الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحس النقدى عند شباب محسوب على زمن الثورة

عاطف حنا لبيب

2013 / 11 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



من بين معان كثيرة للثورة وتعريفات مختلفة لها أرى أن أكثرها وضوحا أن الثورة هى فعل نقدى للحاضر من خلال نقد الأوضاع والقرارات التى تحيط الفرد وتهدد مستقبله ومستقبل أبنائه فيسعى الى تغييرها ، إذا وضعنا هذا التعريف أمامنا ونظرنا الى الشباب الذى نشأ فى كنف الثورة سواء مشاركا أو متابعا فسنلاحظ حالة غريبة من خلال ما يكتب من تعليقات أو آراء على مواقع التواصل الاجتماعي وفى منتديات الانترنت ، هذه الحالة تتلخص فى موقفهم المتقبل لكل شئ والمعجب بكل شئ وكأنه لا يستطيع إلا أن يفعل ذلك بل أن أى صوت ناقد بينهم ينفرون منه ويهاجمونه وقد تصل الى حد القطيعة أو العداء أو أن يريح نفسه من تلك الأصوات التى تنتقد أو حتى تعترض فيحذف كل من يخالف أو ينتقد من دائرة أصدقائه ويتحاشى أن يتابع له رأى أو يسمع له صوت !!

إن موقف أولئك الشباب من الموضوعات والآراء التى يتلقونها على صفحاتهم أو صفحات أصدقائهم هى حالة من القبول الشكلى لاى شئ والإعجاب من خلال لايك وكومنت ، فما أن يضع أحدهم صورة أو تعليقا إلا وتنهال كلمات الإعجاب بلا تمييز بين الغث والثمين ، وبين المبتذل والراقى ، وبين السطحى والعميق ، فكل الاراء جميلة وكل الصور ( جامدة موووت ) أو جامدة فشخ بل أن هناك لقطات تجبرك على أن تراها بعين ناقدة لتقول رأيك فيها وتظهر حسك الفنى بها كمتلقى لكن لاترى شيئا من ذلك ، بل أكاد أجزم ان لو كان المعلقون على صورة ما خمسون شخصا مثلا فلن تجد منهم واحدا فقط يخرج عن نطاق عبارات مثل : روووعة / جمييل /مذهل برنس والله / فكل الأقوال لوول وكل الصور جامدة . طبعا كل إنسان حر فى تلقيه لأى مادة وله الحق فى أن يبدى إعجابه بالطريقة التى تناسبه ولكنى أستغرب من غياب الحس النقدى عند هذا الجيل فقد لاحظت أن الناقد فى وسطهم يحظى بعداء شديد من الجميع فيما يشبه الاتفاق على أن الأصل هو أن تمتدح بلا وعى فى مقابل أن يمتدحك الآخرون دون إدراك .
وقد تتسائل ولماذا تتوقع غير المديح ولما لا تعتبره مجاملة لطيفة ؟؟ والحقيقة أن الإجابة يمكن أن تتضح من خلال هذه الأمثلة :

يكتب أحدهم كلمة ( ثانية واحدة ) هكذا ( سانية واحدة ) ولا تجد من يصحح له حتى بالمداعبة وبطريقة لطيفة وكأن الاتفاق لك أن تخطئ كما تشاء شرط أن تتركنى أيضا أخطئ ، فعبارة ربنا يستر يمكن أن تراها هكذا ( ربنا يسطر ) دون أى تصحيح من اى احد .
والطامة الكبرى تكمن فيمن يظنون أنفسهم فنانين أو شعراء فتجد كلاما مرصوصا غاية فى التفاهة والسطحية ولا يخجلون من تسميته شعرا وتسمية أنفسهم شعراء لا لشئ سوى لأنه لا يوجد أحد يقيم هذا المكتوب أو يتذوقه فيتقدم الجيد ويتوارى السيئ .
طبعا يوجد أصوات قليلة تكتب شعرا وتكتب كلاما مفيدا لكنى أرى أنها تضيع وسط عاصفة المديح للجميع فيتساوى المدعى بالفنان الحقيقى ولا شك أن المدح بلا مناسبة يخدع الطرف المدعى ويجعله يستمر فى ادعائه . ويفسد على المبدع الحقيقى تميزه وإبداعه .

لا أجد إجابة واضحة عن سبب ذلك فى جيل المفترض أن يكون قد رضع التمرد وعرف كيف يمكن ان يوافق ومتى يمكن ان يرفض
أليست الثورة هى فعل نقدى فى الأساس ، ثم رفض للحاضر من خلال نقد الأوضاع والقرارات التى تحيط بحاضر الفرد وتهدد مستقبله ومستقبل أبنائه ثم يسعى بعد ذلك إلى تغييرها ؟؟
كيف يمكن لشباب يدعى انه ثائر أن يقبل كل شئ وأى شئ ويتساوى عنده الغالى مع الرخيص والصالح مع الطالح والجميل مع القبيح والخطأ مع الصواب ؟؟
كيف نثق فى صحة تمردهم على قرارات وأوضاع فى الدولة وهم لايجيدوا التمرد ولا يقدروا على تمييز ابسط الأشياء من أول الأخطاء الإملائية الفجة الىالتعبيرات اللغوية الى التذوق الفنى

كيف يقبلون أن يخطئوا أخطاء تلاميذ المرحلة الابتدائية فى كل شئ ثم يعطون أنفسهم الحق فى معارضة استاذا فى العلوم السياسية مثلا أو مفكرا كبيرا ؟ من لا يجيد ملاحظة الأخطاء لا يجيد الحكم على الأشياء الصحيحة
ومن لا يقدر على رؤية مواطن الخلل فى لوحة أو قصيدة لا يمكن ان يعرف ملامح القصيدة الجميلة واللوحة الفنية المبهرة .
ومن لا يتربى على الحس النقدى لن يتخذ قرارا صائبا ، أنا لا أقصد أن يصير الشاب مهاجما عنيفا بل أريد فقط أن يمتدح فى موضع المديح وان لم يقدر على أن يجهر بنقده فعلى الأقل يصمت .

عاطف حنا لبيب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قمة مجموعة السبع في إيطاليا.. برنامج مثقل بالأزمات| #الظهيرة


.. ملاحظاتُ حماس على مقترح بايدن.. إعلان رفض أم مُسودة جديدة؟|




.. القوات الإسرائيلية تشتبك مع عشرات الفلسطينيين في جنين وتدمر


.. عروض تمثيلية لطلاب سوريين لدعم أطفال غزة




.. نافذة على الحرم.. الحجاج يواصلون القدوم إلى الأراضي المقدسة