الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد تجربة حزب التحالف الشعبى الاشتراكى و فكرة اليسار العريض

أحمد أبوزيد

2013 / 11 / 7
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


حزب التحالف الشعبى الإشتراكى، وفقا لمنطق تأسيسه فهو حزب خرج من رحم إنتفاضة 25 يناير فى مصر، و هو يسعى الى توحيد قوى اليسار، بمختلف اتجاهاتها، لمواجهة تيارات اليمين الفاسدة، أو الرجعية، سواء كانت فى السلطة أو فى المعارضة، و وفقا لبرنامجه السياسى ، فهو حزب يسعى الى بناء دولة ديموقراطية، ذات اقتصاد له طابع اشتراكى، ينحاز الى الفقراء، ويسعى الى الاعتماد على القوى الذاتية للمجتمع، للنهوض به ، وبهذا فهو يؤمن بالجماهير، وحقها فى المشاركة المجتمعية، من أجل تحديد وجودها، وبالتالى الوصول الى الوعى بهذا الوجود، الى أن تستطيع التغيير، و إحلال سياسات و علاقات انتاج ظالمة بسياسات وعلاقات انتاج عادلة ، تلك التى تؤسس الى مساواة فى الفرص، والإنهاء على كافة أشكال التمييز، وخلق الوفرة الاقتصادية وعدالة التوزيع للثروة.

و وفقا لهذا التصور ، ولو كان مبالغا فيه مقارنة بممارسات الحزب و الوضع الاجتماعى لأعضاءه ومعتقداتهم السياسية ، وفقا لهذا الرفض لكل أشكال الإستبداد، والاهمال من قبل الدولة تجاه الجماهير ومعاناتها، وجد فيه الكثيرون ممن شاركوا فى الانتفاضة، وإتفقوا مع شعاراته ، المكان المناسب لتطوير نشاطهم السياسى والاجتماعى ، بعد انفتاح المجال السياسى فى مصر الذى أعقب سقوط مبارك ، وإنضم يساريون قدامى مؤمنون بإتحاد قوى اليسار، وتجاوز خلافاتها الفكرية مؤقتا لتحقيق الهدف المشترك المنشود، ولكن مع توالى الاحداث السياسية بعد تنحى مبارك، ظهرت خلافات عدة بالحزب حول مواقف سياسية، كطبيعة التحالفات قبيل الانتخابية التشريعية، و الموقف من مرحلة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية، وتجلى من خلال تلك الخلافات ، التباين الواضح فى الاتجاهات السياسية، وصعوبة تحقيق فكرة اليسار العريض ، واتحاد جميع قواه، وبدأت فترة من الخلافات الحادة ، التى لم تكن ذات مضمونا سياسيا، بقدر ما كانت تجاوزات أخلاقية ، واتهامات بالعمالة أو الرجعية والانحراف السياسى للبعض، و بالتدقيق فى الظرف الذاتى والموضوعى للحركة الوطنية المصرية، بيد أن فكرة اليسار العريض باتت فكرة مثالية أكثر منها واقعية فكل اتجاه سياسى بالحزب، إنغلق على نفسه متهما الاخر بالإنغلاق الفكرى فى نفس الوقت، حتى وان كانت الخلافات فى "حينها" خلافات هامشية، وليست جوهرية ، ونتج عن ذلك طابع عصبوى شللى ، أصبح هو السمة المميزة للحزب ، وغاب التثقيف الممنهج ، و غابت مدارس بناء الكوادر ، وأصبح لكل وحدة جغرافية مواقف سياسية مختلفة وإن كان ذلك مشروعا أحيانا، وفى اوقات كانت مواقف الوحدة الجغرافية السياسية لا تتسق مع الخط السياسى للحزب ، بالإضافة الى ابتعاد مجموعات من تلك الوحدات ، عن العمل التنظيمى داخل الوحدة نظرا لتباين مزاجهم التنظيمى و السياسى عن باقى الأعضاء المسيطرون على قرار الوحدة ، فى ظل هذه الظروف الصعبة تنظيميا والاحداث السياسية التى أنهكت الحزب فى نفس الوقت فى تلك الفترة الحرجة من الانتفاضة الشعبية والتى زادت من عملية التقسيم بداخله نظرا للمعتقدات السياسية السابقة المختلفة لقياداته، بات من الصعب تجاوز الأزمة ، بدون وجود تيارات داخل الحزب ، تدعوا الاعضاء الى تصحيح مسار الحزب، وتطرح مشاريع للخروج من الأزمة ، ولكن تحولت هذه المحاولات الى تكريس للشللية والعصبوية داخل الحزب، فالتكتل حول الاطروحات كان على أساس عصبوى وليس على أساس سياسى ، فمن الممكن أن ترى داخل الحزب اختلاف عضوين على موقف سياسى ما أو تنظيمى فقط لأن كل منهم مستقطب فى معسكر يعادى الاخر ، وسوف ترى نفس الموقف السياسى أو التنظيمى لا يرفضه من كان رافضه فى البداية عندما يتبنى معسكره هذا الموقف بالحزب.

كان هذا بالأساس على مستوى من كانت لهم تجارب تنظيمية وسياسية سابقة قبل انتفاضة 25 يناير ، أما الرافد الجديد وهو الفصيل الاكثر نشاطا وحركة وسط الجماهير والذى ساهم ربما بالقدر الأكبر فى بناء الحزب ، وهم شباب إنضموا الى الحركة الوطنية فى خضام انتفاضة 25 يناير ، حاملين معهم أحلاما بالتغيير مليئة بالنقاء و ربما بالسذاجة أيضا فى بعض الاوقات ، كانوا فى احتياج الى ممارسة العمل السياسى من أجل الثورة ، وليس من أجل مصالح حزبية ضيقة ، أو تصفية حسابات قديمة من أجل الانتصار لأصدقائهم المسيسين أصحاب الخبرات فى الحزب ، فى معاركهم مع خصومهم فى لجنة الحزب المركزية او مكتبه السياسى ، ولكن تم إستقطاب الكثير من هؤلاء لحلقات ضيقة تكون فيها الصداقة وأحيانا المنفعة الشخصية هى معيار الأتفاق على المواقف السياسية ، وليست القناعة السياسية هى المعيار فى ذلك ، فباتت مواقف الحزب تتباين على أساس صداقات، ومنافع شخصية ضيقة ، مثل الوعود بالمساندة فى انتخابات لجنة مركزية ، أو أمانة حزبية ، وليست سياسات ، وبهذا غابت الرؤية المتماسكة للحزب ، والحضور القوى فى الوسط السياسى ووسط صفوف الجماهير، وبدأت فترة جديدة من المؤامرات المحاكة ضد الكل من الكل .

فى ظل هذا الوضع التنظيمي ذات الطابع العصبوى ، أصبح الحزب بيئة صالحة لمرتزقة السياسة ، وأصحاب الميول الانتهازية ومتسلقى العمل الحزبى والسياسى ، بل أصبح أيضا مساحة للدعاية السياسية للاتجاهات المختلفة المؤسسة له ، وان كانت تلك الدعاية مشروعة ولكن تم استخدام أحط الاساليب من المتصارعون داخله ، واللجوء الى تزييف الحقائق ، ونشر الشائعات ، والعصبوية فى التكتل حول المواقف ، من أجل التسويق للأفكار ، فبعض التجمعيون السابقون أصبحوا يفعلون بالحزب ما كانوا يرفضونه بحزب التجمع ، فالعضويات الورقية أحيانا ، والتسلط والبيروقراطية ، والشللية بطبيعة الحال ، والإتهامات والإقصاء للمختلفون معهم ،أصبحت وسائلهم فى الدفاع عن أفكارهم السياسية ومواجهة من يختلف معها ، وهناك بعض الأعضاء القدامى المنتمون لتيار التجديد الاشتراكى ، الذين لم يستطيعوا كسر الطابع العصبوى والطفولى فى كثير من الأوقات، بل أيضا الانتهازية فى خوض معاركهم داخل الحزب ، ومحاولاتهم لإستقطاب الشباب غير المسيس بغير موضوعية فى النقاش السياسى أحيانا ، وأحيانا اخرى بإنتهازهم لخلافات الشباب مع القيادات التجمعية فى بعض المحافظات، وتشجيعهم على ذلك حتى وإن كانوا هؤلاء الشباب يقعون فى خطأ سياسى وتنظيمى، أما بعض من يطلقون على أنفسهم اليسار الديموقراطى داخل الحزب، ومن كانوا يظهرون دائما بمظهر التيار المتزن التقدمى المدافع عن الديموقراطية ، والذى يتصدى للإتجاه البيروقراطى والإنغلاقى والإنتهازي أحيانا للتجمعيون ، والمتصدى أيضا للانحراف اليمينى للأعضاء القدامى لتيار التجديد الاشتراكى ، ومواقفهم السياسية التى تخدم التيارات الدينية، ولو كان هذا بعيدا عن العمالة التى يدعيها بعض التجمعيون فى خلافهم معهم بقدر ما هى إنحرافات سياسية تستند الى فلسفة مثالية، لكن فى خضام أزمة الحزب ونزيفه وتشبث البعض بالبقاء للدفاع عن التجربة ، نستطيع الان أن نرى بكل وضوح مدى انبطاح سياسات بعض هؤلاء الديموقراطيون تجاه الواجبات الثورية، والعمل وسط الكادحين ، فهم بطبيعة الحال فى ظل المساحة السائلة فى الحزب ، يروجون لسياساتهم ويستقطبون العدد الأخير قبل الخروج من الحزب ، مثلما فعل بعض الأعضاء القدامى المنتمون للتجديد الاشتراكى قبل خروجهم ، عندما اتهموا التجمعيون بالانغلاق الفكرى, ولو كانو محقين فى ذلك, بدون الحديث عن أية مواقف سياسية ,أو طرح طرق اخرى للعمل , أو دعوة أعضاء الحزب للعمل على قضية ما وسط الجماهير, فهم أسرفوا فى ديماجوجيتهم أكثر من العمل, وها نحن نراهم الان ينبطحون مرة اخرى لخدمة التيارات الدينية ويشكلون جبهة تضم بعض منتسبى تلك التيارات ولو فكرا فقط, أو جبهة لا تكون موقف صارم تجاه الارهاب الدينى ومخاطر التدخل الخارجى, بل انها لا تسعى الى العمل الا بطريقة نخبوية تستبدل فيه نفسها بالجماهير, أما هؤلاء اليساريون الديموقراطيون فهم يتهمون البعض بأنهم خارج الواقع ويطالبون بالتوقف فى الحديث عن كون الصراع الطبقى هو أساس الصراع بين الجماهير والسلطة ، و أن الواجب السياسى الأول من أجل الثورة للحركة هو بناء حزب يسعى لتحقيق الديموقراطية , وتبنى خطاب سياسى ديموقراطى يسعى لجذب الجماهير اليه وبناء قاعدته الحزبية ، وفى الحقيقة إن كان هناك أحدا خارج الواقع فسيكون من يروج لمثل هذا الخطاب ، أى حزب هذا يدعون انهم يسعون لتأسيسه من أجل الثورة بعد خروجهم، وهو حزب مجموعة من البورجوازيون يسعون الى تحسين شروط الرأسمالية ، عن طريق التغيير السياسى فى السلطة وليس التغيير الاجتماعى ، إن التغيير السياسى لا ينتج عنه تغييرا اجتماعيا بل إن التغيير الاجتماعى هو ما ينتج عنه التغيير السياسى ، تنظيم العمال والفلاحون والفقراء ضد أقلية المجتمع من الرأسماليون المحتكرون لامتيازات اقتصادية واجتماعية وسياسية ، الدفاع عن مطالب الجماهير ، تبنى قضاياهم الاجتماعية والدفاع عنها معهم وليس بديلا عنهم من واجبات الثورة الملحة الان ، فعفوية الجماهير وانتفاضاتها المتوالية منذ 25 يناير من أجل العدالة الاجتماعية تحتم علينا العمل على تنظيمها وتبنى مطالبها ، البعد عن الجماهير والسعى للنضال كبديل عنهم واختزال النضال فى مطالب لا تعبر عن بؤسهم اليومى كالدستور وانتخابات تشريعية ورئاسية وفقط ،ما هو الا عمل نخبوى من قبل بعض أفراد طبقة ، تعادى الجماهير، و لا تسعى الا الى تحسين شروط الاستغلال، وليس انهاء الاستغلال وتحرير الجماهير من البؤس.

فى ظل هذا الصراع الغير مسئول و الغير مدرك لخطورة اللحظة والدور الملح لحركتنا ، تأخذنا جميع تلك الاتجاهات السياسية بحزب التحالف الى مستنقع السياسة بممارستها السياسية ذات الطابع البورجوازى النخبوى ، مما إنعكس على مواقفها التنظيمية السلبية تجاه أى تطور حزبى ، وتجاه أزماته ، تعمل على إحباط الكثيرون ممن إنضموا للحركة حديثا بعد الانتفاضة الاولى فى 25 يناير وليست لديهم ثقافة الصراعات التنظيمية ، و تلهيهم عن العمل والواجب الثورى ، و تنهى على تجربة كانت من الممكن أن تعمل على تطوير الحركة و خلق افاق جديدة لها ، ليس بالضرورة الى التغيير الجذرى للمجتمع ، ولكنها كانت ستعد خطوة ضرورية فى التراكم نحو بناء حركة قوية لليسار المصرى ، وبالتالى نحو مجتمع اشتراكى.

فى ظل هذا الصراع الذى يدفع بالحزب بطبيعة الحال نحو اليمين ، خاصة مع تغير الواقع السياسى بعد 30 يونيو ، و الانحراف اليمينى لمعظم القوى السياسية، وإنبطاح الحزب للدولة وسلطتها السياسية فى أغلب مواقفه السياسية , وصمته تجاه انتهاكات أجهزة الأمن ، حتى و لو كان هذا الصمت يتخلله بعض المواقف الرافضة على استحياء, هذا الرفض بدعوى الوطنية والحرب ضد الارهاب ، الذى نعلم أنه من صنع الدولة بالاساس ، قبل أن يكون مجرد تطرف وميل فاشى لبعض القوى السياسية الدينية فتلك القوى هى من صنع الدولة وهى من أدوات الثورة المضادة التى استخدمها المجلس العسكرى السابق بعد تنحى مبارك لترويض إنتفاضة الجماهير ، وبهذا أصبح الحزب فى أزمة اخرى ، تضاف لأزماته السابقة التى تحدثنا عنها ، نتيجة لذلك تخلى الكثيرون عنه مرغمين على ذلك ، لإنعدام مساحات النضال الى حد كبير ، واستبدالها بمساحات من الإستقطاب السياسى الغير موضوعى ، والمتسم بتحفيز الميول الانتهازية لدى بعض الشباب ، أو استغلال غياب الوعى لدى البعض الاخر، وتستمر المعركة داخل الحزب بين مناضلون قليلون رفضوا الاستسلام ويصرون على إنجاح التجربة وفريق اخر يسود الان و يشعر بأن الحزب قد اصبح له بعد اخلاء الساحة وخروج معظم الاتجاهات السياسية منه بعدما إستنفدت هذه الاتجاهات طاقتها القصوى فى إستقطاب من تستطيع والخروج بهم ، وهو ما يعنى فشل التجربة الى حد بعيد.

بالتأكيد ليست مسألة العصبوية مجردة من الاختلافات الفكرية السياسية داخل الحزب وتنوع روافده، لذلك فوجود حزب لليسار العريض فى ظل حركة مشتتة لليسار المصرى مازالت تعمل على بناء نفسها مرة أخرى وإدراك آفاقها بعد انتفاضة يناير، والتحولات الكثيرة التى حدثت فى المجتمع المصرى فى خضام الانتفاضة ،هذين الظرفين الذاتى والموضوعى، يؤثران بلا شك على نجاح تجربة حزب التحالف الشعبى الإشتراكى ، حزب اليسار العريض ، تنظيم يتم الجمع فيه بين بيروقراطيون ، اصلاحيون وراديكاليون ، ماديون و مثاليون وانتهازيون، جميعهم فى صراع الدفاع عن أفكارهم، هذا الصراع المشروع ولكن فقط عندما يكون فى خدمة الجماهير. الأفكار المشتركة بين قوى اليسار هذه باتت لا تستطيع أن تقود حزبا يسعى الى تغيير المجتمع ، فى ظل مجتمع يتغير سريعا بفعل حالة ثورية ، وفى خضام صراع الجماهير المستغَلة مع طبقة المستغِلين ، لا يبقى لمن يريد ممارسة العمل الثورى إلا أن يعمل على تحرير الجماهير من الاستغلال ، بدءا من تنظيمها والعمل معها فى معاركها اليومية ضد البؤس الاقتصادى و الاجتماعى الذى يتعرضون له, وصولا للحزب الثورى الذى يعبر عنهم ويكونوا فى طليعته ، حزبا صراعه موجها للسلطة ومعايير الاختلاف هى مدى الانحياز لطبقة المستغَلين ، ثم السعى الى الاستحواذ على السلطة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح