الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهالوين – شاهد على أسرار البنية الدينية

نضال الربضي

2013 / 11 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الهالوين – شاهد على أسرار البنية الدينية

يمثل أكتوبر 31 من كل عام تاريخا ً مثيرا ً للجدل حيث يحتفل الغربيون بعيد الهالوين، هذا العيد البهيج الذي يخرج فيه المحتفلون بأزياء تنكرية متنوعة في طواف ٍ ليلي بين البيوت و الأحياء، يقرعون الأبواب و يحصلون على الحلوى من المنازل، احتفال ٌ بهيج يجمع البلدان و يُتيح للأطفال أن يشعروا بشعور ٍ جامع يساهم في تحديد هوية المجتمع و يزيد من ترابطه و تماسكه و يشهد على استمرارية القديم في الجديد و استيعاب الحاضر للسابق.

كلمة الهالوين مشتقة من All Hallows’ Eve و معناها "عشية كل الأطياف" ولو تأملنا أصل الهالوين السابق ثم الإسقاط المسيحي اللاحق سنجد هنا أن كلمة "الأطياف" أو Hallows ستجمع بين الأرواح من مثيلات الجن و العفاريت (في الفهم العربي)، أشباه الآلهة، أرواح الأموات، أرواح القديسين و الأرواح الشريرة، في بوتقة واحدة.

ما هو الهالوين؟

هناك الكثير من الآراء في الهالوين، فمن الرأي الذي يقول أنه عيد نابع من الاحتفال بآلهة الفاكهة الرومانية بومونا إلى الرأي الذي يقول أنه يجد أصوله في الاحتفالات بأرواح الأسلاف و الأجداد القديمة، إلى ذلك الرأي الذي يقول أنه اليوم الأهم على رزنامة السحرة و المشعوذين كون القوى السالبة تكون في أوجهها، هذه الآراء التي تجد صدى لها في ممارسات الهالوين نفسها مما يشي بصحتها الجزئية.

إلا أنني أميل إلى الرأي الذي يرى أن أصول الهالوين تعود إلى ممارسات "احتفالات الحصاد" عند السلتين القدماء و هم شعوب ٌ أوروبية تركزت في شمال و غرب أوروبا و و ما زالت اليوم موجودة في المناطق المعروفة بإيرلندا، سكوتلندا، ويلز، بريتاني، كورنول و أيل اوف مان.

موعد احتفالات الحصاد هو انتهاء فصل الصيف و بداية الخريف و الشتاء، و كانت تتم في تواريخ متعددة إما في أغسطس أو سبتمبر أو أكتوبر حيث تم تثبيت اليوم الأخير منه لهذا الاحتفال، حول قمر الحصاد المُكتمل، و لعلنا لا نُخطئ القول إن رأينا في هذا الاحتفال جذورا ً أعمق تعود إلى أصول العبادات القمرية التي ترى في القمر الألوهة المؤنثة و التي تعطي سرها للأم الكبرى (المرأة) التي شكلت عباداتها القمرية الدين الأول المنظم، فالقمر المكتمل هو رمز اكتمال الألوهة.

في احتفالات الحصاد اعتراف ضمني بوجهي الألوهة الأبيض و الأسود، الأول هو الوجه الذي أعطى الثمار و المحصول في نصف السنة المشرق و الجميل (الربيع و الصيف) و الثاني الأسود هو الوجه الذي تغيب فيه الثمار و المحاصيل و يسود الليل و الظلام في فصول الخريف و الشتاء، هذه الفصول التي تنشط فيها الأرواح الشريرة التي يجب إرضاؤها في هذه الاحتفالات و اتقاء شرها و تقديم القرابين و الهدايا لها و الاعتراف بفعلها و مكانها.

مع دخول المسيحية إلى البلدان الأوروبية كانت الممارسات الدينية الأولى للشعوب ما تزال فعالة في الضمير و الوعي الفردي و الجمعي و لم يكن من السهل اقتلاع الممارسات المتعلقة بالدين القديم حتى لو أصبح الجديد هو السائد، فكان الحل أن يتم إعطاء القديم إسما ً و شكلا ً جديدا ً و هدفا ً جديدا ً و إدخاله في الجديد حتى لا يتم قطع المتدين عن موروثه و خلفيته و بتره عن جزء مهم من تاريخه و ثقافته و هويته و الأخيرة هي الأهم.

و لو دققنا في تواريخ جميع الأديان سنجد أن هذه هي القاعدة العامة، فاليهودية أخذت من الفرعونية و البابلية، و المسيحية أخذت من اليهودية و الوثنية و الإسلام أخذ من الصابئة و الوثنية العربية و اليهودية و المسيحية، في عملية استيعاب القديم المسماة Assimilation ، و هي كما شرحتها في الأعلى عملية يصبح القديم جزءا ً من الجديد إما بكليته أو بجزئيته، إما بشكله القديم الكامل أو بشكل تحويري آخر لا تُخطئه العين الفاحصة و المُدققة و المُتتبعة لجذوره.

كيف تم استيعاب الهلوين في المسيحية؟

في المسيحية أصبح المؤمن لا يقصد أن يسترضي الأرواح الشريرة و يضمن حيادها و يتقي شرها و فعلها المؤذي، فالمسيح كفيل ٌ بهذه الحماية و المسيحي يؤمن بالعناية الإلهية و الخلاص المشيحاني. فأصبح المسيحي يوم أكتوبر 31 يستعد للصلاة من أجل أرواح الموتى من عائلته و من العائلات المسيحية و من عائلات العالم أجمع دون تميز (هذه الأخيرة حديثة)، و هو أيضا ً يذكر جميع القديسين المسيحين الموجودين في السماء و الذين نطلب صلواتهم أمام الله تعالى لأن الكنيسة المجاهدة (الجهاد هنا روحي فقط و لا معنى آخر له بتاتا ً) و التي هي على الأرض متصلة اتصالا ً تاما ً بالكنيسة المنتصرة الممثلة بالقديسين و الأموات المسيحين الأبرار في السماء. ثم جعلت الكنيسة اليوم التالي أي يوم نوفمبر الأول يوم تذكار جميع الأموات، فأصبحت عشية الهالوين هي عشية صلاة و النهار اللاحق نهار صلاة ٍ أيضا ً.

شخصيا ً أرى أن هذه السياسة في استيعاب الأعياد الدينية السابقة و التي تتجلى أيضا ً في عيد الميلاد (لكن لذلك حديث آخر) و إضفاء معنى جديد عليها هو أمر محمود ٌ و حكيم، لأنه أولا ً و قبل كل شئ يعترف للأمة التي اعتنقت الدين المسيحي بهويتها و تراثها و تاريخها و لا يفصلها عن هذا التاريخ و لا يشوه هذه الهوية، فهي تستمر في الدين الجديد، دون بتر.

لا أرى غضاضة ً من الاحتفال بالهالوين في الدولة الغربية بمظاهره الاحتفالية من زينة و طواف بين البيوت و الأحياء و طلب و إعطاء الحلوى، لكنني لا أستطيع أن أفهم هذه المظاهر بيننا كمسيحين عرب، فنحن لم نحتفل يوما ً بهذه الطريقة قبل المسيحية، و لم نكن نمارس هذه الطقوس على الرغم أن طقوس الخصب كانت تشكل الدين السائد عند جميع أهل المنطقة قبل و أثناء اليهودية لكننا لم نمارس الطقوس الأوروبية بحذافيرها. هذا ما يجعلني أجد في مظاهر الهالوين عندنا نكهة غربية غريبة لم نعتد عليها.

لست ُ ضد الاحتفال بالهالوين في بلداننا العربية لكني أحسه دخيلا ً غير أصيل، و أفضل أن نلتزم في الجانب الصلاتي و الروحي منه لأؤلئك الذين يجدون في هذه الدعوة يوما ً آخر للنمو الروحي. أما أنا فسأذكر أمواتنا جميعا ً و أطلب لهم من الرب الراحة الأبدية سائلا ً من أجل أموات البشر جميعا ً:

"الراحة الأبدية أعطهم يا رب
و النور الدائم فليضئ لهم"

آمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تمنع أطفالا من الدخول إلى المسجد الأقصى


.. رئاسيات إيران 2024 | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامي




.. 164-An-Nisa


.. العراقيّ يتبغدد حين يكون بابلياً .. ويكون جبّاراً حين يصبح آ




.. بالحبر الجديد | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامية الإ