الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين نصين مقدسين

سامي العباس

2005 / 5 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


" فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال,كل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها .لكن جميع الأطفال من النساء اللواتي لم يعرفن مضاجعة ذكر أبقوهن لكم حيات " سفر العدد 31- التوراة..
" فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و خذوهم و احصروهم و اقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم . و إن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون " الآية 4-5 من سورة التوبة – القرآن.
بين النصين المقدسين بيئة جغرافية مشتركة و نمط عيش رعوي – تجاري و مؤسسة عنف تتبادل الغزو مع محيطها . إلا أن ما يفصلهما هو شوط من سيرورة الأنسنة قطعتها مجتمعات المنطقة .المعيار في النص الأول للإبقاء على الحياة هو معيار أنطولوجي أما في النص الثاني فهو أيديولوجي و هذا ما يفسر المنحنى التنازلي للعنف في" الاجتماع البشري "..
لكي تفلت من القتل عليك أن لا تكون ذكرا أو احتمال ذكر " في كل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة " ذالك لأن الذكر غير اليهودي هو مشروع محارب يهدد الوجود بالمعنى الأنطولوجي للجماعة اليهودية.
هذا ما يعريه النص المقدس الأول أما في النص الثاني فلكي تفلت من القتل عليك فقط أن تبدل الهوية المختلفة للمقدس لديك لتصبح عضوا في الجماعة الإسلامية ..
يا لبعد المسافة التي قطعها ركب الأنسنة بحمولته المتضخمة باستمرار !
ومع ذلك فإن عدة الشغل ا العقليه التي ينتجها البشر لتعميق توغلهم في هذا الدرب المظلم للكون لا تفلت من المصير البائس الذي ينتظرها , الرمي على قارعة الطريق " روبا بيكا" غير صالحة للاستخدام ...ينفع طابعها المقدس فقط في تحويلها إلى حمولة إضافية للكاهل البشري 0 إنها بحميميتها أشبه بجثث الأحبة نتمزق بين حاجتها إلى الدفن وآلام فراقها في نفس الوقت 00
بين العنف الأنطولوجي والعنف الأيديولوجي ,كان على الدماغ البشري أن يطور رأسماله الرمزي ,يحسن من شيفرات اتصاله,ويرسب في الذاكرة الجمعية المزيد من خلاصات التجارب 0 وكانت كل طفرة في المعنى تخرج إلى مقدمة القطيع البشري ,السحرة والكهان والأنبياء والفلاسفة ,أليس من الملفت للنظر إن التوراة كمدونة نصية قد احتفظت لنا بعشرات الأنبياء والعرافين والكهنة ,ولاشك أن مئات بل آلاف غيرهم لم يستطيعوا أن يجتازوا الحاجز بين الشفوي والكتابي 0تعطينا التوراة مقطعا من سيرورة تجربة بشرية ,إنها أشبه بفيلم تسجيلي يخرج من ركام القرون ليرينا حالة القطيع البشري قبل بضعة آلاف من السنين 0من الصراع على البقاء الأنطولوجي إلى الصراع على البقاء الأيديولوجي ,العنف يتناقص ,بتبدل خلفيته, والخلفية تتبدل تحت ضغط توسيع الدماغ لرقعة نفوذه0
وفي إطار هذا الجدل المعقد بين الجسد وجهازه العصبي نشأت الحاجات المستقلة " للدماغ" التجريد بالصورة ,والتجريد بالصوت ثم توحيد نظم الاتصال ,والاتفاق على الشيفرات المشتركة. عشرات الآلاف من السنين استغرقه هذا الدرب المتلوي والصاعد لهذا الحيوان الإجتماعي نحو مزيد من الأنسنة 0
ونحن هنا على بعد عشرات الآلاف من السنين نحاول ان نمد البصر إلى الوراء فنعيد تركيب الحطام ,في كثير من الأحيان يأتي التركيب تدليسا لرغائبنا. نشيد فوقه صرحا من الاستنتاجات المعرضة للانهيار في أية لحظة 000
رغم ذلك علينا أن لا نيأس 0فالمهمة عسيرة 00ولكنها ليست مستحيلة ,وبمقدار ما ننجح في رؤية الماضي بشفافية بمقدار ما ننجح في تحرير رقبتنا من نيره0
إنها ضريبة إبداع المستقبل ,تتضخم كلما تضخمت تركة الماضي 0 من هنا فداحة المصاعب التي تواجهها الأمم العريقة وهي تواجه امتحان الدخول إلى العصر0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran


.. 83-Ali-Imran




.. 85-Ali-Imran