الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنف والتعصب ..كسب وهمي ناقص

اسعد الامارة

2005 / 6 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لعلنا لسنا في حاجة الى بيان المعنى الذي يجمع هذين المفهومين ، فكلاهما رديف للاخر،فالاول يكمل الآخر،والاخريدفع الاول نحو السلوك المعادي للناس ولكل ما هو معتدل وخّير،فحينما نطرح موضوع سيكولوجية التعصب باعتباره مشكلة،انما هي مشكلة من مشاكل الصحة العقلية لدى الفرد المتعصب،او من يؤمن به كطريق لتحقيق الاهداف مهما كانت،دينية او سياسية او فكرية او فلسفية او فنية او رياضية،وكذلك المسار الذي يتخذه التعصب في التطبيق والممارسة الواقعية،وهو العنف. والتعصب اذا وصل في حدته الى درجة معينة يصبح عاملا من عوامل هدم وتفتيت اي مجتمع كان اسلامي او مسيحي،وثنياً او بلا دين او علمانياً،فهو يقوض وحدة المجتمع،ويخلق الاضطراب في ميزان الصحة النفسية والعقلية الاجتماعية،مما يفسد تماسك المجتمع ويهدد مجمل بنيانه وكيانه. انها ظاهرة جماعية تسود سلوك الناس في اي مجتمع متحضر او متخلف ويؤدي به الى صراع داخلي تعتل فيه شخصية ابناء المجتمع،ويختل فيه توازن كل المجتمع،ويصبح ان صح القول في عداد مرضى النفس والعقل.
اعتادت النظريات السياسية المعتدلة والفكرية والاديان والمذاهب السوية بطروحاتها الفكرية وممارستها اليومية الى دعوة مريديها واتباعها الى التقارب،وعدته عاملا قوياً في التنبؤ بمن سيصبحون اصدقاء او تتداخل الاسر فيما بينها وتتفاعل بوسائل الترابط الاجتماعي مثل الزواج او الاقتران حتى تذوب او تضمحل تلك الفروق الفكرية او السياسية او المذهبية او الدينية بين الناس مع الاحتفاظ لكل مجموعة او جماعة بهويتها العقائدية او السياسية دون المساس بالاخرى،ويقول علماء النفس ان القرب المكاني معناه ان الافراد الذين يعجب كل منهم بالآخر قد يتفاعلون باستمرار ومن ثم تتراكم لديهم مشاعر المحبة وتزداد لديهم الخبرات المشجعة التي تعزز الصداقة وتقوي الترابط وتمتن الاواصر حتى تصبح اواصر روحية كالعلاقات الزواجية وانجاب الاطفال ونشر روح التواد مع بعضهم البعض رغم الاختلافات المذهبية او الدينية او الفكرية او السياسية او حتى الانتماءات القبلية المتباعدة .. فالانسان اخو الانسان في التكوين والخلق،لذا فهو لايختلف معه في خلقه،وهو الاساس الذي بني عليه التكوين،فكيف يختلف معه بعد ذلك في المكتسب الفكري او الديني او المذهبي.
ان افكارنا العقائدية او المذهبية او الدينية او السياسية او الفلسفية،هي مكتسبة من الواقع الذي نعيشه،فيولد اي منا ولم تكن العصبية نزوعاً فيه، ولا العنف سلوكاً غريزياً لديه،وانما يكتسبها من خلال خلفية اهله والخلفية الاجتماعية والفكرية والدينية والمذهبية والسياسية في البيئة التي يعيش فيها ،فتصبح اتجاهات ثم قيم ومع التنشئة الوالدية تصبح معتقد،وازاء ذلك ربما تصبح متطرفة او متشددة فتنحو نحو التعصب الفكري والتطرف،فتنتج في احيان كثيرة السلوك العدواني تجاه الطرف الآخر المغاير في المذهب او الدين او الانتماء الفكري او السياسي، فيكون العنف هو نتيجة ذلك،بينما الاعتدال في الانتماء والاكتساب المذهبي والديني والسياسي والفلسفي،يجعل من الافراد اكثر اتزاناً في تعاملاتهم مع بعضهم البعض داخل الكيان الواحد،اي داخل الاسرة او الجماعة او المذهب،ومن ثم ينفتحون نحو الاخرين بعلاقات التصاهر والاقتران والزواج حتى تبدو ان العملية لا تنهج نهج العنف كاقصى ممارسة للتعصب وهي حالة السوية،اما السائد لدى البعض من دعاة التحجر في الفكر الديني خصوصاً هو الدعوة الى اللجوء للعنف لتوكيد قوة المعتقد وبسط نفوذه بالقوة واعتبار من لا يؤمن به يستحق القتل والتصفية وحتى الذبح كما هو شائع الان في التوجه الاسلامي الحديث، وهو قمة التطرف والتحجر،وقول علماء التحليل النفسي ان التدين المفرط والزائد على اللزوم والتعصب للعقيدة، قد يكون رد فعل لميول عنيفة نحو التمرد على سلطان الدين،وبصفة عامة على سلطان اياً كان نوعه.
ان ظاهرة انتشار التطرف والتعصب الممزوج بالعدوانية والعنف تجاه الاخر، هذا الانتشار بين اوساط الشباب في العقدين الماضيين وخصوصاً التعصب للعقيدة الدينية،انما هو انحراف في التفكير من جادة الاعتدال والسوية الى الحالة المرضية في اللاسواء، ولو ناقشنا هذه الفكرة وقلنا،لماذا يلجأ الانسان الى التعصب والتطرف في المعتقد الديني مثلا او السياسي او الفكري او الفني،لوجدنا انه يعيش حالة اضطراب نفسي داخلي مرده الى ظروف مر بها ولم يستطع حسمها،فنشأت لديه الافكار المتضاربة والمتلاطمة في داخله،ولم يحسمها،فلجأ الى ان يضع كل ما يملك هذا الصراع غير المحسوم على ضفاف المذهب الديني او المعتقد الديني المتطرف اوالسياسي او الفكري،وان افلس ولم يجد ما يقنعه، راح يتخبط في البحث عن التعصب الرياضي، وما نراه من سلوكيات لدى البعض من المشجعين لبعض الفرق وخصوصاً الانكليزية او الدوري الرياضي في بعض الدول العربية،فالتعصب والتطرف هو رد فعل لميول عنيفه نحو التمرد على سلطان:الدين،الاب،الدولة،المجتمع،القيم وما الى ذلك فكل يبحث عما ينقصه ليقض به مضجع ما يريد .. فالمتطرف مذهبياً او دينياً يتجه بالعنف تعبيراً عن تعصبه الديني،والتطرف السياسي يتجه بالعنف تعبيراً عن تعصبه السياسي،والتطرف والتعصب الرياضي يتجه بتعصبه وباسلوب العنف نحو افراد المجتمع،وفي النتيجة يتفق كل المتعصبين في تطرفهم نحو الآخر المضاد لهم،وهكذا فان الاذعان لسلطان المذهب او الدين او الفكر السياسي او التقليد الاعمى للرياضة يسير جنباً الى جنب مع الاذعان لسلطان الدين او السياسة او الرياضة او الفن نوعاً من الاسقاط للاذعان لسلطان الاب. (الاسقاط:ميكانزم ..آلية..حيلة ،دفاعية يقصد بها الصاق صفة ذاتية بشخص آخر تفادياً من رؤيتها في الذات) .
ان كل تعصب يقود الى العنف،مهما كان نوعه او لونه او شكله،فالمتعصب يلبس رداء التحريض نحو العنف حتماً،هذا المتعصب كان ساكتاً او داعية متحدثاً،فهو يشترك مع امثاله المتعصبين في العقيدة الدينية او الانتماء المذهبي او السياسي،فالمتعصب يوجه النقد بعنف،وتكاد تكون صدى كلماته وما يواجهه من نقد،هو دعوة لعناصرالتمرد في نفسه وخلق مشاعر العنف تجاه الآخر،ويكاد ان ينفجر غضباً او غيظاً في حديثه وينتظر اللحظة التي يقحم فيها نفسه في دائرة العنف،حتى يتحول من سلوك الحوار الشديد الى المواجهة العنيفة،فالمتعصب يرى ان في بدء العنف،انما هو دفاع عن النفس،ودفاع عن العقيدة،ودفاع عن المذهب او الدين او الفكر السياسي،او الفلسفي،وهو ازاء ذلك يعني من الناحية السيكولوجية انه صدى العنف الكائن في النفس،وهو يراه نوع من المقاومة ضد الاخرين حتى وان كانوا على صح،وهو على خطأ..
ان المتعصب،هو شخصية نرجسية"النرجسية تعني حب النفس والذات"والشخص النرجسي،اناني،يؤمن بالخراب والدمار وهو يتخذ من العنف درعاً يتقي به شر الاعتدال والمسالمةوالوسطية في التعامل،وعليه فأن اتخاذ التعصب وسيلة للدفاع عن النفس هو دفاعاً نرجسياً عن النفس،وهو وهم من اوهام القدرة المطلقة التي تبعث فيه الشعور بالامان وتزيده بالطمأنينة،لايلبث ان يكتشف ثمة من العقائد المغايرة لعقيدته،ويزداد الشك مرة اخرى في الاخرين،وان ذلك يبعث لديه القلق ويحفز للدفاع عن النفس،ويستمر في سلوكه العدواني تجاه الآخر في العنف آملا الخلاص من الجميع وسيادة ما يؤمن به من معتقد ويرى فيه الكمال، وهو خطأ لا ريب فيه، التعصب اذن يؤدي وظيفة نفسية خاصة تتلخص في التنفيس عما يعتلج في النفس من كراهية وعدوان مكبوت،وهو بذلك يلجأ الى العنف لكي يفرغ شحناته الانفعالية المكبوتة.




























التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يخيب آمال الديمقراطيين خلال المناظرة الأولى أمام ترامب


.. تهديدات إسرائيل للبنان: حرب نفسية أو مغامرة غير محسوبة العوا




.. إيران: أكثر من 60 مليون ناخب يتوجهون لصناديق الاقتراع لاختيا


.. السعودية.. طبيب بيطري يُصدم بما وجده في بطن ناقة!




.. ميلوني -غاضبة- من توزيع المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي