الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القبيلة المغربية من وجهة نظر كولونيالية: روبرت مونتان - جاك بيرك: دراسة مقارنة

زين العابدين الخباز

2013 / 11 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اقترن نشوء الفكر السوسيولوجي في الساحة الثقافية المغربية بالأبحاث والدراسات التي أنتجها الباحثين السوسيولوجيين والانتروبولوجيين الكولونيالين من قبيل ميشو بيلير الذي أشرف على إدارة البعثة العلمية منذ 1907؛ أي بعد تأسيسها بثلاث سنوات من قبل ليشاتليه حيث ادار شؤونها جورج سالمون الى حدود 1906. بالإضافة إلى ميشو بيلير صاحب مقاله "السوسيولوجية المغربية" نجد اليساري شارل لوكور، ثم روبرت مونتاني منجز دراسة البربر والمخزن، إلى جانب جاك بيرك صاحب أطروحة "البنيات الاجتماعية بالأطلس الكبير"...ولعل أهم إشكاليه اهتم بها هؤلاء الباحثين هي مؤسسه القبيلة، التي طرحوا أسئلة وأجوبة حول أصل نشأتها، وطبيعة تنظيمها الاجتماعي، ونمط عيشها، كما تساءلوا عن الآلية أو الميكانيزم الذي يضمن لها الاستمرار في الزمكان، دون أن يغفلوا السؤال الأهم وهو أًهمية هذه المؤسسة في المجتمع المغربي...وبذلك خلفوا تراثا معرفيا زاخرا حول الظاهرة القبيلة سيكون فيما بعد محط اهتمام ونقد من قبل سوسيولوجي وانثربولوجي البلد. فما هي أهم الإسهامات التي أسهم بها كل من روبرت مونتاني وجاك بيرك حول القبيلة المغربية؟ وما هي مميزات أطروحة كل منهما؟.
طرحت حول القبيلة المغربية ثلاث فرضيات حاولت تفسير طبيعتها، واحدة ركزت على المعطى ألسلالي الجنيالوجي، وأخرى أكدت على العنصر الايكولوجي، وثالثة اعتمدت على المكون الايكولوجي. أما روبرت مونتان وجاك بيرك فكلاهما انتقدا التفسير الأول انتقادا لاذعا، واعتبرا أن الاعتقاد فيه يخفي التنوع في الأصول الذي تنبني عليه القبيلة. إن القول بتفرع القبيلة عن جد واحد عند بيرك ومونتان لا يغدوا سوى معطى وهميا يكذبه الواقع القبلي. وهما في ذلك يتفقان مع ابن خلدون الذي نفى في المقدمة أن تكون القبيلة متحدرة آو قائمه على النسب في معناه الضيق.
وإذا كان ربرت مونتان يعرف القبيلة بأنها " مجموعة من الأجزاء تملك أرضا وتجمعها عائلات غالبا ما تكون غير خاضعة لسلطة المركزية. يظهر تلاحمها وتحالفها في اللحظة التي يحددها خطر خارجي". وهو بذلك يؤكد على المعطي الايكولوجي ويعتبره الأقدر على تفسير طبيعة القبيلة المغربية، فإن جاك بيرك هو الأخر يؤكد على هذا المعطى. إلا أن ما يميز تصور بيرك عن مونتان ليس تأكيده على الرابط المكاني الوارد عند سالمون وميشوبيلير كذلك. وإنما طرحه القبيلة كما يقول الدكتور مختار الهراس على أنها "كل مبنين" لا يمكن فهم أي عنصر فيه إلا بربطه بالعناصر الأخرى. صحيح أن روبرت مونتان من خلال أطروحته حول قبائل غرب الأطلس الكبير شكل تطبيقا معينا للتصورات البنيوية والوظيفية، إلا أنه على العموم لم يتعدى النطاقين السياسي والاجتماعي ولم يتجه نحو مدى إسهام العامل الاقتصادي والايكولوجي في الحفاظ على توازن النسق القبلي. أما بيرك فقد أفسح المجال لكل هذه المستويات بما فيها العادات والتقاليد والأعراف والقوانين الشرعية والرموز الجماعية والسياسية والحرب والجمال...وصولا إلى الايكولوجية والاقتصاد. واعتبر أن كل هذه العناصر تشكل نظاما آو نسقا اجتماعيا(الإرس)، مبرزا في نفس الوقت الدور الأساسي والبارز للعنصر الايكولوجي. وبالإضافة إلى هذا كله لم يتغافل جاك بيرك ما عرفته المجتمعات العربية من تقلبات وديناميات مستمرة. إنه لم يتغافل كما عبر عن ذلك الهراس أن هذا التاريخ قد ترك في الإنسان بصمات ليس من السهل تجاوزها... وهكذا يبلور بيرك نظرية خاصة لتفسير طبيعة القبيلة المغربية تتجاوز التبسيط والاختزال والانتقائية مثلما تعامل بهذه الأمور روبرت مونتان. يقول نجيب أبو طالب في كتابه "سوسيولوجيا القبيلة بالمغرب العربي" إن روبرت مونتان تعامل مع القبيلة كتعامل المنقب مع الحفريات التي لها ارتباط بالماضي الغابر. كما أنه عمل على تطويع الواقع لصالح النظرية وليس العكس، ومن ذلك انه حاول أن يجعل قبيلة شمال إفريقيا شبيهه بالقبيلة التي قضى عليها الرومان. أما جاك بيرك ممارس النقد الذاتي على السوسيولوجيا الكولونيالية فكان يعي جيدا آن معالجه الظاهرة القبلية والقبيلة يقتضي منهجية خاصة تقطع مع الجاهز والمسبق.
جاك بيرك الذي انطلق في بعض أبحاثه من بعض الافتراضات التي سبق لمونتان أن طرحها، بين أن نظام اللف غير موجود في سكساوة، وأن قبيلة أدونتان القريبة منها تضم تعارض بين ثلاثة أطراف متساوية عوض التعارض الثنائي بين نصفين متقابلين، الأمر الذي يتعارض وادعاء مونطاني آن نظام اللف يمثل نموذجا يمكن تطبيقه على كل القبائل. وبذلك فبيرك على حد تعبير أبو طالب انفرد بموقفه النقدي من أطروحة التعارض التنائي الواردة عند روبرت مونتان، واعتبر أن تلك العلاقات الثنائية لا يمكن أن تخضع للنمذجة والتوحيد. ذلك أن علاقة العرف بالشرع على سبيل المثال لا الحصر تستوعب حاله التناقض والصراع وحالة التداخل والانسجام في ذات الآن.
وإذا كان روبرت مونتان الذي خصه مارشال ليوطي كما يقول عبد الكبير ألخطيبي بالإجابة عن سؤال هل هناك سلطة في المغرب غير السلطة المركزية، اعتبر القبيلة فضاء مغلقا آو عبارة عن وحدة مستقلة، فإن بيرك لم يعثر في المنطقة التي درسها على نسق قبلي قائم بذاته ولذاته، بقدر ما عثر على تطابق دقيق بين المستوى الايكولوجي والبنية الاجتماعية. وعلى خلاف رؤية مونتان نفى بيرك أن تكون هناك خصوصية بربرية أو عربية، وبالمقابل أكد وجود تشابه على صعيد المغرب الكبير. كما انتقد اعتقاد مونتان في وجود تشابه تام بين جميع قبائل البربر سواء في المغرب شمالا وجنوبا وحتى في منطقه القبايل الجزائرية، موضحا وجود اختلافات عميقة سواء على مستوى نمط العيش الثقافي أو من ناحية التنظيم الاجتماعي.
خاتمة:
على الرغم من أن روبرت مونتان وجاك بيرك كلاهما باحثين كولونياليين، فإن تصورها للقبيلة المغربية/العربية كان مختلف من ناحيتي المنهج والمضمون، وذلك راجع أساسا إلى القناعات الأيديولوجية والفكرية التي ينطلق منها كل واحد منهما على حدة ويعمل لأجلها. لكن ما الأهم في البحث الاجتماعي الكولونيالي عموما في القضايا الاجتماعية المغربية هو انه ساهم بقوة في تأسيس الفعل وحقل السوسيولوجيا من داخل هذا المجتمع، وفتح آفاق للتفكير في مجموعة من الأسئلة ذات حساسية جد معقدة ومركبة التي من بينها سؤال القبيلة. ونشير أخيرا إلى أن كل من أطروحتي روبرت مونتان و جاك بيرك ستكون موضع نقد قوي من قبل أبناء البلد في مجالات معرفية وعلمية عدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام