الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلم والإيمان

إبراهيم جركس

2013 / 11 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العلم والإيمان
(لا إيمان في العلم)
[لماذا العلماء لا يؤمنون بالعلم]
بقلم جيري كوين
ترجمة إبراهيم جركس
# لماذا جسيم هيغز لا يشبه بحر الحليب الذي يحتوي الآلهة...
هناك تكتيك شائع عند أولئك الذين يزعمون أنّ هناك توافقاً بين الدين والعلم أنّهم غالباً ما يجادلون بأنّ العلم، مثله مثل الدين، يقوم على الإيمان والتسليم: التسليم بدقّة الأرصاد والملاحظات، ضمن قوانين الطبيعة، أو قيمة الفكر. كتب دانييل سيرفيتز، مدير مركز السياسات العلمية في جامعة أريزونا ستيت ومساهم آني في مجلّة سليت Slate، نفس الكلام حول يوزون هيغز في مجلّة "الطبيعة Nature"، المجلّة العلمية الرائدة على مستوى العالم: ((بالنسبة لهؤلاء الذين لا يستطيعون استيعاب الرياضيات أقول أنّ الاعتقاد بوجود بوزون هيغز هو فعل من قبيل الإيمان والتسليم، وليس من العقلانية بشيء))
هذه التصريحات تشير إلى أنّ العلم والدين ليسا مختلفين عن بعضهما لأنّ كلاهما يسعى خلف الحقيقة ويلجأ إلى الإيمان والتسليم للعثور عليها. طبعاً، غالباً ما يوصَف العلم بأنّه نوع من أنواع الدين.
لكنّ هذا كلام مغلوط ومجحف، إذ أنّ "الإيمان/التسليم" الذي في العلم مختلف تماماً عن إيمان المؤمنين بالله وبمعتقداتهم الدينية الدوغمائية. ولرؤية ذلك علينا أن نلقي نظرة أقرب إلى التصريحات الأربعة التالية:
●-;- عندي إيمان بأني سألتقي بأصدقائي وعائلتي في الجنّة، لأنّ يسوع هو منقذي.
●-;- إيماني يخبرني بأنّ المسيح لم يأتي بعد، لكنّه سيجيء في يومٍ من الأيام.
●-;- لديّ احتقان ببلعومي، لكنّي أعتقد أنّ هذا البنسلين سيعالجه.
●-;- لديّ إيمان بأني حين أستشهد في سبيل الله، سيكون هناك 72 حورية بانتظاري في الجنّة.
كافة هذه التصريحات تعتمد على الاعتقاد أو الإيمان، لكن مفهوم الاعتقاد هنا يختلف بين تصريح وآخر. فالمزاعم الدينية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلامية على التوالي) تجسّد الإيمان كما عرّفة الفيلسوف والتر كاوفمان: ((اعتقاد شديد، وواثق عادةً، لا يقوم على دليل أو برهان كافيين يرضيان أي شخص عقلاني)). طبعاً، ليس هناك أي دليل ما عدا الوحي، المرجعيات الدينية، والكتب المقدّسة يثبت صحّة المزاعم الدينية التي في الأعلى، وأغلب المؤمنين في العالم سيرفضون إحداها على الأقل. ولنقول بصراحة، هذا الإيمان أو الاعتقاد يتضمّن ادّعاء الشخص معرفة أشياء لا تعرفها أنت. خلف هذا الإيمان هناك مايسمى بالتفكير الرغبوي، كما هو معبّر عنه في سفر العبرانيين 11: 1 ((وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى)).
في المقابل، نلاحظ أنّ التصريح الثالث يقوم على "الدليل". فالبنسيلين يقتل بشكل كلي وأكيد تقريباً جراثيم المكوّر العقدية. في هذه الحالة إنّ كلمة "أعتقد" لا تعني ((الإيمان بدون وجود جليل كاف))، بل ((الثقة المستمدّة من تحاليل وأبحاث علمية صارمة ومكرّرة وموثّقة)).
لديك إيمان، أو أنت تعتقد (يعني لديك ثقة) بأنّ الشمس ستشرق غداً لأنّها تشرق دائماً، وليس هناك أي دليل مرئي بأنّ الأرض قد توقّفت عن الدوران أو أنّ الشمس قد احترقت ونفذ وقودها النووي. لديك إيمان/ثقة بطبيبك لأنّه تمكّن من معالجتك أنت وآخرين غيرك بنجاح، وأنت تعلم حق العلم أنّ ما يصفه لك أو لغيرك من دواء مجرّب مخبرياً وعلمياً. لذلك لن تلجأ إلى الشامان أو رجل الدين أو المشعوذ ليعالج التهاب حلقك_ إلا إذا كنت تريد تضييع أموالك.

# نحن لا نعرف اليوم عن الله أكثر ممّا كنّا نعرفه منذ ألف عام.
إنّ خلط الإيمان بوصفه "إيمان يدون دليل" والإيمان بوصفه "ثقة مبرهنة ومبرّرة" هو ببساطة خدعة كلامية لدعم الدين. في الحقيقة، لم تجد أبداً عالماً يقول: ((أنا أؤمن بالتطوّر)) أو ((لديّ إيمان بالإلكترونات)). هذه اللغة ليست غريبةً عنّا فحسب، بل إنّنا نعرف أيضاً تمام المعرفة كيف يجري إساءة استخدامها باسم الدين.
ماذا عن احترام العلماء العام لمرجعية العلماء الآخرين؟ أليس ذلك نوعاً من الإيمان؟... لا، ليس فعلاً. فعندما يتحدّث ريتشارد دوكينز أو يكتب عن التطوّر، أو عندما تتحدّث ليزا راندال عن الفيزياء، فالعلماء في مجالات أحرى _والجمهور أيضاً_ لديهم ثقة بأنّهم على حق. لكنّ ذلك أيضاً قائم على أساس الشكّ والنقد المتأصّلين في العلم (لكنّهما غير موجودين في الدين): وهذا يعني فهم أنّ خبرتهم قد جرى التدقيق فيها من قبل علماء فيزيائيين وبيولوجيين آخرين. في المقابل، إنّ مزاعم الكاهن وادّعاءاته حول مسألة وجود الله لا تزيد أو تنقص عن ادّعاءات ومزاعم أي شخص آخر. فنحن لا نعرف اليوم عن الله أكثر ممّا كنّا نعرفه منذ ألف عام.
الفحص والتدقيق الصارمين من قبل زملائنا يضمن بأنّ العلم ذاتي التصحيح بشكل كبير، لذلك يمكننا الاعتماد عليه بثقة خلال سعينا لفهم حقيقة الكون. وعندما زعم سيرفيتز بأنّ "الإيمان" بوجود بوزون هيغز كان من قبيل الإيمان والتسليم وليس من قبيل العقلانية في شيء، وعندما قارن ذلك بالإيمان الهندوسي ببحر الحليب الذي يحتوي آلهتهم، كان خاطئاً ومغلوطاً ببساطة شديدة. فنحن لدينا دليل قوي على وجود جسيم هيغز، وقد جرى تأكيده العام الفائت من خلال تجارب قام به فريقين مستقلين تماماً عن بعضهما قاما باستخدام مصادم جسيمات عملاق وبإجراء العديد من التحليلات البيانية والإحصائية الصارمة. لكن ليس هناك _ولن يكون أبداً_ أي دليل على وجود بحر الحليب.
العلماء لا يعطون أي تصديق أو سلطة أو مرجعية خاصّة لأيٍ من الكتب أيضاً، باستثناء تلك الكتب التي تقدّم نظريات مستفيضة وشاملة، تحليلات مسهبة ومفصّلة، أو حقائق مثبتة ومؤكّدة. عندما أصبحت عالم أحياء تطورية، لم يكن مطلوباً مني إلقاء قسم على حقيقة داروين واضعاً يدي على كتابه "أصل الأنواع". طبعاً ذلك الكتاب يتضمّن العديد من الأخطاء ومن عدّة محاور، ومن ضمنها نظريته الخاطئة في علم الوراثة. في المقابل، أغلب المؤمنين يطلب منهم القسم على الالتزام بمزاعم وادّعاءات دينية سخيفة وثابتة (تذكّروا مذهب نيقيا والأثناسيوسية [مذهب صوفي])، كما يطلب من الكهنة والقساوسة القسم للحفاظ على تعاليم الكنيسة ومذهبها.
إذن العلماء ليس لديهم إيمان شبه ديني بالمرجعيّات، أو افتراضات مسبقة من دون دعم تجريبي. هل لدينا إيمان بأيّ شيء؟ يقال أنّ الاعتقاد العلمي يقوم على شيئين أساسيين هما قوانين الفيزياء والفكر. فممارسة العلم تتطلّب إيماناً غير مثبت "بنظام الطبيعة" و"مجموعة غير مفسّرة من قوانين الفيزياء"، بالإضافة إلى قيمة الفكر في تقرير الحقيقة وتحديدها.

# كلا الادّعائين خاطئين
نظام الطبيعة _مجموعة ما يسمّى بقوانين الطبيعة_ ليس افتراض بل أرصاد وملاحظات. من الممكن منطقياً بأنّ سرعة الضوء قد تختلف من مكان لآخر، وفي حين أنّنا بحاجة لتعديل نظرياتنا لتتناسب مع ذلك، أو التخلّي عن نظريات معينة، إلا أنّ الأمر لن يكون كارثة. قوانين الطبيعة الأخرى، كالكتل النسبية للنيوترونات والبروتونات، قد يكون من غير الممكن اختراقها أو انتهاكها في كوننا. فنحن لن نكون موجودين أصلاً لو أنّها كانت مغايرة لما هي عليه _فأجسامنا تعتمد على انتظام كلٍ من الفيزياء والكيمياء وتكاملهما. فنحن نأخذ الطبيعة كما نراها، وهي تتصرّف معظم الأحيان بطريقة يسهل التنبؤ بها.
ماذا عن الإيمان بالفكر؟ خطأ مرةً أخرى. الفكر _ممارسة التفكير النقدي، المنطقي، والتعلّم المستمدّ من التجربة والخبرة_ ليس افتراضاً مسبقاً بل أداةً أثبتت جدارتها وقدرتها على العمل. هذه الأداة قد أنتجت مضادات حيوية، حواسيب، إضافةً إلى قدرتنا على فكّ رموز شيفرتنا الوراثية. نحن لا نؤمن بالفكر، بل نستخدمه لأنّه _خلافاً للوحي_ يأتينا بنتائج ويمنحنا مقدرة على الفكر والاستيعاب. وحتى أنّنا نستخدم الفكر في مناقشة مسألة استخدامنا للفكر!
أخيراً، أليس العلم على الأقل قائم على الإيمان أو الاعتقاد أنّه من الجيّد معرفة الحقيقة؟ بالكاد. إنّ فكرة أنّ المعرفة أفضل من الجهل ليس إيماناً دينياً أو شبيه به، إنّما هي "تفضيل". فنحن نفضّل معرفة الحقيقي لأنّ الخطأ لا ينفعنا في شيء. نحن لا نصف السمكرة أو الميكانيك بأنّها مهنٌ تعتمد على الإيمان والأمل بأن تكون الأنابيب أو السيارات مرتبة قطعها بانتظام وأن تعمل بشكلٍ حسن، ومع ذلك فالناس في هذه المهن حتى يسعون وراء الحقائق.
يمكننا نفي إشاعة "العلم بوصفه إيماناً" وتكذيبها بعبارة واحدة، ويشرّفني أن أقتبس عن ريتشارد دوكينز:
((هناك فرق كبير وعلى درجة عظيمة من الأهمية بين الشعور القوي، والعاطفي حول أمرٍ معيّن لأنّنا فكّرنا فيه وفحصنا الدليل حوله من ناحية، والشعور القوي والغامر حول أمر لأنّه كُشَف لنا بشكل باطني وخفي، أو لأنّه جرى الكشف عنه صوفياً من قبل شخص آخر تاريخياً وتمّ تقديسه تراثياً. هناك فرق شاسع بين الاعتقاد الذي يجد الشخص نفسه مستعداً للدفاع عنه عن طريق اقتباس البرهان واستخدام المنطق والإيمان غير المدعوم بأي شيء ماعدا التراث، المرجعيّة، أو الوحي))
إذن، في المرّة القادمة التي تسمع فيها أحداً يصف نفسه ((رجل إيمان))، تذكّر على الرغم من أنّ المقصود هنا هو المديح، فهو إهانة وذَمّ في نفس الوقت.

المقالة على الموقع:
http://www.slate.com/articles/health_and_science/science/2013/11/faith_in_science_and_religion_truth_authority_and_the_orderliness_of_nature.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 11 / 20 - 21:27 )
تم التعليق في خانة الفيس بوك , و السبب : سعة مساحة الكتابة .

اخر الافلام

.. 164-Ali-Imran


.. 166-Ali-Imran




.. 170-Ali-Imran


.. 154-Ali-Imran




.. 155-Ali-Imran