الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية العقلية العربية – السواقة، مساء الخير و عليكم السلام، نموذجين

نضال الربضي

2013 / 11 / 20
المجتمع المدني


إشكالية العقلية العربية – السواقة، مساء الخير و عليكم السلام، نموذجين

البارحة و في طريقي لوالدي َّ مررت ُ بالسوق لإحضار بعض الأشياء التي أوصتني بها أمي، و هو شرف ٌ لم يكن والدي ليسمح لي به لولا اضطراره للاستعانة مؤقتا ً بجهاز الـ Walker إثر كسر عضمة الفخذ لديه قبل شهرين. و قد تذكرت ُ أن مريم و ريتا طلبتا مني "كرتونة" بيضاء عدد 2 و واحدة خضراء عدد 1 من أجل "نشاط مدرسي"، فاخترت ُ مكتبة ً في السوق و دخلت. "مساء الخير" قلت ُ بصوت عادي، فجاء الرد "و عليكم السلام" بلهجة إيحائية تعليمية من زبون ٍ هو الآخر جاء يشتري لأولاده الذين رافقوه، قالها في رفض ٍ واضح لتحيتي.

ليست هذه المرة الأولى التي نعاني منها من سلوكيات لها علاقة بمُعتقد الشخص الآخر و رغبته في فرض نفسه علينا، فنحن نرى هذا باستمرار حتى حين نقود سياراتنا في الشوارع. قد يُخطأ سائق فيدخل بطريقة سريعة بجانب سيارة أخرى فيتدارك السائق الآخر الموقف و يتم تفادي الحادث، لكن و في معظم المواقف لا بد أن نشاهد هذا السائق الذي كان سريع البديهة حكيما ً في قدرته على تفادي الحادث يتصرف بطريقة انفعالية غير حكيمة فيشير للسائق الآخر أن يفتح شباك سيارته ثم ينهال عليه بمحاضرة تعليمية عن القيادة بشكل عام و عن خطأه تلك اللحظة بالذات. أحيانا ً أضطر لأن أستقل تاكسي عندما تكون سيارتي تحت الدهان أو التصليح، و يقوم سائق التكسي في هذه الحالة بدور "المعلم" الذي يتطوع لمهمة "تعليم" و "توعية" سائق السيارة الأخرى الذي أخطأ، و عندما أساله لماذا تكلم مع السائق الثاني يكون الجواب "يا زلمة خليه يتعلم".

صديقنا السابق في المكتبة قد قرر أن التحية الرسمية للملكة الأردنية الهاشمية و سكانها قاطبة ً هي "السلام عليكم" و أن أي مُحيَّـي يجب أن يستخدمها دون غيرها، و أن استخدام تحية أُخرى هو خيار خاطئ يجب أن لا يتم التعامل معه سوى بالرد الرسمي على التحية الرسمية بالقول "و عليكم السلام".

لم يدر بُخلد صديقنا السابق أن الناس مُختلفة فمنهم من يحب أن يقول "السلام عليكم" و منهم من يقول "مساء الخير" و منهم من يقول "يعطيك العافية" و منهم من يقول "مرحبا" و منهم من لا يقول شيئا ً، يدخل و يطلب أن يشتري شيئا ً معينا ً "دغري" بدون تحيات و لا غيره.

كما أن صديقنا السابق لا مانع لديه من فرض مُعتقده في موضوع لا شأن له به أصلا ً، فهو مُقتنع أنه من حقه أن يفرض وجهة نظره على الناس، و على الناس أن تقبل، فهو يلقي برد التحية كفعل ٍ واقع لا يقبل الرد، و مفروض على الطرف الآخر، في نوع من التحدي و الاستعلائية المُبطنة.

هذا الموضوع يتكرر في مجتمعنا بشكل شبه يومي، و أصبح الكثير من الناس الذين أعرفهم ينفرون منه، فقدنا وجها ً مُتسامحا ً طيبا ً حينما لجأنا إلى عقلية تحديد الصواب و الخطأ و البراءة من الخطأ و الموالاة للصواب، و الرغبة في تغير "المُنكر" أي منكر حتى لو لم يكن منكر و لا يحزنون، و الرغبة في "الأمر بالمعروف" أي معروف حتى لو كان لغاية 30 سنة فائتة مجهولا ً جعله حزب الإخوان المسلمين و حركات الإسلام السياسي "معروفا ً".

في عقليتنا العربية إشكالات كثيرة منها:


- إشكالية: أنا على الحق و غيري على الباطل.
- إشكالية: يجب أن أفرض الحق و لو بالقوة.
- إشكالية: مجتمعنا هذا شكله و لا شكل آخر له.
- إشكالية: المرأة عورة، و التي تُترجم نفسها إلى أمثال شعبية كقولهم "هم النبات للممات" إي أن مسؤولية البنت تنتهي فقط بموتها، أما طالما هي حية فهي هم لا بد من حمله.

رجال الدين في مجتمعنا مسؤولون عن استدامة هذه العقلية، فكل يوم جمعة يُثبت لي شيخ الجامع أنه على علاقة مباشرة -dir-ect بالله و يعمل مستشارا ً خاصا ً له، فهو في كل دعاء ٍ يطلب قتل الكفار، و يحدد له كيف يجب أن يقتل الكفار في ثلاث خطوات على الله اتباعها جميعا ً:

- الخطوة الأولى: اللهم أحصهم عددا.
- الخطوة الثانية: أقتلهم بددا.
- الخطوة الثالثة: و لا تغادر منهم أحدا.

أي أن شيخ الجامع يقول لله: يا رب عد الكفار و سجل عندك كم واحد و مين همو بالضبط، و بعدين بعد ما تسجل أعدادهم اقتلهم جميعا ً و بددهم، و يا رب انتبه منيح أوعي تترك حد منهم ترى، دير بالك!

أريد أن أعيش مع أبنائي في وطن ٍ ألوانه كثيرة :

- أشاهد فيه الرجال بدون لحى و مع لحى و بسكسوكة و بدون سكسوكة و بشعر على راسهم و بدون شعر، ببنطلون و بدشداش.
- أريد أن تكون المرأة كما هي تريد، بدون أن يتحكم في كل قرارتها ذكور لا شأن لهم بها. أن ترتدي بنطلون و شورت و بلوزة كت بدون أن يهددها أحد بأن الله سيحرقها إن لم تتحجب، و أريدها أن ترتدي عن قناعة لا عن خوف البحجاب و الجلباب و النقاب.
- أريد أحزاب علمانية و أحزاب دينية.
- أريد نقابات للعمال و نقابات للموظفين.
- أريد رابطات دفاع عن حقوق الإنسان، و حقوق المرأة، و حقوق الطفل، و حقوق مثلي الجنس.
- أريد أن ينشر أي كاتب أو مُبدع أي كتاب عن أي شئ بدون أن يتم تكفيره و تقديمه للمحاكمة و استجوابه أو اغتيال شخصيته و سمعته و الخوض في كرامته و حياته الشخصية.
- أريد أن يُغني أي شاب أو فتاة إحساسهم بدون أن يتم رفع قضية ضدهم لأنهم اقتبسوا جملة من كتاب مقدس.

أريد أن نحيا كبشر دون أن يحشر كل واحد فينا أنفه في خصوصيات الآخر و حياته و مُعتقده، و أن نحترم بعضنا و أن نؤمن بالجامع الأكبر الذي يجمعنا و هو الإنسانية.

هذا ما أريد، و هو بالمناسبة موجود في بلدان الغرب و مُطبق .

هل هذا كثير؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ نضال الربضي
مروان سعيد ( 2013 / 11 / 20 - 21:48 )
تحية لك وللجميع
موضوع رائع او حلم رائع لاان اكثر الاحلام لاتتحقق وخاصة بهذا الجو العالمي المشحون بالتعصب المقيت
وبتعصبهم اصبحنا متعصبين اي عدوة وفي احد الايام قالت لي امراءة تركية
انا الحمد لله مسلمان اي مسلمة
وسالتني انت
قلت لها الحمد لله انا ليس مسلمان
نعم سيدي لقد انزلونا معهم لااننا بسفينة واحدة اذا غرقت ستاخذ الجميع معها الى القاع
نعم نحن المسيحيين لانحلم بسلطة ولابمال نحلم بعيشة امنة وسلام ومحبة ولكن مع بساطة هذا الحلم لايتحقق كل يوم منغصات على الفطور والغداء والعشاء وخاصة الاخبار كل يوم عشرات القتلة بالوطن هنا فجروا وهنا لغموا وهنا الحوثيين والقاعدة وطالبان
وياتيك شيخ يقول هؤلاء ليسوا من الاسلام
ولا اعرف من اين اتوا اسمائهم محمد وعلي وعمر لااعتقد المسيحيين واليهود يسمون هذه الاسماء
ولك اجمل التحية وتحيتي للجميع


2 - إلى الأستاذ مروان سعيد
نضال الربضي ( 2013 / 11 / 21 - 05:54 )
تحية ً طيبة ً لك أخي مروان،

شدتني كلماتك حينما قلت: -و بتعصبهم أصبحنا متعصبين-

كلماتك وجدت صدى عندي حيث أنني بدأت منذ سنوات قليلة ألاحظ أننا نحن أيضا ً أصبحنا نتسم بتعصب لم يكن عندنا سابقا ً، لم نكن هكذا أبدا ً لكن مع كل الهجوم الذي أصبح مكشوفا ً و زائدا ً عزلونا و أحبرونا على أن نعزل أنفسنا جزئيا ً، و عندما أدركت هذا الأمر اتخذت قراري.

كان قراري أنني لن أتغير أنني سابقى كما أنا دون تعصب دون غضب دون كراهية دون عنصرية، ووجدت أنني حينما صنعت ُ هذا استطعت أن أحافظ على إيماني و سلوكي في الحياة و بنفس الوقت وجدت ُ أن هذا قد ساعد أيضا ً أصدقائي المسلمين على أن يبتعدوا هم أيضا ً عن التعصب فعادت العلاقة إلى الاتزان.

ما يفعله المتعصبون هو اختبار لإيماننا و قناعاتنا و علينا أن نثبت على ما نحن عليه فتكون تصرفاتنا هي انعكاس لإيماننا. قال لي أحد الآباء الكهنة منذ سنوات طويلة عندما كنت في العشرينات من عمري: اجعل تصرفاتك نابعة من مبدأك و ليس رد فعل على تصرفات غيرك.

و هذا ما قاله السيد في الإنجيل، و إلا كيف نجرؤ أن نقول أننا مختلفون إذا تصرفنا كما يتصرف المتعصبون؟

دمت بود و أهلا ً بك دائماً.

اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: 9 من كل 10 أشخاص أجبروا على النزوح في غزة منذ


.. فاتورة أعمال العنف ضد اللاجئين والسياح يدفعها اقتصاد تركيا




.. اللاجئون السودانيون يعيشون واقعا بائسا في أوغندا.. ما القصة؟


.. صور أقمار صناعية تُظهر إخلاء خيام النازحين من المنطقة الإنسا




.. جوع وعطش وتكدس نفايات.. الوضع الإنساني يزداد مأساوية في جبال