الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المنظومة الأخلاقية .... بين الدين وحاجات المجتمع

أحمد على حسن

2013 / 11 / 20
المجتمع المدني


لا يغيب عنا جميعاً ملاحظة تدنى مستوى الأخلاق العامة فى مجتمعاتنا فى عصرنا الحالى!! .. ويرجع المتدينيون ذلك لبعد نسبة من المواطنين عن الدين "ويرون ان المبتعدين عن أخلاقيات الدين القويم يشكلون نسبة كبيرة بحيث يظهر ذلك فى التدنى العام للخلاق" .. فإذا كان الدين فى مجتمعاتنا العربية يشكل أحد الروافد الأساسية للأخلاق والسلوك القويم للمواطنين "الصالحين" فى المجتمع، فبالتأكيد لايُشكل الدين وحده كل مصادر الأخلاق فى المجتمعات الإنسانية عامة، فنرى مثلاً أن هناك مجتمعات غير متدنية بطبعها أو يرتفع فيها نسبة الإلحاد. ومع ذلك نجدها متمسكة بنمط أخلاقى صارم يحكم تصرفات وسلوك مواطنيها، ونجد نفس الشئ أيضاً فى مجتمعات أخرى يدين نسبة كبيرة من مواطنيها بأديان أرضية "غير الأديان السماوية" .. أو حتى بمعتقدات وثنية و مع ذلك يتمتع أفراد هذه المجتمعات أيضاً بنمط سلوكى و أخلاقى يشيد به حتى هؤلاء من اصحاب هذه الديانات السماوية أنفسهم!!. فنجد ذلك على سبيل المثال عند المجتمع اليابانى والصينى، كما نجده أيضاً فى قبائل أفريقيا أو قبائل الهنود الحمرفى أمريكا، ومعظم هؤلاء لا يدينون بديانات سماوية.

وإذا كانت الأخلاق تعنى مجموعة من القيم والأنماط التى تحدد سلوك مجتمع ما وعلاقات أفراده، فيمكننا ببساطة وطبقاً لهذا التعريف أن نقول أن النمط الأخلاقى لم يقتصر على البشر بل إمتد لمجتمع الحيوانات الراقية أيضاً، وخصوصاً تلك التى تعيش فى مجتمعات خاصة بها، فيمكن ملاحظة سيادة أنماط أخلاقية ومجموعة من القواعد الصارمة التى تحكم وتنظم حياة هذه المجتمعات من الحيوانات.

فالأخلاق بإختصار ليست نمطاً واحداً متكرراً بين كل الشعوب ولكل الأزمان، بل هى منظومة إنسانية من مجموعة من القواعد والقيم المتعارف والمتفق عليها ضمنياً بين جماعة أو جماعات من البشر لتحديد سلوكياتهم وتعاملاتهم، بحيث تضمن هذه السلوكيات مجتمعه الحفاظ على قيم إنسانية أكبر هى الحرية والعدل والمساواة ويمكن إضافة المباحث الكبرى للفلسفة أيضاً كالحق والخير والجمال.. وإحترام النظام الإجتماعى السائد بين افراد هذا المجتمع، فالأخلاق ليست كائناً فى الفراغ ،بل تؤدى وظيفة إجتماعية فى حياة المجتمعات الإنسانية. وتلعب أيضاً دوراً كبيراً أيضاً فى الحفاظ على أمن وسلامة أفراد هذه المجتمعات ودفعة للتقدم.

يمكن بالتأكيد فرض بعض القواعد التى تحدد سلوكيات الأفراد من خلال القانون، وتجريم وتحديد عقوبات عند الخروج عليها، لكنها ستنحصر دائماً فقط هذه القواعد داخل إطار من السلوكيات الى يمكن تجريمها، كالإلتزام بالقواعد المرورية، أو مواعيد العمل، أو إستخدام المرافق العامة من منشآت و خلافه، أو عدم تلويث مياه النيل "كان تلويث مياه النيل إحدى الجرام الكبرى التى يقوم المتوفى بنفيها عنه ووردت فى كتاب الموتى " ... و يمكن أيضاً تغليظ العقوبات على منتهك هذه القواعد، لكن يبقى أن الأخلاق يجب أن تتبع من رغبة حقيقية داخل أفراد المجتمع فى الإلتزام بها، لأنهم يجدون فيها مصلحتهم المباشرة سواء كأفراد وكمجتمع، فالموظف مثلاً الذى سيجبره القانون بالإلتزام بمواعيد للحضور والإنصراف قد يذهب لعمله فلا يؤدى واجبات هذا العمل بشكل مقبول، فقد يتكاسل أو يتمارض مثلاً إلا لو كان الإلتزام بالعمل وإجادته ناتج عن وازع أخلاقى نابع من داخله هذا الفرد كنمط إجتماعى وأخلاقى. وكلما إرتقت الأمم تتحول هذه القواعد التى يفرضها القانون لجزء من السلوكيات الطبيعية والبديهية للمواطن.
والملاحظة أن الدين وحده لا يحل المشكلة، فالمنظومة الأخلاقية للمجتمع لابد أن يكون منبعها إحتياجات المجتمع ذاته، ووعى أفراد هذا المجتمع بهذه الإحتياجات لتنظيم سلوكه وأن المنظومة الأخلاقية القويمة هى إحدى ضروريات الحياة، بحيث تؤدى هذه المنظومة الأخلاقيه دورها فى نمو وتطور المجتمع. فأول خطوة فى إيجاد منظومة أخلاقية قويمة ومنسجمة هى وعى المجتمع نفسه بإحتياجة لهذه المنظومة. وماا نلحظة تباكى المتدينون فى مجتمعاتنا عندما يقرأون فى الجرائد أحياناً عن حادثة إغتصاب أو هتك عرض.." وهى حوادث مؤسفة بالتأكيد و تنم عن تدنى أخلاقى و إنسانى لمرتكبها" فإنهم يرجعون سبب هذه الحوادث لبعد الناس عن الدين، ويتحسرون على زمن فات من الأخلاق القويمة، ومترحمين على زمن الخلافات الإسلامية، فأحد أهم الملاحظات فى مجتمعاتنا العربية هى إختصار أو تركيز المنظومة الأخلاقية فى الموضوعات و السلوكيات المرتبطة بالجنس!! .. أو على أقل تقدير وضعها محل الصدارة فى المنظومة الأخلاقية العامة، مع إهمال أو حتى إغفال باقى العناصر والقيم التى تُشكل بإجمالها منظومة أخلاقية إنسانية راقية أو متقدمة ودافعة فى نفس لتماسك المجتمع.

بل أن الأخلاق العامة السادة فى زمن ما قد تكون أحياناً أقوى من القواعد الدينية نفسها! .. يمكن ملاحظة ذلك فى أكثر من موضوع أخلاقى قام المجتمع الدولى بالتوافق حوله كمنظومة أخلاقية عامة تحكم شعوب العالم حتى وإن حلل العمل بها بعض الأديان السماوية أو الأرضية، مثل ألغاء الرق "كانت الدنمارك هى أول دولة تقوم بإلغاء الرق فى العام 1792 ثم تبعتها دول أوربية عديدة. وقامت أمريكا بالنص فى الدستور الأمريكى على إلغاء الرق فى العام 1865" .. وعقد المؤتمر الدولى لإلغاء الرق فى جينيف فى العام 1926، وأعلنت الأمم المتحدة يوم 2 ديسمبر لإحتفال العالمى بإلغاء الرق و الإتجار بالبشر والإستغلال الجنسى. فى حين إحتاج الأمر لحوالى نصف قرن حتى يصل للملكة السعودية فتقوم بإلغاء الرق فى العام 1962 بسبب مشكلة دينية لمنع وتجريم ما أحله الله فى الشريعة الإسلامية، فإضطروا لإيجاد تخريجات فقهية تمنع الرق. والرق أو العبودية لم تكن هى المشكلة الوحيدة فى عالمنا العربى والإسلامى فإنتهت مشاكلنا الأخلاقية بإنتهائها، بل تتجدد نفس المشكلة أيضاً فى جوانب أخرى فنجدها تتجدد أيضاً فى حق غير المسلمين من المواطنين فى البلاد العربية والإسلامية لتولى بعض المناصب العامة وهو ما يُعرف بولاية غير المسلم!..أو حرية المخالفين عقائدياً ودينياً فى ممارسه شعارهم!.. أو فى تزويج القاصرات.. والذى أصبح مستهجناً لدى المجتمع العالمى، ورغم ذلك فإنه يجتاح مجتمعاتنا وبقوة وبخاصه مع المد الدينى السلفى مستنداً لفتاوى فقهيه تبيحه أيضاً. فرغم إحتواء الدين على قيم ومبادئ ثابته وصالحة لزماننا، فإنه يجب إستيعاب والتعامل بتسامح وفهم أن بعض القيم بل والتشريعات كانت مناسبة لعصرها ويمكن القول بانها كانت متقدمة فى زمانها، ثم "ولعدم خضوعها للتطور البشرى طوال القرون الماضية" أصبحت بعض هذه القيم الأخلاقية و التشريعات غير مناسبة لعصرنا الحالى ويتم إعتبارها متأخره. والسؤال البديهى هو: فكما تم إيجاد تخريجات فقهية تمنع بل وتجرم تجارة الرقيق وإقتنائهم "رغم أن الدين قد أحله" فلماذا لا يتم ذلك أيضاً بخصوص بعض هذه التشريعات أو الفتاوى الفقهية التى تنتمى لعصر مختلف عن زماننا و قيم أخلاقية مختلفة أيضاً عن قيم أخلاقية أصبحت هى السائدة عالمياً ، حتى أصبحت بعض هذه القيم الأخلاقية والفتاوى الفقهية مستهجناً!!؟

وليس صحيحاً "كما هو سائد لدى العامة" أن الأخلاق تتدهور مع تقدم الزمن أو مع نمو المجتمعات وتطورها، بل العكس هو الصحيح فى كل الأحوال، فكلما تطور المجتمع تطورت معه المنظومة الأخلاقية الضابطة لسلوكيات أفراده، وقد تختلف المنظومة الأخلاقية من مجتمع لآخر وهذا ما قد يُنشأ إستهجان أو عدم إستيعاب بعض المجتمعات للأخلاق السائدة فى مجتمع آخر، لإختلاف المنظومة الأخلاقية من مجتمع لآخر وفقاً لنمط الثقافة السائدة. فالمنظومة الأخلاقية بذاتها كان حى يتطور أيضاً مع تطور المجتمعات الإنسانية. فقد تأفل قيمة أخلاقية ما فى حين تبرز قيمة أخرى بديلة. وقد يتم إدخال تعديلات فى إحدى هذه القيم الأخلاقية تدريجياً مع تطور المجتمعات، وستظل هذه التعديلات و إعادة ترتيب المنظومة الأخلاقية وتطورها فى المجتمعات الإنسانية مادامت هذه المجتمعات موجودة على سطح الأرض وتتطور بإستمرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار


.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم




.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #