الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبودية الفكر

كريم محمد السيد

2013 / 11 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بدأت العبودية مظهرا من مظاهر الانحراف الإنساني بعد أن خلق الله الناس أحرارا بمنحهم الإرادة والاختيار,الأمر يبدو جليا لمن يتأمل قليلا بقصة هبوط أبو البشر آدم إلى الأرض, فـ(لا تقربوا الشجرة) أمر من الله يحمل بين جنباته إحتمال المخالفة, وهي إمكانية أن يقوم آدم بالاقتراب من الشجرة, لكن المنع والتقييد جاء لعلّة في مصلحة, وهو شرط واقف يبنى على أساسه الهبوط للأرض بعد تحقق الشرط وهو الاقتراب. لكن المغزى ان آدم كان حرا بإختياره وما ترتب عليه ولم يقيد بمنع لا علّة فيه ومصلحة.
ومن هنا نعرف ان الاصل في الانسان حريته, والاستثناء منها عبوديته بإستلاب ارادته لغير مصلحته, أو لغير مصلحة المجتمع.
بدأت العبودية طريقا للجمع الذي تسعى المجتمعات البشرية لتعبيده بالحرية, فتعمل جاهدة بأدوات الإرادة والعدالة والمساواة, ذلك الطريق الذي عُبّدت ارضه باللون الأحمر من دماء الأنبياء والمصلحين, أصحاب الكلمة الأنصع والأنقى بين كم الاضطهاد والتضييق الذي انتهجه متعطشوا السلطة والغرور من النبلاء والإشراف عديمي الشرف والنبل والرفعة.
كانت العبودية تأخذ مظهرها بالرق واستغلال أجساد العبيد وقوتهم لبناء الحضارات والإمبراطوريات, لا ذنب لهم في هذه الحياة سوى أنهم ولدوا لعوائل مستعبدة, او بيعوا بأسواق الرقّ يافعين, ولم يولدوا لعوائل الأشراف والمتنفذون. ومضت القرون وهم يقبعون تحت جِزم أولائك المستكبرين إلى أن أشرقت شمس الحرية في الشرق والغرب تواليا, فجاءت الأديان السماوية حاملة في يمينها مشعل الحرية لتلك المجتمعات المقسمة الى طبقات تسحق بعضها بعضا, فتعتاش الأقوى على جهد الأضعف وتموت الأضعف بسيف الأقوى.
أضحت العبودية بمنظورها الجسدي الاستغلالي العام صورة من صور العجرفة والنبذ, إذ إن الأمم باتت تضع مناديلها على آذانها يوم تستمع لمن يقص عليها تاريخ العبيد ونضالهم لأجل الحرية, والمكسب الذي تحقق في عصرنا اليوم, وبعبارة مقتصرة جدا, هو إيقاف ذلك الاستلاب الإنساني الذي تمارسه السلطة ضد الإنسانية بشكلها العام وبعض الشعوب بشكل خاص.
والنتيجة المنطقية لمرحلة العبودية هذه أنها جعلت من الإنسان رخيصا بكل شيء, جسده وقوته وكرامته ودمه, ولكن الإسلام (على سبيل المثال) كدين سماوي جعل لدم الإنسان وعرضه وشرفه وجسده حرمة, وجعل لكل إنسان سلطان على نفسه بالخصوص وحق المجتمع بالعموم, وهذا من أهم ما جاء بها الإسلام, وربما تحقق ذلك في العشر التي كانت بحكم المؤسس نبي الإسلام محمد (ص) إلا أنها عادت مرة أخرى ومن خلال الفتوحات وقصور الحكّام وزبانيتهم, وتحول دين تحرير العبيد إلى دين يستعبد الناس عنوة باجتهاد سوء لا يمت للإسلام بصلة.
ولكننا نجد اليوم محاولات لعودة العبودية في عصر انتصار المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهنا لا اتكلم عن الاتجار بالبشر والاحصائيات الخطيرة التي تصدر سنويا عن الامم المتحدة والتي تقول آخرها إن هناك ما يقارب (30) مليون شخص يعيشون عبودية حقيقية في العالم. ولذلك نجد أن تلك العبودية باقية هي هي, بل ربما شملت مدى أوسع خصوصا في بلداننا التي لم تعرف الاستقرار يوما, فكان ان ذابت عبودية الجسد لتحل محلها عبودية الفكر والارادة.
هذا اللون من العبودية مظهر عصرنا الجديد, بعد ان توسع مفهومه وتغيرت ادواته. سياسية واقتصادية وثقافية وغيرها, وعلى أكتاف عقول عبيد الفكر تبنى الحضارات كما كانت من قبل. لعبودية اليوم مظاهر عدّة, خذ العولمة مثلا, ثم أعرج على السيطرة العلمية على العقول, فجعلت تستعبد العقول وتسوقها لبناء المجد الذي تنشده, نجد ذلك واضحا في مقولة لينكولن: قدرنا ان يكون القرن أمريكيا" وكذلك ما قاله تشرشل وزير الخارجية البريطاني: ان بريطانيا ستدافع عن كرامتها حتى آخر جندي هندي!" وهذه لأشد مظاهر عبودية العصر وضوحا.
ولا زالت نتائج هذه الظاهرة تسقى بدماء المستعبدين, بجهل نرى آثاره هنا في الشرق وتحديدا منطقتنا العربية التي صدرت لها الايدولوجيات المريضة التي تستعبدهم بما يعتقدون وما يدينون, حتى وصل الى أكل لحوم البشر استعباد النساء تحت عباءة ما يسمى بجهاد المناكحة وغيرها.
إن العالم اليوم مطالب بأن يحرر نفسه من هذه العبودية وقيدها بالتنوير الانساني, كي لا نترك أهراما من التأريخ الدموي تسجل بصفحاتنا لا ترحمنا الأجيال منه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي