الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخلاق والقيم الأخلاقية

إبراهيم جركس

2013 / 11 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الأخلاق والقيم الأخلاقية
د. علي سينا
ترجمة إبراهيم جركس

يعتقد أغلب المتديّنون أنّ الأخلاق تنبع من الدين وعندما تفلت الأمور من قبضة الدين، سيتحوّل البشر إلى وحوش لاأخلاقيين. هل الأخلاق هي نتاج الدين؟ هل الناس اللادينيين لا أخلاقيون؟
أجريت نقاشاً مع شاب مسلمين كان مصرّاً على القول بأنّه لولا الدين لرأيت الناس يرتكبون المحارم والموبقات دون أن يردعهم شيء حتى من النوم مع أمّهاتهم. فسألته إن سبق له وأن اشتهى أمّه لكنّ الإسلام منعه من ممارسة الجنس معها؟ شعر الشاب بالإهانة، لكن قبل أن يجيب، أضفت قائلاً، إذا كنت قد شعرت بالقرف والاشمئزاز من مجرّد الحديث بهذا الأمر، عليك أن تعرف أنّ أغلب الناس [من مختلف الديانات ومن غير المتديّنين] غيرك يشعرون بنفس الشعور حول نفس الأمر.
قسم كبير جداً من أخلاقنا ما هو إلا جزء لا يتجزّأ من غريزتنا. فزنا المحارم على سبيل المثال جريمة لا تغتفر في كافة المجتمعات سواءٌ أكانت متديّنة أو غير متديّنة. طبعاً هناك أشخاصاً/أفراداً ذوي عقلية غير طبيعية وتطوّرت بشكل غير طبيعي يشكّلون استثناءً من العادة. في الحقيقة، باستثناء قردة بونوبو في زائير التي تقوم بفرك أعضائها التناسلية مع بعضها البعض لتعزيز علاقاتها الأسرية والاجتماعية، لا يوجد أي نوع آخر من القرود أو القردة العليا تمارس أو تتوالد عن طريق سفاح القربى. عادةً ما يقوم الأفراد الذكور من القبيلة بزيارة قبيلة أخرى والتزاوج مع إناثها. تجبر الأسود الشابّة على مغادرة الجماعة لتجد لنفسها إناثاً من مجموعات أخرى بينما تبقى اللبوات داخل الجماعة.
الملفت للنظر أنّ حالات التزاوج بين الأولاد الذين نشأوا معاً في بيتٍ واحد نادرةً جداً لدرجة أنّها قد تكون معدومة أو غير موجودة، مع أنّ هؤلاء الأولاد لا يقاربون بعضهم ولا تصل بينهم أيّ صلة قرابة بالدم.
إلاّ أنّ بعض القضايا الأخلاقية ليست واضحة وجليّة كما في المثال السابق، فالأخلاقي واللاأخلاقي يقومان على الزمن والثقافة. كما أنّ مفاهيمهما قد تختلف من شخص لآخر. وما كان يعتبر عملاً أخلاقياً منذ، ولنقل، ألف عام قد لا يكون كذلك اليوم، والعكس صحيح. كما أنه ما يعتبر صحيحاً وأخلاقياً في جزءٍ من العالم قد لا يكون صحيحاً أو أخلاقياً في أجزاء أخرى.
لنأخذ مسألة الاختلاط بين الجنسين على سبيل المثال. هناك الكثير من الثقافات التي تعتبر الاختلاط شيئاً غير أخلاقي. إلا أنّ هناك بعض الحضارات تتقبّل المسألة وكأنّها أمر عادي وطبيعي. بالنسبة لنا، (نحن ذوي العقلية الغربية)، نحن نرى أنّ وجود عدّة شركاء جنسيين وفي آنٍ واحدٍ معاً يعتبر اختلاطاً غير مقبول ولا أخلاقي. بالنسبة للمسلم الذي يعتبر مسألة تعدّد الزوجات أمر أخلاقي، فإنّه يراها بأنّها "نعمة ورحمة من عند الله". في بعض الأجزاء من العالم، النساء هُنّ من يمارسن تعدّد الأزواج. فعند شعب الإسكيمو، يقدّم الزوج زوجته إلى الضيف ليقضي الليل معها، على أمل أن يلقّحها ويجعلها حاملاً. أي هذين العملين يعتبر أخلاقي؟ وأيّهما غير أخلاقي؟ ومن الذي يقرّر ذلك؟
هل إظهار أجزاء من الجسد عمل غير أخلاقي؟ في قلب غابات الأمازون نرى بعض القبائل بالعريّ الكامل. هل ذلك غير أخلاقي؟ أمّا بالنسبة لهم فذلك يعتبر نمطاً لحياتهم. في بعض الدول الإسلامية يفرَض على المرأة تغطية جميع أجزاء جسدها. هل هذه قيم أخلاقية جيدة؟ وإذا كانت الأخلاق تتحدّد بهذه الطريقة، فهل تعتبر النساء المسلمات اللواتي يغطّين كلّ أجزاء جسم ما عدا وجوههم لا أخلاقيات؟ ماذا بشأن أولئك اللواتي يرتدين لباساً مناسباً ومحتشماً، لكنّهن في نفس الوقت لا يلبسن الحجاب؟ هل هن لاأخلاقيات؟ والآن ماذا عن لبس البكيني على شاطئ البحر؟ هل ذلك عملٌ لا أخلاقي؟ وأخيراً ماذا عن أولئك الذين يكشفون كل جزء من جسدهم في معسكرات وشواطئ العراة؟ هل هم لا أخلاقيون؟ إنّ جوابكم على هذه الأسئلة يعتمد على شخصيتكم والمعايير الأخلاقية الشخصية لكل واحد منكم.
دعونا نأخذ مثالاً آخر: الرق. هل الرق أو الاستعباد عمل لا أخلاقي؟ كان الرق يُمارَس طوال قرون عديدة ومن قبل أناس متديّنين وأتقياء حتى. محمد لم يكن لديه عبيد فقط بل إنّه كان يستعبد أناساً أحرار ويتاجر بهم ويقدّمهم هدايا. هل كان محمد لا أخلاقياً؟ إذا كان الجواب نعم، لماذا إذن علينا اتباع سُنّة شخص لاأخلاقي، وإذا كان الجواب كلا، لماذا علينا استنكار العبودية والتنديد بها؟
ماذا عن البيدوفيليا أو [اشتهاء الأطفال والميل لممارسة الجنس معهم]؟ طبعاً جميعنا نشمئزّ من مجرد التفكير بالأمر ونعتقد أنّه عمل لاأخلاقي ومخجل. لكن خلال زمن النبي فإنّ ممارسة الجنس مع فتاة في التاسعة من عمرها كان يُعَدّ عملاً أخلاقياً. في الحقيقة بعد أن تفاجأ من طلب النبيّ وبعد قليل من التردّد وافق على تزويجها منه. في ذلك الوقت لم يكن هناك أحد يعترض على المسألة برمّتها. والسؤال هنا هو: إذا كانت ممارسة الجنس مع فتاة في التاسعة من العمر لم يكن يُنْظَر إليه كعمل لا أخلاقي وبالتالي لم يكن مكروهاً، فهل هذا معناه أنّه أمر لا بأس به؟ ليس كل شيء يقبله المجتمع كعمل أخلاقي صواباً. فممارسة الجنس مع فتاة قاصر لم يكن عملاً فاسداً وخليعاً عند العرب قبل 1400 عام، لكنّه الآن جريمة غير أخلاقية يعاقب عليها القانون. المبادئ الأخلاقية تتحدّد عبر الظروف، أمّا الأخلاق فتتخطّى الزمان والمكان. إنّها متجذّرة في المنطق.قد تتنوّع الأخلاق وتختلف من حضارة لأخرى، من زمنٍ لآخر، ومن شخص لآخر. فمن هو ذاك الذي يحدّد ما الأخلاقي واللاأخلاقي؟
فالرجل الباكستاني يعتقد أنّه إذا التقت زوجته بابن عمّها الذي نشأت وتربّت معه، دون وجود رجل ثالث محرم معهما، فتكون بذلك قد ارتكبت جرماً لا أخلاقياً، حيث أنّها ستكون قد أهانت شرفه والطريقة الوحيدة لاستعادة شرفه هي عن طريق "جريمة الشرف". فبالنسبة له إنّ التقاء امرأة بابن عمّها يعتبر عملاً لاأخلاقياً وبل وفجوراً أمّا قتله لإنسان تحت مسمّى جريمة شرف فهو عمل أخلاقي!!!
يجب علينا التمييز بين تلك الأخلاقيات التي تضرّ المجتمع وتلك التي لا تضرّ به. ما يضرّ الآخرين ويلحق الأذى بهم يُعَدّ لا أخلاقياً ومثبّطاً للهمم. العبودية، على سبيل المثال، تنتهك حقّ إنسانٍ آخر بالحرية. لذلك وبغضّ النظر عن تحليل حضارة أو ثقافة ما للعبودية، فالاستعباد عمل لا أخلاقي بالمطلق. قبل حوالي 1400 سنة كان امتلاك العبيد عملاً محموداً وحسناً. لكنّ العبودية أمر سيئ أخلاقياً، وهذا أمر يتخطّى الزمان. وحتى النبي كان يعرف أنّ العبودية أمر سيئ وخاطئ. لذلك أمر أتباعه ليعتقوا عبيدهم كحَسَنَة. ومع ذلك، ظلّ يزيد من أعداد عبيده بعد الإغارة على كل مدينة وأسر الأحرار الذين أصبحوا بعد ذلك عبيداً.
لقد أعتق أتباع محمد عبيدهم بعد أن تقدّموا في السنّ وأصبحوا عاجزين عن العمل وبحاجة للعناية والمداراة. فعتق العبيد عندما كانوا ما يزالون في سنّ الشباب كان حَسَنَة وعملاً أخلاقياً أمّا عتقهم عندما كانوا في سنّ العجز ومن دون تزويدهم بالمؤونة وتأمينهم فكان عملاً لا أخلاقياً. وقد نسي النبي ذكر ذلك أو تناسى، وانتهى الأمر بالعبيد المحرّرين العجزة كمتسوّلين بالشوارع في حين أنّ أسيادهم نالوا رضا الله على حساب عتقهم وتبرئة أنفسهم من الاعتناء بعبيدهم بعد أن كبروا في السن وأصبحوا عاجزين، وبذلك ضربوا عصفورين بحجرٍ واحد.
الأمر الصحيح والأخلاقي منذ البداية كان عدم استعباد الناس. لكنّ ثروة محمد وأتباعه ومن جاء بعده من الخلفاء جاءت من امتلاكهم للعبيد والمتاجرة بهم. فالعصر الذي يسمّونه بالعصر الذهبي للإسلام اسم مغلوط ومضلّل. بل إنّه عصر العار لأنّ الثروات التي تراكمت خلال تلك الأيام لم تكن عن طريق الصناعة والتجارة، بل عن طريق السلب والنهب والسبي والاستعباد.
********************************

نلاحظ أنّ كون الإنسان محجّب أو غير محجّب أو حتى عارٍ بالكامل ذلك لا يؤثّر بشكل مادي أو محسوس على أي إنسان آخر، باستثناء الفرد نفسه المعنيّ بالأمر. فهذا أمر لا ينبغي أن يتدخّل فيه المجتمع. بل يجب أن يُرَدّ إلى الفرد ليقرّر بنفسه الطريقة اللباس الذي يراه مناسباً له أو لها. إنّ فرض نوعية لباس معيّنة على الآخرين يعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان الفرد ويحدّد من حرّيته أو حريتها. وهذا الفرض يعتبر أمراً لا أخلاقياً. كما أنّ السماح بالعريّ في الشوارع وعلى العلن ينتهك حقوق الآخرين في الحشمة والذين لا يرغبون برؤية مثل هذه الاستعراضات للأعضاء الخاصّة للآخرين، ليس لديّ أي اعتراض على العُراة ليكون لديهم أماكنهم الخاصة بهم ليتعرّوا فيها بعيداً عن الآخرين. طالما أنهم لا يلامسون أعضائهم بالآخرين، لا يحقّ لي فرض أخلاقي ومبادئي الأخلاقية عليهم. لا أملك أيّة فكرة عن الشيء الذي يدفع العراة لخلع ثيابهم، لكن إذا كان ما يقومون به لا يؤثّر فيّ ولا يضرّ بي، فالأمر لا يعنيني على الإطلاق.
نظرياً، يمكن قول نفس الشيء عن الحجاب. مسألة اللباس يجب أن تعود للفرد وما يراه مناسباً له. فإذا كان الشخص يحبّ ارتداء عباءة دينية لا ينبغي أن يمنعه أحدٌ عن ذلك. لكن لا ينبغي على الدولة فرض نوعية اللباس على المواطنين بالقانون لأنّ ذلك سيكون انتهاكاً لحرياتهم. الحجاب بطبيعة الحال يمكن تصنيفه ضمن فئةً مختلفة تماماً. الحجاب يمثّل تحدّياً للحرية والديمقراطية. إنّه أشبه ما يكون بالسفاستيكا [الصليب المعقوف] الذي كان يرتديه النازيون. الحجاب ليس موضة لباس فحسب بل هو عبارة عن تصريح وموقف سياسيين. الموقف الكامن وراء الحجاب يصرّح بوضوح شديد ((أنا ضدّ الحرية والديمقراطية وهدفي هو الإطاحة بجميع الديمقراطيات وإقامة دولة دكتاتورية إسلامية، سلب الآخرين حقوقهم وقمع كل من لا يوافقني أفكاري الفاشية)). مثل هذا النمط من الحجاب يجب منعه. كما أنّ ارتداء إشارة الصليب المعقوف على العلن أمر مهين، فكذلك ارتداء هذا النوع من الحجاب أمر مهين أيضاً بسبب الرسالة السياسية الكامنة خلفهما.
بالرغم من ادّعاء المسلمين القائل بأنّ انحلال اللباس يولّد العنف، فالعكس هو الصحيح. فجرائم الشرف بين المسلمين هي أكبر دليل على أنّ أغلب مظاهر العنف هي نتيجة التشدّد حول موضوع الجنس.
والآن، ماذا عن مسألة تبادل الزوجات؟... حسناً، هذا يعتبر زنى. مع أنّه أمر متبادل واتفاقي. والسؤال هنا، ماذا سيفعل المجتمع غير المتديّن بشأن هذه المسألة، جوابي هو نفس جواب بيير تروديو الذي قدّمه في البرلمان الكندي. لقد قال: ((الدولة ليس لها مكان في غرف نوم الشعب)). كان قد قدّم خطابه هذا منذ أكثر من ثلاثين عاماً وقد أخذت الحكومة الكندية اقتراحه هذا على محمل الجدّ. بأيّة حال أنا لا أرى أبناء بلدي [كون الكاتب كندي الجنسية] يقدّمون نساءهم للآخرين أو يتبادلونهنّ فيما بينهم.
بصراحة، لا يهمّني ما يفعله جاري. كما يقول المسلمون، فأنا لن أدفن معهم في قبر واحد. إذن ما الداعي لنتحدّث أنا أو أنت عن الأمر.
والآن لننظر إلى الدول الإسلامية حيث تتحكّم الدولة بالحياة الخاصّة للشعوب. النساء ضحايا الاغتصاب يُرْجَمْنَ حتى الموت بأبشع الطرق لأنّهنّ لم يتمكّنّ من تقديم أربع شهود على حدوث الاغتصاب لكنّ ممارستهنّ للجنس خارج إطار الزواج يصبح واضحاً وبيّناً بسبب الطفل الذي يحملن له. هل ذلك أمر أخلاقي؟... يُجْلَدُ الناس إذا تناولوا الطعام عَلَناً خلال شهر رمضان. تُضرَب المرأة حتى تُدْمَى إذا انزلق وشاحها وبان بعضاً من شعرِها، فقد بان قسم من بشرتها عندما مدّت يدها وانحسر البرقع وكشف جزءاً من جسمها. أهذه أخلاق جيّدة وقيم أخلاقية محمودة؟ أيّ المبادئ الأكثر شرّاً؟
كما سبق وقلنا، ينبغي علينا التمييز بين القيم واللاأخلاقيات؟ فالقضايا الأخلاقية يجب أن تعود للأفراد، أمّا مسائل القيم والمبادئ فيجب تعليمها في المدارس وفرضها بقوّة القانون أو الأعراف والتقاليد. هل الاختلاط أمر غير أخلاقي بالمطلق أو أنّه يتعارض مع القيم والمبادئ؟ والجواب على القسم الأول من هذا السؤال يعتمد على شخصيتك. إذا كنت من المتحرّرين والليبراليين في المجتمع الغربي أو إذا كنت مسلماً ملتزماً، قد لا يكون من غير الأخلاقي أن تحظى بعدّة شركاء جنسيين. لكن إذا كنت إنساناً غربياً نموذجياً، فستعتبره أمراً لاأخلاقياً. هذه مسألة ذوق، مسألة ثقافة ونشأة. لا ينبغي أن نقلق بشأن أخلاقية هذا السؤال. ما الذي يفعله البالغون داخل غرف نومهم لا يعنينا في شيء. السؤال هو ما إذا كان ذلك أخلاقياً؟
إذا كان الاختلاط مؤسّساً كتعدّد الزوجات، فهل سيبقى لا أخلاقياً؟ هؤلاء الذين يمارسونه قد لا ينظرون إلى الأمر بهذا الشكل، لكنّه أمر غير يتنافى مع التقاليد والأعراف. الزواج هو مؤسّسة اجتماعية لا تؤثر فقط على أولئك الذين يقولون العهد. لا يطال تأثيرها الأولاد فقط بل كامل المجتمع الذي سيأخذ على عاتقه في النهاية دعم هذه العائلات التي إن لم يدعمها فستتحوّل إلى كيانات سلبية وعاطلة في المجتمع. على المجتمع أن يدفع من أجل تعليم الأولاد، طعامهم ولباسهم، كما أنّ عليه التعامل مع الأفراد المارقين والذين لم يتكيّفوا مع المجتمع كنتيجة لهذه العائلات العاطلة ذات التنظيم البطرياركي. ينبغي تجريم عملية تعدّد الزوجات ليست لأنّها غير أخلاقية، فتلك مسألة شخصية كما سبق وقلنا، بل لأنّها تخالف المبادئ والعادات العامّة. إنّها تضرّ بالأولاد وتضرّ بالمجتمع.
الأخلاق دائماً ما تكون غامضة وضبابية. فالمبادئ والقيم الدينية ما عادت أخلاقية. وما نعتبر الآن أخلاقياً لم يعد دينياً. تعدّد الزوجات، الرق، التضحية بالحيوان، زواج القاصرات، إلخ... جميع هذه الأمور لا تعتبر غير أخلاقية في الإسلام. لكن من غير الأخلاقي أن تسافر المرأة لوحدها، ألا ترتدي الحجاب أو أن تدخل المصعد مع شخص غريب.
لذلك فالقيمة الأخلاقية يجب أن تعود إلى الفرد حصراً وتعقّله إذ أنّها معرّضة للتغيّر والتبدّل من الزمن. لكنّ الشيء الأخلاقي يكون واضح المعالم وغير مبهم. القيم الأخلاقية مستوحاة من المنطق ومن القاعدة الذهبية. إنّها قيم كونية وليس عرضة للتغيّر والتبدّل. باختصار، كل ما يلحق الضرر والأذى بالآخرين وينتهك حقوقهم هو أمر غير أخلاقي. في الحقيقة، حتى الحيوانات لديها حقوقاً على المجتمع الأخلاقي صونها وحمايتها لها.
الأخلاق الدينية هي أخلاق الإنسان القديم. لقد فرضت المجتمعات البابوية/ البطرياركية قيماً ومبادئ أخلاقية على المرأة مكّنت الرجل من السيطرة على زوجته وقمعها. الأخلاق الدينية لم تأتي من مصدر إلهي، بل إنّها تعكس مخاوف وهوس وتملّك الأشخاص الذين اخترعوها. الإسلام يفرض الحجاب على المرأة، هل هذا له علاقة بمخاوف محمد بوصفه رجلاً متقدّماً في السنّ أراد السيطرة على زوجاته الجميلات وحمايتهنّ من الأعين المفترسة للشبّان الذين كان يخشى من منافستهم له؟ لطالما كان يؤكّد ويشدّد على أهمية طاعة الزوجة لزوجها. هل لذلك أيّة علاقة بحقيقة أنّ أغلب زوجاته كُنّ قاصرات ومتمرّدات؟
**************************
المبادئ الأخلاقية هي شيء شخصي وينبغي على الأهل تعليمها لأولادهم. لكنّ الأخلاق الحقيقية لا تُسْتَمَدّ من مذاهب ومعتقدات عتيقة قديمة أكل عليها الزمن وشرب. من المحزن أنّ البعض جعل الأخلاق رهينةً للدين. من السخف فرض أخلاق وتقاليد حضارات بائدة وثقافات غابرة على مجتمعنا المعاصر. الأخلاق مستمدة من الوعي الإنساني والتجربة الإنسانية. كلّما كنّا أكثر نضجاً كلّما أصبحت أعمالنا أكثر قداسةً ووعياً. لسنا بحاجة لنعيش حياةً أخلاقية طمعاً بجائزة أو خوفاً من العقاب في حياة أخرى. سنكون أخلاقيين لأنّ ذلك من شأنّه تحسين نوعية حياتنا. فالأخلاق يجب أن تكون جزءاً من ماهيتنا، كما أنّ معرفتنا جزء من ماهيتنا. الأخلاق الحقيقية لا تتعارض أبداً مع المبادئ والقيم الأخلاقية.
القيم الأخلاقية لا علاقة لها بالدين. فكما قال غاندي في أحد الأيام، القيم الأخلاقية مسألة اقتصاد. والمسألة الجوهرية هنا أين نستثمر طاقتنا الحيوية لتحقيق غاية أو هدف أسمى. فإذا استثمرت طاقتك في ملذّات جسدية حسيّة فستنال شعوراً مؤقتاً بالرضا. أمّا إذا استثمرتها في أمور هادفة وذات أهمية أكبر فستنال رضاً أكبر.
قضاء حياة أخلاقية لا يعني رفض اللذّة وإنكارها. فحياة خالية من الرضا هي حياة لا تستحق أن تعاش. كل شيء متعلّق بالخيارات. ماذا نختار من أجل اللذة؟ هذا هو السؤال. فالشخص الذي يستثمر طاقته في خدمة البشرية وصالحها العام ينال رضى أكبر من ذاك الذي ينغمس في سعيه خلف الملذّات الدنيوية فقط.
بأيّة حال، هذا خيار شخصي بحت مستمدّ من النضوج والوعي الروحيين. فلا ينبغي أن تكون الخلاق مفروضة من قبل قوة أو سلطة عليا كالدولة أو الدين. الأخلاق القسرية أو المفروضة ليست أخلاقاً. فالذي يعيش حياةً أخلاقية لأنه يخاف الجحيم أو جهنّم هو في الحقيقة ليس شخصاً أخلاقياً لأنّه لم يتّخذ خياره بحرية. الخوف والجشع، الأمران اللذان اخترعهما الذين واستخدمهما، يستخدمان الآن من قبل الأديان كدافع أو حافز لإجبار الناس على قبول أخلاقها، لكن هذا ليس من شأنه أن يجعل المجتمع أخلاقياً. لا ينبغي لا على الدين ولا على أي إنسان فرض أخلاقه على الآخرين. ففرض الأخلاق هو عمل غير أخلاقي. الأديان التي تهدّد أتباعها بعذاب الجحيم أو تغريهم بالوعود بفردوس أو جنّة وسعها السموات والأرض لا تجعلهم بذلك أخلاقيون. فسياسة العصا والجزرة لها نتائج أفضل في تدريب الحيوانات من تعليم البشر. فقط الأشخاص الذين يختارون وبشكل حر طريقاً أسمى هؤلاء يمكن تسميتهم بالأخلاقيين.
الإنسان الأخلاقي يختار عيش حياة أخلاقية لأنّها تمنحه رضاً عظيماً ولذّة لا حدود لها. الإنسان النزيه يتلذّذ في كونه نزيهاً. فهو سيفضّل العذاب على الكذب أو الخداع والغشّ. إنّ مبادئنا الأخلاقية مرتبطة بشكل مباشر بنضوجنا الروحي. فعندما نتطوّر إنسانياً، ونطوّر معرفتنا في خدمة الإنسانية ونعمل من أجل السلام وعالم أفضل فإنّ ذلك يرضينا أكثر من انغماسنا في الملذّات الجسدية فقط. لكننا نحظى بلذّةٍ أكبر في القيام بأمر يخدم الإنسانية أكثر من لذّتنا من عند تحقيقنا لذّتنا الجسدية المؤقّتة.
هل سيكون الإنسان العاشق لمعرفة بحاجة لدافع أقوى للتعلّم من العلم نفسه؟ هل كان سرور آينشتاين باكتشافاته العلمية سيكون أعظم لو أنّ أحدهم وعده بسيارة هدية إذا وضع نظريته في النسبية؟ تستطيع أن تعرض على طفل مثلّجات إذا قام بإنجاز واجبه المنزلي، لكنّ هذا لن يكون ضرورياً للإنسان البالغ الذي يسعى لتحصل العلم والمعرفة لذاتهما وينال الرضا بهما.
الديانات البدائية تعامل البشر كالأطفال (ناهيك عن معاملتهم في بعض الأحيان كالحيوانات). إنّها تريد فرض أخلاقها العتيقة والبالية عليك عن طريق تهديدك بالجحيم ورشوتك بالجنّة لاعتناق مبادئها وتعاليمها وغالباً ما تكون هذه المبادئ والتعاليم بالية ولا أخلاقية. كونك إنسان أخلاقي _سواءً كنت أخلاقياً بسبب خوفك وجشعك أو بسبب رغبتك في أن تعيش حياةً أخلاقية_ يعتمد على نضوجك ووعيك الروحي.
الأخلاق الدينية ليست منزّلة من عند الله. إنّها أخلاق القدماء، إنّها حكمتهم و(في حالة الإسلام) اضطرابهم النفسي وخداعهم. نحن لسنا بحاجة لأخلاق الإنسان القديم كما أنّنا لسنا بحاجة لتقنياته، طبّه شعوذته أو أساطيره. إنّ أخلاق الإنسان القديم يجب أن تُدْفَنَ مع عظامه. يجب على البشر المعاصرون أن يضعوا لأنفسهم أخلاقهم الخاصة. يجب أن تتطوّر الأخلاق مع تطوّر المعرفة البشرية والوعي الإنساني.
الأخلاق والمبادئ الأخلاقية الجديدة لا تعني فساداً وانحلال. بل إنّها تعني الخروج من العصور المظلمة للجهل وإنشاء أجيال جديدة مسؤولة وأخلاقية. لم يعد بمقدور البشر البقاء مكبّلين بقيود الخرافة والخوف والغباء والترغيب والترهيب لما بعد الحياة. لقد سلّط العلم الضوء على سخافة المفاهيم الدينية وهزّ أركان وأساسات المعتقدات التي قدّسها آباءنا وأجدادنا. لقد انكسرت قيود الظلامية مرة وإلى الأبد. اليوم، يجب علينا تربية أطفالنا عن وعي. عليهم أن يعرفوا أنّ الجنس البشري واحد. فكما علّمنا آباءنا وأجدادنا تلك الأكاذيب والخرافات الدينية وصدّقناهم وآمنّا بخرافاتهم، نستطيع تعليم أولادنا الحقيقة وسيصدّقوننا ويؤمنون بالحقيقة. والاقتباس التالي هو أحد تلك الحقائق:
((جميع البشر مثلهم كمثل أعضاء الجسد الواحد. لقد خلقهم الله من نفس الجوهر. فإذا اشتكى عضو من ذلك الجسد، تداعى له سائر الأعضاء. أمّا إذا كنت غير مبالٍ بهذه الشكوى، فلا يمكن القول أنّك من الجنس البشري)) [السعدي]
لا حاجة لنا لأن نكذب ونخيف أولادنا بعذاب النار لتنشئتهم نشأة أخلاقية، وليكونوا أناساً أخلاقيين ومحبّين وصالحين. لم تفلح هذه الاستراتيجية من قبل. فتاريخ النزعة الوحشية في الجنس البشري وخصوصاً عند أولئك المتمسّكين بالدين والقيم الدينية، يشهد بأنّ الأديان لا تجعل الناس أخلاقيين وصالحين. في الحقيقة هناك بعض الحالات التي تحوّل فيها الأديان الناس إلى همج قساة ومتوحّشين. وهناك حالات أيضاً حيث يرتكب الصالحون جرائم فظيعة باسم الدين وفي سبيله بوعي ودون أي تأنيب ضمير.
إذا كناّ نحبّ أولادنا، فعلينا تعليمهم الحبّ وأن يكونوا محبّين. إذا كنّا نزهاء وأخلاقيين، فعلينا تعليمهم ذلك أيضاً. بإمكاننا بناء إنسانية أفضل من خلال التصرّف بإنسانية.
قارنوا كلمات السعدي بكلمات محمد الذي قال بأنّ المؤمنون [المسلمون] هم وحدهم الأخوة لبعضهم ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))، أمّا بالنسبة للكفّار:
{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} [التوبة: 14]
كما رأيتم، إنّ مجرّد الإيمان بدين الإسلام هو عمل لا أخرقي. لا يمكننا شفاء البشرية إلا بعد إزالة هذا الورم الخبيث. فقد وصل هذا الورم في تطوّره إلى مرحلة سيقتلنا فيها جميعنا. علينا الاختيار مابين الإنسانية والإسلام. ولن يكون للإنسانية مستقبل طالما أنّ هذا المرض باقٍ. يجب استئصال الإسلام من جذوره. أمّا غداً فسيكون الأوان قد فات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل حقاً محمد أشرف خلق الله أخلاقياً ؟ وبماذا !
نور ساطع ( 2013 / 11 / 23 - 12:41 )


هل حقاً محمد أشرف خلق الله أخلاقياً ؟ وبماذا !

: )

اخر الافلام

.. كيف صعد الآشوريون سلّم الحضارة ؟


.. أبو بكر البغدادي: كواليس لقاء بي بي سي مع أرملة تنظيم الدول




.. 164-Ali-Imran


.. 166-Ali-Imran




.. 170-Ali-Imran