الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمام الحسين وإصلاح الأمة

حسين علي الحمداني

2013 / 11 / 8
المجتمع المدني


حسين علي الحمداني
كلما مر عاشوراء تكون لدينا قراءة متجددة للثورة الحسينية تختلف عما كنا نعرفه ، ومع كل عام نستنتج أبعادا جديدة لهذه الثورة، وهذا هو سر الثورة وسر بقائها لكونها ثورة متجددة بمبادئها من جهة ومن جهة ثانية ، قادرة على أن تعيش ظروف كل الحقب التاريخية بما فيها عصرنا الحالي ، لأنها لا تمثل مرحلة تاريخية بعينها بقدر ما هي ثورة كل زمان ومكان .
لكل ثورة أبعادها،ولكل حركة إصلاحية أهدافها،والثورة في مفهومها العام هي محاولة إصلاح ما فسد أو أفسد من قبل الآخرين بطريقة أو بأخرى وعلى مرأى ومسمع من الناس وفي مقدمتهم أولئك الذين يمثلون بحضورهم المعنوي والمادي الرمز الذي يقع على عاتقه إجراء عملية الإصلاح مهما كان الثمن الذي من شأنه أن يدفعه لغرض استكمال الرسالة بالصورة التي تؤمن على أقل تقدير فضح الفاسد ومحاولة كشفه أمام الناس وفي صفحات التاريخ .
فكيف إذا كان الفاسد نظام بأكمله؟ وهذا يعني بان الإصلاح سيتطلب ثورة بحجم ثورة الحسين (عليه السلام) ، ليس لغرض تسجيل موقف بقدر ما هي تثبيت نهج يجب أن يسير عليه كل الأحرار في العالم .
ونحن هنا نحاول أن نستنتج الأبعاد السياسية لثورة الأمام الحسين (ع) ضد بني أمية وطاغيتهم الذي لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يكون ولي أمر المسلمين لأسباب في مقدمتها عدم أهليته لشغل هذه الوظيفية التي ظلت تجمع ما بين الصفة الدينية والصفة المدنية ،وربما يقول البعض كيف لا يكون مؤهلا؟ والجواب يكمن في جملة من الحقائق في مقدمتها آلية وصوله لمنصب الخليفة عبر طريقة التوريث التي أبتدعها معاوية بن أبي سفيان، والتوريث هذا يتناقض وجوهر بنية الدولة الإسلامية القائمة على مبدأ الشورى ثم البيعة التي اعتادتها الدولة الإسلامية في نشأتها الأولى وصيرورتها قبل تولي معاوية مقاليد الحكم في السياق التاريخي المعروف للجميع .
الجانب الثاني والمتمثل في شخصية يزيد نفسه، هذه الشخصية البعيدة كل البعد عن الإسلام عبر الكثير من التصرفات الماجنه التي حملها هذا المعتوه ، من شرب الخمر إلى عصيان الله ، بل إلى الارتداد عن الدين الإسلامي عبر أبيات شعره المعروفة للجميع :لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل .
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على إن يزيد إنما يقود دولة لا تحتكم لكتاب الله وسنة رسوله العظيم محمد (عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام)،لأنه بشعره هذا يتنكر بطريقة أو بأخرى للإسلام ويحاول جاهدة الانتقام لقتلى بدر من أجداده ، وبالتالي فهو يمنح هوية جديدة للدولة ، هي بالتأكيد ليست هوية الدين الإسلامي وهذا يعني بأنه لا يصلح لقيادة دولة أساس ملكها العدل ودستورها القرآن ورعيتها المؤمنين ، فكيف يكون أميرا للمؤمنين وهو ليس بمؤمن بكتاب الله ورسوله وآل بيته وعترته ؟
لهذا فأن ما سعت إليه دولة بني أمية سواء في فترة حكم معاوية أو أبنه يزيد ، هي تثبيت أركان الدولة بالقوة والسيف والترهيب وأخذ البيعة بأية طريقة كانت حتى وإن تعارضت مع القرآن وأعراف العرب،لهذا الاتجاه العام لدى الأمويين هو تفريغ الدولة من محتواها الإسلامي ومحاولة التأسيس لدولة جديدة قائمة على غطاء إسلامي يمنحها الشرعية عبر أبتداع تفسيرات كثيرة لآيات القرآن الكريم تصور للعامة بأن الخليفة يجب أن يطاع حتى وإن كان فاسدا، يضاف إلى ذلك آلاف الأحاديث النبوية التي وضعوها وباتت تتداول كأنها حقيقية بين الناس ، وأغلب هذه الأحاديث التي وضعت كانت تصب في مصلحة تكريس الحكم في بني أمية ، يضاف إلى ذلك استخدام القوة وتعيين ولاة مجهولي النسب ليصبحوا ولاة أمر في أمصار الدولة الإسلامية كزياد بن أبيه وعبيد الله بن زياد وغيرهم .
وبالتأكيد فإن هذه الأوضاع خنع لها الكثير من المسلمين كأمر واقع أولا وثانيا تجنبا للقتل الذي قد يتعرضون له في حالة الرفض، لكنها من وجهة نظر الأمام الحسين ( ع) كانت حالة يجب إصلاحها مهما كان الثمن .
وعملية الإصلاح هنا نقصد بها الإصلاح السياسي الذي سيقود بالتأكيد لجملة من الإصلاحات الأخرى أهما العدالة ، حفظ كرامة الإنسان ، وهذا جانب مهم جدا لم ينتبه له الكثير من الباحثين عن أسباب الثورة الحسينية ويتمثل بإجبار الناس على مبايعة الخليفة أي كان ومن هؤلاء الملعون يزيد الذي سار على نهج أبيه في أخذ البيعة بحد السيف ، لهذا فإن الأمام الحسين (ع) في ثورته كان يدافع عن حقوق الإنسان التي صادرها العنف الأموي بوقت مبكرا ، وعندما نقول بأنه كان يدافع عن حقوق الإنسان إنما نقصد هذا ، فحرية الرأي مكفولة بالإسلام منذ فجره الأول ، لأن الإنسان الذي أكرمه الله لا يمكن أن تصادر إرادته تحت وطأة العنف وسنابك الخيل .
إذن في أحد أبعاد الثورة الحسينية تمثل في دفاعها عن حقوق الإنسان وشرعية وجوده وحريته التي كفلها الدين الإسلامي .
البعد الثاني يتمثل في رفض الظلم والاضطهاد والاستبداد،وهذه من شأنها أن تؤسس دولة مشوهه قائمة على حكم الأقلية وتغييب ومصادرة رأي الأغلبية،وهذا ما سارت عليه الدولة الأموية وأسست له كنهج أصبح ثابتا في نظم الحكم حتى يومنا هذا .
البعد الثالث ويتمثل بانتصار الثورة رغم مصرع كل الثوار، ويبدو هذا هو البعد الأكثر أهمية في سياقه الروحي القائم على الخلود مرورا بالشهادة،والشهادة هنا تكون الطريق الذي يجب أن تمر به الثورة الحسينية لكي تبقى خالدة عبر كل العصور .
هذه الشهادة والقرابين التي قدمها الحسين (عليه السلام ) وأهل بيته وأصحابه مهدت الطريق للشعوب المسلمة منها وغير المسلمة أن تتخذ منها منارا ونبراسا وتقتدي بها حين تتعرض للظلم والاضطهاد والجور والتعسف ، فكانت ولا زالت ثورة عالمية في أبعادها كافة و لا يمكن لنا أن نحصي أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية والإنسانية في مقال واحد، لأنها تتجدد دائما وتضفي في عطاءاتها مزيدا من الأبعاد كلما نظرنا للظلم في أية زاوية من زوايا الحياة اكتشفنا بأن الحسين (ع) يحرضنا على رفض الظلم ومقارعته وعدم الخنوع له .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأونروا تنشر فيديو لمحاولة إحراق مكاتبها بالقدس.. وتعلن إغل


.. د. هيثم رئيس بعثة المجلس الدولي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة




.. الأمم المتحدة: نزوح نحو 80 ألف شخص من رفح الفلسطينية منذ بدء


.. إيطاليا: هل أصبح من غير الممكن إنقاذ المهاجرين في عرض المتوس




.. تونس: -محاسبة مشروعة- أم -قمع- للجمعيات المدافعة عن المهاجري