الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وزارة التعليم العالي: حافات الارتباك.

سعيدي المولودي

2013 / 10 / 30
التربية والتعليم والبحث العلمي


وزارة التعليم العالي:حافات الارتباك
في شهر أبريل سنة 2012 أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر مذكرة إلى رؤساء الجامعات تتضمن قرارا بمنع وحظر اعتماد تكوينات في سلك الماستر والماستر المتخصص مؤدى عنها، ووطنت المذكرة ذلك الحظر من خلال سياقات مختلفة وغامضة، تتوكأ حينا على الميثاق الوطني للتربية والتكوين وحينا آخر على مقتضيات القانون 01.00 المنظم للتعليم العالي، وعلى علاقات الجامعة بالمحيط، وتم عمليا وقف العمل بالتكوينات المؤدى عنها في أغلب المؤسسات الجامعية التي كانت تعتمدها، وبدا ظاهريا وكأن المذكرة تدفع في اتجاه مجانية ولوج هذه التكوينات،خصوصا مع ردود الفعل القوية التي أثارتها شطحات وزير التعليم العالي وتلويحه بخوصصة التعليم العالي وإخضاعه لمنطق الأداء، غير أن الأمر ليس كذلك، إذ المذكرة تضع شروطا جديدة لولوج سلك الماستر، تمثلَ الشرطُ الأكبر فيها بالسماح فقط للطلبة المتفرغين بشكل كامل لمتابعة دراستهم العليا وإلزامية الحضور، وهو ما يعني إقصاء الموظفين أو العاملين بشكل عام وحرمانهم من فرص التسجيل، تبعا لهذه القيود، وواكبت مراحل تعميم المذكرة تصريحات عشوائية للوزير تتمسح بالدفاع عن المجانية والإغراءات التي جسدها إجراء الرفع من قيمة المنح بالنسبة لطلبة سلك الماستر والدكتوراه.
وفي الحقيقة فإن المذكرة تشكل خرقا لروح الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ولمقتضيات القانون 01.00 اللذين اعتمدتهما مرجعية لإضفاء المشروعية على متضمناتها، كما تضرب في العمق مبدأ استقلالية الجامعات البيداغوجية والإدارية، وتكبح ديناميتها في محاولات اعتماد أو استقطاب تكوينات يمكن على المدى البعيد أن تتيح لها فرص الارتباط العميق بمحيطها وأفق الاستجابة لمتطلباته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقد تركت المذكرة الحبل على الغارب في ما يعنيه مدلول "الطلبة المتفرغين بشكل كامل لمتابعة دراساتهم العليا"وإن كانت القرائن المتصلة بالسياق تحيل بقوة إلى استبعاد "الموظفين أو العاملين" ما داموا لا يتوفرون على صفة " التفرغ بشكل كامل" وهي صفة غير قائمة وغير واردة في ظل الشروط والظروف الطبيعية والعادية لعمل الموظف.
وقراءة متأنية لنص المذكرة تصدم القاريء بالركاكة التي تشوبها والتفكك الذي يهيمن على فقراتها الثلاثة، إضافة إلى عامل الارتباك الذي يوجه حركة المدلولات والمفاهيم داخل سياقها، ناهيك عن بعض الأخطاء الإملائية الفادحة التي تضمنتها( ولا يتعلق الأمر هنا، بالتأكيد، بالأخطاء المطبعية).
ومع مطلع الموسم الجامعي الحالي 2013- 2014 بادرت الوزارة إلى تركيب صياغة مذكرة أخرى لا تقل التباسا عن سابقتها، تتعلق بموضوع تسجيل الموظفين بسلك الماستر، ومن بين الدواعي التي استندت إليها كون بعض المؤسسات الجامعية تطالب الموظفين الراغبين في متابعة دراستهم بسلك الماستر بالإدلاء بشهادة التفرغ الإداري ضمن وثائق ملف التسجيل.وهذا في الواقع زعم تمويهي وتضليلي لأن المؤسسات الجامعية المشار إليها إنما حرصت على تنفيذ وتطبيق مقتضيات مذكرة 12 أبريل 2012 التي رهنت شروط الولوج للماستر بالتفرغ بشكل كامل، المفهوم الذي ابتدعته الوزارة من خلال تلك المذكرة، واللائمة عمليا ينبغي أن تلقى على الوزارة التي تخبط خبط عشواء في محاولاتها المضطربة اختلاق مخارج قانونية للأوضاع المتفاقمة التي يشهدها التعليم العالي ببلادنا وإطلاق العنان لمبادرات غير محسوبة العواقب.
والواضح أن المذكرة تنحو منحى إلقاء المسؤولية على المؤسسات الجامعية وتبرئة ذمة الوزارة من تبعاتها، وهو ما ليس مستساغا، فبدل أن تعلن الوزارة عن مراجعتها أو تراجعها أو تصحيحها لقراراتها العشوائية يبدو وكأنها تحرض على المؤسسات الجامعية وتسدد إليها أصابع الاتهام في منع الموظفين أو العاملين من التسجيل في سلك الماستر.
والمذكرة، كالعادة، تحتمي بسياقات دلالية غامضة وغير دقيقة، وتقترح المطالبة بالالتزام بالحضور عوض شهادة التفرغ، وهذا خيار ليس أقل سوءا، بل هو،مجددا، مؤشر ارتباك واضطراب وضبابية الرؤية لدى الوزارة، فالمطالبة بالحضور المنتظم بالنسبة للموظفين أو العاملين يعني مرة أخرى الإقصاء بمعنى من المعاني،إذ كيف يتأتى لموظف حضور جميع الحصص الدراسية التي تستغرق 16 أسبوعا لكل فصل دراسي، ومتابعة جميع وحدات أي فصل دراسي، توازي كل واحدة منها غلافا زمنيا لا يقل عن 75 ساعة. وفي الحقيقة هناك صعوبات فعلية أمام محاولات التوفيق بين العمل المهني ومتابعة الدروس، فإما أن يضحي الموظف بعمله وواجباته المهنية ليواصل دراساته ويتمكن من الحضور الدائم، وإما أن يلجأ إلى التوفيق بينهما باعتماد أساليب معروفة في هذا الباب ولا تصمد أمام واقع الممارسة. وإذا وضعنا في الاعتبار أن التغيب أكثر من حصتين تعرض الطالب للحرمان من اجتياز الامتحانات، أو الطرد في نهاية المطاف،فإن المذكرة تتضمن وجها من أوجه المجازفة، وتحل المشكلة القائمة بخلق مشكلة أخرى أشد تعقيدا، مما سيضع المؤسسات الجامعية في مأزق التعامل مع الموظفين الذين ستجبرهم إكراهات عملهم المهني على التغيب. ولا نستبعد لجوء الوزارة بعد سنة أخرى، بحثا عن شعبوية أعمق، إلى إصدار مذكرة أخرى تؤاخذ فيها المؤسسات الجامعية على حرمان الموظفين من اجتياز الامتحانات ومحاسبتهم على تغيبهم، وقد تبرع في اختلاق معايير وشروط أخرى غير الالتزام بالحضور.
إن ما تؤشر إليه هذه المذكرات، في النهاية،هو طابع الارتجالية في إصدارها،وضيق الأفق الاستراتيجي الذي تتعامل الوزارة من كوته مع معضلات التعليم العالي ببلادنا، إضافة إلى تبني خيار السطحية والشعبوية في معالجة قضاياه البنيوية.
وفي تقديرنا فإن صيغة هذه المذكرات تشكل مظهرا صارخا للتدخل في صلاحيات المؤسسات الجامعية، وتدمير استقلاليتها المفترضة، فالتسجيل في سلك الماستر لا يخضع لإرادة أو مزاج الوزارة الوصية كما توهمنا هذه المذكرات، بل هو محكوم بشروط خاصة، فاعتماد أي تكوين على مستوى الماستر يتم بناء على دفتر تحملات محددة ومواصفات بيداغوجية وأكاديمية وعلمية خاصة،ومرجعية شروط الولوج أو التسجيل فيه هو ما يتضمنه دفتر هذه التحملات، فالصيغة التي جرى بها العمل لاعتماد التكوينات في التعليم العالي بجميع أسلاكه( الإجازة/ الماستر/ الدكتوراه) منذ بدايات هذه الألفية، حررت إلى حد ما التكوين الجامعي من القبضة الحديدية المركزية، ووفرت دائرة إمكانات متباينة لتطويره وتجديده.وعموما يمكن القول إن التكوينات ضمن هذا الإطار تتسم بهذه الأبعاد:
1- إن التكوين هو بمثابة عقد يبرم وفق شروط خاصة منصوص عليها، هدفه إنجاز تكوين في حقل أو مجال معرفي محدد، يكون الأستاذ الباحث صاحب مشروع التكوين طرفا أول فيه، والوزارة الوصية و المؤسسة و الجامعة طرفا ثانيا.
2- إن هذا العقد يتضمن التزاما من طرف الأستاذ بإنجاز مشروع التكوين تبعا للملفات التقنية (الوصفية) التي يعدها ويحدد من خلالها الشروط العامة والخاصة التي سينفذ التكوين وفقها.
3 – إن الأستاذ الباحث صاحب المشروع يتقدم بدفتر تحملات يتضمن ،من بين ما يتضمنه، العناصر التالية:
- أهداف التكوين.
- شروط الولوج.
- الوسائل اللوجستيكية والمادية المتوفرة
- آفاق التكوين.
وهو ما يعني بوضوح أن تدبير أي تكوين في سلك الماستر أو ما عداه، تحكمه ضوابط ومعايير خاصة هي التي تؤهله للاعتماد، ومن ثمة فإن دخول الوزارة الوصية على الخط لتحديد شروط الولوج، يفتقد في الواقع لأية شرعية إجرائية أو قانونية.
وفي كل حال، فإن معضلات التعليم العالي ببلادنا لا يمكن اختزالها في مسائل تبدو ثانوية وغير جوهرية من قبيل الطالب المتفرغ وغير المتفرغ، والحضور وعدم الحضور، بل هي أعمق وأبعد من ذلك، و تفرض مواجهتها تبني استراتيجية وطنية للنهوض بالتعليم العالي ووضع سياسة كفيلة بتعزيز قدراته وإمكاناته وموارده ليؤدي دوره المفترض في تلبية حاجات المجتمع المعرفية والإسهام الفعال في تحقيق التنمية الشاملة.
سعيدي المولودي









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة