الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في سفر التطور – عندما عوى الذئب

نضال الربضي

2013 / 11 / 15
التربية والتعليم والبحث العلمي


قراءة في سفر التطور – عندما عوى الذئب.

"الذئب البشري" عبارة ذم و تحقير تُطلقها مجتمعاتنا على مجرمين ارتكبوا فظائع في حق البشر، و بالأخص حين تكون الضحية ُ امرأة ً أو طفلا ً. هذا الوصف جعلنا نكره الذئاب و نخافها لأننا حكمنا عليها بالوضاعة و الخسة و النذالة و حقارة السلوك و بشاعته، لكن هل هي كذلك؟

من هو الذئب و ما هي حقيقته؟

يُخبرنا سجل الحفريات ما يلي:

- أن جدا ً مشتركا ً بين الذئاب، الكلاب، القطط، الثعالب، الضباع، الراكون و الدببة قد عاش قبل 60 مليون عام، مُتطورا ً من نوع ٍ أقدم من المُفترسات الحشرية أي تلك التي كانت تأكل الحشرات.

- تواجد آخر جد مشترك بين: الذئاب، الكلاب، الثعالب و الدببة قبل 30 مليون عام و بعدها انفصلت الدببه في مسارها التطوري لوحدها.

- انفصلت الثعالب عن الذئاب و الكلاب قبل 15 مليون عام.

- تم تدجين الذئاب الأوائل من قبل البشر و تربيتهم ليتحولوا فيما بعد إلى "كلاب" في الفترات ما بين 33 و 15 ألف عام.

هناك أدلة كافية تجعلنا نعرف أن شكل الذئب الحالي هو تقريبا ً نفس شكله قبل مليون عام، و أنه لا تغيرا ً كبيرا ً على الشكل قد حصل منذ ذلك الوقت.

إن المعلومات السابقة تعني أن أجداد الذئاب و البشر قد عاشوا في نفس البيئة و تفاعلوا فيها منذ ملاين السنين، و يبدو أن معاناة البشر مع الطبيعة، و هم الذين كانوا يتطورون في مسار منفصل عن كائنات ٍ نتجت من جد تتشاركه مع البشر و ستصبح بعدها معروفة ً باسم القرود المختلفة من أورانجاتان و غوريلا و شامبنزي و بونوبو (راجع مقالي http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=385873) كانت ترى في أجداد الذئاب تهديدا ً لوجودها من حيث اضطرارها لدرء ِ أخطار تلك المفترسات على التجمع البشري الصغير، و طردِها من مناطق الصيد البشرية و اجتنابِها حين أمكن أو التعامل ِمعها حين الوجوب.

تعلمنا خبرات المجتمعات الحديثة أن المواجهة مع الذئاب ليست مُناسبات ٍ ممُتعة مُشوقة يمكن للإنسان أن يطلبها أو يسعى إليها، لأنها إما وليدة الصدفة حين التجوال في البرية لسبب ما، أو نتيجة الجوع حين تطلب الذئاب فرائسها من مناطق البشر، و في الحالتين يكون الحكم هو نفسه قانون الطبيعة الأول: البقاء للأفضل، فتنتهي المواجهة بالموت، إما تمزيقا ً للفريسة الحيوانية إن تمكن منها الذئب، للإنسان نفسه إن تمكن منه الذئب، أو للذئب إن تمكن منه الإنسان سلاحه.

هذه المواجهة المليئة بالأدرينالين و الخوف تركت في الروايات الشعبية آثارها في قصص الرعاة و الذئاب، و "ليلى والذئب" لأن الذئب هنا هو الرجل الذي يغتصب الفتاة الصغيرة و ما زال الفرنسيون يستخدمون تعبير "لقد رأت الذئب" Elle a vu le loup لوصف الممارسة الجنسية الأولى (لا يوجد اغتصاب هنا، فقط إخبار أن الفتاة لم تعد عذراء)، كما أن الفايكينج المحاربين كانوا يرتدون جلود الذئاب و يشربون دماءهم لكي تسكنهم و ترافقهم أرواح الذئاب المقاتلة في حروبهم، اعترافا ً منهم بقدرة الذئب القتالية و شراسته و فعالية هجومه.

تعيش الذئاب في قطعان، و يتشكل القطيع من الذئب الذكر و الذئبة الأنثى اللذان ينفصلان عن قطيع سابق و يتجولان لوحدهما في علاقة فريدة يصح أن نسميها "زواجا ً" حيث يحيآن مع بعضهما حتى يموت أحدهما في نموذج ٍ فريد يُنجبان فيه في كل سنة ٍ عددا ً من الجراء يتشكل من مجموعهم "القطيع". يتكون القطيع من الأب و الأم و من 3 إلى 6 من الذئاب متوسطة العمر، و من 1 إلى 3 من الذئاب الجراء التي لم تتجاوز سنة ً واحدة، فالقطيع هنا هو عائلة بمعناها الذي نعرفه. هناك قطعان ٌ تتكون من عائليتن أو ثلاثة لكن هذا النموذج ليس هو المعياري أو الأكثر تواجدا ً.

تهتم الذئاب بتحديد مناطقها الحيوية، فتقوم بـ "تعليم" مناطقها إما بالتبول على الأشجار و الصخور، أو بطرح فضلاتها العضوية أو حتى باستخدام ِ مخالبها في جرح معالم البيئة المحيطة بها لكي تحذر قطعان الذئاب الأخرى من الاقتراب من أماكن صيدها، لكن على الرغم من كثرة "التحذيرات" تتواجه القطعان كثيرا ً حتى أن ما نسبته 14 إلى 65 بالمئة من أسباب الموت لديها هي نتيجة هذه المعارك الشرسة على الأرض و الفريسة.

تتبنى الذئاب جراء َ ذئاب ٍ أخرى و تحميها و تدمجها في قطعانها، في حال كانت تلك الجراء لا تشكل خطرا ً تنافسيا ً على السيادة أو الطعام، كما أن إناثها تبقى في عرينها أثناء الحمل كي تتجنب المعارك و بذلك تزيد من فرصها لإنجاب أجيال جديدة و استدامة نوعها، فيأتيها الذكر بالطعام و يعتني بها و بصغارهما، في سلوك ٍ لا نشاهده عند مجموعات الأسود مثلا ً حيث تُبقي اللبؤات الأشبال الصغار بعيدا ً عن الأسود الآباء لأن هؤلاء "الآباء" لا يترددون في قتل تلك الأشبال الصغيرة حينما تسنح لهم الفرصة.

تتميز الذئاب بحس عائلي كبير و شجاعة فائقة و مقدرة عالية على الاختيار بين الفرائس و فعالية الصيد، و هي ترجمة ٌ فريدة لكائنات ٍ متطورة تفهم البيئة المحيطة و تتعامل معها و تستجيب لها و تُنشئ فيها "كيانات" غنية بمساهمتها في استدامة الحياة على هذا الكوكب و الشهادة لتاريخه.

هل تستحق ُ منا تلك الكائنات الرائعة هذه النظرة لهم؟

علينا أن نراجع مصطلحاتنا اللغوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في الضفة الغربية المحتلة: سياسة إسرائيلية ممنهجة لجعل حياة ا


.. إسرائيل تصادر أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية منذ اتفاقيات




.. مشاركة كبيرة متوقعة في الانتخابات التشريعية البريطانية


.. غزة.. أطفال شردهم القصف الإسرائيلي ونازحون ينزحون من جديد




.. ماذا قدم حزب المحافظين للبريطانيين وما مصيره؟