الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذاتنا و القلق الاخلاقي

محمد طه حسين
أكاديمي وكاتب

(Mohammad Taha Hussein)

2013 / 11 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ذاتنا و القلق الاخلاقي!
محمد طه حسين*
شاورتني احدى زميلاتي في الجامعة و هي حاصلة في الآونة الاخيرة على شهادة الدكتوراه في علم النفس القياسي في موضوع بهذا العنوان و هي بصدد اجراء بحث عن ايجاد العلاقة الارتباطية بين متغير القلق الاخلاقي و احدى المتغيرات السايكولوجية الاخرى في عينة من مجتمعنا. بعد ان ناقشنا الموضوع سوية، جاءت لي فكرة كتابة هذا المقال، و هذا هو مبدأ ،الشيئ بالشيئ يذكر.
ابدأ بهذا التصور " نحن لا نشعر بالقلق الاخلاقي، لان المعايير التي تقاس بها سلوكياتنا سواء السلوكيات الداخلية او الخارجية، اهتزت منذ زمن بعيد و الآن تهاوت و تتوجه سريعا نحو الانحطاط و الانهيار القيمي".
الشخص المعذب وجدانيا و اخلاقيا هو الذي يزن دائما حركاته و سلوكه بموازين قيمية، انسانية ، حضارية، متبعة كليا من حيث الشمولية و العمومية، و عندما يرى أو يتبين له بأنه عمل شيئا أو تصرف بشكل آخر لا يعجبه و لا يتناسب مع المعايير القيمية و الاخلاقية ، يبدأ بمحاكمة نفسه امام هذا القضاء الحاسم (الضمير) على افعاله السيئة و يشعر بتوتر نفسي ، و يتحول التوتر هذا الى احلامه، احلام يقظته، افكاره، تخيلاته، و يصيب بنوع من الاضطراب في نومه، حركته،كلامه،أو رؤيته لاحلام صادمة و مخيفة، أو في افضل الاحوال يقر بان يعيد النظر في الموضوع و يطلب الاعتذار أو السماح من الشخص المقابل للتخلص من الحالة السايكولوجية المعذبة.
هل ان الاشخاص من هذا النوع ما زالوا اكثرية في مجتمعنا أم قلة اختفوا من بيننا؟.
الافراد الذين يدفعهم مشاعرهم المعذبة الى المراجعة السايكولوجية في البنية الاخلاقية و السلوكية لديهم قلوا الى درجة اننا لا نحس من بين عشرات المواقف التحايلية و العدوانية و المزيفة فردا يراجع سلوكياته و يحاكم نفسه و من ثم نراه بانه قد تحول الى شخص آخر غير الذي واجهناه في البداية.
القلق الاخلاقي حالة شبه مرضية تصيب الذات و يجعلها غير مستقرة و غير آمنة، يحس الفرد المصاب ذاته بهذا الداء بانه تناقض مع نظام ذاته القيمي الذي كونت على اساسه هذه الذات، و الشعور الخطر هذا يهدد الذات و يسايرها الى ان يقوم الفرد في المقابل باصلاح البين بينه كأنا واع و ذاته التي تحس بان الانا خانتها و تحايلت عليها و جعل منها آثما يعذب دوما نفسه الى ان يجد حلا نفسيا يداوي به الشعور الجريح و من ثم يرجع الطمانينة اليها.
الذوات الموجودة في مجتمعاتنا هي ذوات موسسة على الازمات المزمنة تأريخيا، الازمات السياسية حيث الاطماع و الانظار على جغرافيتنا الاثنية و الجغرافية السياسية و التي جعلها الى اماكن مضطربة و متأزمة و منطقة صراع بعيدة المدى على السلطة و النفوذ بين القوى الامبراطورية القديمة و القوى الاقليمية و الدولية الحديثة، و الحالة الصدامية تلك بقت لحد الآن و الحظ لم يحالف الكردي للتنفس الصعداء حيث وقوعه من بين اخلاب القوى تلك و التي هم سموه يوما بمربع الازمات او المناطق القابلة للاشتعال دائما و في اية لحظة.
ثم تحول النزاعات الخارجية علينا و على اراضينا و مقدراتنا و مواردنا الى نزاعات داخلية و بينية بين القوى العشائرية المتمثلة في الامارات كأمارة بابان و اردلان و بهدينان و سوران.....الخ بعضهم مع البعض الآخر و من ثم بين الاحزاب السياسية التي تشكلت في منتصف القرن الماضي و لحد الآن.
تحولت الازمة السياسية الى (ازمة ذات) مع نفسها حيث تولدت و ترعرعت ذات غير منتمية لا لنفسها و لا للمؤسسات السياسية و الاجتماعية و الدينية المختلفة المحيطة بها، و اذا نرى و نتعايش مع نوع من الانتماء الى تلك المؤسسات فأنها انتماءات مزيفة حيث الدوافع الاولية الفسيولوجية البدائية و التي تبحث عن العيش و البقاء فقط ككائن حي هي التي تدفعها الى الالتجاء و الانتماء الى هذه المؤسسات، فالانتماء في هذه الحالة هي فقط لغرض البقاء بايولوجيا و ليس اجتماعيا لان التأسيسات الاجتماعية تكون على الذات الاصيلة اولا مثلما يقول اريك فروم حيث يشير الى الذات المزيفة و الذات الاصيلة، ان تأسيس الذات وفق هذا المنظور يبعدها عن الاغتراب النفسي و الاغترابات الاخرى كالاغتراب عن العمل و الاغتراب الاجتماعي.
الذات الاصيلة هي المتكيفة مع نفسها و مع الآخرين من حولها و مع المحيط البيئي التي تعيش فيها و عليها، ذات من هذا النوع لا تهرب من الحقائق بل تتجه الى اثبات وجودها و العيش كما هي و كما تحس وفق الشروط الحضارية ، اذا هذه الذات هي ماهية اصيلة غير جامدة. ولكن الذات لدينا هي في صراع مستمر مع البقاء و الصراع من هذا النوع يسلب انسانيتها كذات محترمة و يجعلها مزيفة اقرب الى حيوان يتحرك وفق استراتيجية غير عاقلة و هي استراتيجية البقاء كنوع فقط و ليس كوجود ماهوي اصيل.
المنظومات الاجتماعية ايضا لها دور مؤثر على الذات ، حيث الالتجاء دوما الى الاعراف و التقاليد و الاحتماء في احضان المجموعات الصغيرة سواء عشائرية او تجمعات الاقرباء خوفا من الاخر سواء اكان الآخر عشيرة او مجموعة اخرى او حزبا سياسيا او قومية او...الخ. فالذات من هذا النوع مسلوب الارادة لا حول لها و لا قوة، فانها تجد نفسها فقط ضمن الاخرين كونها بحاجة اليهم لكي تتنصل من ضعفها و عدم كفايتها في حل ازماتها.
الالتجاء القوي للتقاليد و الانظمة القيمية المتعجرفة غير المتكيفة مع حاجات العصر افرغ الفرد من الطاقات الكامنة داخلها و انهك الذات الكردية و سلبها الى جانب ارادتها فكرها حيث ابقتها و لحد الآن ضمن القوالب التقليدية الفكرية لا يهدي الفرد نحو الانفتاح على الجديد سواء من حيث الجانب الفكري و المعرفي او من حيث التطور المادي لديه.
السلطة الدينية و التي تفعل فعلها بشكل خفي كالسلطة التقليدية للاعراف هي سلطة موجودة في كل مكان و غير موجودة اصلا في اى مكان كسلطة رسمية و ظاهرة، حيث لا تساهم ابدا في تنوير الذات الضالة تاريخيا و تهديها الى افق من الانفتاح على المستجدات الفكرية و الحضارية، بل تجعلها منهكا اكثر و غير فاعلة و مؤثرة في الاستثمار الفكري الديني ، و الحالة هذه تجعل الفرد وسيلة لا غير لاهداف اخرى، و عندما يتحول الفرد الى وسيلة لتحقيق غاية فان المعادلة تنقلب اصلا فسنكون كائنات خاضعة الى الابد و منتجة للجهل باستمرار.
الفكر الديني في مجتمعنا في حالة ركود تاريخي و ازلي ، لم نشاهد ابدا مساهمات كردية انفتاحية لجعل الدين اولا لحمة توحد الامة و ثانيا تجعله حاجة روحانية متعالية تطمئن القلوب و الانفس و تتجلى الحاجة تلك في الدايناميكية العضوية لافراد المجتمع مع بعضهم البعض و مع المؤسسات الاجتماعية و القومية. في المقابل كنا و لحد الآن مجتمع يستوفي حاجة و وقود التأصيل و الفندمنتالية العقائدية.
البين شاسع بين السلطات السياسية و التقليدية المبنية على الاعراف و السلطة الدينية حول مسألة بناء او بالاحرى اعادة بناء الذات الكوردية، فالكل يحاول اذلال الذات و ليس انقاذها من الاطر الخانقة التي تأطرت بها اصلا.
الذات المستلبة و التي تكونت بواسطتها مجتمعنا وصلت بها المآزق و الازمات الى حالة الطمأنينة النفسية و الاستقرار الوجداني لا من حيث البناء الموزون للشخصية التي تتلازم سلوكياتها مع القيم الانسانية الراقية بل من حيث هي ذات اصبحت غير قلقة وجدانيا لافعالها و سلوكياتها المنحرفة حيث تنهب اموال العامة و هي تشعر بالراحة و تتنصل من واجباتها و هي تعتبرها ذكاء و تتلذذ في المشاهد الواقعية لآلام الآخرين و هي تعتبرها نهجا كبرت و تربت بها و تضايق العامة سواء في السير مشيا أو بالسيارة او تواجه الاخرين بتلميحات عدوانية سواء لفظية او ايحائية او جسدية و هي تشعر بانها حر و الحرية هي ما تجيزها بممارسة الانحرافات. و تتفاخر بخضوعها و تعتبرها التزاما دينيا و سياسيا و اخلاقيا، اذا الآية بكليتها انقلبت ، وصلنا الى حالة لا نشعر فيها باي قلق اخلاقي حيث ليس هناك موضوع يقلق الضمير فالضمير تكيف مع الهبوط و الانحدار و لا يقدر ان يعلو على السيئات من الخلق و العادات اللاانسانية .
نحن الآن باتجاه الانحدار فالبين واسع جدا بين الزيف و الاصالة في الذات، العمل على انقاذ الذوات المزيفة اثقل و اعقد من الثورات السياسية التي غيرت مجرى التحولات، للبدأ بهكذا ثورات يراد لها اظهار النية في الاصلاح الانساني او البدأ في الاستثمار على البشر لاعادته الى انسانيته التي تنادي بها الانسانية.
................................................................
• كاتب و اكاديمي/اربيل كردستان العراق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من يدمر كنائس المسيحيين في السودان ويعتدي عليهم؟ | الأخبار


.. عظة الأحد - القس تواضروس بديع: رسالة لأولادنا وبناتنا قرب من




.. 114-Al-Baqarah


.. 120-Al-Baqarah




.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم