الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقيدة العروي الرافضة لتحديث لغة التدريس (1)

محمد الرازقي

2013 / 11 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الحداثة "بمثابة موجة, العوم ضدها مخاطرة , لذا نجد أنفسنا أمام خيارين, إما الغوص حتى تمر الموجة فوق رؤوسنا فنظل حثالة, وإما أن نعوم معها بكل ما لدينا من قوة فنكون من الناجحين في أي رتبة كانت".
بهذه الجرأة كتب لنا ذات يوم الأستاذ عبد الله العروي، وهو يضعنا أمام رهان بدا يومها صعبا، بل ومستحيلا في بعض جوانبه ومستوياته، لكن ونحن بصدد النقاش حول موقف شجاع يساهم في إغناء النقاش العمومي في ذات السياق، حول سبل ايجاد مداخل لهذه الحداثة المنشودة، كهذا الذي أثارته مذكرة رجل الإشهار "عيوش" حول التدريس بالدارجة، نكتشف أن علاقة مفكرينا بالتراث أعمق مما يدبجون به مقدمات مؤلفاته عادة.
هكذا فكرت عندما حصلت وقرأت الحوار الأخير الذي أجراه العروي مع جريدة الأحداث المغربية، العروي الذي لم يكن لينتظر منه المطلع على انتاجاته، موقفا محافظا كهذا، تطربه لغة الجاحظ وكليلة ودمنة، ويتضايق بل ويخجل من لغة التداول اليومي لدى المواطن، ربما لكونها تخدش هالة القداسة التي بنياناها عن كل ما ينتمي الى الماضي.
هذا ليس رأيا، بل إن العروي يقول: "هذه عقيدتي في مواجهة هذه الشعوبية الجديدة"، لكن لما لا نقيم اليوم مقارنة بين الذين قال عنهم الحاحظ ذات زمن غابر -أي الشعوبيين-، في كتابه "البيان والتبيين" بكونهم يأخذون: "المِخصَرَةِ عند مناقَلَة الكلام، ومساجَلة الخصومِ بالموزون والمُقَفَّى، والمنثور الذي لم يُقَفَّ، وبالأرجاز عند المَتْح، (...) وكذلك الأسجاعُ عند المنافرة والمفاخرة، واستعمال المنثور في خُطَب الحَمَالَة، وفي مقامات الصُّلح وسَلِّ السخيمة، والقولُ عند المعاقَدِة والمعاهَدة، وتركُ اللّفظ يَجري على سجيَّته وعلى سلامته، حتَّى يخرجَ على غير صنعة ولا اجتلاب تأليف، ولا التماسِ قافية، ولا تكلّفٍ لوزنٍ، مع الذي عابُوا من الإشارة بالعِصيّ، والاتّكاء على أطراف القِسِيّ، وخدِّ وجه الأرض بها، واعتمادها عليها إذا اسحَنفرت في كلامها، وافتنَّتْ يومَ الحفْل في مذاهبها، ولزومِهم العمائم في أيام الجُموع، وأخْذِ المخاصر في كلِّ حال، وجلوسِها في خطب النّكاح، وقيامِها في خطب الصُّلْح وكلِّ ما دخل في باب الحَمَالة، وأكّد شأن المحالفةِ، وحقّق حُرمةَ المجاورة، وخُطَبِهم على رواحلهم في المواسم العظام، والمجامع الكِبار، والتّماسُحِ بالأكُفّ، والتّحالف على النار والتعاقُد على المِلح"، لما وصلوا اليه اليوم، مقارنة بأتباع الجاحظ وساسة القوافي من جهة، الشعوبيون الذين كان أهل فارس أحد مكوناتها والحاملين لهذا النعت، وهو الوضع الذي وصفه أحدهم مؤخرا بأن الايرانيين أصبحوا: يخصبون اليورانيوم ونحن نخصب الكلاميوم.
قد يجيب العروي كما يفعل دائما: "أنت لا تريد أن تفهم كلامي".
إذن هناك أزمة تواصل، لكن ما أسباب هذه الأزمة؟ أليست لغة الجاحظ هذه التي تتلوى على نفسها، والتي يثقلها التكلف والتصنع، ومراعات الشكل والصورة، أحد أهم هذه الأسباب؟ فما الحل إذن لنتفاهم، ولنفهم ونقيم جسرا مع مفكر ومثقف كبير مثلكم، وبين المواطن الذي لا يملك الوقت لفتح القواميس؟
طبعا سنلجأ الى الشرح والتفسير، الى وسطاء وشراح، ألى كهنة لكن حذار من التأويل، لأن كلام أستاذنا مثل كلام الأنبياء، مقفى ومرصع، عام يصلح لكل زمان ومكان، يريد أن يقول شيئا ولم نستطع بعد فهمه ، بالرغم من مرور نصف قرن على بداية نبوؤته.
تخيلت: ماذا لو كتب العروي أو بالأحرى لو ترجم لنا المفاهيم الغربية التي تسحره الى لغة مفهومة للعامة، سهلة وبسيطة، تستوعبها مختلف طبقات المجتمع؟ هل كانت الأوضاع ستؤول الى ما آلت اليه اليوم، وبهذه الفضاعة؟ هل كنا سنتعثر في هذه الظلمة الموحشة والمخيفة وغياب الرؤية؟ أم أن خوفه من "الشعوبيين" أن يصبحوا يوما أساتذة، كما يظهر في مثال التلميذ "الشفشاوني" في حواره، غالب صوت الحكمة والعقل.
عفوا الأستاذ العروي، لقد نسيت، ومن طبع الانسان أن ينسى سياق بعض النقاشات، كما لم أتذكر أن إنتاجاتنا كما تقولون لن يطلع عليها آنذاك - إذا كتبت بتمغربت- سوى بعض ملايين فقط ! ولن تخرج الى العالم خارج حدود الوطن، ونفقد قراء ..الخ، لكن هل يعني أننا ننتج فقط للمتعة الأدبية ؟ وما الهدف من الكتابة أو نحت المفاهيم أصلا؟ بمعنى هل نكتب من أجل مصلحة هذا الوطن؟ أم من أجل جلب أتباع من مختلف أصقاع الأرض؟
وهنا تطرح مسألة الجانب الوظيفي للغة قبل الجانب الشكلي، أي قبل الخوض في الحرف وحركته وموسيقاه، يجب أن نستحضر ما الوظيفة المنتظرة من هذه اللغة التي قد تعتمد، ذلك أن تحديد الأهداف والغايات هو السبيل لمعرفة أي الوسائل أو اللغات الأنجح لتحقيقها.
صحيح أن العروي لمح الى بعض هذه الغايات، ووصفها بـ"الهدف النبيل"، من قبيل ردم الهوة بين الطبقات ومحو الأمية والتخفيف من ثقل التراث، وكذا عرقلة تأثير الفضائيات الظلامية..، ولكن يستطرد ويقيد كلامه، بأن هذا الهدف النبيل سيحتاج الى مجهود ووقت طويل.
لكن لما لا نجرب، وأنت الذي علمتنا جرأة التحرر من ثقل الترااث وشراكه، لما لا نقوم بهذا المجهود الكبير إن كان لنا هدف نبيل كهذا، لما لا نفتح صفحة جديدة، عوض إعادة مضغ نفس اللغة القديمة المثقلة بروح وفكر العصر الوسيط والتراث، والتي امتصت رواحقها طيلة أربعة عشر قرانا وما يزيد، ولم يتبقى منها الا ثفالة يتقاذفها ويتبادلها الكبار كرسائل مشفرة، بعد أن استنفذت كل امكانياتها، وقدرتها على الخلق والابداع، وخلق مسالك جديدة في التفكير وفي النظر الى الذات والوجود.
يجيب العروي: "أفضل الترجمة" ! لكن الترجمة الى أية لغة؟ طبعا يقصد لغة النخبة وشعب الله المختار، ولسان الجاحظ، ولكن في نظرك ذ.العروي، ألا نحتاج الى ترجمة مضاعفة في هذه الحالة؟ ترجمة أولا من اللغات اللاتينية مثلا الى لغة الجاحظ، ومنها الى لغة الشعب والمواطن المغربي؟ لما سنقضي زمنا لترجمة كتب الى لغة تتقادم يوما بعد يوم، وتتراجع في احتشام من التداول اليومي والعمومي؟
هب أنك أعدت العبارة مرة أخرى: "أنت لا تريد أن تفهم كلامي".
أقول نعم، أنا أعترف أن قراءة بعض النصوص، كالمشي في حقل ألغام لا نمتلك خريطتها، لكن في قضية ومشروع أمة وشعب كهذا، أعتقد أن الحوار العمومي بشأنها، أفضل من التنظيرات الأحادية، كالتي عهدناها ذات ستينيات من القرن الماضي، فباسم رجل الثقافة سمحت لنفسي أن أناقش مواقفكم وأن أميل مع هذا الاتجاه أو ذاك، كما فعلتم.
لكن قبل كل شئ هل قمنا بتقييم حقيقي لسياسة التعريب في المغرب منذ فترة ما بعد الاستقلال؟ والتي كانت يومها مطلب غالبية "النخب الثقافية"؟
على كل حال الآن لدينا تجربة تربو على الخمسين سنة، لكن هل كانت كافية لوضع اليد على مكامن الخطأ، وهل يمتلك مثقفينا الجرأة المعهودة منهم لخوض غمار تجربة كهذه؟ ألم تكن ورقة الوحدة الوطنية أو القول التلويح بمشاكل قريبة من هذا المعنى، والتي كانت بالأمس القريب إحدى الأساليب لفرض ارادة ولغة مكون من الشعب على الباقي، مجرد كذبة سرعان ما تبخرت بحجة الواقع والتنصيص على الطابع التعددي للمجتمع المغربي في الدستور، وعلى ترسيم اللغة الأمازيغية، وحماية مختلف التعبيرات الثقافية واللغوية؟
بل واتسع صدر الوطن لأكثر من قلب، أو لنقل اتسع قلب الوطن لأكثر من لغة وثقافة، نعم أكثر مما اتسع لها صدر الاستاذ الحداثي عبد الله العروي، وصاحب كتاب "الايديولوجيا العربية المعاصرة".
الأستاذ العروي يبدو أنه يحتاج الى الوقت الكثير لكي يستوعب حركة التاريخ، لذلك عادة ما لا تسعفه الكلمات في الخرجات الإعلامية المفاجئة كهذه، كيف لا ونحن نرى الرجل الحداثي لا يتورع في إحياء مصطلح "الشعوبية"؟ أليس استدعاء هذا المصطلح في هذا السياق، هو إحياء لثقافة إقصائية؟ تؤمن بالرأي الواحد والوحيد، وبالتراتبية الأنطولوجية للغات والأجناس، في زمن يفترض أنه أحدث قطيعة مع ثقافة كهذه؟
كيف يمكن أن نفهم اليوم أن فاعلا مدني يتقدم بمواقف أكثر جرأة وانفتاحا على أسئلة الحاضر من مواقف مثقفينا؟
يجيب العروي، المثقف المدلل الذي تلقى تكوينه باللغة الفرنسية، ويجيد اللعب بالعربية الكلاسيكية والقوافي: "أنا لا أريد لغة البقال".
