الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسي , الضجر , رجلٌ رمادي .

علي لّطيف

2013 / 11 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الأسي , الضجر , رجلٌ رمادي .

علي الطيف *

لم ارث الأمل , لا اعتقد ان الأمل يمكن ان يورث , ايها الأسي النحيل , هل لديك سيجارة ؟

خيبة الظن تلازمني هذه الأيام , اشعر بالفراغ و لا يمكن لأي أسي ان يملئني , بكوني فارغ راقت لي فكرة مشاهدة الجدران المختلفة في شوارع المدينة , رتابة الأيام حتمت علي ذلك , الضجر لا يمكن له ان يأمرني بفعل شي لا أريده .لا يوجد دافع معين جعلني اقرا كل كلمة علي كل حائط, اريد ان اقرأ فحسب , اغلب الاحيان لا املك دافعاً لافعالي, ليس الامر انني لا اريد ان املك دافعاً , لست املك واحداً فحسب .
ليبيا سنة 1972 , بعد عدة اسابيع من عملية ميونخ, ثلاث فدائيين من منظمة ايلول الأسود قدموا الي ليبيا من ميونخ , رفاقهم خطفوا طائرةً و تفاوضوا مع الحكومة الألمانية علي إطلاق سراحهم , الحكومة الالمانية اذعنت الي مطلبهم . عندما قدموا الي ليبيا قابلتهم جموع الجماهير بالتهليل و الغناء , اقاموا مؤتمراً صحفياً , جلسوا ثلاثتهم علي طاولة بُنية و ورائهم وقف احد الليبيين يُترجم لهم كلامهم .

سأل الصحفي أحدهم : هل اطلقت النار علي احد الاسري الاسرائيليين ؟
أجاب الفدائي : ليس مهما لو اني قتلت إسرائيلي او لا .
سال الصحفي فدائي آخر : ماذا ظننتم انكم انجزتم ؟
اجاب الفدائي الجالس علي اليمين : قد سمّعنا صوتنا للعالم الذي كان ينسانا .
سأل الصحفي جمال الجاشي الفدائي الجالس في المنتصف : هل هذا اعتقادك أيضاً ؟
أجاب الجاشي : بالطبع .

السخرية حاضرة اينما وُجد اي فعل , و لأي دافع كان الفعل . عندما كان الفدائيون يبحثون عن مدخل الي المجمع الرياضي الذي يسكنه اللاعبون الأسرائليون , قابلوا مجموعةً من اللاعبين الاميركيين , اخبرهم الامريكيون ان الباب مقفل و عليهم ان يقفزوا من السياج , ساعدهم الامريكيون علي ذلك , بعدها تمنوا لهم ليلةً سعيدة و تركوهم علي حالهم . في بادئ الامر اثار في غباء الامريكيين الضحك , و لكن هل يجدر بي الضحك علي حُسن نية لاعبين اولمبيين لمساعدة من ظنوهم لاعبين مثلهم ؟ لا أحتمل إلا ان اكبح نفسي عن اي مشاعر تتكون فيّ . اصبحت اعتقد اليوم ان كل فعل لا يمكن ان يكون خالصاً بالشر او بالخير . الامر مثل الوجود , يجمع كل شي و لا يوجد سبب مقنع يجعلك تنهض صباحاً علماً منك انك لن تستطيع ان تكون خالصاً , و ان الشائبة تلاحقك مهما كُنت تسعي للكمال , السنا شوائب ؟ فضائيون علي هذه الارض ؟

ذكرت في بداية كلامي , اني احب النظر الي الكلام المكتوب علي الجدران , تلك الُجمل و الكلمات مفتقرة الدقة اللغوية و النحوية , تفتح لي نافذة علي ذوات الاخرين , الاخر يبدو ممتلئاً بالعاطفة , افتقر الي العاطفة . لهذا انظر الي الجدران , لأشعر بشي من العاطفة . ما زلت احاول , احياناً ينجح معي الأمر , في معظم الاوقات تُتعب عيني فحسب . العاطفة تملك الإنسان , تجعله موجوداً , تجعله يملك دافعاً , الجهاديون في الشرق الأدنى تستعبدهم , جُل ما يقومون به نابع من رغبةٍ دفينة و هي ان يُحبهم الله , لا اظن ان حور العين و انهار الخمر دافعهم الرئيسي . كما قتل قابيل هابيل لأنه اراد ان يتزوج زوجة اخيه , لأنه اراد ان تُحبه , فجّر الجهاديون انفسهم في من يظنون انه عدوهم , لأنهم ارادوا ان يحبهم الله .
الله , الوطن , الحب , وجوهٌ لكيانٍ واحد . عيسي , جمال الجاشي , روميو , الثلاث معاً , الثلاث شخصٌ واحد في الاصل , الثلاث تحملوا الألم و المخاطرة و القهر من اجل الحب , عيسي شُوه جسده من أسواط الرومانيين من اجل الله . روميو فضل جولييت عن عائلته , فضل الموت عن الحياة من غير جولييت , شرب السُم كله و لم يترك لجولييت اي قطرةً منه, لم يرد لها الموت, روميو ليس شخصية خيالية . جمال الجاشي قتل الأبرياء لان القتلة قتلوا اخوته الابرياء , جمال فعل ذلك من اجل ان تبقي قضية وطنه علي مرأى من العالم , يعلم ان وطنه لن تتحرر بما فعله , لكنه فقط اراد ان يري اسم فلسطين علي نشرات الأخبار و وجوه الناس , كرهوا ما فعله ام لا , جمال لا يهمه انه إرهابي , يهمه وطنه فحسب .
يحق لي ان اشعر بخيبة الأمل , الحروب ما لا تزال تُقام , قديماً كانت تُقام من اجل الفقر , اليوم تُقام الحروب من اجل المال . اظن ان تعريفي للحرب تغير , قديماً كنت اظن ان الحرب يجب ان تكون كالحرب العالمية الاولي و الثانية , او حرباً من طرفين , اليوم الحرب في نظري هي وجود الموت بضحيةِ واحدة او من غير ضحايا , الموت بسبب الكُره و الحب مجتمعين . بشئ غريب , تتعالي صيحات الأمل في الحُروب , ربما لهذا يجب ان توجد , لكي يوجد الأمل .
أرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض . هذه الجملة شعار اليهود الصهاينة في بداية استيطانهم لفلسطين . الجدران المهجورة من عاطفة البشر تقول ذلك في موطني , ابصق عليها كل مرة مقتنعاً بكلامها البذيء عندما تقول لي ذلك , ربما لم اعترف بذلك من قبل , الحقيقة مؤلمة مهما كانت , و حقيقة اننا غير مؤهلين لننتمي لهذه الارض ترهقني كل يوم , لا اتكلم عن الافراد فُراداً في طوابير المخابز و محطات البنزين و المصارف , الفرد كفرد منفرد كائنٌ طيب, اتكلم عن الطابور كذاتٍ غير واعية تُحقر قيمة الفرد, لا تعرف ما تُريد , و لا اظن انها تُريد ان تعرف معني الإرادة علي اي حال .

جورج أورويل كتب في متشرد في باريس و لندن ان البؤس يُحررك من كل المقاييس المألوفة للسلوك , انا بائس لهذا اشعر بالحرية , اغلبهم يظنون ان في الحرية تكمن السعادة , لا اؤمن بذلك , اعتقد ان حريتي مختلفة عن حرية ابي و امي , حريتي تكمن في تخلصي من كل طموح املك , الطموح يسرق وجودك فتصبح شخص آخر لا تريده , الطموح ليس دافعاً مقبولاً للحياة , لا يوجد دافع مقبول للحياة إلا ملئ الفراغ . الامر مملً ان لا تملك دافعاً مهماً كوطن او كالله او أمرآة جيدة , الأمل يجعلك تملك دافعاً , و الحرب تجعل أملك حياً . أبحث عن الأمل في لوحة فان غوخ " ليلة مرصعّة بالنجوم " بعدما سرق ديك الجيران بصياحه ليلي .
يحدث مرةً ان يُولد المرء رمادياً ما بين الابيض و الاسود , يحدث مرةً ان يسبح الرمادي في البحر , فيعشقه و يجعله وطناً , لما لا نسكن في الماء يتساءل الرمادي ؟ يذهب الي جدارٍ ما و يكتب الماء سؤاله , لا يجد رداً , الجدار يمتص الماء و حرارة الجو تُجففه . بعد فترة من المحاولات الفاشلة ييأس الرمادي , يملكه اليأس بعدما سرق البيض و السود البحر بكمالهم المصطنع , و في يومٍ ما يختفي أساه و يُصبح فراغاً , يحاول ان يملئ فراغه بكل شي يراه , لا يستطيع , فكُل شي أُخذ منه , حتى بؤسه , يختار ان يكون حُراً فلا يستطيع , فيُصبح فارغاً مثل الوطن الذي يعيش فيه يسأل الاسي النحيل عن سيجارة . فلا يُجيبه الأسي ابداً . هذا الرمادي هو أنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بذكاء وتخطيط محكم نفذ اكبر سرقة بنك في بريطانيا


.. تفاصيل صغيرة منسية.. تكشف حل لغز اختفاء وقتل كاساندرا????




.. أمن الملاحة.. جولات التصعيد الحوثي ضد السفن المتجهة إلى إسر


.. الحوثيون يواصلون استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل ويوسعون ن




.. وكالة أنباء العالم العربي عن مصدر مطلع: الاتفاق بين حماس وإس