الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناهج التعليم – مُكَثَّف ٌمن الدين بنكهة العلم الخفيفة

نضال الربضي

2013 / 11 / 13
التربية والتعليم والبحث العلمي


مناهج التعليم – مُكـَـثــّـَـف ٌمن الدين بنكهة العلم الخفيفة

قبل أيام جاءني ولدي جورج الذي يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاما ً إلى المطبخ، يحمل بين يديه كتاب التربية الوطنية و الاجتماعية أو ما ما كنا نُطلق عليه أيامنا اسم كتاب: التاريخ، و فاجأني بالسؤال التالي: "بابا صحيح الكنيسة كانت بتوزع صكوك الغفران؟"، سؤال ٌ مُباغت يشبه ضربة َ ملاكم ٍ لخصمه ِ بيساره، خصوصا ً و قد انتهيت ُ للتو من ارتشاف كأس الماء!

سألته: "من وين سمعت السولافة هاي؟"، فأجاب: "هيك مكتوب بكتابنا".

يا لهذه الكتب!

في درس اللغة العربية تتلو ابنتي آيات القرآن و تتعلم الأحاديث و تسألني عنها، و عند تحضيرها للدروس تطلب مني إجابات عن استعدادات المسلمين لمعركة "بدر الكبرى" كما تعرفها هي أو "غزوة بدر" كما درستها أنا، ثم تتباحث معي في سبب انتصار المسلمين و دلالات هذا النصر، فأجيبها، ثم في اليوم التالي حين تشارك الصف بإجاباتها ترتسم على وجة المعلمة ابتسامة و هي تسألها: "مين اللي جاوبلك على هاي الأسئلة؟"، الإجابات علمية تحليلية و ليست دينية و قد أدركت المعلمة أنه من الأفضل عدم "استشارة" مريم في المرات القادمة.

في درس العلوم لا بد من الحديث عن البرزخ الذي يفصل البحرين عن بعضهما البعض و الإعجار العلمي الموجود، و لا بد أيضا ً من تلقين الأولاد أن كل ما يتعلمونه له أصول قرآنية، و أن القرآن جامع ٌ مانع ٌ شامل ٌ صالح ٌ لكل عصر و زمان، و عند الحديث عن الفيزياء لا بد من التذكير أن هذا العلم هو قليل جدا ً من كل شئ و أنه بأمر و سماح من الله و أنه لو شاء تعالى لمنع عنا العلم و مهما فعلنا لن ننفذ من أقطار السموات إلا بسلطان!

مناهج توتاليتارية شمولية مؤدلجة بالكامل(أحب كلمة توتاليتارية لأن لها جِرسا ً موسيقيا ً)، هي في حقيقتها دروس ٌ في الدين الخالص مع "شوية علم" لا يضر و لا ينفع و كان من الممكن الاستغناء عنه تماما ً فالله هو الخالق الشافي المعافي الرازق العاطي المانع و ما دام أن الرزق معلوم و القدر محتوم و لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا فإذا ً يا جماعة أغلقوا دور العلم و لنعد إلى زمن الخيمة و الفرس!

غير معقول هذا الذي يحدث!

أنا لست ضد أن يعتنق الإنسان عقيدته و يحيا بموجبها، و لست ضد الانفتاح على عقائد الآخرين، أنا نفسي أقرأ القرآن و لدي في البيت قرآنان أحدهما القرآن العادي و الثاني نسخة ٌ مُترجمة مُجازة من علماء السعودية المعتبرين عند إخوتنا المسلمين و فيها النص العربي يُقابله نص إنجليزي مع شروحات و هوامش، أقرأ فيها كثيرا ً لأتعلم أكثر عن هذا الكتاب الذي يراه إخوتنا أفضل كتاب ٍ على وجه الأرض، و يساعدني على فهم العقلية الإسلامية و أصولها و توجهاتها و منهج الحياة و الدعوة بحسبها.

لكني ضد أشياء أخرى:

أنا ضد دمج الدين أي دين في كل قطاعات الحياة و سيطرته عليها. أريد عندما تتعلم ابنتي اللغة العربية أن تقرأ لامرئ القيس و جرير و الفرزدق و المتنبي و النابغة الذبياني و الحارث بن حلزة، أريدها أن تسمع صوته بعقلها و هو ينشد: آذنتنا ببينها أسماءُ! يا الله يا أسماء ما أجمل اسمك ِ من فم الحارث، لكن ابنتي لا تعرفك ِ و لا تعرف الحارث!

