الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوك يا أردن – مع محمود الحويان

نضال الربضي

2013 / 10 / 24
المجتمع المدني


قوك يا أردن – مع محمود الحويان

أثناء توجهي للعمل صباحا ً و على مدى حوالي 20 دقيقة أستمع لمحمود الحويان في برنامجه "قوك يا أردن" على إذاعة هلا FM إذاعة القوات المسلحة الأردنية على الموجه 102.1 ، تعرفت على هذه الإذاعة بالصدفة أثناء تقليب المحطات مساء ً و أنا عائد من العمل و ثبتها، ثم في الصباح التالي سمعت الحويان لأول مرة منذ بضع أشهر.

"قوك يا أردن" و لمن لا يعرف معنى "قوك" فهي التحية البدوية الصادقة التي تعني "قواك الله" أو "كن قويا ً" أو "نريد لك القوة" و هي القوة و الثقة و السمة المميزة في لهجة الأردني، يتحدث بها، يناقش بها، يربي أولاده بها، و حتى في مزاح الأصدقاء تجد خشونتها الحبيبة حاضرة ً دوما ً.

أستمع للحويان على مدى 20 دقيقة ً كما أسلفت لكنه يبقى معي النهار كله، لأنه ينبش في تراب قلبي الأحمر يُقلـِّبه كجدي الذي كانت يداهه تعانق الأرض فتُخرج َ له عشقها كل موسم، و هكذا الحويان يدفع بالهوية الأردنية إلى السطح صارخة ً مائلة ً قوية ً في هذا الزمن الذي كل ُّ ما فيه هوية مزيفة بذاتها تريد أن تقلبك مسخا ً بدون وجه، كائنا ً هُلاميا ً زئبقيا ً لا تعرف شكله هو مجرد مجموعة ٍ من التجمعات لظواهر هذا العصر المادية الاستهلاكية المُثقلة برغيف الخبز و الفواتير و الأقساط و لذَّات ٍ إنسانية مُختلسة بسرعة يصح ُّ أن نطلق عليها Fast take away fun.

الأردنيون ليسوا هكذا، نحن نعشق ُ كاسة الشاي بالمريمية أو النعنع، و نحب أن نتفاعل مع الجار و الغريب على حد ٍّ سواء، و نعترف للآخر بحقه و تميزه و اختلافه، و إن كنا نترقب الإختلاف بعين حذرة هي نتاج نشأتنا شبه العسكرية الصارمة و المُنضبطة التي لا تعرف الخروج عن النظام.

يؤلمني كثيرا ً أننا بتنا نخرج ُ عن هذه النشأة، بتنا نستبدل المستورد بالقديم لأنه قديم، بتنا لا نرى فيه سوى القديم، بينما الحق ُّ أن نراه عتيقا ً مُعتــَّـقاً أصيلا ً ثمينا ً نحياه و لا نفرط فيه. الحويان يُذكرنا بهذا في كل صباح، يذكر الجيل الناسي أو الذي على وشك أن ينسى بالشماغ الأحمر تاج رؤوسنا، بالعسكرية المؤسسة التي بنت الأردن، بالحسين أبي الأردنين جميعا ً و باني هذا الوطن الذي قال يوما ً "إني أحب هذا الشعب حبا ً عظيما ً فلولاه لما كنت شيئا ً يُذكر"، لذلك كان و مازال ملك قلوبنا حتى بعد رحيله.

يتكلم الحويان بدون خجل كاذب أو مراعاة فاسدة أو مجاملة في غير موضعها، يتكلم بصراحة، يحارب الفساد من منبر القوات المسلحة فينتقد المسؤولين الكبار و الصغار على حد سواء، يُبرز الخلل الموجود سواء ً كان خللا ً في الإدارة أو الاقتصاد أو التعليم أو حتى على مستوى شارع ٍ يشكو من نقص ٍ أو عوار ٍ أو خراب. يجلجل ُ صوتُـهُ كل صباح و هو يسأل "ليش" و كثيرة ٌ هي "ليش" ــاتُـه ُ و ستظل كذك طالما بقي هناك خلل ٌ لم يعالج.

يتلقى الحويان "مسجات" كثيرة ينسقها له مع الأخبار معد البرنامج "صقر العبادي"، و اسمه لوحده دلاله، فهو "صقر" و الأردنيون صقور، و هو عبادي بدوي أصيل ابن هذه الأرض و عاشق ٌ لترابها، كل ما في البرنامج أردني ٌ صارخ، حب الناس و "مسجات" الناس و المقدم و المعد و الأغاني و النبض و القلب، و هو طوق نجاة ٍ من اليأس الذي بدأ يتسرب لقلوب الناس من الأوضاع حولنا المُتراكمة بفعل عوامل شتى.

من هذه العوامل الاعتداء الصارخ على الهوية الأردنية من أكثر من عامين، حينما خرجت جماعة الإخوان المسلمين لتطالب بالإصلاح على طريقتها الخاصة، و التي تزامنت و ترابطت مع مطالبات أختها في مصر، و استقوت بها حين اعتلت سُدة الحكم في عهد مرسي لا أعاده الله من عهد و لا أراناه من جديد اللهم آمين. وقتها كانت صدمة اختفاء الهوية تتربص في الخفاء، حيث تحولت الشعارات من الإصلاح إلى استبدال الهوية الأردنية و النظام الأردني أو إبقائه كصورة لا قوة لها و لا وجود في ظل الوجود الإخواني الطامح بالخلافة و الذي ما زال يقبل يدي المرشد في القاهرة و الوالي في اسطنبول، هذه الخلافة التي هي أضغاث ُ أحلام تريد أن تُنهي وجود الأوطان ِ جميعها في مصلحة إمبراطوريات غير قابلة للتحقيق في عصور ٍ حديثة لها شروطها و مُتطلباتها.

لم أكتب هذا المقال لأتحدث عن الإخوان المسلمين لكني لا أستطيع أن أخفي مدى غضبي الشديد و احتقاري لسعيهم و مسعاهم لتغيب الهوية الوطنية الأردنية عنهم قاصدين متعمدين و ظهور ولائهم الحقيقي على السطح لمرشدهم و جماعتهم و خطتهم الفاشلة ِ الماكرة الخبيثة الملعونة لنزع "الشماغ" الأحمر من رؤوس آبائنا و أجدادنا و وضع عصائبهم الخضراء و السوداء مكانها في منظر ِ تعر ٍّ قذر لا خجل فيه يشلح فيه الواحد فيهم هويته الأردنية ليصبح عاريا ً من كل شئ إلا عُصابة جبينه، ختم عُريـِّه من الوطن و الهوية.

و من هذه العوامل ما طال المواطن الأردني من ارتفاع الأسعار ِ الجنوني غير المنضبط و ارتفاع أسعار الشقق السكنية و الأراضي و غياب الرقابة ِ على مؤسسات الدولة و مشاريع الخصخصة ِ التي ما تزال صناديق سوداء مغلقة نُطالب بفتحها و التحقيق فيها و إيقاف أي مشاريع خصخصة جديدة لإعادة دراستها إعادة تامة تحيط بها من كل الجوانب و تضمن أن شروطها هي في مصلحة الدولة الأردنية الخادمة للمواطن الأردني ضامنة ً ضمانا ً تاما ً أن تُدر َّ على الخزينة ِ مردودا ً معلوما ً بقدره ِ أو نسبته ِ أو مجموع كليهما لكي تبني الاقتصاد الأردني على أُسس سليمة.

و من هذه العوامل أيضا ً إحباط الأردني من غياب الخطط الصحيحة لاستثمار الموارد من بوتاس و فوسفات و صخر زيتي و يورانيم و غاز طبيعي، و في الحقيقة أنا لا أمتلك الكثير من المعلومات - لشحها و عدم توفرها أو نشرها – عن هذه المصادر و جدواها الاقتصادية لكني كشأن الأردنين جميعا ً أرغب أن تقدم الحكومة و تضع المعلومات أمام الشعب و تُعلن عن خططها الاستثمارية في هذا المجال لكي ننظر في المستقبل إلى تحقيق ٍ لهذه الخطط و المشاريع يبني الاقتصاد و يريحنا من المعونات و القروض من بنك النقد الدولي عدو الشعوب الأول.

في هذا العالم الذي ضجيجُه غدا الرفيق الأول للإنسان نحتاج أن تبقى هويتنا ثابتة حبيبة واضحة تحيا في قلوبنا، نحتاج أن نقول أننا سنظل الأردنين الأوفياء لأردنيتنا، لصمودنا، لأرضنا، لجدايل جداتنا، لخبز شراكنا، لرائحة حطبنا، لدحنوننا الأحمر، لقلوبنا النقية المحبة العاشقة بصمت و الذائبة في العشق بصمت، لخجل صبايانا الممزوج بقوتهن و اعتدادهن بنفوسهن، لقسم رجالنا الذين إذا أرادوا القسم لا يجدون أغلى من الأخت فيقول الواحد فيهم "إبشر و انا اخو خظرة" فيكون اسم اخته الختم المقدس على كلامه، هؤلاء نحن.

أحب محمود الحويان و صقر العبادي و قوك يا أردن لأنهم جميعا ً يرسلون رسالة ً كل صباح للعالم أجمع، هذه الرسالة هي:

"هنا الأردن، نحن باقون"

و يرسلونها:

باسم الأردن
باسم الأردنين
باسم الشماغ الأحمر
باسم الهيل و القهوة الأردنية
باسم التاج على جبين العسكر

عاش الأردن، و عشت اخوي أبو سيف!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر ينهي خطة ترحيل اللاجئين ?


.. شاهد| نقل نساء وأطفال أصيبوا في قصف إحدى مدارس الأونروا وسط




.. صعود اليمين في الانتخابات العامة يثير قلق المهاجرين في فرنسا


.. عبور الصحراء أخطر على المهاجرين من عبور البحر




.. كير ستارمر ينهي خطة ترحيل اللاجئين من بريطانيا إلى رواندا