا لأعباء الدولة وتهدئتها للمواطن، فعند انتشار الأمراض بأوروبا كان التفسير الذي تمنحه الكنيسة "كسلطة سياسية" تهتم بشؤون العامة هو أن أسباب المرض ترجع لخطايا صاحب المرض، لكن مع اجتياح الطاعون لبقاع القارة ملتهما الصالحين والطالحين، لم تجد الكنيسة مخرجا إلى بإلقاء سبب الوباء على المشعوذين والساحرات اللواتي يتعاطين السحر مع الشيطان. وها قد حُلَّتِ المشكلة.

إن سرية تلك الجماعات (نتيجة خوفها من بطش الدولة) هو ما ساعدها على احتكار المخاوف الحيوانية عند البشر، بل أنها مكنت أغلب السياسيات الدولية من تبرير فشلها وتدهور مجتمعاتها، وذلك بإلقاء اللوم على تلك الجماعات الخفية الخارقة، والتي لم تكن سوى أخوية عادية لازالت حية بسبب خوف الإنسان المتضخم ورهابه من الأمور المجهولة والغامضة. حتى باستمرار بعضها فليس ذلك إلا كإحياء أو امتنان لأصحاب تلك الجماعات الذين عانوا الظلم بسببها (كإحياء الطوائف للمناسبات الوطنية أو الدينية)، فقد كان كافيا نعت شخص بالماسوني حتى يتحول كره المجتمع نحوه، كأسهل طريقة لطرده من اللعبة السياسية، مثل نعته بالمهرطق لطرده من اللعبة الدينية.

يدرك الحيوان أن للطبيعة نشاطات، لذلك تجده يخبئ رد الفعل اللازم الذي لن يظهر إلا عند لمح سلوك الطبيعة النّشِط. أما الإنسان فبدراسته لسلوكها أصبح بامكانه توقّع نشاطاتها، وكان هذا على حساب إلصاق خوفه الحيواني (الذي لم يتخلص منه) بالجماعات السياسية المجهولة، نظرا لأنه الحيوان الوحيد الذي يتمتع بالخيال.

يسعى بعض المغفلين لتأكيد المؤامرة العالمية بكشفهم لانتشار الرموز الماسونية، وما لا يعيه هذا النوع هو أن هناك الكثير من الرموز التي تملأ واقعنا دون أن يعرف الأغلبية عنها شيئا، تعود للأديان الوثنية القديمة. بل إن حتى الأشكال الهندسية والرموز الرياضية التي نستعملها حاليا أتت من الرموز الوثنية. لكن كما يقول السياسي الأمريكي فرانك كلارك أن "السبب في انتشار الجهل هو أن من يملكونه متحمسون جدا لنشره"، فهم يتحدثون عن جماعات لا يعلمون حتى متى أسِّست وكيف أُنشِأت، ويريد أن يفسر بها الوضع الاقتصادي الحالي ! .

ـ إنهم قادمون !
ـ من ؟
ـ تباً .. لقد نوّموك مغناطيسيا
ـ كيف، لا أفهم ؟
ـ المتآمرون إنهم ينتظرون القادمون !

ربما هذا ما دفع الشاعر والت وايتمان لتفضيل الحيوانات على البشر بقوله :

"أتمنى لو أني استطيع أن اعيش مع الحيوانات ، فهى رابطة الجأش وقانعة بذاتها
اقف واتأمل فيها ملياً
فلا أراها تعبر عن حالها بالعواء المستمر
ولا تستيقظ فى الظلام ولا تبكي خطاياها
ولا تُمرضني بمناقشة واجبها تجاه الله
وليس بينها ناقم ولا من ابتلى بالهوس فى اقتناء الأشياء
ولا بينها من ينحني للآخر ولا لجنسه الذي عاش قبل الآف السنين
ولا بينها محترم ولا بائس على سطح الأرض".

ف"الحيوانات أصدقاء ممتازون، فهم لا يسألون أي أسئلة، ولا يدلون بأية انتقادات. الحب ولا شيء غيره هو ما يملكونه لك" بتعبير جورج إليوت. وكما يقول المثل "أن يكون لك حيوان صديق، أفضل من أن يكون لك صديق حيوان" ! .

ألا يرى الناس أن الإنسان يعجز عن السيطرة حتى على أطفاله ؟! فما بالك بالسيطرة على البشر بمن فيهم من مجانين وحمقى وأغبياء ومهووسين.. الخ من شرائح الاضرابات ! . فإن كان هناك شيء ما يسيطر على العالم فهو "الحماقة" ! .

نحن لا ننفي التآمر (سواء السياسي أو الإجرامي) إلا أنه محدود بمدة زمنية معينة ومكان ومعين وموضوع معين وينتهي. وليس مدى الحياة وبجميع بقاع الأرض لانتظار أبطال الديجيتال القادمين من كوكب زُمردة ! . wake up، استيقظ إنهم قادمون وهذا هو "عصر الاستيقاظ" .. من الحماقة ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