الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-نيتشه- بين العرب

حمودة إسماعيلي

2013 / 11 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أريد معرفتك أيها المجهول
¤ نيتشه

لقد سعى نيتشه لكشف وتفكيك التراث الفلسفي، فحرر بذلك الفلسفة من ثقل الأخلاق والمُثُل. صارت الفلسفة بعده خفيفة ومرحة وصار الفيلسوف راقصا ومهرجا بدل أن كائنا عجوزا مهموما. فبعد الأفلاطونية اليونانية لم يستطع أغلب الفلاسفة الانفكاك من قبضة أرسطو، حتى ظهور نيتشه صاحب المطرقة الذي لم يتوانى عن تحطيم كل الأوثان الأخلاقية والدينية العالقة بالفلسفة. فيفتح لها بذلك بابا واسعا نحو عالم شاسع ترتع فيه كما تريد، فحوّل الكتاب الفلسفي لنسر يحمل القاريء نحو السهول وبين الغيوم وفوق الجبال، يخرجه من ضيق المجتمع والأخلاق ورائحة الرعاع النتنة والخانقة ـ الأخلاقيين ورجال الدين بتعبير نيتشه ـ نحو الشواطئ وهواء البحر المنعش للإنسان، نحو مغامرات صبيانية حرة يكشف فيها الإنسان عالمه، يتحول على إثرها لمحارب يسخر من الألم ومن حروب المجتمع ويعيد صياغة المتعة للتصالح مع الجسد. نيتشه أو "شوبنهاور المرح" هو المفكر الذي رأى المسيحية ك"أخلاق للعبيد" وكذلك أسماها، وجدها كما يقول عنه برتراند راسل "منحلة ومفعمة بالعناصر المفسدة العفنة.. ومنكرة لقيمة الكبرياء والاختلاف والمسؤولية العظمى والنزعة الحيوانية الرائعة وغرائز الحرب وتأليه العاطفة والثأر والغضب والشهوانية والمغامرة والمعرفة، وكلها عناصر خير تقول عنها المسيحية إنها شر". فقسوته كشفت هشاشة التراث الإنساني الفكري وما علق فيه من رفضٍ للحياة وتقزيمٍ لإرادة الإنسان.

وكما كان رفض نيتشه المعلن للأخلاق المتوارثة وللديانة المؤسسية، فكذلك كان كرهه للعرق الألماني وخاصةً لنسبه (أمه وأخته)، فلم يتوانى عن مهاجمة هذه المواضيع بغرابته المعهودة. إلا أنه بالنسبة لمقال نشرناه سابقا (وهو الدافع لكتابة هذا التعقيب) حول نقد نيتشه للعرب ! . المقال صُنّف ضمن خانة المقالات الساخرة عند نشره، وذلك للتعريف بنوعية الخدمة التي يقدمها مضمون المقال، وهي السخرية هنا. وحينما نقول سخرية فإننا نشير بذلك للهزل والمزاح والنكتة والتسلية دون أن ننفي أن هذه الأمور لا تحمل نقدا جادا أو إفادة للمتابع، مثلها في ذلك مثل النكتة التي تخدم التسلية والترفيه والتفريغ النفسي والأهم من ذلك أنها تعالج موضوعات معينة وتتناول طابوهات وتعالجها بطرق غير مباشرة. والمقال كذلك لم يخلو من النكتة، فقد قمنا بالتلاعب ببعض الألفاظ لخدمة نفس الغرض الذي تخدمه النكت. فغيرنا بعض الألفاظ في تعابير نيتشه ووضعنا بدالها كلمة "عرب"، حتى بدا أن نيتشه يتناول العرب فعلا بالتحليل، وهذا راجع لتشابه الطبيعة البشرية في أسسها أو جوهرها، فالطبقات الاجتماعية تتشابه فيما بينها بغالبية الدول، والمجموعات الإنسانية المعينة لاتختلف كذلك عن بعضها البعض بمختلف المناطق، مثل الفنانين والعباقرة والمجرمين والمغفلين والعاطلين والمجانين الخ.

فتم تبديل لفظ "دعاة الرب" بكتاب "هكذا تكلم زاردشت" ل"عرب" فصار الكتاب "هكذا تكلم زين العابدين". وتم استبدال كلمتي "أمي وأختي" و "ألمان" (كذلك) بلفظ "عرب" وبدل وضع العنوان الأصلي الذي أُخدت منه الفقرة "هذا هو الإنسان" صار "هؤلاء هم العرب".

رغم ذلك فإن قُرّائنا العرب الطيبين (بالصفحات الاجتماعية التي تعنى بالمقالات الثقافية)، ظنوا أن نيتشه يتناول في نقده فعلا العرب، ليطال المسكين أغرب أنواع الرد، فهناك من نعته ب "الحمار" و"المجنون" و"تبا لك" !! وما سواه من النعوت التي يلقيها الناس على بعضهم البعض، وهناك أيضا من عاب عليه تناوله للعرب برؤية بتلك الطريقة، بل إن الأخطر من كل هذا هو بعض من حاولوا أن يوضحوا أن كلام نيتشه لا يجب أخده بالحرفية، بل يلزم تأويله واستخراج المعنى من تناول المجتمع العربي بالنقد. رغم أننا تعمدنا الإشارة إلى أن المقال مجرد مزحة، فنيتشه ربما لا يفرق بين العرب وهنود آسيا.

فالأمر الذي لا يلزم السكوت عنه هو أن المقال وُضِع فيه كاريكاتير لنيتشه وهامش للشرح ذُكِرَ فيه بالحرف أن : ـ "فريدرش نيتشه : فيلسوف ألماني ذو أصول عربية، تُرجّح بعض المصادر إلى أن سبب جنونه هو معايشته للعرب بالفترة التي قضاها بالبحث والتحري عن أصوله". حتى أن هناك من طلب المصادر ؟! والكثيرون تساءلوا حول صدق هذه النقطة (وعلى استعداد ربما للتصديق)، والبعض أنكروا بكل قوة أن تكون له علاقة بالعرب ! فهو مجرد كاذب وملفق !! .

إن زاردشت اشتهر مع نيتشه (كشخصية بروايته الشعرية) أكثر مما هو معروف كنبي فارسي. ويبدو أن نيتشه لم يتوقف بقلب الفلسفة الغربية وتفكيكها، بل يستمر في عمله ليكشف لنا عن العقلية العربية كذلك، التي لا زالت تعتمد على رد الفعل الغريزي بالصد والشتم واللعن والرفض والعدائية، بدل العقل والتروي والتفكير في التعامل مع الأمور الحياتية وخاصة المواضيع الثقافية، فكيف يُعقل أن يدركوا ويفهموا الأمور باعتمادهم على "الأميجدالا" بدل الإعتماد على "القشرة الأمامية للدماغ" وهي التي تميزهم عن كافة الكائنات الحيوانية. فحقا إن الذكاء شبه منعدم عند العجز عن لمح المزحة في موضوع ساخر.

يعي العالم أن المجتمع العربي يعرف مبادئ ومثُل راقية، مثله مثل كثير من المجتمعات والثقافات الأخرى. فحتى المجتمع الأوروبي كان يعرف تقاليد وأخلاق ومُثل إلا أنه لم يسلم من سخرية فولتير وديدرو وباقي المفكرين الذين شكلوا عصر الأنوار، فرسموا بسخريتهم واقعا أفضل وأرقى يستحقه الإنسان ككائن مفكر يرغب دائما في عيش حياة أفضل تليق به وبعقله. حتى أن من المهتمين النفسيين من يشيرون إلى أن السخرية من المخاوف أو الأوضاع الاجتماعية المقلقة والغير مرغوبة، تفيد أو تساعد على تجوازها. فالسخرية نفسيا تخفف من الأزمة.

لكن رغم أنه يبدو أننا لازلنا نصدّق النكت، وقد لا نفرق بينها وبين الواقع (أو الأحداث الواقعية)، إلا أن هناك استثناء. فهناك دائما اختلاف، هناك دائما من لاينطبق عنهم النمط السائد، كما أن هُناك من أعجبوا بالمقال وتلقوّه كمزحة مسلية مفيدة.

يقول نيتشه واصفا نفسه : "قاس ولطيف، خشن وشفاف، واثق وغريب، قذر ونقي، مجنون وحكيم ؛ كل هذه الاشياء أنا وأود ان أكون حمامة، أفعى وحمارا في نفس الوقت". فهو أدهى من أن ينتظر عربيا لأن ينعته ب"الحمار" ! أو "المجنون" أو "القذر" ! .

_______________________________

ـ المقال السابق : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=384730








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لمحة عن حياة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي


.. بالخريطة.. تعرف على طبيعة المنطقة الجغرافية التي سقطت فيها ط




.. شاهد صور مباشرة من الطائرة التركية المسيرة -أكنجي- والتي تشا


.. محاكاة محتملة لسقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في م




.. أبرز حوادث الطائرات التي قضى فيها رؤساء دول وشخصيات سياسية و