الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كُفرٌ على كُفرٍ على كُفر

أحلام طرايرة

2013 / 11 / 19
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


كثيرا ما تستوقفني منشورات وصور واقتباسات على فيسبوك فيها من الاستهزاء بالآخرين والتقليل من شأنهم- عن دراية أو غيرها- لمجرد كونهم مختلفين وأقل قدرا بالضرورة، فهي بمجملها تستهدف ذوي البشرة السوداء والنساء كعناصر بشرية تُصنّف كإنسان من الدرجة الثانية في بلادنا على وجع التحديد لا الحصر. بالطبع الخطاب الموجّه لذوي البشرة الشقراء هو خطاب آخر، فهم مختلفون أيضا لكن عقدة الدونيّة التي يعانيها العربيّ اليوم تجعل الحديث عنهم يأخذ طابعاً حقديّاً يُسهب فب الحديث عن الانحلال الأخلاقي المزعوم في الغرب حتى لدى "رابطة هواة التسلية عن طريق الاستهزاء بالآخرين"، فالعقلية العربية واحدة مع الاحتفاظ بحق الاختلاف في مستوى روح الفكاهة والدعابة. فالنكتة هي نتاج تركيبة ثقافية معينة.

في هذا السياق، استوقفتني صورة لعرس جماعي "أسود" يظهر فيه عريسين يجلسان بجانب عروسيهما فيما يخفيان وجههما بأيديهما كمن يعيش لحظة ندم ومع آية قرآنية طبعت على الصورة تقول: "والذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون". رآها البعض تندّرا بفكرة الصبر على مصيبة الزواج نفسه، لكن المعظم- وليس عندي شك في ذلك- تداولها على سبيل النكتة بالصّبر على مصيبة الزواج بإمرأة سوداء والتي لا يُقدم شبابنا العربي مثلا على الزواج بها باعتبارها إمرأة بشعة وفق معايير الجمال في العالم العربي، وكلنا نعرف أننا نعيش في مجتمعات يّفضل فيها الشباب عموما المرأة البيضاء، أو الشقراء إن وجدت. فالمرأة في عالمنا العربي باعتبارها أداة متعة بالدرجة الأولى، عليها أن تتصف بجمال جسماني محدد بتفضيلات ذكور المنطقة والتي توضع فيها الشقراء الطويلة النحيفة على رأس القائمة مثلا، ولهذا تستميت معظم النساء السمراوات للظهور ببشرة أكثر بياضاً أينما استطعن لذلك سبيلا.

الصورة الآنفة الذكر تستهزئ بالإنسان الأسود عموما، لكن المرأة بالطبع تتحمل وزراً أكبر لكونها امرأة أولا وسوداء ثانيا. وبالرغم من محاولة البعض إظهارها كصورة تتعلق بفكرة الزواج ليس أكثر، إلا أن المتابع لفيسبوك العربي يستطيع أن يرى أن النكتة تكون أكثر إضحاكا وفكاهة إذا تحدثت عن "أبو سمرة" أو عن إمرأة، آخذين بعين الاعتبار أن الزواج يعتبر حلماً كبيراً –بعيداً- لمعظم الشباب العربي نظرا للمعيقات والمخاطر المتعلقة بالعلاقات العاطفية قبل الزواج من جهة ولتكاليف الزواج الباهظة من جهة أخرى. فمثلا، كانت ولا زالت تنتشر النكات المتعلقة بتهافت "الخيّرين" العرب على الزواج من اللاجئات السوريات (الجميلات) للتخفيف من معاناتهن ومعاناة أهلهن بتكاليف قليلة، فيما علّق أصحاب النكات مقترحين أن يذهب فاعلي الخير هؤلاء لمساعدة لاجئات صوماليات مثلا، مفترضين- وهم محقّين في ذلك- أن الجمال "الشامي" الذي تغنّى به العرب طويلا هو من جعل أئمة المساجد في العالم العربي يخطبون على قلب رجلٍ واحد يدعون الشباب المسلم إلى "فضيلة ستر اللاجئات السوريات" بالزواج منهن- واحدة منهن كأضعف الإيمان والزيادة في ذلك خير وأبقى، وكل ذلك الأجر العظيم المترتب على هذه الخطوة الإنسانية النبيلة وبأقل التكاليف أيضاً- فرصة ذهبية حقاً.

حتى وإن عُدنا لتفسير النكتة على أنها تتحدث عن الزواج نفسه كمصيبة يندم عليها الرجل دون المرأة، فنحن أمام صورة نمطية أخرى تقول أن المرأة تسعى دائما لربط الرجل بزواج هو يتهرّب منه ما استطاع، وكأن الالتزام تجاه امرأة واحدة محنة عظيمة سيعيشها الرجل لبقية حياته وكأن المرأة ما وُجدت إلا لتتزوج، ولا يفكّر أحد ما أن ينظر من الزاوية التي تجلس فيها المرأة تجاه الالتزام لرجل واحد لبقية حياتها، فهذا أمرٌ مفروغٌ منه وغير خاضعٍ للطرح أساسا. حتى أن هذه السنّة الحياتية- أي أن المرأة لرجل واحد وهذا الرجل له نساء كثيرات- التي فرضها الرّجال وتنفّذها النساء صاغرات على أنها من ضمن الفروقات بين الرجل والمرأة التي عليها أن تتقبلها كحكمة إلهية هي نفسها التي تُطبّق في الآخرة مع مضاعفة عدد نساء الرجل إلى أضعاف كثيرة تتناسب طرديا مع درجة "التقوى" التي كان عليها في دنياه، فيما تكون المرأة- إذا كانت إمرأة صالحة مطيعة بالطبع- ليست إلا إحدى تلك النساء مع تفضيلها بكونها أجملهن- جسديا بالطبع! هذا كل ما تحصل عليه المرأة في آخرتها، جمالٌ مضاعف لإرضاء زوجها في الجنّة!

لطالما تساءلت، ماذا إذا لم تتزوج المرأة في حياتها؟ لمن سيتم وهبها في الآخرة يا ترى؟

هذا بالإضافة لأسئلة طفولية أخرى- بديهية في الواقع- مثل ماذا إذا تزوجت المرأة في الدنيا برجل لا تحبه، هل ستُجبر على البقاء معه في الآخرة أيضا؟

لدينا ازدواجية فاضحة عندما يتعلق الأمر بالمرأة، أولا هي تلتزم بذات الفروض الدينية المطلوبة من الرجل بالإضافة لأعباء جبرية أخرى كالطاعة المطلقة للأب والزوج والحجاب (والنقاب) وفي نفس الوقت لا يتم الحديث عن ثواب آخروي لها يضاهي ذلك الذي وُعد به الرجل، هي تكاد تكون كائنا هامشيا على حياة الرجل الآخروية في الجنة. ربّما لأنها في الظروف الطبيعية سيكون مآلها النار، فقد أُخبرنا منذ البدء بأن معظم أهل النار نساء. إذن فالمرأة- وفق المعيار الديني الثقافي العربي- هي إنسان أقل شأنا بتبعيتها غير المشروطة للرجل وبتقنين وجودها الدنيوي لإشباع رغباته وإرضائه فقط، وإلا لعنتها الملائكة حتى تموت.

هذه التركيبة العقلية الثقا-دينية لدينا تحط من المرأة بكل ما أوتيت من فرص حتى في النّكات المتداولة. فلقد فاجأني منشور على إحدى الصفحات التنويرية التحررية العربية يعرض حوارا بين المتنبي وشخصا آخر فيه:

"أراد رجل إحراج المتنبي فقال لـه: رأيتك من بعيد فظننتك إمـرأة! فقال المتنبي وأنا رأيتك من بعيد فظننتك رجل!"

لم يتنبّه مشرف الصفحة الذي نشر المنشور- إلا بعد حين- أنه بعيدا عن سرعة بديهة المتنبي وانتصاره على الرجل الذي حاول إحراجه، بأن المنشور ينطوي على "حقيقة" أن كون الشخص "إمرأة" هو في حد ذاتة إهانة وتقليلٌ من قدره ومنزلته.

بقي أن أذكر، أن هذا الموروث الذي تُعامل وفقه المرأة في بلادنا بهذا المنطق الأعوج، لا يستوقف إلا القليلين. فالمعظم هنا- نساءً ورجالا- يعتبرونه طبيعيا أبيضا من غير سوء. وكثيرون في منشور العرائس إياه لم يستوقفهم إلا أن هناك خطأ إملائيا في الآية القرآنية، أو أنه لا يجوز استخدامها في النكتة. بل أن أحد ما علّق على تعليق اعتراضي على الصورة قائلا: "كنت أظن أن زوجتي فقط هي النكدية!!"، هكذا يتحدث عن زوجته بعدم احترام ولا مبالاة وبكل أريحية، الشيء الذي لا تستطيع أن تفعله زوجته بالمناسبة!

لا يأتينّ أحد الآن ليلقي على مسامعي كيف قدّر الإسلام السائد المرأة، فأنا إمرأة وأستطيع الحكم على هذا الموضوع بالذات بشكل أكثر مصداقية وواقعية، وأستطيع أن أقول بملئ الفيه أن ما يُمارس بحقي وجميع النساء تحت مظلة الدين هو كُفرٌ على كُفرٍ على كُفر...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بدأت أحب ما تكتبين
سائس ابراهيم ( 2013 / 11 / 19 - 17:13 )
بدأت أحب ما تكتبي أيتها الزملة رغم حجابك الذي يزعجني. أتمنى أن تسيري على نفس الطريق. فما أحوجنا إلى مثل هذه الكتابات الناقدة وخصوصاً أنها تأتي من اللواتي يكتوين في كل آونه وفي كل حين بالظلم المحمدي
ابراهيم


2 - من يخبرنا أتقبلين أنت الزواج بأسود؟
عبد الله اغونان ( 2013 / 11 / 19 - 19:39 )

قد تقولين هذا شأن خاص
لكن نعرف جيدا أن الكثيرات يرفضن الزواج بأسود
السؤال هل هذه عنصرية؟
ما يمارس على رجال ونساء في المجتمعات العربية وغيرها كثير قد يكون كفرا
لكن لاتتسرعي فليس لك مستوى يرتقي الى اصدار فتاوى الابعد تكوين لغوي وشرعي وعقلي


3 - لا أتحدث في شأن خاص
أحلام طرايرة ( 2013 / 11 / 19 - 20:28 )
السيد اغونان
بداية، انا أتحدث في شأن عام يطال جميع النساء بنسب متفاوتة من منطقة لأخرى. على الصعيد الشخصي أعتبر من المحظوظات القليلات في هذه البقعة من الأرض ولن أزيد.

ثانيا، العنصرية ليست قدرا ولا كتابا مقدسا لا يمكننا الاقتراب منه والغاء ما فيه من عفن. من العيب بمكان أن تسأل سؤالك: هل تقبلين الزواج بأسود؟ فأنت بهذا تؤكد على كل ما قلته انا دون أن تدري!

أخيرا، هوّن عليك أنت سيدي، فلا أظن أنك في مستوى لتقيّم ما أنا عليه من تكوين لغوي وشرعي وعقليّ، وإلا لما اعتبرت ما قلته فتوى!

لستُ هنا لأدخل في سجالات شخصية، إن كان لديك ما تعلّق في صلب الموضوع، فعلى الرحب والسعة. غير ذلك، انا اعتذر عن الرد على حضرتك مسبقا. تحياتي


4 - عيوب النساء يا احلام
هوزان خورمالى ( 2013 / 11 / 19 - 22:03 )
اختي الكريمة مقالك رائع لكن اود ان اشير بان المراة ليست بحمامة السلام هي ايضا لها حصة الاسد من العيوب التى تكمن في انها اغلب الاحيان تقوم بتمثيل دور الرجل وتنفي بذالك انوثتها وتتحول الى قطعة ذكرية بغطاة انثوي اى تفقد الانوثة وتميل لتقوم بدور الفحل في تسير امورها ناهيك عن انها تحاول الارتباط على اساس مادي بحت الظلم اختي الكريمة ليس من قبل الرجل وحدة بل هي ايضا ظالمة عندما تفرض شروطها التعجيزية على الرجل ...في تصوري مقالك جزء لا يتجزء من الخطاب الذي يجعل الرجل في كف والمراة بكف اخر اى يحاول تعميق الخلاف بين الرجل والمراة اود ان ابين لحضرتك بان كذا مقال يوسع الفجوة بين الرجل والمراة ماهوة الا خطاب يستفيد منة السياسين لكسب الاصوات الانتخابية فقط لذا على المراة ان اختارت التغير فعليها الاتجاة الى تغير الثقافة والمناخ السياسي ولاقتصاد للبلاد وبناء شخصية جديدة للمراة وتغيرالثقافة المجتمع الذكور والخ تحياتي


5 - لاحريه لاعداء الحريه
عبد العزى بن عبد المطلب ( 2013 / 11 / 20 - 00:29 )
اختي الكاتبه طرايره ذكرتني بالثوره اليمنيه حيث خرجت النساء المنقبات للاحتجاج على انعدام الحريه والديموقراطيه ويطالبن باسقاط النظام
عجبي !!!!!!!!
حجاب ونقاب وحريه نساء ؟؟؟
من يضحك على من ؟؟؟؟؟؟


6 - خاتمة جيدة
ألأمل المشرق ( 2013 / 11 / 20 - 04:37 )
خاتمة جيدة: أن ما يُمارس بحقي وجميع النساء تحت مظلة الدين هو كُفرٌ على كُفرٍ على كُفر

تخطين خطوات في الإتجاه الصحيح، بقيت القفزة النهائية حتى تصبحين إنسانة حرة، ان تستنجي ان هذا (الكفر) بدأ عندما بدأ هذا الدين وألبسكن الحجاب
بعد هذه القفزة وخلع الحجاب ستعرفين أكثر


7 - كتبت تعليقا وحذف
عبد الله اغونان ( 2013 / 11 / 20 - 11:50 )
؟؟؟؟؟


8 - لنناقش المحتوى
أحلام طرايرة ( 2013 / 11 / 20 - 13:33 )
لا أعرف إذا كان يلزم أن أحذف صورة الملف الشخصي خاصتي حتى لا يتوقف الأمر دائما عند حجاب رأسي، لدى الطرفين المتدينين والتحرريين!
يبدو أن بعض التحررين الرجال أيضا يظنون أن المرأة بحاجة لوصايتهم أيضا لتنال حريتها ولهذا لا يكف البعض وعند كل مقال على تذكيري أنني يجب أن أظهر بدون حجاب حتى يستطيعوا المصادقة على ما أكتب!

ربما غفل السادة عن أنه لو كانت هذه الخرقة بكل هذا الجبروت لما رأيتموني أكتب هنا وفي هذه المواضيع بالذات!!

ثم لماذا علينا دائما أن نشخصن الأشياء ويكون انتقادنا دائما موجها لذات الشخص؟

السيد خورمالي، لردم الفجوة التي ذكرت، نحن بحاجة أن ننقب عن جذورها الأولى
. تحياتي للجميع


9 - هذه الخرقة
ألأمل المشرق ( 2013 / 11 / 20 - 19:23 )
إقرأي هذا المقال لعلك تفهميك لماذا هذه الخرقة التي تلفين بها رأسك مخيفة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=387839

مع كل الاحترام لمقالك ولأفكارك ولكن الإسلام وحش مخيف بكل ما يمثله من رموز وطقوس

.. شخصياً لا يمكنني أن أسمع أحد يصرخ (الله أكبر) إلا وأهرول راكضا بشكل لا إرادي. وأمد يدي لأتحسس رقبتي

شكرا


10 - خرقه
عبد العزى بن عبد المطلب ( 2013 / 11 / 20 - 23:22 )
لو كان حجابك بالنسبه لك خرقه لما تمسكتي به !!
حجابك هو رمز عبوديتك والعبيد بحاجه للوصايه !
حذف الصوره هو اخفاء للادله وليس منع الجريمه
استاذه طرايره وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهليه الاولى
استاذه طرايره اذا كنت حضرتك شخصيا موافقه ان تكون شهادتك نصف شهاده الرجل وان يضربك زوجك - بمسواك طبعا هههههه- اذا خاف منك تشوزا ! وان تصلحي بينكما اذا خفتي منه نشوزا ! وان يتوضا اذا رجع من الغائط او لامسك !
اذا كتني سعادتك راضيه بهذا فقراء الحوار المتمدن يستميحوك عذرا لانهم لايرضون هذا لكاتباتهم

اخر الافلام

.. المشاكل الأيكولوجية والحلول بوجهة نظر علم المرأة فيديو معدل


.. رئيسة الجمعية الدكتورة منجية اللبان




.. ملكة جمال القاهرة.. وسموها جوليت المسرح.. أسرار عن حياة -زين


.. ضبط عصابة الـ-تيك توك- في لبنان المتهمة باستدراج الأطفال واغ




.. لبنان مطالبات بإنصاف العمال ورفع الغبن عنهم في يومهم العا