الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من قلب الله - إن شئت َتُبصر

نضال الربضي

2013 / 11 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من قلب الله - إن شئت َتُبصر

يرتكز الإلحاد على نقد حقيقتين لتقرير عدم وجود الله و تفنيد الغيبيات.

- الحقيقة الأولى هي غياب الله عن الحواس و التفاعل المباشر مع البشر.
- الحقيقة الثانية هي بشرية الكتب المقدسة و عدم قدرتها على تقديم نموذج كامل يليق بإله.

العائق الأول أمام الملحدين هو احتجاب الله عن الحواس و عدم تفاعله مع البشر، فلا الله منظور و لا هو مسموع، و لا هو يزور البيوت و يجلس مع الناس و لا يسكن بيتا ً تقصده فتراه، و لا تستطيع أن تأخذ أولادك إلى قصره و تتجاذب معه أطراف الحديث، و هو دوما ً غامض غير مفهوم عليك أن تبذل جهدا ً لتُقنع نفسك بوجوده، لذلك و حسب تقرير الحواس و منطق العقل البسيط هو غير موجود و مجرد فكرة اخترعها البشر ليفسروا ظواهر الطبيعة في زمن ٍ لم يكن فيه علم أو اكتشافات ثم استغلها رجل السلطة و المال ليسيطر على المجموعة و القطيع البشري. ثم ينطلق الملحدون من هذه الفكرة بعشرات و مئات و آلاف الحوادث التي كان الدين فيها هو المحرك الأول للنزاعات و الحروب.

بالنسبة لي أجد أن العائق السابق مُتعب جدا ً و يجعل الأمور صعبة على أي شخص عاقل لكي يقبل الوجود الإلهي، لكنه لا يكفيني لكي أنفي وجود الله، عقلي يرفض ذلك فقرآتي في مختلف المجالات المتعلقة بالتطور والفلك و الأنثروبولوجيا و مقارنات الأديان كلها تصب في اتجاه وجود "تنظيم" يربط جميع الأشياء ببعضها البعض، هذا التنظيم الذي يجمع في داخله التناقض الكبير و الهائل بين فيزياء النسبية و فيزياء الكم كأوضح مثال، تنظيم يعترف بالمتناقضات و يجمعها و يوفق بينها.

نظرتي إلى الوعي البشري مختلفة أيضا ً ففيها أنا مندهش و متعجب من أن الوعي و الإدراك و الذكاء و هم جميعهم أشياء غير محسوسة تنتج عن مجرد اجتماع الكربون بالهيدروجين بمجموعة معادن جمعيها غير حي و لا ينطبق عليها تعريف الحياة البيولوجي تتفاعل بواسطة نبضات و سيالات كهربائية فتُخرج "وعي". كيف يخرج العاقل من غير العاقل و الذكي من غير الذكي و الحي من غير الحي؟ أليس أن الحياة أعظم بلا قياس من مجرد اجتماع مكوناتها غير الحية؟ ألا يصح إذا ً أن مكونات الحياة ما هي إلا وعاء ٌ ناقل ووسيط فقط لكي تظهر الحياة؟

أما الحقيقة الثانية فهي أن كل الكتب المقدسة ليس فقط اليهودية و المسيحية و الإسلامية تخضع للنقد النصي الذي يجردها من هالة العصمة و القدسية، و يُرى فيها الإصبع البشري الواضح الذي لا يمكن إنكاره، و بالتالي يرى الملحدون أن هذا الكشف العلمي يُفقد هذه الكتب أي قيمة يصح أن نسميها إلهية، فهي منتوج بشري صرف كان بمقايس أزمانها عظيما ً لكنه لم يعد كذلك في عصرنا الحديث و لذلك وجب دراستها و حفظها كجزء من التاريخ و الحضارة البشرية دون تقديسها و اتباعها.

المشكلة الحقيقية التي أراها في هذا الطرح هو أن هذا المنهج يفترض وجوب كمال الكتاب المقدس (أي كتاب) و ارتفاعه عن المستوى البشري في افتراض ٍ يتعارض مع حقيقة أن الإنسان البشري الذي يكتب هذه الكتب بفعل الإلهام (و هذا حديث آخر يمكنك أن تضطلع عليه من هنا: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=381036 ) هو في حد ذاته محدود لا يستطيع التعبير عما هو أعلى منه إلا بتعابير بشرية هو و هي في ذواتهم أدنى من ذاك المُراد وصفه، و هذه حقيقة بديهية ينبغي الانتباه إليها و عدم أغفالها.

لكن هذه الحقيقة البديهية لا تعني بحال من الأحوال انعدام القدرة على وصف الأعلى فهي تعني ببساطة أنها لا تصفه كما هو كاملا ً تاما ً فيكون وصفها هنا جُزئيا ً ناقصا ً مع كونه صالحا ً للدلالة و الإشارة على الأعلى و أساسا ً لبناء تصور مُناسب للطبيعة البشرية، و هذا ما يجعلني دائما ً أقول أننا يجب أن نكثف الجهد البشري للوصول إلى اتفاق "جماعي" على تصور قريب للألوهة و الوحي و الاستفادة من الكتب المقدسة كعتبات ننطلق منها نحو الحقيقة و ليست كبيوت نسكنها فلا نخرج منها.

من السابق ينبغي لنا أيضا ً ألا نرى في الكتب المقدسة و الشرائع موادا ً ثابتة للتشريع الإنساني أو القانوني، فمقصدها الأصلي هو بناء التصور الإلهي و إنشاء العلاقة بين الله و الإنسان، و ليس تنظيم أمور الحياة اليومية و المجتمعية الديناميكية غير الثابتة، و التي يجب أن تستجيب للحاجات البشرية و تعريفات القيم الخاصة بكل جماعة أو مجتمع أو أمة.

تبقى الكتب المقدسة مهمة ً جدا ً من حيث تقديم "هوية" روحية لأتباعها، و لا يجب أبدا ً الاستغناء عنها أو تحقير شأنها أو عرضها في المتاحف بغرض تحيد تأثيرها على الفرد لأن الكتب المقدسة هي جزء من أيدولوجيات تشكل منظومة القناعات و ليست هي المنظومة نفسها، فقناعاتنا مرتبطة بعادات و تقاليد المجتمع و موروثاته بالإضافة إلى ثقافات مادية استهلاكية و عناصر تشكيل قناعات أخرى، و بذلك يكون استهداف القناعات الدينية لوحدها من دون باقي مكونات المنظومة تهديدا ً لتوازن هذه المنظومة يجعل من الفراغ الناتج مرشحا ً سهلا ً لقناعات حلولية أخرى ربما تكون في سطحيتها أو تأثيرها التدميري أكثر شرا ً مما يظنه معادو الله و الدين.

كما أن الإنصاف يجب أن يجعلنا نعترف أن المؤسسة الدينية مُطالبة بإلغاء و إزالة و تحيد كل النصوص التي تنتهك حرية الإنسان و حرمته و حقوقه و تزرع فيه الخوف و القلق و التوتر و الشعور بالذنب، كما أنها مطالبة بتبني خطاب ديني جديد يركز على المحبة و الحوار و السلام و الانسجام الإنساني و المجتمعي التام.

أختم بالتالي:

علينا بحق أن ننذهل مما يخبرنا به العلم: 5% من الكون مادة منظورة، 22 % بالمئة مادة غير منظورة، 73% بالمئة طاقة غامضة، أي أن المنظور و المحسوس هو فقط 95%، فهل يجرأ أحد بعد هذا أن يقول: لا يوجد الله؟

قراءة الموعظة على الجبل للسيد الرب، و دراسة ثورته الفريدة على الظلم، و طريقة تعامله مع كل فئات المجتمع و خصوصا ً المهمشين و الطبقات المُحتقرة عندها و النساء خصوصا ً، كل هذا يجعلنا ندرك القيمة الكبيرة لكتابنا المقدس، أما قرآتنا في أسفار الحكمة، الأمثال، المزامير، يشوع بن سيراخ، أيوب و يونان،فتجعلنا ندرك الكنز الخفي فيه ، و الذي يدفعنا أن نشعر بالخجل الشديد أمام استسلام بعضنا للحل الأسهل و هو رفض الله و رفض الكتاب المقدس أمام نقص الاكتمال، و هو الذي أراه أنا طبيعيا ً بقدر ما الإنسان نفسه عظيم ٌ و ضعيف ٌ في آن معا ً.

أقدم اليوم نظرة واقعية تستند على القيمة التي يقدمها الله و أديانه بشكل عام و المسيحية بشكل خاص، و أهدف من ورائها أن أشجع جميع ذوي الإرادة المتواضعة المُعترفة بضعفها البشري و الباحثة عن الحقيقة لكي تنظر إلى أخيها الإنسان فتراه في قلب الله و ترى الله في قلبه، و تستطيع أن تحتضن كتبها بفرح و فخر و تقول:

"في مرحلة ما من التاريخ استطعنا أن ندون لقاءنا بهذا الكائن، نعلم أنه يحبنا و نحن أيضا ً نحبه، و نحن نسير معه دوما ً"

لا تخجل من إيمانك، فقط إخجل إن فقدت إنسانيتك، و كن واثقا ً أن الله لا يمكن أن يُفقدك إياها.

من له أذنان للسمع فليسمع!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأستاذ (ة) المحرر (ة)- ملاحظة
نضال الربضي ( 2013 / 11 / 16 - 18:24 )
الأستاذ(ة) المحرر (ة) تحية طيبة لكم و بوركت جهودكم في هذا الموقع!

أرجوا منكم تصحيح الرقم 95% الوارد في الفقرة التالية من مقالي و جعله 5% فقط حتى يستقيم المعنى:

-علينا بحق أن ننذهل مما يخبرنا به العلم: 5% من الكون مادة منظورة، 22 % بالمئة مادة غير منظورة، 73% بالمئة طاقة غامضة، أي أن المنظور و المحسوس هو فقط 95%، فهل يجرأ أحد بعد هذا أن يقول: لا يوجد الله؟-

شكرا ً لكم.


2 - عامل الزمن يبطل حجة الخليقة بالغة التعقيد
محمد بن عبدالله ( 2013 / 11 / 16 - 18:47 )
كتبت:
((قرآتي ... تصب في اتجاه وجود -تنظيم- يربط جميع الأشياء ببعضها البعض))

لا تهمل عامل الزمن..خذ هذا المثل:

نفترض ان رجلان يسيران هائمين دون هدف في أرض شاسعة واسعة مساحتها مليون كيلومتر مربع (كمساحة مصر) وليس لهما أية وسيلة للاتصال أو أي آلة أو أداة علمية للقياس

إذا جئت وقلت لك أنهما ولا بد أن يلتقيا بعد يومين..ستكون اجابتك : فرصة حدوث ذلك بالصدفة لا تتعدى واحد من ترليون الترليون

أما إذا قلت أن اللقاء سيتم بعد 100 سنة فأيضا هذا شبه مستحيل لكن فرصته أكبر من الفرضية الأولى

ثم أن قلت أن لقاءهم سيكون بعد 10 قرون..سيرد البعض...هذا جائز

نصل الآن إلى العبرة من المثل وهي أن من يقول باستحلة التقاءهم مصادفة بعد ترليون ترليون ترليون سنة مخطئ دون أدنى شك

أنت مهندس درست التفاضل والتكامل وعلم الاحصاء وستفهم دون شك ما أقول

سيلتقي هذان بفعل الصدفة دون أدنى شك...
في هذا رد على من يحاول اثبات وجود خالق ذكي لما في الطبيعة من تناسق وارتباط معقد

نعم..يفهم من يأخذ بالاعتبار عامل الزمن شبه الأزلي أن كل ذلك تكوّن بالصدفة وتبعا لنظرية النشوء والارتقاء والتطور


3 - تعليقي ان ..
رامان عبدالكريم العتيبي ( 2013 / 11 / 16 - 19:48 )
استاذ نضال انت تقول : ( { اللله } : . هو دوما ً غامض غير مفهوم عليك أن تبذل جهدا ً لتُقنع نفسك بوجوده )
وتعليقي انه انت تقول لكي تبذل جهداً ولكي تبذل جهداً يجب ات تملك عقل اساساً فكلامك هذا مطبّق على من يملك عقولاً فقط ؛ لكن المسلمين عقولهم تعيش انت

تحيّة


4 - إلى الأستاذ رامان
نضال الربضي ( 2013 / 11 / 17 - 07:39 )
تحية ً طيبة ً لك أستاذ رامان،

يتميز هذا العصر بانفتاح كبير على العلم و تحرر واسع من المُسلـَّمات و القيود، أعتقد ان المسلمين الآن بدأؤوا بما فعله الأوروبيون بعد الثورة الفرنسية، و هم سيصاون في النهاية إلى المنطقة التي نحن فيها الآن.

أنا مُتفائل خيرا ً بناء ً على ملاحظات واقعية :-)

أهلا ً بك دوما ً.


5 - إلى الأستاذ محمد بن عبد الله - 1
نضال الربضي ( 2013 / 11 / 17 - 07:48 )
أهلا ً بك أستاذ محمد بن عبد الله،

دعني أُريك الموضوع من جانب آخر.

الزمن مُرتبط بالسرعة، فلو سافرت َ مثلا ً بسرعة الضوء سيمر الوقت لديك أبطأ جدا ً من شخص يراقبك واقف على كوكب ما.

حسن جدا ً لو قلنا أن الكائن الواعي متحد بمخلوقاته بحكم أنه خلقها فإنه إذا ً و بالضرورة موجود بتسارعه في الماضي و الحاضر و المستقبل وجودا ً آنيا ً حاضرا ً دوما ً، فمليارات السنين بالنسبة له هي الآن مع أنها بالنسبة للكون هي مليارات. فكر في هذه النقطة.

أما بالنسبة للتطور و النشوء و الارتقاء فهذه حقائق لا نختلف عليها، و لا داعي أبدا ً لاعتبار تعارضها مع وجود خالق، فأنا لا أؤمن أن الخالق -أراد- أن يكون شكل الإنسان كما هو الآن لكني أؤمن أن -يده- أو بالأحرى وجوده هو الذي انساب في التطور تاركا ً الاحتمالات مفتوحة فنتج شكل الإنسان من هذه التفاعلات مع البيئة و قوانين الانتخاب الطبيعي.

يتبع


6 - إلى الأستاذ محمد بن عبد الله - 2
نضال الربضي ( 2013 / 11 / 17 - 07:49 )
يعني بعبارة أخرى لا داعي دوما ً لافتراض محدودية التفسير الديني للخالق و بالتالي رفض الخالق بناء ً على هذه المحدودة الافتراضية التي رسمناها، تذكر أنه من الضروري تبني نظرة إصلاحية للدين ترى الفعل المُتناسب مع عظمة الكون بدلاً من جمود النص الذي هو أصلا ً رمزي تأويلي.

أيضا ً أُعيدك إلى كلامي الأصلي عن كون النص -عتبة- نقف عليها و نستند ثم ننطلق للتحليق عاليا ً هذه النقطة مهمة جدا ً لفهم ما أرتكز عليه.

أهلا ً بك دوما ً.


7 - نظام الكون لا يثبت وجود الله
محمد بن عبدالله ( 2013 / 11 / 17 - 14:57 )
أتفق مع هذه الفرضية:
((لو قلنا أن الكائن الواعي متحد بمخلوقاته ...فإنه إذا ً و بالضرورة موجود في الماضي و الحاضر و المستقبل وجودا ً آنيا ً حاضرا ً دوما ً))

لكن هذا لا يناقض ما كتبته أنا بأن التعقيد والنظام الذي نجده في الخليقة لا يلزم بالضرورة افتراض وجود خالق..العلم لا يثبت وجود الله..وأنا لست مطالبا باثبات عدم وجود الشيء بل على المدعي البينة


كتبنا موحى بها وليست منزلة
فكرة أن النص عتبة (وقد يكون حتى عقبة) فكرة مسيحية حديثة نسبيا لا غنى عنها لمن يصر على التمسك بالايمان...فهكذا على الأقل لا يكون معاديا للمنطق والحقائق العلمية والتاريخية
قيل في الماضي أن الحرف يقتل أما الروح فيحيي لكن لم يفسر أحد من آباء الكنيسة قبلا هذه العبارة بمثل ما نفهمها ونفسرها اليوم ..قد يكون ذلك دليلا على أن الروح القدس لازال يلهم ويواكب تقدم الفهم البشري

هنا نرى تفوق اللاهوت المسيحي على العقائد المؤمنة بكتب (منزلة) . إنها في مأزق شديد بعد كشف الاختلاف الصريح بين ما فيها والواقع ومهما لجأت إلى التأويل فلن يمكنها (التحرر) من جمود الحرف دون رفض العقيدة من أساسها


8 - إلى الأستاذ محمد بن عبدالله
نضال الربضي ( 2013 / 11 / 17 - 17:54 )
المنطق و العقل يُثبتان ما يمكن قياسه بالعلم، لكنهما فقط يؤشران و ينفعان كمُبتدأ لرحلة التعرف على ما لا يمكن قياسه. الله لا يمكن قياسه بهذه المعطيات لذلك المنطق و العقل هنا استدلاليان فقط.

إن اعترافنا ب 95% من الكون غير المرئي لكن الموجود هو اعتراف بوجود ما لا نفهم و مل لا نعلم، و لهذا ينبغي أن نعترف بأن نقول بشجاعة: يوجد ما لا نعلم. بدأنا بقولنا -يوجد- ثم وصفنا علمنا عنه بأنه ما زال جهلا ً فقط على الرغم من إقرار الوجود.

أتفق معك أن اللاهوت المسيحي يتفوق على الديانات الأخرى الملتزمة بجمود النص، هذا الجمود الذي يتبع ملحدين من أصول غير مسيحية حتى في إلحادهم فلا يستطيعون التحرر من قيود الحرف و بذلك لا يصلون أبدا ً إلى الحرية التي يريدونها لأنها يقيدون أنفسهم بالمنهج.

هنا غنى مدهش في المسيحية يتذوقه من يعرفها جيدا ً.

أهلا ً بك دوما ً.

اخر الافلام

.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - رئيس الوزراء يهنئ الرئيس السيسي و


.. وادي الرافدين وتراثه القديم محاضرة استذكارية وحوارفي الذكرى




.. ليبيا.. هيي?ة الا?وقاف في طرابلس تثير ضجة واسعة بمهاجمتها ال


.. 158-An-Nisa




.. 160-An-Nisa