الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا بديل عن الإنسان

مزوار محمد سعيد

2013 / 11 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



يُقبل الإنسان على حياته خوفا و فزعا، يحاول بأدنى ذرة كرامة مصارعة الأيام، و يتأهب للكثير من المتصارعات من الأحداث رغم هيبته إياها، إنه الخوف بلا شك. لكي يكون الفرد موجودا عليه أن يتحدى ماهيته بكل جدارة، عليه أن يجعل منها في قمّة الوجود، و هذا لا يكون سوى بالعمل على تجاوز الأعذار المكبلة للإبداع، تماما كما يحدث في صراع الإرادات. لقد أثلج صدور الكثيرين ذلك النمط الذي يفسّر الحياة بالجزئيات، و في الوقت نفسه أغضب البعض حين تم وقوعهم فيه، لكن بين هذا و ذاك لا تزال تسيطر الحيرة، و سؤال: ما العمل؟ على كلّ فؤاد حيّ. الفرد الإنساني لا يختار وجوده، لا يختار لونه و والديْه و لا بلده و لا انتماءه و لا مصيره، و لكنه يحاول أن يختـــار بين كل هذا كيفية القيام بكلّ هذا، أو التعايش مع هذا كلّه، فلا مجال لتبرير سوء التصرّف بالوجود كما هو موجود. بل على المتواجد فيه فهمه أولا، قبل التعامل مع الموجودات على الهيئة التي وجدت عليها، و هذه نتيجة حتمية للمقدمات التي تجعل من الوجود وجودا بكلّ المعاني. يعاني الفرد من الموجودات ضمن وجوده، و وجود هذه الطريقة في تواجده لا يمكن لأحد إنكار وجودها، لكنه في الوقت نفسه هو بحاجة إلى حجّة تضمن استمرار تواجد رغبة ذاتية في وجوده في هذا الوجود العام. إنها منبع المخاوف كلّها دون استثناء! لأسباب كثيرة أولها: ذلك الذي يجعل من الفرد الإنساني ضمن دائرة اختبار دائم، و آخرها ذاك الذي يحيط بنفسية الفرد عينه من أجل إبقائه ضمن دائرة ترقّب النتائج التي ستولد من رحم خوفه؛ و في كلتا الحالتيْن: الفرد هو الذي سيدفع ضريبة وجوده الذي لم يكن له الحق في اختياره يوما. لطالما عاملتُ نفسي على أنها متمردة على المجتمع الذي أعيش فيه، و لطالما تجرعتُ الكثير من المرارة المركزة في أيام حياتي التي لا أدرك إلى الآن لما أعيشها؟ و لماذا أحياها؟ و كيف أتعامل معها؟ لكن في كلّ مرّة أجتاز هذه المواقف هربا منها، أتناساها حتى لا يصيبني بالفزع، أو على الأقل لا تذكرني بخوفي الذي لا يفارقني. لقد أحببتُ الحياة حقا، على الرغم مما ساورني حتى في الوقت الذي أكتب فيه هذه الكلمات خوفا من الـغد، أنا أخشى من أعماقي و بكلّ جوارحي أن يكون مظلما، و لا عجب أن يظلم! لأنّني لن أكون استثناء بين بني البشر. لقد قرأتُ عن الكثيرين، عن الناجحين و الفاشلين، لم أدرك إلى اليوم ما مصداقية هذا التصنيف، و لا معياره، لكن أدركتُ أنني قادر على الوقوع في أحد الوضعيتيْن، و الثانية هي التي تحرّك معظم وقتي، بل تسيل دموعي بتدخل أو غير تدخل مني. فهل الدمعة دليل قوّة أم ضعف؟! أعيش في أمّة لا تدرك هذه الفرضية سوى بين سطور المغضوب عليهم من أبنائها المخلصين، روحها بقيت رهينة الأمس، و جمالها لا يفارق حزنها، و مع هذا هي ملهمة خوف الأمم منها، و لا تدرك هي هذه الأمور، لأنها كفرت بمجدها كما يقول الكثير من أمواتها؛ عادات المجتمع و تقاليده أبغضها، تجعل الحقوق ملفوفة بالعراقيل، تحارب الإبداع بشعار تشجيع المبدعين، تحاول أن تسيطر على الناس، و قد نجحت في ذلك إلى حد كبير، كل شاذ في نظر هذا النظام الاجتماعي وجب مقاطعته، تعنيفه و إذاقته عذابا نفسيا لا يقل عن عذاب النازيين أو الفاشيين. ما الفرق؟ الدين في محيطي يحرّم كل ما يشتهيه البشر، لقد عقّده أهله حتى أصبح يبدوا كالوحش الذي كنتُ أرتعب منه حين كنت في سنّ أحسب فيها أن العالم مكانا آمنا، لقد وضع هذا الدين الجديد الذي لا يعرفه سوى المطرودين من مدارسهم، أو معظم رجال الدين الذين لا يفرقون بين قواعد الصرف و قواعد النحو قواعد قاسية بطريقة فنية. لقد أعطى الشرعية لكلّ خبيث للنوايـــا، فأصبح المخالف كافرا حتى و لو كان على حق، بل أصبحت جماعات بأكملها تكفر فقط لأنها خالفت أهواء القديسين من رجال هذا الدين الجديد، ما عهدته البشرية من قبل، و لا من بعد. أمّا العلم في بلادي فهو مدعاة للسخرية، المفكّر تحوّل إلى مريض نفسيّ، الطبيب أصبح قصابا، المدرس تاجرا، الطالب كاذبا، التلميذ مشاغبا، الفيلسوف مجنونا أو يقترب من الجنون، الإداري منافقا، الحارس مديرا، المدير ملكا، و الباقي مجرّد ممثلين في مسرحية بعنوان: النخبة في زمن الدعاية لأجمل كذبة. السياسة في بلدي مرتع للخراف، يقودها الراعي كما يريد، على الطريقة التي أطلعنا عليها جبران خليل جبران في مطلع قصيدة "المواكب"، مضحك للغاية! الثقافة في المعطى المباشر لدي هي حزمة من أسباب الانبهار، إن زادت عن حدها تعطي للجلاد الحق في القيام بعمله المعروف في حق مدعيها، و إن جفّ بريقها فإنه يقام لها ضريح لا يزوره سوى مرضى السحر الذي لم يتعرف على ساحره. فلما لا أخاف؟ لقد تحوّل الله عند الكثيرين مما يحيطون بشخصي إلى صنم يدعى: المال، لقد صار هذا الأخير يفرق بين الأحباب، حوّل الشرف إلى عنوان بلا مضمون، إلى قصيدة على قارعة شارع الشهداء، و صنع من عجينة الغايات وسائل خارجة عن نطاق زمن و مكان القيم و الأخلاق. علاقات الأفراد الذين أعرفهم قائمة على شد-مد، حتى بلغ اليأس معظم تصوراتي عن الأفراد الجدد الذين أصادفهم في طريقي، التحية أصبحت أغلى من وسيلة للوفاة، الابتسامة لا أراها سوى في بعض الحالات: في لحظة تشفٍ مثلا في أحدهم دون علمه، أو في نشوة لا تدوم إلا بضع دقائق، أو حين يريد أحدهم استمالة رضاي حتى يتمكن من أخذ حاجته مني دون أرق. لما التفاؤل؟ هذه الأسطورة التي حكمتني لمدّة أطول من القصيرة، و هي التي لا تزال تحكمني إلى اشعار غير معروف، لما؟ النساء انقرضن منذ زمن طويل في رأيي، لقد بقي في محيطي بضع إناث جاهلات بجواهرهن؛ منهنّ من تحاول اصطياد عبد في ثوب عريس، و الأخرى من تحاول القبض على بنك وديع تبقيه في سجنها مع سبق الإصرار و الترصد، و الباقيات يدرن حياتهن كلعبة الفيديو التي لطالما لعبتها في قاعة ألعاب "عبدو"، الزواج أصبح مشروعا فاشلا قبل بدايته، لأنّ البعل ارتقى إلى رتبة بغل، و من شروط و أركان عقد التزاوج: عمل دائم للزوج بينما الراتب للزوجة، حضور دائم للزوج في بيت الزوجية بينما الأوامر المطاعة تصدرها الزوجة، الزوج له الحق في حراسة نواياه الجنسية حتى لا يقع في "الحرام"، و للزوجة الحق في اعتبار زوجها مرحاضا بشريا، و كل هذا تحت قاعدة "التذمر ممنوع"؛ الأولاد يرعاهم الشارع، بينما تنكب على رقابهم رد جميل ولادتهم لأمهم، و جميل عدم اهتمام أبيهم، و كل من يخالف هذه القوانين له الحق في الانتحار أو الإقامة في المنفى الذي يحدده العالم الاجتماعي المحترم. لقد بحثتُ أيضا في بعض القواميس عن مرادف كلمة الحياة، وجدتُ أنها ترادف الكثير من الكلمات، تلك التي تدخل في عائلة مصطلحات: الكفر، الجنون، السفاهة، الفشل، الخرف أو الإجرام. أين أضع نفسي؟
لكلّ منـــّا طريق، و طريقي لا أعرفه أنا، لا يعرفه أحد من بني البشر، قد أبدوا في كلّ الصفات، و قد تكون محقة في حقي كل ما أشمئز منه، لكنني لم و لن أضيّع رغباتي في زحمة أوامر العادات، التقاليد، الشعارات الكاذبة، القوانين و لا حتى تعاليم الدين الجديد، مقدساتي هي عقلي وحده، و بالتالي: لكم حياتكم و لـي حياتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يطالب عضو مجلس الحرب ب


.. عالم الزلزال الهولندي يثير الجدل بتصريحات جديدة عن بناء #أهر




.. واشنطن والرياض وتل أبيب.. أي فرص للصفقة الثلاثية؟


.. أكسيوس: إدارة بايدن تحمل السنوار مسؤولية توقف مفاوضات التهدئ




.. غانتس يضع خطة من 6 نقاط في غزة.. مهلة 20 يوما أو الاستقالة