لك ما تريد، لكن الم تكن لغة الجاحظ قبل نقلها من الشفوي الى الكتابي مجرد لغة للأعراب والبدو؟ ألم تكن العامية، واستعمالها بجانب اللاتينية الكلاسيكية إحدى العوامل والمظاهر التي وسمت نهضة الغرب؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بالحوار العقلاني سننقذ الوطن
ميس اومازيغ ( 2013 / 11 / 28 - 19:38 )
عزيزي تقبل تحياتي وشكرا لك عن حسن اختيارك لموضوع مقالك وتحليله/ قبل ان اورد مداخلتي فظلت الأشارة الى راي لمفكر مغربي وهو السيد محمد بودهان (ما هي المرجعية التي ظل المغرب يغرف منها ويتحرك داخلها منذ الأستقلال الى اليوم؟ انها فكر (الحركة الوطنية) التي تشكل الأطار المرجعي الفكري والأيديولوجي والفلسفي والتربيوي الذي صنع العقل المغربي الحديث ولا يزال يوجهه ويهيمن عليه الى درجة ان النخبة السياسية(الأحزاب)والمثقفة لم تعد قادرة على التفكير المبدع والمجدد لأن (الحركة الوطنية) فكرت نيابة عنها وحددت الموضوعات التي يجب ان تفكر فيها والطريقة التي ينبغي ان تفكر بها))
اليس ما قاله الرجل هو عين الصواب؟ ان معظم مثقفينا يعيشون خارج الزمن وان السيد العروي الذي ارتأى ابداء رايه في موضوع مهم وهو يدرك انه يجهل كل شيء عن اللغة الأصلية للشعب المغربي والتي هي الأمازيغية لم ينتبه انه سيرتكب جرما فكريا في حقها سيسجله له التاريخ ان الرجل لم يدرك ان موضوع مناقشته مع السيد عيوش لم يكن من ورائه الا توجيه ما امكن من ضربات الهدم لما بناه احرار هذا الوطن بشان الأمازيغية اذ كانت الغاية من مقترح عيوش ...يتبع


2 - تــــا بــــع
ميس اومازيغ ( 2013 / 11 / 28 - 19:59 )
اقول ان مقترح السيد عيوش انما اريد به تعريب المغاربة سيرا على نهج ما سارت عليه(الحركة الوطنية) لينتهي امراللغة عند هذا الشعب الى الهاوية بعد فشل التعريب عن طريق المدرسة اريد تكملة المهمة ليفتقد المواطن قدراته اللغوية ويصبح كالغراب الذي رغب في تعلم مشية الحجل ففقدهما كلاهما ما يزال السيد العروي يعتقد في عدم وجود لغة امازيغية مقعدة وحتى ان هو ادرك ذلك فانه لن يتكلمها باعتبارها لغة مقعدة تستوجب التعلم في المؤسسات الخاصة وهذا ما جعل الوزير الأسلامي الداودي يصرح يوما بانه اميا في الأمازيغية بالرغم من كونه يتكلم احدى لهجاتها لذا فانني اعيب على كل من يريد ابداء رايه في شان الأمازيغية اصراره على ذلك في الوقت الذي يجهلها فما الفائدة التي قد ترجى منه؟ ان المقترح المذكور عزيزي يهدف الى القضاء على كل من الأمازيغية والعربية للعودة ثانية الى سابق ما اقترح في بداية عهد الأستقلال اي الفرنسية بعد تغلب راي المعربين وفشلوا لينتقلوا الى المفرنسين والذين ايضا سيفشلون لأن الأمر يتعلق بلغة شعب يعيش على هذه الأرض منذ آلاف السنين صمدت امام كل محاولات ابادتها حتى انتفظت اخيرا مطالبة بحقها في االوجود...يتبع


3 - تابع
ميس اومازيغ ( 2013 / 11 / 28 - 20:20 )
هل لاحظت عزيزي ما قاله الرجل؟(ان تعليم الطفل في التعليم الأولي (الروض)لغة ارقى من لغة امه سيجعله هو من سيعلم امه)السيت هذه جريمة في حق الأنسانية ؟ان الرجل اراد من خلال اقتراحه جعل المتعلم في كل بيت معلما لمن بها باللغة التي تعلمها بمعنى ان كان اهل البيت يقولون (ايرو) التي تعني ضفضع يجب ان يتخلوا عنه للقول ب ضفضع ريثما يموت من يقول ايرو لتصبح ضفضع لغة شعب السي العروي انها عملية غسل الدماغ.يتسائل من سيقرأ لنا ان نحن استعملنا اللهجات هكذا ضاربا عرض الحائط بوجود لغتين رسميتين باختيار الشعب المغربي ليعود الى اللهجات اعتقادا منه اانها قاصرة ولن يهتم بها الغير ناسيا انها هي ذاتها اللغة الأمازيغية اذ70 /00 مأخوذ منها و30/00 تم اشتقاقه منها لملأ الفراغات التي لم تحققها لمسايرة العصر من مثل منجرة,محبرة ,كومبيوتر وووو كما اننا نحن لم نقرأ للغير الا بعد ان تعلمنا لغتهم فان اللغة هي التي تفرض وجودها بانتاجاتها وليست مطلوبة لذاتها فاللغة الأنجليزية مطلوبة لما تنتجه وليس لزيارة البلدان التي تتكلمها .

تقبل تحياتي

اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث