الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الدكتور حسن و الدكتور سامي – ثروة العقول العربية

نضال الربضي

2013 / 11 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الدين هو أحد مكونات هوية البشري، يتأدلج به منذ الصِغر، ينمو مع الإنسان فيشكل لديه أساس نظرته للحياة و طريقته في الحكم عليها من خلال ما يظن أنه حقائق حسب تلك الأيدولوجية التي يتبعها، و بالضرورة يصيغ 1. منهجه في تلك الحياة 2. و كيفية سلوكه مع محيطه 3. و شكل علاقاته و حدودها 4. و ردود أفعاله 5. و مُنطلقات التفكير و الفعل لديه.

هذه النظرة للدين تجعل منه أكثر من مجرد نص أدبي قابل للتشريح و التفكيك، و هو فعلا ً نص قابل للتشريح و التفكيك. و إننا حين نقول أنه يجب تشريحه و تفكيكه و العودة إلى أصوله و مُنطلقات كتابته و التعرف على كُتَّابـِه و دوافعهم و مقاصدهم الحقيقية ضمن خلفياتهم المعرفية و هوياتهم الحضارية و الشخصية الكاملة و مخزونهم الإدراكي و الخبراتي و المعرفي الكامل، فنحن هنا مُصيبون مُنصفون مُتسقون مع هدفنا الأصيل و الذي هو الوصول إلى الحق و الحقيقة. و يتحتم علينا أن نُرحب بكل كشف ٍ نتوصل إليه بتجرد و حيادية حتى تكون مصداقيتنا شفافة نقية غير مشوبة، و بذلك قوية ً قادرة ً على أن تدفعنا لمزيد من البحث للوصول إلى الحقيقة.

أكتب هذا المقال و في بالي بالذات كاتبان في هذا الموقع لهما كل الإحترام و التوقير لما يخوضانه من مهمة شائكة بحق، لتفكيك النصوص و تشريحها و العودة إلى أصولها، هذان الكاتبان بترتيب اسميهما أبجديا ً: الدكتور حسن محسن رمضان و الدكتور سامي الذيب. و هما غواصان ماهران في بحور النصوص المُعقدة و المتشابكة و يبذلان جهدا ً شخصيا ً كبيرا ً يتطلب منهما الوقت و القوة و الصبر و المُتابعة، و مخزونا ً كبيرا ً من القدرة على التعامل مع مفاجآت النصوص وخيبات الأمل و الاكتشافات المُفرحة المُبكية في آن معا ً، و هذه كلها أحوال الباحثين عن الحقيقة.

ما يقدمه الدكتوران حسن و سامي يبدو صادما ً للقارئ العربي و هذا يعود إلى كونهما رائدين في منهجهما، و الريادة هنا بمعنى أنهما أول شخصين عربين أكاديمين يجهران بالنقد الواضح الصريح غير المُكنـَّى عنه و غير المخفي (دعك من أشخاص آخرين يقدمون النقد في منتديات الأنترنت كمحتويات ردحية فهذا لا وزن له عندي، أنا هنا أتكلم عن أستاذين)، هذا أولا ً، و ثانيا ً أنهما يقدمان النقد بأسلوب علمي تشريحي تفكيكي واضح، و يشتركان في الهدف و هو رفع القدسية عن النص، و كلاهما يتعرض لهجمات شرسة من أتباع الدين الآخر، و كلاهما يتم اتهامه أنه يروج لدينه، مع أن أي قارئ ٍ يمكنه أن يضغط على اسميهما لينتقل إلى الموقعين الفرعين الخاصين بهما و يستطيع أن يراجع مقالاتهما كافة ًو بهذا يتعرف على عقديتهما (العقيدة هنا بمعنى منظومة القناعات) و سيكتشف أنهما لا يروجان لأي دين و أنهما غير عقائدين بمعنى العقيدة كما يفهمها المُتدين المُلتصق بالنص.

ما يقدمه الدكتوران حسن و سامي للقارئ العربي هو لحاق ٌ حتمي و محمود بما يقدمه أساتذة غربيون لقارئهم في موضوع نقد النصوص المقدسة. الغربي مُعتاد على نقد النص المقدس و قد رفع عنه القدسية منذ سنوات ٍ و عقود ٍ و أجيال بعيدة، أما نحن فما زال النص عندنا "طوطم" القبيلة، لا يُلمس و لا يُنطق باسمه و لا يُتحدث به، و هو أساس وجودنا و محور حياتنا و راسم حياتنا، و هنا مقتلنا. جهد الأستاذين الكبيرين هو جهد ٌ لا بد منه، علينا أن نرحب به و نقرأه بتمعن، فيه الكثير من الصواب و القليل من الشخصانية، و هذه طبيعة البشر، لكن لا بد من الدواء و إن كانت مرارته مُنفرة لكن فيه الشفاء.

لا بد أن نعترف أن الكُتب التي في أيدينا هي نتاج الجهد البشري المُضني و المُعقد، المتحمس البرئ تارة ً و المؤدلج الخبيث تارة ً أخرى. و لا بد أن نعترف أيضا ً أن هذه النصوص ليست بالكمال الذي نظنه و لا هي بالإلهية بالقدر الذي نحبها و نريدها أن تكون عليه. و حتى نكون منصفين أيضا ً لا بد و أن نعترف أن هذه الكتب أيضا ً هي نتيجة رحلة بشرية أنثروبولوجية بحتة خالط فيها الوعي الحيواني العتيق الوعي البشري الأول و ظهر نتيجة هذا التخالط و التفاعل وعي حالي، لا نستطيع إن إردنا الإنصاف أن نرده وحده للبشرية و الحيوانية العضوية، لأنها يفوقهما بالقطع، و من هنا كان الباب المفتوح دائما ً نحو الألوهية و الله.

لا أعتقد أن نقد مسيحية يسوع أو نبؤة محمد هو أمر ٌ هدام في حد ذاته، فهذا أمر ٌ كان مُبتدأوه في أول الدعوة المسيحية من ناقدين كثيرين و لكم أن تراجعوا كتب الدكتور بارت إيرمن عن العقائد المسيحية المفقودة و عن النظرة إلى المسيح كنبي ابوكاليبتي و هي لفظة معناها (وليس ترجمتها): نبي يدعو لاقتراب نهاية العالم و الاستعداد لمرحلة جديدة. كما و لكم أن تراجعوا كتابات إبن الراوندي و الرازي عن الإسلام و محمد و مخاريق الأنبياء، فهذا كله جزء من التاريخ ليس جديدا ً لكن القارئ العربي يتعرف عليه لأول مرة. هذا التعرف يسبب للقارئ صدمة في الوعي و الإدراك لأنه يطلب منه أن يعيد النظر في قناعاته و ماهيتها و علاقتها مع الحقيقة و دورها في تعريف الحقيقة و ينزع عنها صفة المُعرِّف الأول و الأوحد و الوحيد للحقيقة فيجعلها مشاركة مع مجموعة مُعرِّفين جدد، و يقلل من حجمها و دورها و سطوتها، و يُجبره على تفكيك منظمة قناعاته و إعادة تركيبها بعناصر جديدة مع تغير تام في التصميم و البناء و أوزان مكونات المنظومة و تأثيرهم، و هذا أمر ٌ مُخيف جدا ً لمن كانت الأدلجة الدينية لديه طاغية طغيانا ً تاما ً مًستحوذة ً على الشعور و الكينونة.

لماذا أكتب هذا المقال؟

إن إيماني المطلق بأهمية الحقيقة و ارتفاعها عن أي مقدس ديني يتسق اتساقا ً تاما ً مع إيماني بالحرية الشخصية للبشر أجمعين، و مع إيماني بضرورة اتحادنا جميعا ً في الإنسانية لبلوغ كمالها و الانتقال إلى المرحلة الأسمى و الأعلى من الوعي. و لهذا أرغب من القراء الكرام - إن جاز لي أن أرغب أو أن أريد- أن يقرأوا ما يقدمه هذا العملاقان بتجرد و دون حكم عليهما و أن ينظروا إلى ما وراء النقد لكي يستطيعوا أن يدركوا القداسة الحقيقة و هي قداسة الحقيقة و قداسة الإنسان، و أن يحكموا على المحتوى و يفكروا فيه لا في الكاتب و أن يستطيعوا أن يُعملوا عقولهم و يبحثوا على شبكة الإنترنت و يثقفوا أنفسهم أكثر في البحث عن المراجع و قراءتها و المقارنة المتجردة بين الديانات دون تعصب أو عنصرية أو مجادلات تتخذ طابعا ً ردحيا ً لا يليق لا بالمقالات المقدمة و لا بكاتبين في حجم الدكتور حسن و الدكتور سامي و لا بالقراء أنفسهم الذين يكتبون في موقع علماني للحوار المتمدن، و لنُركز على كلمة: مُتمدن.

ليس المطلوب من أي منا أن يترك دينه لأنه قرأ سلسة مقالات، فالدين كما أوضحت في أول فقرتين من المقال يتجاوز نقد النص نحو قيمة النص و ما يقدمه للحياة و البشرية و الإنسان، و لهذا لا يجب أن تُفهم دعوتي أنها دعوة للإلحاد، فأنا نفسي مسيحي أعتز بمسيحيتي و أعشق مسيحي عشقا ً مُنسابا ً في كل ذرة ٍ من كياني، لكني أقول أن علينا أن نُعيد فهم النصوص و نعيد فهم الدين و نعيد فهم علاقاتنا مع بعضنا البشر، و أن نرفع القدسية عن أي نص يفرقنا كبشر و يضربنا ببعضنا و يتعارض مع حقوق الإنسان و بالأخص حقوق المرأة و الطفل. إن رفع القدسية عن النصوص من شأنه أن يأخذ من يد ثالوث المال و السلطة و الدين سلاحه الوحيد الذي يسيطر به على قطعان البشر و يُسيِّرُها نحو مسلخ الاستهلاكية المادية و تنامي ثروات المسيطرين على الاقتصادات العالمية على حساب الفقراء و المهمشين و العمال.

من مصلحتنا جميعا ً أن يكتب الدكتور حسن و أن يكتب الدكتور سامي، هذان عقلان جباران لا يجب أن يتم تقيدهما!

من كانت له أذنان للسمع فليسمع!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - رئيس الوزراء يهنئ الرئيس السيسي و


.. وادي الرافدين وتراثه القديم محاضرة استذكارية وحوارفي الذكرى




.. ليبيا.. هيي?ة الا?وقاف في طرابلس تثير ضجة واسعة بمهاجمتها ال


.. 158-An-Nisa




.. 160-An-Nisa