الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين العلم والدين

صليبا جبرا طويل

2013 / 11 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أبدا بحقيقة لا لبسا فيها، ولا غبار عليها. وهي أن الدول
المتقدمة علميا تتمتع شعوبها بقدر كبير من العدالة الاجتماعية،
والمساواة الاقتصادية، والالتزام بالقانون، وانخفاض معدل
الجريمة، وشعور مواطنيها بالأمان، و أكثر تمسكا بالمبادئ
والقيم الإنسانية من الدول الدينية.

الدين ظاهرة اجتماعية سبقت ظهور العلم: الأولى تتناول مظاهر غيبية تتعلق بما وراء الطبيعة تتجه نحو السماء مركز الوحي للبشر، أما الثاني فيركز على المتغيرات المستندة إلى الطبيعة والكون وتفسيره.

العلم الحديث ثورة، مستمر وهائل، وكل لحظة يقدم لنا إبداعا، واختراعا جديدين. وكل يوم يظهر علماء على مسرح الحياة، وعلى نقيض من ذلك في أركان الكون الأربعة هو الدين، الذي كبح، وأوقف، ومنع من العصرنة، ومن جعله وسيلة تسهل حياة الإنسان في الحضارة الإنسانية التي نواكبها.

العلم كمنهج للتفكير، يخضع للعقل، ويعتمد على التجربة والبرهان ليؤكد صحة أو خطأ ما يطرح، ويستمر على حاله لزمن قد يقصر أو يطول، ألا أن يأتي من يبرهن عكسها. أما الدين كمنهج للتفكير، لا يعتمد ولا يحتاج إلى تجربة وبرهان، كونه صادر عن خالق الكون، فعلينا أن نصدقه ونؤمن به دون إثبات أو تردد أو إخضاع العقل.

في بعض الدول -ومنها العلمانية- الدين والعلم يترعرعان وينموان بشكل طبيعي ومستقل دون تدخل قوانين الدولة فيهما، ودون الضغط على طرف ومنعه من ممارسة نشاطاته، فكل مستقلا في تخصصه ومجاله. تقوم الدولة بحماية كل مواطنيها باختلاف توجهاتهم الفكرية، بالتالي شخصية الدين تكون مستقلة ومكفولة ومصانة دون تهديد من احد. كما أن العلم يستمد قوته من الحرية المطلقة المستندة على القانون بخلاف ما يمكن أن يجري في الدول الدينية التي تحتاج إلى مرجعيات وقوانين قد تمنع أو تعيق التطور، لأنها لا تتوافق أو تستجيب لنموها النوعي في العلوم الطبيعية، أو لمصالحها السياسية.

بالحقيقة العلم لا يستطيع أن يقيس صلابة الإيمان، أو قوته، أو حرارته، ولا يستطع إجراء تجارب على الروح، والقداسة في مختبراته. كذلك لم يستطع الدين تفسير عمل الجهاز التنفسي في لاهوته، أو تحديد جنس الجنين، أو شرح طريقة بناء مركبات فضائية، أو وضع خارطة جينية. فالدين والعلم في عصرنا الحالي يسيران في خطيين متوازين لا يتقاطعا في نقطة ما، وان تقاطعا تنافرا، وتحاربا، واشتبكا، وتشابكا وبرزت القطيعة بينهما.

وجهة الدين روحية وهي إعداد الإنسان على الأرض من اجل كسب السماء، يجهزه لآخرة سعيدة. ويتم ذلك بطرق، وضوابط،، وشروط روحية، ضمن طقوس خاصة على المؤمنين التقيد بها وبحرفيتها خلال رحلة حياتهم على الأرض، والاستسلام المطلق لكل ما يملى عليه من أصحاب المعرفة اللاهوتية المتسربلين بثوب الدين. أما العلم فانه يسعى لنقل الإنسان نحو السعادة على الأرض، بعيدا عن الفقر، والمرض، والجهل، من خلال تفسير الطبيعة والكون بطرق علمية عقلية وتسخير التكنولوجيا، والاختراعات لرفاهية الإنسان.

الله خالقا للبشر يدرك الميول البشرية ويعرف سلوكها، فلأجل استقلال الإنسان، زرع فيه العقل حرا مستقلا ليعمل دون تدخل أحد و ليفسر الوجود بلا حدود. فلو كان الله يريدنا أن لا نفكر، لزرع فينا عقول منذ خلقنا محدودة التفكير والإرادة، بمعنى فرض، وحدد، وبرمج كل ما أراد أن نعرفه وانتهت القضية بحيث لا يشكل عبئا أو اختلافا بين البشر. التّزمت الديني صفة تعني التعدي على خليقة الله التي لم يخلقها لتكون دمية بين يدي احد. الله لم يخلق دمى، بل خلق أحرارا، لينهضوا بالإنسانية دون تشنج أو عناد أو تصلب أو إلغاء الأخر.

الاقتتال بين رجال الدين والعلماء كبير، صراعا هو ونزاعا، وليس منافسة. كل يسعى لإثبات طرحه. وبسبب قسوة الإنسان فان كل طرف يستأثر مصلحته، ويقدم نفسه على انه الأفضل. فالاقتتال قديم قدم وجود الأرض، ولو كان هناك لحظات في التاريخ تقاربا فيها، إلا أن داخل كل منهما توق إلى إنهاء الأخر.

سعي معظم رجال الدين لإخضاع العلم لمشيئتهم، دليل يقدموه على عدم قدرة الدين على السير منفردا دون الاتكاء على عصى العلم. نتيجة لذلك معظم العلماء لا يرون في الدين ندّا أو منافسا للعلم بل معطلا له...فالعلم يفسر الوجود بأسلوب علمي، يستند إلى أدلة وبراهين لا يمتلكها الدين لذلك يتعلق المتدينون بالغيبيات.

سياسة فشل العقل وقدراته الواسعة يعني إجهاض وموت التفكير، فالدين بذلك يمثل تهديدا للعالم والحضارة العالمية. وأيضا استقلال العلم يمثل تهديدا لمصلحة رجال الدين، وليس للحكمة الربانية، لأن الحكمة الربانية هدفها خير الإنسان والإنسانية.

في العلم نتعلم كيف نفكر ونحلل ونفسر ونستنبط ثم نقرر. أما في الدين هناك قرار موجود وموجه لا يحتاج لتفكير، كل ما عليك هو قبوله ومتابعته كما هو، دون أن تسأل لأن طرح السؤال تعدي على حرمة رجال الدين، وليس الدين. فذلك يهدد مكانتهم، لأن بأيدهم مفاتيح الحل والربط لكل العلوم والإجابات لكل الأسئلة المطروحة، وعلومهم محكمة وتحاصر كل شاردة وواردة مشكوك فيها أو مشبوهة. إذن، عليك قبول ما يطرحوه دون نقاش أو تفكير وخلافه يعد ضربا من التكفير.

العلم هو الشيء الوحيد في العالم القائم على حقائق ونظريات ملموسة ومطبقة، وقوانينه ثابتة لا تتغير ويصلح لكل شعوب العالم. بينما الدين لا يصلح ألا لقلة أو كثرة موزعة على كوكبنا. إذن، العلم شكل بكليته عمومية لجميع الأجناس البشرية. الدين شخص وجد لمساعدة الإنسان على مواجهة التحديات واجتياز المخاوف...الدين المبني على المحبة والتسامح يعمل على خلق اتجاه نفسي سوى لدى معتنقيه .

العلم لا حدود له، يضيق دوره ويتسع بمقدار فهم عقلنا له في الزمان والمكان الذي نعيش فيه. متابعتنا للتقدم الهائل للعلم يجعل الخضوع للفكر الديني ضربا من المستحيل، كونه يسير بوتيرة سريعة أكبر من قدرة العقل الديني على اللحاق بها لتؤيديها أو لتنفيها، أو بسبب عدم انفتاح رجال الدين وفهمهم للعلم الحاصل...أو فهمهم السطحي للعلم الذي لا علاقة لهم به سوى الاسم. كما أن معظمهم لا يعرفون ولا يتبعون طرق القياس العلمي. فما أسهل العداوة التي تنشب بين فهمنا للشيء من عدم فهمه.

أما العلم فان الصراع الموجود فيه سبق ومنافسة في التقدم والإبداع والازدهار، وبذلك يكون رائدا ومقدما شيء جديد لسعادة لبشرية جمعاء. ويشارك فيه الجميع من اجل مصلحة الجميع. أما الدين يشترك فيه قسم من الناس... ويقسم الباقية إلي فئات كل منها لها تفسيراتها.

سأطرح سؤال ثوري على علماء الدين أولا، وفيه الكثير من التحدي...ما هو موقفكم من العلم والعلماء الذين يتطلعون إلى قبور العظماء وأخذ عينة من بقاياهم واستنساخها؟ هذا السؤال يحتاج إلى جواب جريء يبين عظمة تحديكم للعلم في حال توصل لذلك. السؤال الثاني موجه إلى العلماء، ماذا يمكنكم أن تفعلوا أمام تحدي رجال الدين لكم بإثبات وجود، أو عدم وجود الروح، والآخرة بطرق علمية في مختبراتكم؟ هذا أيضا يشكل تحدي كبيرا لكم لإثباته.

سنبقى في حيرة من أمرنا إلى أن يأتي الزمن الذي فيه يبرهن ويلغي كل التناقضات الموجودة إن استطاع العلم والدين ذلك ... وخلال هذه الزمن من واجب الإنسانية أن تتعامل مع بعضها البعض على أسس متينة مصدرها العلم والدين، بحيث يقوما على قاعدة تقول نريد قلوب نقية، وعقول نيرة، وأرواح سامية، وأعمال إنسانية، وتفاهم عميق ومحبة بين الأجناس البشرية يلتف ويتدثر عالمنا كله بها، كي لا نصحوا يوما وتكون حضارتنا الإنسانية في مهب الريح. من مصلحة البشرية أن يكون هناك مثل عليا ليست لخدمة دين ضد علم، أو علم ضد دين. العلم باستطاعته ومتمكن من تطهير، وتنقية، وتنظف الأديان من الأخطاء، ومن كل معتقد خرافي، والدين يستطيع تنقية العلم من الوثنية وكل خداع استبدادي مجرد. فالأفضل للبشرية وجود دين بدل من عدمه.

إيماننا بقدرة العقول على تحقيق السعادة على الأرض بواسطة العلم قوية، وأيضا إيماننا بتحقيقها للسعادة المرجوة في السماء عن طريق الدين قوية، نكون بإيماننا هذا قد حققنا معنى الوجود ومعنى الخلود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج