الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بنتكلم مصري ؟

سامي حرك

2013 / 11 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


جمود اللغة يؤدي إلى تدهورها, وحيويتها تناسب تطورها!

الكلام في اللغة, أي لغة, يعني الكلام في الإنسان, أيوة الإنسان, لأن هو ده أهم وأميز حاجة حصلت خلت الإنسان إنسان, والحاجة دي هي ظهور الجين "فوكس بي 2", اللي هو جين الكلام, واللي أصبح مع الإنسان من حوالي 150000 سنة, يعني من بعد التاريخ ده - بس- نقدر نتكلم عن الإنسان اللي بيتكلم وبيقدر يتفاهم مع غيره.
وبارضو الكلام عن اللغة لازم ومرتبط بالكلام عن التاريخ والجغرافيا ونشوء المظاهر الحضارية وبزوغ الضمير وبالتالي العلاقات والقوانين.
بمعنى إن مينفعش نتكلم عن "مصر" قبل 35000 سنة تقريبًا, ليه؟ لأن قبل كده مكنش فيه حاجة إسمها "مصر", ولا كان فيه حاجة إسمها النيل, وكانت ماية البحر بتغطي راس جبل المقطم –مثلا- وبتوصل لحدود محافظة "قِنا" دلوقتي, وبالتالي مكنش فيه لا أرض يسكن عليها إنسان ولا ماية ينفع يعيش فيها غير السمك والحيتان اللي آثارهم لسة موجودة في صحاري الفيوم.
طيب وبعد كده حصل إيه؟ حصل إن إنتهى عصر المطر, وإنحسرت ماية البحر, وبدأ النيل يتشكل, وبانت حدود الوادي المتحصن بالجبل من الناحيتين, وبدأ الإنسان يسكن.
وكمان –بعلوم التاريخ والآثار- مينفعش نتكلم عن "عرب" ولا حتى "عبرانيين" قبل زمن الهكسوس, اللي كان بسبب حالات إستغاثة ولجوء لأسباب إنسانية, من أفراد وجماعات رعوية, تسلُل وإستيطان قِبلي, تحول إلى سلب ونهب.
اللغة هي: "نسق من الرموز الصوتية يستطيع البشر عن طريقها التفاعل مع بعضهم البعض", ده تعريف اللغة حسب كلام أستاذة اللغة الإنجليزية "كارول ريد".
واللغة زي البصمة, بمعنى إنها بتختلف من شعب لشعب, ومن مدينة لمدينة, ومن قرية لقرية, والأكتر من كده, إنها ممكن تختلف من إنسان لإنسان, بمعنى إن كل إنسان له لغته الخاصة اللي بتميزه عن أي إنسان تاني, حتى أخوه, وأمه وأبوه.
واللغة كانت هي أساس تكوين القوميات والدول في أوربا, وهي اللي كونت اليابان, بعد ما كانت مجرد جزء من الصين, وهي اللي كونت جماعة وثقافة مستقلة إسمها "العرب", بعد ما كانوا عبارة عن فرع صغير من "العَبَر", اللي بدورهم كانوا من فقراء الفصائل الهكسوسية.
نرجع تاني لنشأة وتكوين "مصر" بعد نهاية عصر المطر (العصر المطير), هنلاقي إن صحيح الناس اللي سكنوا وإستوطنوا, بالمنطق كده, من أقرب المناطق, يعني الجنوب والشمال والوسط الأفريقي, إنما ميمنعش إن أجناس تانية عبرت البحر أو سينا وسكنت وإستوطنت هي كمان, كل ده مهم, إنما الأهم هو إن كل اللي سكنوا دول إنصهروا تمامًا, وأصبحت لهم ملامح جينية ولغوية خاصة, وإتكون منهم جنس مستقل هو الجنس المصري, وده خلال آلاف السنين, من زمن نهاية عصر المطر, لزمن التقويم, والكتابة, وتقريبًا لنهاية الأسرة السادسة من الدولة القديمة, على الأقل.
بعد الأسرة السادسة بتبدأ الوثائق والآثار تتكلم عن زيارات ورحلات وإحتكاكات ومعاملات مع أجناس وشعوب تانية, ومن نهاية الأسرة 13 بيبدأ اللجوء والتسرب الهكسوسي, اللي بيتحول لتسلل إستيطاني وحكم قسري كامل لأجزاء كبيرة من أرض مصر خلال الأسرة 15 و16, لغاية ما تقوم الأسرة 17 بطردهم, وهنا –بس- بيبدأ التاريخ يتعرف على حاجة إسمها العبرانيين, اللي بيستقل منهم مجموعة بنعرفهم بإسم "العرب", بعضهم سكن جنوب الجزيرة, وبعضهم سكن شمالها, والقصص الدينية –بعد كده- حكت إزاي بعضهم سكن وإستوطن وسط وغرب الجزيرة, يعني مكة وحواليها.

نرجع تاني للغة, هنلاقي إنها وسيلة تفاهم, ومعنى إنها وسيلة, يعني إنها لازم تكون سهلة, أو تحاول تكون سهلة, بمعنى إنها مفروض تتطور, ومينفعش تثبت وتجمد على حالها وإلا تموت.
ولأن اللغة –أي لغة- لازم تتطور, مُش تتدهور, بمعنى تسهل التفاهم بين الناس, وفي نفس الوقت تحافظ على كيانها وخصايصها اللي بتميزها عن أي لغة تانية, وبالتالي اللي بتميز شعب عن شعب وثقافة عن ثقافة.
المعادلة الصعبة دي, بين تطوير اللغة الحية, وبين المحافظة على شخصيتها, إترجم لحاجات متتغيرش إلا ببطء شديد, وهي القواعد (النحويات) والصوتيات, والى حاجات تانية ممكن تغييرها وتعديلها حسب الحال, وهي الألفاظ.
في العلاقة اللي حصلت نتيجة الفترة الهكسوسية, بين لغات الهكسوس واللغة المصرية, هنلاقي كل شعب إحتفظ بقواعد وصوتيات لغته, أو خصوصيته اللغوية, إنما حصل تبادل في الألفاظ.
بارضو المنطقي, إن المظاهر الحضارية الأقوى بتفرض نفسها في موضوع ألفاظ اللغة, وبالتالي الهكسوس (ومنهم العبرانيين), نقلوا أسامي الخضار والفاكهة ومصطلحات الزراعة والقضاء والعمارة والفن... وغيره من الحاجات اللي كانت موجودة ومتقدمة في مصر, بالإضافة لسبب قهري (سياسي, بعدما لاحت لهم فرصة نادرة لحكم مصر) أجبر الهكسوس على إزدراد وهضم والحرص على التلفظ بالكلمات المصرية لإكمال الإحتلال القسري تحت غطاء وإيحاء بمصرية مصطنعة للحكم الجديد, بالأسامي والملابس والمظاهر الدينية والكلام المصري.
وبالتالي ترك الهكسوس مصر, ولسان الجيل الخامس والسادس منهم يرطن بألفاظ ومصطلحات كتيرة من اللغة المصرية, منها إسمهم اللي سماهم به المصريين "حقا-زوت" يعني الأمراء الرعاة, وأطلقوه على الأرض اللي سكنها بعضهم مع تحوير بسيط عشان يتنطق "حجاز".

بعد زمن الهكسوس, كون المصريين إمبراطورية كبيرة حكمت المنطقة اللي حوالين مصر كلها جنوبًا وشمالا وغربًا, وبالتالي زاد تأثير اللغة المصرية, وبالتحديد ألفاظها ومصطلحاتها, لمئات السنين, ولما إتبدل الحال وضعف تأثير "مصر" كانت الأمم اللي إتأثرت بلغة مصر في السابق, بتيجي تحكمها وتدخل معاها لغتها اللي جزء من ألفاظها هو في الأساس من مصر, حصل ده مع البطالمة اليونانيين (زي ما قال مارتن برنال), وحصل مع اليهود اللي بدأوا يظهروا مع الإحتلال الروماني, وأخيرًا حصل مع العرب بدخولهم وحكمهم لمصر.
لحد هنا ونقف وننهي الكلام في التاريخ, عشان نرجع للعنوان, وعن السبب اللي إتميزت به اللغة المصرية, في كل مراحلها لغاية المرحلة الحالية (اللغة المصرية الحديثة), عن اللغة العربية, والأخيرة دي ملهاش مراحل لأن الفقها قدسوها, بمعني جمدوها وفرضوا وصاية عليها تمنع أي إجتهاد أوتطوير فيها, وبالتالي هنلاقي إختلافات كبيرة جدًا بين قواعد اللغتين (المصرية) و(العربية), إنما هنلاقي بارضو تشابه بين ألفاظ كتيرة في اللغتين.
وعن اللي بيعمله تقديس وتجميد اللغة, بنضرب دايمًا مثال أدوات الوصل اللي لسة جامدة في اللغة العربية على 10 حالات تقريبًا (الذي/التي /اللذان /اللذين /اللتان/اللتين/الذين/اللواتي/اللاتي /اللائي), إنما بنشوف اللغة المصرية الحالية بتقود لهجات المنطقة كلها (الحجازية /الخليجية /الشامية /اللبنانية /الليبية/التونسية/ المغربية) لتطوير أدوات الوصل فيها عشان تكتفي بأداة وحيدة بس, هي "اللي".
عمومًا عشان نلخص شوية فروق بين اللغتين, هنلاقي في كتاب بيومي قنديل (حاضر الثقافة في مصر) فروق بين اللغة المصرية واللغة العربية من حيث تلات حاجات:

1. النحويات: (الإعراب) عن كيفية بناء الجملة.
2. الصرفيات: (الصيغ) عن كيفية بناء الكلمة.
3. الصوتيات: عن الوحدة الصوتية وعلاقتها بالكلمة.
ولتأصيل الفروق والخصوصية بين اللغتين, هنلاقي اللغة المصرية معاها مجموعة لغات بيسموها اللغات الحامية (إنما بيومي بيسميها اللغات الأفريقية المتوسطية), زي البربرية والتشادية والكوشية النوبية, في مقابل اللغة العربية وأخواتها اللغات السامية, زي الأكادية (آشورية الشمال وبابلية الجنوب) والعبرية والأرامية, كل مجموعة من المجموعتين دول لها مميزات, وهي:
1. الأساس في اللغة المصرية هو الفعل الثنائي, وده مُش موجود في العربية إلا إستثناء.
2. الأفعال الثنائية في اللغة المصرية تفيد التأكيد بتضعيف الحرف الساكن, وده متعرفوش اللغة العربية.
3. اللغة المصرية مبتعرفش صيغة التسبيب بالتضعيف, ودي صيغة شايعة في اللغة العربية: قرَّح/ضعَّف.
4. اللغة المصرية متعرفش (ولا باقي اللغات الأفريقية المتوسطية) إعراب الأسماء.
5. في بناء إسم العدد, في المصرية إسم العدد متوافق مع المعدود (تسع قوارب), بينما إسم العدد في العربية وأخواتها دايما متضاد مع المعدود (خمسة رجال), (خمس سيدات).
6. اللغة المصرية متعرفش (ولا أي لغة أفريقية متوسطية) صيغة المبني للمجهول, إنما دي الصيغة الغالبة في تكوين الجملة العربية.

فلو أضفنا لكلام بيومي ده بعض خصوصيات في اللغة المصرية, زي: (7) إنها بتعرف الفعل المساعد, وده ما تعرفوش اللغة العربية, (8) وإن الأخيرة بتعرف المثنى, إنما المصرية (الحالية) ما تعرفوش, (9) وبيبدأ الجمع فيها إعتبارًا من رقم 2, عكس العربية اللي بيبدأ الجمع فيها من 3 على الأقل, (10) بالإضافة كمان لخصوصية صوتيات اللغة المصرية في نطق (والأدق عدم نطق) الحروف البين أسنانية, الثاء والظاء والذال, (11) وعدم تبعية الصفة للموصوف, وده السبب إننا بنقول اللغة "المصري", مُش اللغة "المصرية", وغير ذلك, فـ إحنا قدام لغة بيصمم البعض على إعتبارها عامية عربية, والحقيقة اللي باينة زي الشمس إنها لغة مصرية كاملة بخصوصيات مميزة في النحويات والصرفيات والصوتيات بتميزها تمامًا عن العربية, وبتجمعها مع لغتها الأم (المصري) أقوى مظاهر التواصل والإمتداد, والغريب إن الأجانب هُم ا اللي إكتشفوا الكلام ده وكتبوه قبل المصريين المتعلمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز