الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيضان بغداد . . . والولاية الثالثة

علاء مهدي
(Ala Mahdi)

2013 / 11 / 21
المجتمع المدني


لازالت أذكر تلك البساتين التي غمرتها مياه الفيضان، التي كنت أسترق النظر إليها من نافذة السيارة التي كان يقودها والدي في طريقنا من الحلة إلى بغداد في العام 1954. كنت حينها في السادسة من عمري. لم تكن فكرة الفيضان واضحة لي ، حتى فسرها لي والدي ببساطة تتناسب مع مفاهيم وقدرات الطفولة في حينه. قال لي أن الماء يرتفع ويرتفع وعندما يصل إلى أعلى من ضفة (الشط) فأنه يفيض على الجهة الأخرى ويغطي كل المساحات المفتوحة أمامه.

لماذا لايحدث ذلك لشط الحلة إذن؟ لم ار مياه شطنا تفيض، رغم ان الضفتين أعلى من الماء دائماً حتى أن جدتي كانت تحذرني وتطلب مني أن انتبه وأنا امشي على ضفة الشط لكي لا أقع في الماء. هذا ماقلته لوالدي. كنت أخاف الوقوع في النهر إذن فأنا أعلى من النهر. قال لي أن شط الحلة صغير ولايقارن بنهر دجلة الكبير. أذكر ايضاً انه شرح لي كيف بنى المواطنون والجيش والشرطة سدة ترابية لمنع تدفق مياه الفيضان إلى العاصمة بغداد ، حيث بقي الماء خلف السدة وبقيت بغداد سليمة بدون فيضان.

عندما أنتقلنا إلى بغداد أشترى والدي داراً – خلف السدة – التي كانت بمثابة تل عالٍ نتسلقه عند ذهابنا للمدرسة وايابنا منها. تعابير مثل خلف السدة وقبل السدة وفوق السدة وتحت السدة كانت متداولة ولها معانٍ كثيرة بعضها يتعلق بمستويات الحياة الإجتماعية أو الإقتصادية أو حتى العنصرية! كانت اتربة السدة تتحول إلى طين متماسك عندما تمطر السماء حتى كان من الصعب علينا رفع أقدامنا ونحن نعبرها بسبب من كتل الطين الملتصقة بأحذيتنا الصغيرة.

في هذه الأيام لم يعد للسدة وجود، لا ادري كيف تخلصوا منها وأين ذهب ترابها. لكن الذي أعرفه أن مدينة بغداد لم تتعرض لفيضان دجلة بعد ذلك بسبب من السدود ومنظومة المجاري التي أنجزت بعد العام 1958.

اليوم تغرق بغداد من جديد ، هذه المرة بسبب الأمطار الغزيرة !! فما الذي حدث لمجاري بغداد وقنوات التصريف؟

بالأمس نشر المئات من العراقيين على مركز التواصل الإجتماعي – الفيسبوك - صوراً من بغداد التي تحولت شوارعها إلى أنهر صغيرة ودرابينها إلى جداول وسواقٍ. أعترف ان بغداد تبدو أنظف حيث غطت المياة الأزبال التي أعتدنا رؤيتها في زوايا الشوارع وعلى الأرصفة. ربما عدم تصريف هذه المياه مقصود بقصد التخلص من الأزبال !

في خبر صحافي وجدته مضحكأ يقول أن الفيضان أدى إلى أنقطاع التيار الكهربائي في بعض مناطق بغداد.! هل عاد الكهرباء لبغداد؟ أي تيار كهربائي يمكن أن ينقطع ان لم يكن هناك تيار كهربائي. الإحتمال الوحيد هو أن المنطقة المقصودة هي المنطقة الخضراء.

الطريف أن تعامل العراقيين في الداخل مع الفيضان الحالي ومن خلال الصور والآراء المطروحة اتسم بالطرافة والإستهزاء، ربما كونهم لايملكون خياراً آخر. فصورة لشاب يجلس على كرسي في داخل بيته وقد غطت المياه قدميه حتى ركبتيه وآخر جلس على أطار سيارة كبيرة في وسط بركة كبيرة من ماء الفيضان بين البيوت السكنية وفي حضنه جهاز كومبيتر متنقل وثالث يستخدم قاربا للتنقل بين البيوت ورابع يجلس أمام بيته وعلى ضفة مستنقع كبير من المياه وبيده سنارة لصيد السمك وهكذا.

في أتصال هاتفي من بغداد الليلة الماضية أبلغتني قريبة لي أنها بمأمن من الفيضان لأنها تسكن في شقة في الطابق الثاني . . ثم أردفت: بس الشقة اللي جوانه غركت!

-;--;--;-
في الدول الغربية المتقدمة والمتطورة ومنها أستراليا يعمل البرلمانيون وممثلو الشعب بضمنهم رئيس الوزراء بإعتباره نائباً عن منطقته، من أجل خدمة المواطنين فتراهم يتسابقون في الإستماع لشكاوي المواطنين عبر وسائل التواصل الإجتماعي والبريد الإلكتروني ومكاتبهم المفتوحة للجمهور وهم حريصون على التواصل مع المواطنين ممن تقدموا بالشكاوى أو الإقتراحات حيث تصل المواطنين إجابات واضحة وصريحة حول ما تقدموا به سواء كانت النتائج إيجابية أو سلبية. طبعاً اغلب الشكاوى تتعلق بإمور تخص المصالح العامة وليس الشخصية البحته حيث انها تمثل الجزء اليسير.
المصالح العامة التي تهم عددا غير قليل من الناس تتضمن مشاريع بناء مدارس إضافية أو إضافات على الموجود منها أو تطويرها علمياً أو تقنياً وينطبق ذلك على المستشفيات والمستوصفات وعلى دور العجزة والمسنين ومواقف السيارات وخدمات النقل العام ومواقف باصات نقل المواطنين وخدمات التسوق والمراكز التسويقية والخدمات الصحية والمعاشية وتأمين نهاية الخدمة وتحسين الخدمات المصرفية والتأمين على الحياة وما بعد الحياة وربما الإهتمام بالمقابر والعناية بها وكذلك الحدائق العامة ورياض الأطفال وخدمات الإسعاف والإطفاء والتأمين على الممتلكات والسيارات والقوارب وكثير من هذا وذاك.
هذا لايعني عدم وجود طلبات شخصية وإن وجدت فهي محدودة ولظروف قاهرة تستوجب بل وتفرض المساعدة خاصة في حالات الكوارث الطبيعية والشخصية بعض الأحيان. فالأسترالي لايتوسط من أجل قبول طفله في مدرسة معينة إن قوبل طلبه بالرفض، وهو لايتوسط من أجل إدخاله المستشفى لإجراء عملية قبل غيره وحسب الدور والإمكانيات المتاحة.
في أستراليا مثلاً ، لاتوجد مشكلة مجاري أو تصريف مياه ، ولاتوجد مشكلة مع الكهرباء وان انقطع التيار بسبب حادث سيارة ضربت محولة كهربائية تغذي منطقة ما فإن اصلاحها يتم خلال ساعات قليلة وان أهالي تلك المنطقة يتذكرونها طوال سنوات لاحقة كونها حادثة نادرة. لدينا مياه، وتحيطنا محيطات عظمى لن تتمكن زرقاء اليمامة من رؤية ضفتها الأخرى. مياهنا هادئة – على الأقل لحد الآن – فهي لم ترتفع لتنهمر على الجانب الأخر من المحيط. أمطارنا تتميز بالكبرياء فهي تنهمر لتمتصها الأرض العطشى وكأن عقداً قد ابرم بينهما ينسق عملية وأوقات هطول الأمطار متى ما احتاجتها الأرض.
حتى وهم يصلحون خطوط الكهرباء أو الهواتف أو أنابيب المياه المخفية تحت الأرض فهم يعملون تحت ظل خيمة تغطي منظقة العمل ربما حفاظاً على مشاعر المواطنين.
في أستراليا ، المسؤولون يخدمون المواطنين ويخافون أن يخسروا أصواتهم فيوفرون لهم أفضل الخدمات وهم ان بقوا لأكثر من دورة أنتخابية فذلك لأن الشعب أختارهم بمحض ارادته.
في العراق ، المواطنون يخدمون المسؤولين والنواب ويخافون منهم رغم أنهم لايقدمون اية خدمات عامة ويصرون على انتخابهم لمرة وأثنتين وثلاث وربما للمرة السادسة.
شكد عيب!
-;--;--;-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستشار الرئيس الفلسطيني: المخطط الإسرائيلي يتجاوز مسألة استع


.. مخيّمات المهاجرين في تونس: صفاقس.. -كاليه- التونسية؟ • فرانس




.. متظاهرون إسرائيليون يطالبون نتنياهو بإتمام صفقة الأسرى مع حم


.. حماس توافق على مقترح الهدنة المصري القطري.. وقف إطـ ـلاق الن




.. العالم الليلة | المسمار الأخير في نعش استعادة الأسرى.. أصوات