الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


( تكلم لأراك )

سلمان مجيد

2013 / 11 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تحضرني حكاية فيلسوف أتاه امير وقد أرتدى ( طيلسانه ) الملوكي بما فيها الحرير و الالوان ، و كان مظهره مهيبآ يأخذ الألباب ...... و عندما رأه الفيلسوف قال له : (( تحدث يا هذا لكي اراك )) غير عابئ بطلته الاميرية و مكانته العالية ، ان معنى هذا ان الانسان هو عبارة عن شكل و مضمون ، وان الشكل يتجسد بألشكل و الصورة الطبيعية التي خلق الانسان عليها كألطول و الحجم و اللون ، اما مصدر الشكل الاخر يتمثل بكل مايضيفه ذلك الانسان على جسده من اردية و ملابس تأخذ شكلها من المكانة الاجتماعية و الاقتصادية التي عليها ذلك الانسان ، و دائمآ تلك الملابس و ازياءها تأخذ شكلآ مبالغآ فيه ، اما في البهرجةو ألأناقة محاولآ في ذلك التفرد بين الافراد حتى يشار اليه بأنه ليس كغيره ، وقد تكون المبالغة في اهمال الشكل الخارجي ، ليس لعدم القدرة على تحقيق الشكل المبهرج و انما يعود الى قيم و مبادئ يؤمن بها بعض الذين يحملون افكارآ استثنائية ، كألفلاسفة و المفكرين و العلماء و الفنانين ، الذين تجاوزوا المراحل الاولية لتطورهم و وصلوا الى مرحلة النضوج الذي جعلهم لا يهتمون كثيرآ بمظاهرهم الخارجية ، و انما يرون ان تواصلهم مع محيطهم من خلال اختصاصهم الفكري او العلمي او الفني ، الذي لا علاقة له بمظهرهم الخارجي ، و عندما نصف بألمبالغة في المظهر الخارجي للذين يهتمون به او يهملونه انما يعني ذلك انهم يشكلون القلة في المجتمع ، فأن غالبية افراد المجتمع او مايطلق عليه ( عامة الناس ) كما ان لهم دواخلهم المتنوعة فأن لهم طابعهم المميز في الشكل الخارجي المتمثل بألأزياء و الملابس ، فان التنوع في هذا الامر محدود جدآ داخل المجتمع الواحد ، اما التنوع الابرز يظهر بين المجتمعات ، فنرى ان لكل مجتمع له ما يميزه من الازياء و الملابس التقليدية التي تستمد اشكالها و الوانها من تأريخها و تراثها الشعبي ، كذلك للبيئة الطبيعية اثر في تحديد هذه الاشكال الخارجية للانسان و المتمثلة بألأزياء و الملابس ، و الذي يلاحظ ان هذا التنوع الذي تميزت به الشعوب و المجتمعات بدأ ينحسر مع زيادة سعة التواصل بين المجتمعات و خاصة تلك المرئية التي ساعدت المجتمعات على الاطلاع على صور الحياة الاجتماعية للامم و الشعوب ، لذلك نرى بان هناك اتفاق على ( زي ) اصبح هو الشائع عالميآ ، و ان الملابس و الازياءالتقليدية اصبحت خاصة بألمناسبات و الاعياد لتلك الشعوب ، حيث يقتصر ارتدائها على تلك المناسبات ، وسوى ذلك نجد ان غالبية افراد المجتمع العالمي يكادوا ان يتفقوا على لباس واحد ، مع وجود استثنائات تتعلق بالحالة الموضوعية التي عليها الفرد و المتعلقة بطبيعة الوظيفة او المهنة ، حيث لكل مهنة ما يناسبها من لباس معين يوفر لمرتديه الحركة و المرونة في اداء وظيفته .
بعد استعراضنا الشكل الخارجي او الزي الاميري الذي استفز ذلك الفيلسوف حتى انه ادعى بأنه لا يراه بل طلب منه ان يتحدث لكي يراه ، معتمدآ في ذلك على ان صورة الانسان و شكله يكمن بين ( طيات لسانه ) و ليس بين ( طيلسانه ) و بألتأكيد ان في عصر ذلك الفيلسوف قدرآ كبيرآ من المصداقية في التعبير عن دواخل الانسان دون ان يكون هناك نوع من المخادعة و اعلان ماليس في داخل الانسان ، وهذا طبعآ لايعد قاعدة ، فهناك النفاق وعدم المصداقية التي سادت الحياة البشرية منذ ان اوجدها الله تعالى على الارض ، ولكن هناك نوع من احترام القيم و المثل التي منها الصدق في التعبير عن ما في داخل الانسان عندما يتحدث مع الاخرين ، ومع تطور المجتمع البشري في الجوانب المادية وخاصة بعد الثورة الصناعية و صناعة الالات و المعدات الصناعية التي ادت الى وفرة في الانتاج برزت الحاجة الى ضرورة نقل الفائض من الانتاج الى الشعوب التي لا تتوفر لديها تلك المنتجات ، فظهرت الحاجة الى ايجاد الادوات و الوسائل لتحقيق هذا الامر ، فظهرت فكرة الاستعمار التي كان من نتائجها ظهور مبادئ تجيز للفرد و حتى المجتمعات ان تغلب مصالحها على الاخرين مستخدمة في ذلك اساليب الكذب و الاحتيال ، اعتمادآ على فكرة مصلحتي اولآ، اعتمادآ على ان الغاية تبرر الواسطة او ما يعرف ( بألبركماتية ) و لم يقتصر الامر على المراحل الاولى لظهور الاستعمار كفكرة او تطبيق و انما اخذ الشر يسود المجتمع البشري قاطبة ، حتى اصبحت عملية ابادة امة لمصلحة امة مسألة ليست بألمسألة التي توخز ضمير احد ، كما حدث في ابادة شعوب الهنود الحمر في امريكا و استراليا ، كذلك القاء القنبلتين الذريتين على ( هيروشيما ) و ( نكزاكي ) كذلك القاء الاف الاطنان من الاسلحة المحرمة دوليآ في حربي الخليج و حرب احتلال العراق.
الذي يمكن قوله ان القيم التي كانت محط احترام العقل الانساني على مدى التأريخ البشري اصبحت نادرة الوجود ، حتى طلب الفيلسوف من ذلك الامير ليتحدث لكي يراه ، اصبحت غير قادرة على معرفة حقيقة دواخل الانسان ، حيث اصبح ( النفاق ) من الادوات المشروعة بعرف اشرار الناس ، فعندما لاترى شخص ما الا بعد ان يتحدث ادرك ذلك المطلوب منه الحديث ، كيف يتحدث و يعمل على اظهار ماليس في داخله لكي يرضي او قل يخدع من طلب منه الحديث مما يؤدي الى ايهام طالب الحديث ان المتحدث يتطابق لديه الشكل و المضمون .
ما نلاحظه في وضعنا السياسي و المتمثل بمعظم سلطات الدولة ، كألسلطة التشريعية و السلطة التنفيذية ، و عناصرهما من المسؤولين ، وليس بألضرورة ان هؤلاء يتزينون بأحلى الازياء و يتحدثون بأرق الكلمات ، بل تجد بعظهم يقلد بعضهم البعض في ارتداء بدلات عمل العمال و القيام بكنس الشوارع او المشاركة في ازاحة مياه الامطار التي اغرقت اكثر من نصف المدن العراقية ، بل الاغرب و الذي يثير اكثر من سؤال ، ان مسؤول اداري كبير ينزل في ( منهول للمجاري ) لكي ينظفه من الاوساخ المتراكمة فيه ، وان هذه الصورة تثير عدة اسئلة : ان كان العمل لوجه الله تعالى و انه جزء من عمل الموظف الاداري ، لماذا الاصرار على توثيقه بالصورة و الصوت وتداوله على وسائل الاتصال و قنوات البث الفضائي ، اما السؤال الاخر : هل هناك شحة في اليد العاملة في دوائر المسؤول هذا ، بحيث لم يكن غيره لكي يقوم بهذا العمل الذي هو ليس من اختصاصه ، ام ان كل ذلك يمثل شكلآ من اشكال النفاق السياسي الذي دائمآ يظهر قبل كل انتخابات كانت محلية او برلمانية ، ومن مظاهر التعبير عن النفاق الذي هو تعبير عن التناقض بين دواخل هؤلاء المسؤولين وبين حقيقتهم ، هو ظهورهم على الشاشات الفضائية بأبهى صور الاناقة و بألكلام المنمق الذي يبهر السامعين ، بحيث تتوهم بأن لم يكن اخلص من هذا المسؤول وهو الوحيد الذي يتصف بألنزاهة و الامانة ، وما يغيظك اكثر ان هؤلاء المسؤولين يحتفظون في خزانات ملابسهم كل انواع الملابس و الازياء التي تناسب كل مناسبة دينية او وطنية ، فهناك الزي الرسمي الذي يصلح لأستقبال ذوي الجاه الرفيع ، وهناك الزي الديني الذي يتناغم مع مناسباتنا الدينية التي اصبحت قريبة من ان تكون يومية ، وهناك البدلةالزرقاء بدلة العامل ، و الزي الذي يقع في دائرة السرية لبعض المسؤولين ــ وليس كلهم ــ هو ذلك الزي المناسب للخلوات السرية الخاصة ، ومن الصور المستفزة لبعض المسؤولين حيث يصور نفسه وهو يتناول غذاءه الذي هو غذاء العراقيين البسطاء ، وكأن هذا المسؤول عاجزآ عن ان يوفر لنفسه غذاء افضل من هذا ، و احيانآ تظهر صور على وسائل الاتصال لهؤلاء او المقربين لهم متحلقين حول صواني الولائم والتي تكون كمياتها تكفي قرية كاملة .
اخيرآ اين انت يا فيلسوفنا مما طلبت من ذلك الامير ، وهل لو اعادك الله تعالى الى الحياة ، هل سوف ترى المسؤول السياسي عندما تطلب منه الحديث لكي تراه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
( تم )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار التظاهرات الطلابية بالجامعات الأميركية ضد حرب غزّة|


.. نجم كونغ فو تركي مهدد بمستقبله بسبب رفع علم فلسطين بعد عقوبا




.. أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يبحث تطورات الأوضاع


.. هدنة غزة على ميزان -الجنائية الدولية-




.. تعيينات مرتقبة في القيادة العسكرية الإسرائيلية