الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقدة الأميرة النائمة

حمودة إسماعيلي

2013 / 10 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


سبب انتشار بعض الحكايات والروايات دون سواها بين البشر، هو اختزالها لمواضيع ذات اهمية انسانية. قصص محمّلة برموز يرى فيها الناس اهتماماتهم، ومشاكلهم الاجتماعية والنفسية. فسواء تعلق الأمر بالقصص الدينية المقدسة أو القصص الفنتازية الشعبية أو حتى المسرحيات العاكسة لمواضيع اجتماعية، فإن شهرتها تكمن في أنها وفرت متنفسا للناس بإسقاط رغباتهم ومخاوفهم فيها، فرأوا أن مشاكلهم واهتمامتهم تطابق مشاكل واهتمامات أبطال تلك القصص الذين يُنضالون في سبيل تحقيق غايتهم بالتفوق وضمان هناء العيش والسعادة والحب. فتمنح هذه القصص رؤية للمتابع المتماهي مع البطل، سيناريو أو رؤية مطمئنة لمستقبله. بتمكن البطل (الذي يعيش ظروف مشابهة نظريا للمتابع) من التغلب على الصعوبات التي تحيط به ورسم واقعه المرغوب. وإجمالا فمنذ صراع الآلهة - وانتصار الخيّرة منها، مرورا بالنبي - وانتصار الحق على باطل المجتمع، والأدب الكلاسيكي - وانتصار الأميرات والفرسان على الساحرات والملوك الأشرار، حتى الأدب الحديث - وانتصار الشخصية المحورية بنيتها الطيّبة على القدر الظالم. فقد ظل الموضوع الذي ينتج القصص ويلد الأدباء هو صراع الخير والشر، الخير الذي يمثله الإنسان مقابل الشر الذي تمثله الطبيعة/القدر/الواقع أو حتى الآخر المُغاير ـ كانقسام المجتمع البشري لأخيار وأشرار بتطور الحياة المجتمعية.

في القصة التي تهمنا هنا، وهي حكاية "الأميرة النائمة" لكاتبها شارل بيرو. نجد أنها كحكاية نُشرت سنة 1697م، تعكس واقع المجتمع الأروبي آنذاك، وتختزل اهتماماته بطريقة رمزية تستمر بالانتشار مع ذيع صيت القصة حول العالم، وبذلك يعاد استهلاك وإنتاج نفس الاهتمامات. والاهتمام المختزل هنا في القصة هو رمز البطل أو المنقذ من النوم (الحياة المملة والرتيبة). فالأمير بالقصة هو من سَيُحيِيِ الأميرة بطبع قبلة على شفتيها لإيقاظها (نحو حياة الشغف والإثارة والحيوية).

نجد القصة تعكس واقع كثير من البشر (إناث وذكور) من يرون أن حياتهم رتيبة ومملة وليس لها هدف أو معنى، نظرا لأنهم لا يتوفرون على الدعم والمساعدة لتحقيق أحلامهم، لدى يدخل الإنسان في حلقة من اليأس والنوم والكسل، مع الاحتفاظ بأمل ظهور المساند أو المساعد الذي ستُمكّن دفعة بسيطة منه (كقبلة في القصة) لإخراج الإنسان من حياة النوم نحو الحياة الحية والمرغوبة والتي تستحق العيش.

في القصة تمت ولادة الأميرة بالقصر لتعيش حياة نمطية عادية كباقي الأميرات، لكنها ببلوغ السادسة عشر ستصيبها لعنة النوم مثلما تصيب الكثير من الشباب لعنات القدر، وبدل أن تتفجز مواهبهم لتجسيد أحلامهم الطفولية على أرض الواقع، فإنهم يتعرضون للإحباط والصعوبات والفشل سواء في اثبات المواهب أو الحصول على الحب الرومانسي. ليدخلوا في نوم عميق تجاه الحياة كما دخلته الأميرة، بانتظار ظهور من يقدم يد المساعدة أو يخطفهم من رتابة النوم/الحياة، لواقع صاخب مليء بأجواء الإثارة والعمل والحب والأحداث المتجددة باستمرار.

إن فترة الشباب ابتداء من السادسة عشر أو السابعة عشر، هي الفترة التي يجد الإنسان نفسه فيها يمتلك طاقة كبيرة، يرغب بتفجيرها بأعمال إبداعية أو حتى لتأسيس علاقة حب قوية. ففترة الشباب هي فترة العطاء والخلق واكتشاف الحياة باستقلالٍ عن الأهل، من كانوا مكلفين بتقديم الأجوبة على أسئلته الفضولية بمرحلة الطفولة. فيظل حس المغامرة مختزلا حتى يجد الفرد أن شخصيته وجسده صار لهما قوة وقدرة لخوضها (المغامرة) كتجارب حياتية. لكن بصدود يضعها المجتمع أو قمع الأهل أو حتى إحباطات ابتدائية نتيجة صعوبات بالواقع، تخمد تلك الطاقة وتبدأ الأحلام بالاحتضار، وبدل أن تموت هذه الأحلام كما كانت الأميرة ستموت بلعنة الساحرة الشريرة (التي لم تتم دعوتها باحتفال انجاب الملك للأميرة، وعدم تلقّيها للهدايا مثل باقي صديقاتها الجنيات)، فإن اللعنة تم تخفيفها من طرف إحدى الجنيات الطيبات المدعوات، لتدخل الأميرة في نوم بدل الموت، وبذلك تنام أحلام الشخص المعني هنا بدل أن تموت، بأمل ظهور من سيُحيها بقلبة سحرية.

يرى النائمون (أو من يجدون صعوبات لتحقيق آمالهم بأنفسهم) الأمير الساحر في المنتج الفني أو الناشر الأدبي أو المساند المادي (بالنسبة للمواهب الفنية)، أو في فارس(ة) الأحلام الذي أو التي تأتي فتضع قبلتها على شفتي الشخص، فيسيقظ على إثرها من كابوس الأحداث الرتيبة المتكررة وسلطة الأهل، لواقع الاستقلال المادي وشهور العسل وما يرافقها من تفريغ وجداني، وتعويض فترة النوم بواقع الأسفار والرحلات والاكتشافات.. طبعا برفقة الأمير(ة) الساحر(ة) صاحب(ة) القدرة الاقتصادية.

لقد كانت الأميرة تتوفر على كل ما يحقق لها الحياة المرغوبة، فبولادتها أهدتها الجنيات الحُسن و الجمال، والقلب الطيب، وحب الناس، والقبول الاجتماعي وماسواه من المنح التي يرى غالبية سكان كوكب الأرض أنهم يتوفرون عليها، تختلف عن بعضهم الأميرة بأنها ولدت في قصر الملك، مايعني أنها لا تعاني من مشاكل اقتصادية. رغم ذلك فإن لعنة الشر قد أصابتها، كما تصيب كثيراً من الناس الذين يتوفرون على كل ما يساعدهم على تحقيق مبتغايتهم، ورغم ذلك تجدهم يعانون من "قِلّة السّعد" أو غياب الحظ.

فكما كانت الساحرة الشريرة تقف عقبة أمام اكتمال سعادة الأميرة، فإن كثير من البشر من يرون أن هناك من يقفون أمام اكتمال سعاتهم كحَجَرة تُعيق مرور الحظ. سواء في الأهل الذي يقفون أمام رغبات الأبناء بتحقيق أحلامهم أو رغبات الزواج، أو في الحسدة والكارهين الذين قد يدفعهم حقدهم لصنع المكائد لهم، كما على حد قول "دان راذر" أن "إحدى الدروس القاسية التي على الإنسان تعلمها في الحياة -حقيقةُ- أن ليس الجميع يتمنى لك الخير". لكنه ورغم ذلك، قد يتفوق الإنسان على الصعوبات والخلافات التي تعترض طريقه في سبيل سعادته، سواء بمفرده أو بمساعدة "أمير(ة)" ما. كما تخلصت الأميرة من لعنتها بمساعدة الأمير صاحب القبلة.

ورغم تجاوز الأميرة لفترة أو لعنة النوم، إلا أن سعادتها سرعان ما تعرضت للهدم، وذلك بتلقيها الكره والرفض والعدوان من طرف حماتها، التي أبدت قسوة نحوها ورغبت بالقضاء عليها وعلى أبنائها. والقصة تعكس واقعا حيّاً يتجلى في المشاكل التي تعترض بعض الإناث اللواتي يرين أنهن اسيقظن من بؤس الأسرة نحو السعادة الزوجية، ليصطدمن بحائط الحماة، التي تسعى للسيطرة عليها وعلى ابنائها. وقد تتعمد حتى اهانتها وإذلالها أو قمعها أمام أبنائها. إنه صراع تاريخي لاشعوري بين الأم (الحماة) التي ترى كنّتها (كمنافسة) تسرق تُحفتها (ابنها) التي تعبت في العمل عليها.

لذلك قد يجد البعض رغم ظهور الأمير المساعد أو حتى تحقيقهم لأحلامه بأنفسهم، بعض المشاكل التي تكشف عن نفسها كلعنة تحاول إعادة المعني لبؤس الماضي وتكرار الحياة الرتيبة. بهذا تتجلى عقدة الأميرة النائمة كصراع الإنسان ضد وقوعه تحت سلطة الرتابة والروتين والحياة الميتة. وذلك بسعيه نحو التجديد والتجدد ومتعة الاكتشاف لخلق حياة حيّة. وهذا مايدفع الناس لتغيير تسريحات شعرهم، تغيير صباغة الأظافر والشعر باستمرار، تغيير الأثاث المنزلي بصفة مستمرة، التمسك بالتقاليد والاحتفال بالمناسبات والأعياد لكسر روتين السنة وأيامها المتشابهة. بل نقول أن حتى الاضرابات والتظاهرات والانتفاضات إنما تعبر عن صرخة الإنسان المستيقظ من النوم ورفضه تحويل حياته لسُبات تموت فيه أحلامه الوردية وتتحول لكوابيس تمتص طاقته الإبداعية.

إن عقدة الأميرة هي بانتظارها لمن يأتي ويوقظها حتى تتمكن من عيش حياتها، بدل أن تسعى بنفسها لخلق واقعها مهما بدت سعادته ضئيلة، بدل الاستسلام للنوم في انتظار الأمير الذي قد يأتي أو لا يأتي، أو ربما تجده نائما هو كذلك ! .

حتى باستيقاظ الأميرة، فإنها انتظرت عودة الأمير من الحرب لتخليصها من بطش حماتها، طالما أنها ألفت الاعتماد عليه، والنوم بغيابه. وكما يقول بوذا : "بدلا من مناداةِ ودعاء الضفّة الأخرى من النّهرِ ، إصنَع طوفًا واعبُرْ. فالمناجاة والدعاء لن يأتي لك بالضفّة الأخرى هنا". (ونجد هذه النقطة كخطاب شعبي متداول مفاده الاحتفاظ بنية طيبة وقليل من الصبر و"شوية أدعية" لتنحلّ المشاكل من تلقاء ذاتها !).

يقول مدرب كرة القدم الأمريكي فينس لومباري أن : "الفوز عادة، كذلك الخسارة للأسف، وكلما بذلت المزيد من الجهد زادت صعوبة الاستسلام، فالفوز ليس كل شيء، بل الرغبة في الفوز هي كل شيء، فالاستسلام يصبح عادة بمجرد أن تتعلمه". فحاول أن تعيد قراءة تعبيره باستبدال كلمة "فوز" بكلمة "سعادة"، واستبدال كلمة "استسلام" بكلمة "إحباط". سيُصبح هكذا : السعادة عادة، كذلك لإحباط للأسف، وكلما بذلت المزيد من الجهد زادت صعوبة الإحباط، السعادة ليس كل شيء، بل الرغبة في السعادة هي كل شيء، فالإحباط يصبح عادة بمجرد أن تتعلمه.

ستصبع السعادة والنجاح عادة بمجرد تعلمهما، كذلك النوم -بانتظار قبلة- للأسف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي


.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط




.. شاهد صور مباشرة من الطائرة التركية المسيرة -أكنجي- والتي تشا


.. محاكاة محتملة لسقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في م




.. أبرز حوادث الطائرات التي قضى فيها رؤساء دول وشخصيات سياسية و