الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إحساس الغيرة هل هو مرض أم دافع .

ناهده محمد علي

2013 / 10 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قد يشعر الفرد العادي بالغيرة , كأن يغار ذكر من ذكر آخر أو أُنثى من أُنثى , وأحياناً ذكر من أُنثى , والعكس صحيح . إن ماهية إحساس الغيرة هو شعور واضح بالنقص والغبن معاً , لأن فرداً ما قد حُرِم من الجمال مثلاً أو المال أو الأولاد أو المركز المرموق , وكل هذا بإعتقاد الشخص المعني هو مستحق له ومحروم منه , وعلى هذا الأساس ينظر الى الهدف المعني والذي يتمتع بالصفات التي جلبت إحساس الغيرة على أنه فوق مستوى النظر , وتكون النظرة الأولى عادة هي مجرد إعجاب لما لدى ذلك الشخص ثم تتولد الحسرة بما ليس لدى الفرد المعني ثم تحدث تشنجات جسدية ونفسية رافضة لهذا الواقع ولظلمه , ثم ما يحدث بعد هذا هو التنفيس عن طريق سلوكيات متنوعة في الشكل والمستوى , فمنها ما يكون تنفيس كلامي أو قد يكون فعلي , والمختلف هنا هو هل أن هذه الغيرة هي إيجابية أم سلبية , فالغيرة الإيجابية هي دافع للبناء والتغيير أما الغيرة السلبية فهي دافع لتهديم الهدف الآخر وأحياناً لتهديم الذات , وقد تبلغ مستوى الغيرة السلبية الى درجة التحرشات أو الوشايات أو التشهير وسرد الحكايات الخيالية عن الشخص المعني , وتعتبر هذه كالثقب الذي يخرج منه الدخان المحبوس .
قد تصل الغيرة الى حد العدوانية خاصة لدى الذكور , وتتنوع أسباب الغيرة لدى الذكور من مادية الى معنوية وكل ما يخص حياة ورفاهية الفرد لكن أشد أنواع الغيرة لدى الرجل هي الغيرة الجنسية والتي تكون عادة حينما يغار رجل من رجل آخر على زوجته أو صديقته والتي قد تصل حد الشراسة أو القتل , وتمتلأ الصحف العالمية بحوادث القتل من قِبل أزواج غيورين , وقد تفعل المرأة ايضاً نفس الفعل وهي عادة بطبيعتها أقل شراسة لكن لكل قاعدة إستثناء وأساليب المرأة قد تكون أكثر دهاء وأشد إيلاماً في الإنتقام كإستخدام السموم البطيئة التأثير وغير واضحة المعالم في بدايتها .
إن غيرة المرأة لا تتحدد بالزوج فقط لكنها وخاصة المرأة الشرقية قد تغار على أخيها أو إبنها من المرأة الأخرى لأنهما وببساطة رجال حياتها .
تبقى الغيرة وبكل الأحوال هي إحساس بالحرمان من شيء ما مخلوطاً بالإحساس بالظلم الإجتماعي فيجعل الشخص الغيور نفسه حاكماً ومنفذاً للحكم فينتقم من الفرد الآخر بأساليب تتدرج عنفاً كما ذكرت , ويصبح الإنتقام هنا وسيلة لترجيح كفة الميزان ما بين الظالم والمظلوم , والإختلاف هو أن الهدف المعني ليس بظالم كما يراه الفرد الغيور . ويندرج هذا النوع من الغيرة تحت سلوكيات الغيرة السلبية التي تجعل هدفها هو تهديم الشخص المعني أو مصدر الغيرة ليشعر بعدها الشخص الغيور بأن كفة الميزان قد رجحت وأنه قد إستعاد حقوقه بطريقته . أما من يندرج تحت حيز الغيرة الإيجابية فقد يتخذ الشخص المسبب للغيرة قدوة او نموذج يقتدي به , فقد يقتدي شاب صغير ببطل رياضي فيحذو حذوه , وقد تقتدي فتاة شابة بمدرستها أو طبيبتها أو بكاتبة أو فنانة تشكيلية فتأخذ أفضل ما عندهن وتزرعه في ذاتها فينبت لديها ما أعجبها فيهن , وقد تحاول فتاة مراهقة أن تقلد المرأة التي غارت منها في ملابسها أو شكلها الخارجي فيندرج هذا ايضاً في حيز الغيرة الإيجابية إلا إذا أساءت الى ذاتها . إن الغيرة السلبية تتواجد في تكوين الإنسان غير المتوازن فتجري عملية الغيرة في جهازه العصبي كهدير ماء ساقط بينما تمر العملية في الجهاز العصبي للإنسان السوي كمجرى ماء هاديء يمر مرور الكرام ولا يُسمع له هدير . إن ما يشعر به الشخص الغيور هو مزيج غير متناغم من المشاعر , ففي بدايته يكون ناظراً الى الأعلى مُحدِثاً تخريباً هائلاً في ذبذبات جهازه العصبي , ثم يحدث هبوطاً حاداً في المعنويات ويسشعر الفرد فيه بالظلم والغبن الشديد كما ذكرت ثم تصبح مشاعره ساقطة من أعلى إلى أسفل فيفقد أي مقاومة في الصمود أو أللامبالاة وتكون النتيجة إستنفار الذات في الرغبة الحادة في الإنتقام , والذي يحدث هنا أنه لا فرق بين ضعيف أو قوي , رجل أو إمرأة , فالرغبة في تهديم الآخر لتثبيت الذات تكون قوية وطبعاً هذه حالة مرضية وليست سوية إطلاقاً .
وفي حالة الغيرة الإيجابية تكون هذه الغيرة دافعاً إيجابياً للبناء الحقيقي للذات ودافعاً للرقي والوصول الى الأفضل . فالمرأة التي لا تمتلك قدراً كبيراً من الجمال قد تحاول أن تُجَمِل ما بداخلها فتعكس جمالاً داخلياً وروحياً لا يُقارن بجمال آخر , وقد تحاول أن تتسامى وأن تتفوق على نفسها بما هو أفضل من المال والجمال ألا وهو الصقل الثقافي والإبداعي , وكثيراً ما نلاحظ أن بعض النساء اللواتي عانين من الخيانة الزوجية قد تألقن في مجالات وإختصاصات نادرة وإبداعات فنية وهن قد قمن في هذه الحالة بتعديل ميزان الظلم الإجتماعي بطريقة راقية وحضارية .
إن الغيرة التي يشعر بها بعض الأطفال أو التلاميذ قد تؤدي ايضاً الى حالات خطرة من السلوك العدواني كمحاولات الإستهزاء أو الضرب أو السرقة من الطلبة المتفوقين , وقد يغار ايضاً الطفل الأول من الطفل الثاني وعلاج هذه الحالات هو تربوي وعائلي وهو أسهل بكثير مما هو لدى الكبار خاصة إذا كان علاجه بوقت مبكر . وإذا فشل العلاج التربوي وإستمر الطفل أو التلميذ في عدوانيته حتى تصبح هذه العدوانية طريقة لتحصيل الحقوق وهذا ما يجعله في المستقبل عدوانياً وخطراً إلا إذا عولج .
إن إحساس الغيرة هو بحد ذاته شعور طبيعي لكن التأقلم مع هذا الإحساس له أساليب مختلفة وردود أفعال مختلفة وكل رد فعل يُعبر عن أرضية مختلفة تتدخل فيها عوامل كثيرة كالإستعدادات الوراثية والتربية الأُسرية ونوع الصداقات والقراءات . إن الإستعدادات الوراثية وعدم حدّة ردود الأفعال أو عدم شدتها تؤدي الى التأقلم أو التسامي عن الغيرة السلبية أو الهبوط الى دائرة الإنتقام ومحاولة تحطيم الآخر وتدخل في هذا عوامل عديدة كما ذكرت , فالإستعدادات الوراثية هنا تدخل كعامل مهم لنوع ردود الأفعال . ويجدر بالذكر أن من الغيرة ما هو رائع وضروري ألا وهي الغيرة في مجال المنجزات العلمية حيث تُكمل إحداها الأخرى أو تلغيها وتأتي بأفضل منها كما في مجال الدواء العلاجي ومنجزات الفضاء والصناعات الثقيلة والخفيفة والتي تتكامل لصالح خير الإنسان , كما يحدث هذا في مجال الأدب والفن حيث يتفوق كاتب على آخر وموسيقار على آخر , ويعتبر هذا دفع إيجابي رائع لمنجزات إنسانية عظيمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داعش يتغلغل في أوروبا.. والإرهاب يضرب بعد حرب غزة | #ملف_الي


.. القرم... هل تتجرأ أوكرانيا على استعادتها بصواريخ أتاكمز وتست




.. مسن تسعيني يجوب شوارع #أيرلندا للتضامن مع تظاهرات لدعم غزة


.. مسؤول إسرائيلي: تل أبيب تمهل حماس حتى مساء الغد للرد على مقت




.. انفجار أسطوانات غاز بأحد المطاعم في #بيروت #سوشال_سكاي