الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحداثة والعلم الحديث (القسم السابع)

عادل صالح الزبيدي

2013 / 11 / 17
الادب والفن


تقديم:
تحاول الدراسة الحالية إثبات الدور الحاسم والكبير الذي لعبه العلم الحديث في بلورة حركة الحداثة الأدبية والفنية التي بدأت بالتشكل خلال العقود الأولى من القرن العشرين، وبالأخص الحداثة الشعرية الأنكلوأميركية التي تبلورت على أيدي روادها الأوائل مثل عزرا باوند وت. س. أليوت، من خلال النظر إليها في سياق العلم والنظريات العلمية التي بدأت تظهر وتهيمن على المشهد الفكري والثقافي منذ منتصف القرن التاسع عشر وما رافقها من مخترعات ومكتشفات، وما لهذه من مضامين ومدلولات كان لها الأثر البالغ على أفكار ورؤى الشعراء والحساسية الشعرية والفنية عموما.

لقد تطرقنا آنفا إلى أوجه الشبه اللافتة بين بعض المنطلقات الأساسية لكل من المدرستين الصورية والمستقبلية، إلا أن أوجه الاختلاف بينهما حول بعض المسائل واعتراضات الصوريين على بعض مبادئ الصورية وبرنامجها، وكذلك فتور حماس باوند حول الصورية وتناقص اهتمامه بها بعد هيمنة الشاعرة أيمي لويل عليها أدت فيما بعد إلى ظهور الحركة الدوامية ( Vorticism ) بقيادة وندهام لويس (1882-1957) كحركة بديلة عن كلتا الحركتين المستقبلية والصورية معا.
شكل التفاعل والتنافس بين هذه الحركات والمدارس عنصرا حيويا في تطور الشعر الحديث ، ومن الشيق جدا أن نجد أن الحركة الدوامية شكلت من حيث النظرية والتطبيق نقطة الارتكاز بين نظرية هيوم العامة عن الفن الهندسيرياضي في عصر الآلة وبين نظرية الصورة لدى كل من هيوم وباوند ، أو نظرية ما اصطلح عليه فيما بعد بالدوامة ( Vortex ) لتكون الاسم الجديد للحركة التي تبنى قيادتها لويس وباوند وساندها هيوم.
إن ردة فعل الدوامية على سابقتيها يتأتى من اهتمام الحركة الجديدة بالشكل وتبنيها تطوير شكل فني نقيض لـ "رومانسية" مارينيتي والمستقبليين ومن التطورات المتأخرة للحركة الصورية نحو "الرخاوة" و "انعدام الدقة" التي وجدهما باوند فيها مما جعله يطلق عليها تهكما اسم الـ "أيميجية" ( Amygism ) و الــ "لي ماسترية" ( Lee Masterism ) ( نسبة إلى الأميركيين أيمي لويل ولي ماسترز الذين هيمنا على الصورية بعده). على الرغم من أن علاقة باوند بالحركة الدوامية لم تدم طويلا ولم تكن لهيوم أية علاقة رسمية بها إلا أنهما امتدحا قائدها وندهام لويس الذي كان رساما بقدر أهميته كشاعر لما تميز به فنه من ميزات حداثية تفي بمتطلبات ما وضعاه من نظريات. لقد منح باوند لويس الذي التقى به في العام 1910 أفضل ما يمكن أن يمنحه من ثناء بحق احد في حينها حينما كتب في مجلة الـ "ايغويست" في العام 1914 ما يأتي: "لقد ادخل السيد لويس في أعماله شيئا يمكن أن أطلق عليه صوت عصرنا الحالي." (1) ودعم دوامية لويس ثم أصبح هو نفسه دواميا متحمسا وسعى إلى وضع مبادئها موضع التطبيق في الشعر مؤكدا على ارتباط الصورة والدوامة ارتباطا وثيقا بوصفهما "المسحة الأساس" و "المعادل" للانفعال وليس الانفعال نفسه.
لقد أثنى هيوم على لويس وعلى النحات هنري غودير-برجيسكا مستشهدا بهما لتوضيح نظريته عن ((الفن الحديث وفلسفته)) التي ضمنها مقالته بهذا العنوان. يؤكد هيوم أن الاهتمام الوحيد بالجسد البشري في رسمهما ونحتهما يكمن في "بضع علاقات ميكانيكية مدركة فيه، الذراع بوصفها عتلة وما إلى ذلك،" وليس في تفاصيل اللحم الحي الذي يضفي عليها الحيوية، وبذلك "يظهران ميلا فاعلا نحو التجريد، الرغبة في تحويل ما هو عضوي… إلى شيء صلب مثل شكل هندسيرياضي بذاته." وفي السياق ذاته حمل هيوم على الحركة المستقبلية انطلاقا من موقفه الكلاسيكي المناهض للرومانسية وفكرة التقدم والتفاؤلية، عادا إياها خارج الفن الجديد. فقد وصفها على أنها "تأليه الجريان ( Flux ) وآخر انباتات الانطباعية" وربط بينها وبين "تفاؤلية الإيمان بالتقدم السطحية والعديمة الطعم." (2)
إلا إن الاختلافات بين الحركتين الدوامية والمستقبلية، شأنها شأن الاختلافات بين الأخيرة وبين الصورية، هي اختلافات في الطريقة وليس في النظرية، وذلك لكونها كلها تعبيرات عن ثورة شاملة في فنون وآداب عصر الآلة. (3)
يعقد عزرا باوند صلة بين فن الشعر والفنون التخطيطية (الغرافيكية) في سياق مناقشته العلاقة بين الصورية والدوامية بلغة هي في جوهرها شبيهة بنظريته. ففي كتابه عن غودير-بريجسكا (1916) يناقش باوند الدوامة ( Vortex) بمعناها العام على أنها الصورة غير الخطابية ( non-discursive) "الأشد ابتعادا ممكنا عن البلاغة" مستعملا مصطلح الصورة ليشمل كلا المدرستين على نحو واضح وموحيا بوجود تواز بين الصورة في الشعر والدوامة في الفنون التخطيطية، مؤكدا على أن الصورية "انحدرت فنيا من بيكاسو وكاندنسكي، من التكعيبية والتعبيرية." وفي إشارته إلى كتاب كاندنسكي المعنون ((حول الروحي في الفن)) (والذي ترجمت مقتطفات منه ونشرت في أول عدد من مجلة بلاست (Blast) الدوامية). يعقد باوند الصلة بين كتابة الشعر وبين الرسم، بوصف كليهما على أنهما من أنماط الصبغة الأساس، أي الصورة: "الصورة هي صبغة الشاعر، بوجود هذه في ذهنك، فان بإمكانك الذهاب قدما وتضع كاندنسكي موضع التطبيق، بإمكانك أن تحوّل محتوى فصله الخاص بلغة الشعر واللون وتقوم بتطبيقه على كتابة الشعر." يوضح باوند ذلك بإخبارنا كيف كتب قصيدته الصورية ((في محطة المترو)) بقوله إنها تولدت لديه أصلا على شكل خط ولون كان يمكن أن تجد تعبيرا لها في الرسم. (4)
في السياق ذاته، يتناول باوند قضية مهمة أخرى من قضايا الشعر الحديث. ففي الوقت الذي كان يجد فيه أوجه تماثل بين الصورية والدوامية فانه يؤكد على الفرق بين الصورية والرمزية. "الصورية ليست الرمزية،" هكذا يكتب موضحا:
كان الرمزيون يتعاملون "بالإيحاء،" أي بنوع من أنواع التلميح الذي يقترب من
الترميز ]القصص الرمزي [. إنهم حطوا من قدر الرمز فأنزلوه إلى مرتبة الكلمة.
جعلوه شكلا من أشكال الكناية... إن رموز الرمزيين لها قيمة ثابتة، كالأعداد في
علم الحساب، مثل 1 و 2 و 7 . صور الصوريين لها دلالة متنوعة، مثل العلامات
أ، ب، س في علم الجبر. علاوة على ذلك، فان المرء لا يرغب أن يسمى رمزيا
لأن الرمزية أصبحت مرتبطة بالتقنية الرخوة. (5)

في تمييزه بين الحركتين هنا يضع باوند "الإيحاء" في الرمز عند الرمزيين بمقابل دقة الصورة عند الصوريين، واصفا الأولى بالضبابية وغموض الأسلوب والثانية بالصلابة والوضوح والسمة النحتية البصرية.
إلا انه على الرغم من ذلك، فان أقوى التأثيرات وأكثرها مباشرة على الحركة الصورية وكذلك على الحداثة عموما هي تلك التي جاءت من الرمزية الفرنسية، على الرغم من أن الرمزية ذاتها مرت بمراحل تطور معينة وتحول في نقاط التوكيد والأهمية بحيث أصبح من الممكن القول إن بعض مبادئها في النظرية والممارسة رفضها الصوريون وبعضها قبلوها. لقد تمت الإشارة فيما سبق إلى بعض ميزات الرمزية التي أطلقت عليها بسببها تسمية "المتسامية" وذلك لتوكيدها على أهمية الإدراك الذي يتجاوز الموضوع المباشر للقصيدة، إدراك الروح، اللامتناه، واقع يقع فيما وراء الحواس—واقع مثال ذي سمة أفلاطونية. بالطبع بقيت هذه النزعة في الرمزية حتى خلال مراحلها المتأخرة، إلا انه حدث فيها، على حد تعبير سي. كيه. ستيد، "تحول في التركيز داخل حركة واحدة... انه من حيث الجوهر تحول من التركيز على الذاتي إلى التركيز على الموضوعي في وظيفة اللغة الشعرية." (6) وبينما يدرك ستيد الاختلافات بين المدرستين، فانه مع ذلك يؤكد على أوجه تشابه جوهرية معينة وذلك من خلال ربط كلتا الحركتين بفلسفة بيرغسون، ومن خلال النظر إلى كل واحدة منهما بوصفها محاولة لخلق واقع مستقل بذاته ولكن باستخدام وسائل مختلفة.
أما الجانب الذي اجتذب الحداثيين الأساسيين هيوم وباوند وأليوت على نحو خاص في الرمزية فهو ذلك الجانب الذي يفصلها عن الرومانسية وعن ميتافيزيقيا المثال عند بيرغسون، وعن ارتباطها باللامتناه والمطلق والمجهول. يمثل هذا الجانب في الجيل المتأخر للرمزية الفرنسية ريمي دي غورمون، الذي تناول بالتعليق أثر الرمزية في الشعراء الصوريين. تلقي تعليقات دي غورمون (التي كتبها عام 1915) الضوء على نظريته وتوضح ميوله المناهضة للرومانسية:
ينطلق الصوريون الانكليز بشكل واضح من الرمزيين الفرنسيين. يرى المرء ذلك
أول ما يراه في اشمئزازهم من الصيغ المبتذلة والمنمقة والمتكلفة، ومن جميع الأساليب
الخطابية والسطحية التي طالما أثار بها مقلدو فيكتور هيجو اشمئزازنا… وفي دقة اللغة،
شدة وضوح الرؤيا، تركيز الفكر الذي يولعون بصهره في صورة مهيمنة. (7)

وكما أشار ستانلي ك. كوفمان متبعا رينيه توبان في كتابه ((أثر الرمزية الفرنسية)) (1920)—على الرغم من عدم اتفاقه معه كليا—فان نظرية دي غورمون استندت إلى فكرة جعلت موقفه يختلف عن موقف الرمزيين الأوائل . يجد كوفمان تطابقات لافتة بين صورية هيوم وآراء دي غورمون الرمزية التي يعرضها في كتابه ((مشكلة الأسلوب)) (1907)، مثل تأكيد دي غورمون الشديد على أهمية العنصر المرئي في الشعر، إيمانه بالحواس بوصفها الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها إدراك الواقع، فضلا عن فصله بين علم الجمال وبين مسائل الميتافيزيقيا العامة في سياق مناقشته للغة الشعر والصورة الشعرية. إن هذه المزايا الكلاسيكية وغيرها تفي بمتطلبات هيوم عن صورة الشيء المجسدة الصلدة بمواصفاتها التي شرحناها آنفا. (8)
كانت هذه العناصر الكلاسيكية في نظرية دي غورمون تروق لباوند كما كانت تروق لهيوم وكان باوند ينظر إلى دي غورمون على انه المنظر الذي استعاد "ضوء القرن الثامن عشر" (9)، وكذلك كان دي غورمون بالنسبة لأليوت الذي وصفه بكونه واحدا من "النقاد المثاليين" الذي يمكن مقارنته بأرسطو.
-----------------
(1) Quoted by Coffman, Imagism, p. 19
(2) Hulme, Speculations, pp. 106-7, 94, 93
هاجم باوند ولويس الحركة المستقبلية على أسس مماثلة، معتبرين مارينيتي بمثابة روسو عصر الآلة ورافضين
موقفه العدمي تجاه الماضي.
(3) Coffman, Imagism, pp. 199-200
ربما، كما يشير كوفمان، "كان عنصر الكبرياء القومية هو الفارق الوحيد بين الدواميين وأتباع مارينيتي"؛ كذلك يذكر كوفمان كيف كانت فيوليت هانت تتذكر لويس وهو "يجد صعوبة في وصف الفرق الدقيق بين المدرستين"
وكذلك جون كورناس معبرا عن التنافس فيما بينهما بقوله: "كانت الطاقة هي الصرخة المدوية
لكلتا المدرستين" ولكن "إحداهما (مشتتة) والأخرى (مستقرة)."

(4) Richard Ellmann and Chales Feidelson, eds., The Modern Tradition (Oxford: Oxford University Press, 1965), pp. 148-51

(5) Ibid., p. 147
(6) C. K. Stead, Pound, Yeats, Eliot and the Modernist Movement, p. 36
(7) Quoted in Wimsatt and Brooks, Modern Criticism, p. 659
(8) Coffman, Imagism, pp. 81-84
(9) Quoted in Wimsatt and Brooks, Modern Criticism, p. 659










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف


.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??




.. عيني اه يا عيني علي اه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. أحمد فهمي يروج لفيلم -عصـ ابة المكس- بفيديو كوميدي مع أوس أو




.. كل يوم - حوار خاص مع الفنانة -دينا فؤاد- مع خالد أبو بكر بعد