أريد أن يتعلم ولدي معنى الحب و الإخلاص من فم جرير و هو يقول: لولا الحياء ُ لهاجني استعبارُ و لزرت ُ قبرك ِ و الحبيب ُ يُزارُ. أريده أن يفهم معنى الشراكة و العشق من فم شاعر ٍ مكلوم ٍ في زوجته ِ، و يعلم أن الرجال أيضا ً لديها حياء و مشاعر و ليست صُخورا ً صمدا ً تحمل السيوف و تغزو البلاد.

أُريد لأطفالي أن يتعلموا عن تطور الجنس البشري و الكائنات و يتناقشوا في أسباب انتصاب البشر على أقدامهم و تخليهم عن استخدام أيديهم للمشي. أريدهم أن "تتعب" عقولهم و هي تفكر في فيزياء الكم و اختلافها عن الفيزياء الكلاسيكية و في نظرية النسبية لأينشتاين، أريدهم أن يناموا و هم مضطربون لأنهم لم يستطيعوا أن يفهموا معنى انحناء الزمان و المكان فيكون هذا سبب اجتهادهم في اليوم التالي للبحث و التنقيب على شبكة الإنترنت و التباحُث ِ مع أصدقائهم حتى يفهموا و لن أقبل منهم أقل من أن يفهموا.

أريد لأطفالي عندما أعطيهم معلومة ً أي معلومة أن يفكروا و يردوها علي إن كانت خاطئة ً و يناقشوني فيها بلا خجل ٍ لا داعي له، و بدون شعور ٍ بأنهم ينتهكون َ حقوق الأبوة المقدسة، لأنهم يؤمنون بأحقية الحقيقة و سلطان العلم الأحق َّ من أي سلطان، و أن يستثيروا فيَّ غريزة الدفاع في النقاش و الحوار، أريد من مناهجنا أن تصنع لهم هذا! لكن ما أراه يقول لي: لن يحصل من تلك الجهة. فإذا ً علي أن أُكمل أنا ما بدأته، و أستمر في "مناهجي" الخاصة التي أربيهم عليها و هو ما أفعله.

حسن ٌ جدا ً: ماذا قلت لجورج حين سألني عن صكوك الغفران؟

ببساطة قلت له الحقيقة: شرحت له ما هي، و الحقبة التاريخية التي كانت فيها، و الظرف السياسي، و بينت الخطأ فيها و أخذته للحاضر حيث أوضحت ُ أن الكنيسة قد تعلمت من أخطائها و بينت له كيف فصل الأوروبيون الدين عن السياسة عن الدولة، ثم عدت إلى الماضي و شرحت له عن الحروب بين العرب و الأوروبين، و أسبابها، و بينت الأخطاء الموجودة في التاريخ الإسلامي، و هو حديث لا أحب أن أخبر أبنائي عنه لكن مناهجهم تضعهم في مواقع دفاعية أمام زملائهم المسلمين الذين يتهكمون عليهم فُأضطر أن أُلبسهم درعا ً واقيا ً و أعطيهم سلاحا ً من الوعي لكي تتوازن القوى.

أرأيتم ماذا يفعلون بأطفالنا و على ما يجبروننا؟ أرأيتم لم يجب أن يتوقف هذا الجنون!

لكني بعد كل هذا ختمت النقاش بأننا جميعنا إخوة و يجب أن نحيا في الحاضر و ليس في الماضي و علينا أن نبحث عن المشتركات لنعيش فيها و ننمو، و هذه الخاتمة هي شعوري الحقيقي و إيماني المطلق الذي أريد أن يأخذه عني أبنائي.

غيروا هذه المناهج، إنسوا الماضي، عانقوا العلم، ذوبوا في الإنسانية، كفانا حماقات!

أليس كذلك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اصبت وايضا؟
كاترينا ( 2013 / 11 / 13 - 07:11 )
جاءك كلامك على الوجع ولكنك لم تتحدث عن تفاهة المناهج ليس بالمادة العلمية الموجودة فيه انما بالنهج الذي تسير عليه فأنا ارى ابنتي في الصف الثالث تضطر الى حفظ كلمات صعبة في مادة العلوم مثلا مع انها تفهم المفهوم او العملية التي يشار اليها في كل درس وهي تقف امامي وتشرح والامتحانات تقيس مستوى الحفظ وليس مستوى الفهم وهذا خطا ما معنى ان يحفظ الولد تعريف الكتلة والحجم ولايعرف ان يفرق بينهما مثلا او ان يشرح الفرق؟هذا من ناحية من ناحية اخرى المناهج تركز على التلقين الديني فنحن لم نعرف عن الشعوب الاخرى او دياناتها الا عندما كبرنا واصبحنا نطالع هنا وهناك ما الرسالة التي من المفترض ان تعطى للاطفال والطلاب اكيد راح تكون الانغلاقية وعدم الانفتاح على الاخر والتعصب بالمحصلة ثم لماذا يكون هنالك درس عن اخلاق الرسول في الصف الاول مثلا ولا يوجد درس عن امثال المسيح؟؟ او حتى عن بوذا؟


2 - إلى الأستاذة كاترينا
نضال الربضي ( 2013 / 11 / 13 - 10:10 )
أهلا ً بك أستاذة كاترينا،

قصدت في المقال التركيز على إقحام الدين في كل المناهج و صبغ التعليم بالصبغة الدينية التي لا يستطيع الطالب أن يرى إلا من خلال نافذتها الضيقة.

و قصدت أيضا ً التركيز على ضعف المخرجات العلمية و تواضعها أما شدة و زخم المخرج الديني لتوضيح أن تعليمنا في الأصل هو دين كثيف مع -شوية علم-

بينما تطرقت ِ أنت ِ إلى -شوية العلم- و دخلتِ في طريقة عرضها و الفائدة الناتجة عنها، و هو موضوع طويل جدا ً لم أشأ الخوض فيه لأنه ينقل التركيز من موضوع إقحام الدين إلى موضوع طريقة عرض المحتوى: نجاحها أو فشلها في نقل المعلومة العلمية و تثبيتها و بناء القدرة على الاستفادة منها.

أما بالنسبة لسؤالك ِ عن أمثال المسيح و بوذا، فأنت ِ يا سيدتي الكريمة طموحة جدا ً :-))، هل تريدين من منهج وضع أساسه الإخوان المسلمون أن يتكلم عن أي شئ غير مذهبهم؟

كمثال توضيحي: قديما ً كانوا يدرسوننا قصيدة ً للكميت أول شاعر سياسي قال قصيدة مدح في آل البيت، و هم أهل بيت الرسول، الآن لم تعد القصيدة موجودة لأنها يمكن أن تشجع الناس على التشيع!!!!

هل فهمت ِ العقلية التي نتعامل معها؟

دمت ِ بود و لك كل الاحترام.


3 - إهداء إلى الأستاذة مريم نجمة ..
محمد بن عبدالله ( 2013 / 11 / 13 - 15:42 )
http://www.youtube.com/watch?v=kYKfgWTkaCo

إهداء إلى الأستاذة العزيزة مريم نجمة وإلى كل من دعا ويدعو مثلها إلى الثورة...وكما تقول فيروز

بركي بيوعا الضمير


4 - إهداء إلى الأستاذة مريم نجمة ..
محمد بن عبدالله ( 2013 / 11 / 13 - 15:49 )
http://www.youtube.com/watch?v=kYKfgWTkaCo

إهداء إلى الأستاذة العزيزة مريم نجمة وإلى كل من دعا ويدعو مثلها إلى الثورة...وكما تقول فيروز

بركي بيوعا الضمير


5 - المسلمين بدائوا يستحوا من الاسلام
مروان سعيد ( 2013 / 11 / 13 - 21:26 )
تحية استاذ نضال الربضي وتحيتي للجميع
وبعد ان اطلعت على الرابط الذي قدمه الاستاذ محمد عبد الله ويشاعة الاعمال الثي يفعلها انصار الاسلام من امور تندى لها الجبين اعتقد بداء المسلمين يخجلو من التعريف بنفسهم على انهم مسلمين وخاصة الشرفاء منهم ويجب الغاء الدين من مناهج التدريس نهائيا لاانها وصمة عار على وزارة التربية والتعليم وما ناقصنا الا ان يضعوا ايات التي تحلل الزنى والقتل
انكشف كل شيئ استاذ نضال وبالقريب العاجل سينهار البناء باكمله لاانه مبني على الرمال
وللجميع مودتي


6 - استاذ نضال
كاترينا ( 2013 / 11 / 14 - 05:26 )
اعرف انني توسعت في التعليق ليشمل المناهج التعليمية كلها من ناحية دينية ومن ناحية علمية او مخرجات التعليم نفسه واعرف الفكرة التي استند عليها المقال لكن احببت ان يكون هنالك توسع ليشمل حقا ما هي المخرجات التي من المفترض الحصول عليها من هكذا تعليم؟ الفرضيات والواقع /اعتقد انه على دورنا كانو يحكو المناهج سيئة وتحفيظ بتحفيظ لكني مع دخول بنتي الكبرى الى المدرسة وجدت انها تسوء اما فيما يتعلق بالتفاؤل نعم انا متفائلة لكن تفاؤلي ان يتغير الوضع ليس الان او في القريب المنظور بل للاجيال القادمة تعقيب على مسألة الاخوان المسلمين انا اعارض فكرتك يعني هل كل من هم مسؤولون عن هذا النهج الديني هم تابعين للاخوان المسلمين مثلا ؟ام انك تقصد ان المنهج الذي يسيرون عليه هو مستمد من تأثير الاخوان المسلمين ؟وهل تعزي كل هذا التعصب والشحن الديني للأخوان المسلمين كتنظيم؟ انا قصدت في فكرتي عن شمول التعليم لافكار اخرى غير اسلامية تتفق مع الاخلاق العامة -هذا مثلا من ناحية -لانه لا نستطيع ان نحيا كلنا على اساس انه لا شيء اخر سوى الاسلام واخلاق الاسلام؟؟مع احترامي للمسلمين
تحياتي


7 - إلى الأستاذة كارتينا
نضال الربضي ( 2013 / 11 / 14 - 07:36 )
تحية ً طيبة ً لك ِ،

ربما يكون كلامك ِ موضوعا ً لمقال آخر في المستقبل و هي فكرة ممتازة تتطلب أن أدقق أكثر في كتب أبنائي.

بالنسبة للمناهج، لقد هيمن الإخوان المسلمون على المناهج فترة ً فكانت المخرجات هي نتيجة مباشرة لرؤيتهم و سيطرتهم، وقتها لم تكن الحكومة أو الشعب يعون بالضبط من هم الإخوان فقد كانوا يستخدمون مفهوم التقية ببراعة شديدة لكنها أصبحوا مكشوفين الآن.

أنا أؤيدك ِ أن مناهجنا يجب أن تشمل ألوان الطيف الإنساني الحضاري كاملاً، المناهج لا تتكلم عن كونوفوشيوس أو زرادشت أو ماني أو المهاتما غاندي أو نلسون مانديلا أو الحلاج أو المسيح أو بوذا أو ابن خلدون (سوى ذكر له بسيط) أو أخناتون أو السريان، و هي لا تقدم أي عرض وافي عن الحضارات قبل الإسلام سوى ملخصات لا فائدة منها، و هي تتجاهل الأنكا و المايا و الأزتيك و الفايكينغ و تركز على لون واحد هو اللون الديني.

لهذا تبقى ثقافة أبنائنا محصورة بين استخدام الإنترنت و الاستهلاكية المادية من جهة و بين الدين من جهة أخرى، فنحصل على مسخ ٍ يعيش في فقاعة هائمة أو كما نقول -سارحه و الرب راعيها-

دمت بود.


8 - أستاذ مروان سعيد
نضال الربضي ( 2013 / 11 / 14 - 07:46 )
أهلا ً بك أستاذ مروان،

المعتقدات لا تنهار لمجرد كشفها، فالدين الموجود في الصدور يتم توارثه و الدعوة إليه و استدامة تأثيره طالما أن هناك جهات تقوم على هذا. و لذلك هناك معتقدات ما زالت تمارس مثل ديانة الأم الكبرى و طقوس عبادات الأرواح و الأسلاف إلى اليوم.

لكن ما يحدث هو إضعاف تأثيرها و انكماش نموها، و هذا صحيح بالنسبة للإسلام و المسيحية و اليهودية و أي دين آخر يتم تقديمه بصورة علمية لجمهور يقبل النقد العلمي، بينما لا ينفع مع جمهور يمتلك ثقافة محدودة و يصارع لقمة العيش يحتاج للراحة التي يقدمها الدين و الوعد بحياة أخرى خالدة عادلة.

لا أعتقد أن الإسلام سينتهي من العالم، و هذا صحيح أيضا ً بالنسبة للمسيحية و اليهودية، و ستبقى حرب الأعداد و منافسة التحويل من هنا إلى هناك و من هناك إلى هنا قائمة، و الكل سعيد أنه -المُنتصر-، هذا الإنتصار الوهمي المُضحك!

المهم كيف نعيش نحن؟ هل نعيش المحبة؟ هل نطبقها في حياتنا؟ هل تحب المسلم كما نحب المسيحي؟ هذ هو المهم، صدقني.

أما ما تبقى فيبقى تفاعل حياتي مع الحياة ضمن إطار التاريخ و هذه أمور تؤثر فيها عوامل كثيرة جداً لا سلطان لنا عليها.

دمت بود.

اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: هل تصبح فرنسا بدون أغلبية قاد


.. إيطاليا - بركان إتنا يثور من جديد وينفث حممه الملتهبة في الس




.. رسالة من تبون لمحمد السادس.. أكثر من تعزية؟ | هاشتاغات مع غا


.. حزب الله يطلق وابلا من الصواريخ والمسيرات على إسرائيل ردا عل




.. في مدنية جيل البلجيكية.. تقليد فريد لاستقبال المرضى النفسيين