الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيخ الخزنوي وضريبة التفكير في زمن التكفير

مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)

2005 / 6 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رغم أن الكثيرين في المجتمع الكردي كانوا لا يعرفون – ربما – الشيخ الشهيد محمد معشوق الخزنوي عن قرب وشخصياً . رغم أن الكثيرين من الأجيال الشابة في المجتمع الكردي لا تطيق المحددات الدينية التي تنهب الله والحقيقة وتصادرهما لصالح ثقافة ماورائية وفتاواتية وطقوسية تتنامى بشكل سافرٍ في الآناء الأخيرة . رغم أن الكثيرين منا لم يتعرفوا على الأطروحات الجريئة للشيخ الشهيد إلاّ مؤخراً وعقب اختطافه تحديداً . ورغم اختلاف المواقع وزوايا النظر إلى أيّما موضوع كان بين الأجيال العلمانية ( وإن في حدودها الدنيا ) ورجال الحقل الديني , يبقى اتخاذ القتل وسيلة للتصدي للفكر التنويري والمتحرر من الظلاميات الدينية والسياسية والاجتماعية , والحيلولة دون انتشار الحداثة الفكرية في مجتمعات متآكلة ودول منخورة بفعل آليات القمع والإرهاب أمراً مرفوضاً . لا بل يشكل نوع التعامل السابق أحطّ نماذج التعامل مع ثقافات الاختلاف التي تتأتى كنتيجة طبيعية لسيرورة المجتمعات ومن هنا هذا التعاطفُ مع خبر اغتيال الشيخ الذي أثار عاصفة من التنديد والتظاهرات والاستياء , فلا يمكن التعاطي مع الفكر بلغة الدم والإجرام . الفكر يحتاج إلى تعامل نقدي مؤسس على الحجج والحجج المضادة , شريطة أن تكون عقلانية وموضوعية ودامغة ومقنعة تخاطب العقل لا الغرائز .
قلّما تخرج المؤسسة الدينية الببغائية أصوات مختلفة وأقلام جريئة وقامات وقورة وأفكار تجديدية مثل الشيخ الشهيد . قلّما يمزق رجال الدين جسورهم مع السكونية البليدة ويبتعدون عن عقلية الارتزاق والتكسب المؤسسة على تخدير وعي العامة وخطب ود أهل الحل والعقد .
كان يمكن للشيخ الشهيد النجاة من العقاب إذا ما دعا – مثله مثل الكثيرين من رجال الدين وكراكي الموعظة – إلى القيام بعمليات إرهابية في العراق تستبيح دماء المسلمين أكثر من دماء الأمريكان . كان بإمكانه النجاة من القتل لو كان شرعن الإرهاب والإسلام الإرهابي وإسلام العبوات الناسفة والسيارات المفخخة . كان بإمكانه النجاة لو ساق أكراده كالقطعان إلى مذبح الانسلاخ عن المفاهيم القومية والرؤى التجديدية التي تمثل رداً مزلزلاً ومخيفاً على الفكر الإسلامي الراكد والمنطوي على نفسه , وعلى مسلماته الإطلاقية منذ مئات السنين .
كان الخزنوي الشهيد يعتمد منطق الحداثة العقلانية , لا المتطرفة في مواجهة مركزية الايديولوجيا , ويريد بذلك إنتاج نخبة كردية عصرية تجديدية , لا مريدية بمختلف تلاوينها السياسية والاجتماعية والدينية . لكن المرجعية الإيديولوجية بلا منطقها السكوني وتصوراتها المثالية المحكومة بالجاذبية العاطفية المريعة , المحكومة بالحلم المسخ المضحك المبكي المتأزم ستعزل كل عقل عمقي خارجي ومريب بنظرها وستهمشه وتعارضه , وإن اقتضت الضرورة نحره كما حدث مع الشيخ رحمه الله .
إن أصحاب المشاريع التنويرية والعلمانية وحتى الإصلاحية يدفعون الضرائب الباهظة في مجتمعاتنا ودولنا المستبسلة في الدفاع عن حقولها الرمزية , وأية مقاربة لحقول المقدسات السياسية والدينية يعتبر هرطقة , فيحكمون عليها بالخراب العميم واللغة الفظة , ثم خاتمة المطاف تمزيقها بالحشرجات .
لا يمكنك إعادة النظر في المفاهيم السائدة والمتعين الملموس القروسطي .
لا يمكنك إعادة النظر في فصل المسارات بين الدين والدولة . بين السلطة السياسية والمؤسسة الدينية في تعاونهما الملفت منذ مئات السنين واجتماعهما تحت سقيفة تقويض الدولة والدين والأخلاق والسياسة والمجتمع والمبادىء والقيم والحراك المجتمعي والاقتصادي .
إن مشكلة الخزنوي وغيره من التنويريين هي في خروجهم من أسر الإيديولوجيات المتسلطة التسطيحية والتاريخ الإله الذي يفاقم عمقيا أزمات المجتمع بعيدا عن مقاربات المعرفة وأنظمة التفكير الواعية بالتاريخ وسيرورة القوانين , والتي لا تسوغ لأيما فكر تسلطي شمولي أدلوجوي عنيف يرفض في سبيل نزعاته الاقصائية والميتاواقعية كل صياغة جريئة من شأنها بعث الإشكاليات وإثارة المؤشرات المعبرة والتهديمية لكل أشكال الطغيان والتعصب بالتواجد على الساحة .
قدر متأصل في المثقفين العضويين التنويريين أن يواجهوا طرائق هدم البناء العقلي ويدعوا إلى العلم في مواجهة العلموية . ويدعوا إلى حقائق نسبية بدلاً عن الحقيقة المطلقة الوحيدة المكرسة . لهذا تجهض قوانين التطور والمناهج التجريبية في مواجهة الإيمانوية الدينية والسياسية المفروضة فرضا إلى حدود اليقين الأعظم والشامل , فمن يبدد كل هذه الاتجاهات المطلقة ويستخلص المضمر والمنفي والجزئي في مواجهة الكلوي التوتاليتاري .
من بإمكانه هندسة واقعه بعيدا عن الهندسات الطوباوية واليوتوبيات اللفظية التي لا تعير أدنى أهمية تذكر لموقع الإنسان في المجتمع والتاريخ .
كان الشيخ الشهيد يقول , لا سيما في محاضرة ألقاها في مدينة كولن الألمانية يوم 19/2/2005 ما يلي :
- منذ 15سنة وأنا بعيد عن خط العائلة ولا أبحث عن المريدين .
- الملالي لا يفهمون في السياسة وعليهم أن يبتعدوا عنها .
- الإسلام ليس نظاما سياسيا .
- رسالتي هي السؤال عن الإنسان الكردي وقضيته لأنني كردي أيضا .
- لست بديلا للحركة السياسية الكردية ولكنني سند ودعامة لها .
- إننا نعيش على منهج العرب والمسلمين .
- تم صهر شعبنا الكردي باسم الإسلام .
- مهمتي هي إضعاف وإفراغ الممارسات الدينية المستغلة ضد الأكراد .
- العرب استثمروا الإسلام منذ عشرات السنين لمصالحهم ولو لم يكن الإسلام لما وجد العرب .
- الإسلام دخل في خدمة المحافظة على الثقافة العربية .
- كل الشعوب مررت الإسلام خلال فلترها الخاص إلا الأكراد .
- لا يمكن فرض الإسلام على أحد .
- مجيء الأمريكان إلى المنطقة يشابه الفتوحات الإسلامية , الشعوب ترغب في التحرر من الطغاة .
- كل شخص حر في تسمية أحداث 12 آذار , أنا أسميها انتفاضة .
- لكل شعب أن يمارس العبادات بلغته , لكن اللوبي العربي في الإسلام يرفض هذا الطرح .
- لا يمكن لقدسية الشيوخ أن تستغل وتوظف العلم .
هذا غيض من فيض , ويبدو من الأقوال / الشواهد أعلاه إلى أية درجة كان الشيخ الشهيد يفكر بصوت عال ويبحر عكس التيار ويحلق خارج السرب .
وهكذا , وكمكافأة على التفكير في زمن التكفير قطعوا له جواز السفر إلى عالم آخر , حيث الحقائق هناك – ربما – تكون أنصع ولا أحد يدوسها باسم المقدس الرمزي والتراث الهائل من الممارسات الظلامية القمعية العفنة .
كان الشيخ الخزنوي رحمه الله قامة تنويرية في وسط ظلامي وفانوساً ديوجينياً في زمن القتلة ووسط ركام هائل من لغة الإقصاء ومصادرة الاختلاف وقصلُ الحقائق .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 154-Ali-Imran


.. 155-Ali-Imran




.. 156-Ali-Imran


.. 157-Ali-Imran




.. كندا.. اندلاع حريق بالكنيسة الأنجليكانية التاريخية في تورونت