الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملخص عن الريف المصري والأزمة الاقتصادية العالمية 1929 - 1933م

اسلام موسي

2013 / 11 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


خلفت الأزمة الاقتصادية العالمية في خريف 1929م تأثيرا كبيرا علي الاقتصاد المصري ، وساء حال معظم الطبقات في مصر وانخفض مستوي المعيشة العام ، وذلك بسبب انخفاض أسعار المواد الأولية و صعوبة تصريف الحاصلات الزراعية نتيجة قلة الطلب العالمي عليها ، حيث انخفضت أسعار محصول القطن الذي كان يؤثر اقتصاديا بشكل مباشر علي 70% من سكان مصر بمقدار 47% وانخفضت الصادرات بمقدار 37% تقريبا.

وصار التصدي للأزمة الاقتصادية والتخفيف من وقع أثرها علي الاقتصاد المصري و مختلف شرائح المجتمع مسئولية الجميع في مصر ، حيث علي المستوي الشعبي فقد تم طرح القضية علي الملأ ليدلي كل صاحب رأي بدلوه في اقتراح الحلول المناسبة وشهدت المؤسسات والصحافة حالة من النشاط والرواج العام بهدف ابراز المقالات والدراسات التي تتناول الأزمة وتطرح الحلول المناسبة لها.

أما علي المستوي الرسمي فقد اتخذت حكومة النحاس عدة تدابير لتدارك أثار الأزمة فقد لجأت الي اتباع سياسة التدخل الاقتصادي حيث اشترت الحكومة ثلاثة ملايين قنطار من القطن دفعت ثمنا لها أربعة عشر مليونا من الجنيهات ، و ذلك أملا في تخفيف العبئ من علي أكتاف المنتجين وتثبيت الأسعار وبيع ما اشترته عندما تتحسن الأسعار ، بالاضافة الي ذلك قامت الحكومة في نفس الوقت باتباع أسلوب التسليف حيث اصدرت وزراة المالية قرارا يقضي باستمرار التسليف علي القطن علي القطن لغاية 31 يناير 1930م ، وذلك حتي يتمكن الفلاح المصري من اجتياز الأزمة الاقتصادية التي يمر بها ، ولكن جميع تلك التدابير اتضح عدم جدواها بل كانت مضرة في بعض الأحيان للصالح العام وذلك بسبب عدم اعتمادها علي سياسات مدروسة وانما جاءت تحت وطأة الضغط الشعبي والحاح الرأي العام.

في عام 1930م استقالت وزارة النحاس الثانية وكلف الملك اسماعيل صدقي بتشكيل الوزارة الجديدة وكان معروف عن اسماعيل صدقي كفائته الاقتصادية وميوله الرأسمالية ، وكلف صدقي وكيل وزارة المالية باعداد دراسة واقعية عن السياسة القطنية المستديمة وأوصي بترك الأسعار تتحدد عند المستوي التي تحدده ظروف العرض والطلب واستخدام الطرق العلمية في التوسع في انتاج القطن وزياده الغلة ، واتباع سياسة تنويع المحاصيل وعدم الاعتماد علي محصول واحد.

في البداية أدت السياسات الاقتصادية لاسماعيل صدقي في انخفاض متوسط أسعار القطن من 2,410 جنيها في عام 1930م الي 2,016 جنيها في عام 1931م ولم يكن ذلك يكفي نفقات الانتاج ، ولكن سرعان ما تغيرت الأمور عندما تخلت بريطانيا عن قاعدة الذهب في سك عملتها المحلية فانخفضت قيمة الجنيه الاسترليني بمقدار 30% ، وبالتالي تراجعت قيمة الجنيه المصري لارتباطه بالجنيه الاسترليني ، فعمل ذلك الانخفاض علي ارتفاع أسعار القطن بمقدار 20% بالجنيه المصري.

وعملت الحكومة علي تحويل السياسة الاقتصادية لمصر من اقتصاد التخصص القائم علي محصول القطن الي سياسة تنويع الانتاج ومن أجل ذلك حددت الحكومة المساحة المسموح بها لزرع القطن بثلث الزمام ، وعملت علي العناية برزاعة الخضر والحبوب والفاكهة بالاضافة الي الاتجاه الي التصنيع واعتباره أحد فروع الانتاج الهامة ، ومن أجل ذلك أصدرت الحكومة في فبراير 1930م التعريفة الجمركية وذلك بهدف خفض الواردات الأجنبية وحماية المنتج المحلي وتثبيت مستويات أسعاره.

في صيف عام 1931م أنشأت الحكومة بنك التسليف الزراعي للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية علي المزارعين ، وعمل البنك علي منح السلفيات علي المحصول بسعر فائدة منخفض لكي يتمكنوا من بيع محصولاتهم في الأوقات الملائمة لهم بالاضافة الي منحهم البذور والأسمدة الجيدة التي يخصم ثمنها من أثمان المحاصيل ، ولكن اضطراب السوق وانخفاض الأسعار أدي الي عجز الفلاحين عن سداد أقساط الديون الي البنك ، وفي البداية كان البنك متهاونا في تحصيل الديون عامي 1931م ، 1932م ولكن في عام 1933م أصبح البنك متشددا في تحصيل أقساط الديون ، وذلك في نفس الوقت التي كانت تعمل فيه الحكومة علي تحصيل الضرائب مما اضطر الفلاحين الي بيع أقطانهم بأقل من السعر السائد لتجار القطن وبيع ما يملكون من ماشية وأثاث بأبخس الأثمان وذلك سدادا لمديوناتهم.

وفي خطوة من أجل التخفيف من الأعباء المالية التي اثقلت كاهل الفلاحين والمزارعين خصصت الحكومة مليونا من الجنيهات تم تدبيرهم عن طريق ضغط الانفاق الحكومي في ميزانية السنة المالية 1933 / 1934 ، واقتدت الحكومة بذلك الفعل من بعض الدول الأوروبية التي اتخذت مثل هذه الاجراءات في محاولتها معالجة الأزمة الاقتصادية.

وقد شارك مجلسي النواب والشيوخ في طرح عده مقترحات تهدف الي التخفيف من حده الأزمة الاقتصادية وذلك عن طريق عقد لجنة مشتركة بينهم بمجلس النواب في 3 أكتوبر 1933م لدراسة الحالة الاقتصادية وقد خرجت بعده توصيات منها استصدار مرسوم بتاجيل دفع الديون المستحقة لمده عام ، وتخفيض ضرائب الأطيان الزراعية بنسبة 50% من قيمتها الحالية ، وايقاف البيوع الجبرية ، وارجاء تحصيل اقساط السلفيات الزراعية عن السنة الحالية ، وقد طالبوا بسرعة تنفيذ هذه التوصيات لاسعاف الفلاحين والمزارعين وانقاذهم من الضائقة المالية.

من ناحية أخري برزت قضية خطيرة وعلي قدر كبير من الأهمية وهي قضية عقود ايجار الأطيان التي أبرمها المزارعون مع ملاك الأراضي الزراعية ، وتتلخص القضية في تعاقد المزارعون في أوائل عام 1930م علي استئجار أطيان وجهاء الملاك المقيمين بالمدن ، وذلك بعقد تسري مدته لمدة ثلاثة أعوام تتناول سنوات 1931 ، 1932 و1933 م ، وذلك بمقتضي سعر ايجار يتراوح بين 20 - 35 ريالا للقنطار ، وتبرز الأزمة في ان سنوات التعاقد الثلاثة كانت سنوات انحطاط في أسعار القطن حيث أن حاصل الفدان لم يفي بمصاريف الزرع ، وعجز المزارع عن سداد ايجار الأرض مما أدي الي تجريده من ماله وما ملكت يداه وفاءا لالتزاماته بسداد قيمة التعاقد.

وقد تعالت أصوات المزارعين مطالبة بالتدخل العاجل للحكومة لايجاد حل لهذه الأزمة وانقاذهم من الهلاك والخراب المحقق الأمر الذي دفع وزارة المالية باصدار أمرها بتأجيل خمس ايجار عام 1931م.


المراجع
(1)علي شلبي : الأزمة الاقتصادية والأمن العام في الريف المصري
(2) جمال الدين سعيد : اقتصاديات مصر
(3)عبد العظيم رمضان : تطور الحركة الوطنية في مصر 1918 - 1936
(4) مريت بطرس غالي : سياسى الغد
(5) راشد البراوي ، محمد حمزه عليش : التطور الاقتصادي في مصر في العصر الحديث








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف