الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة من سفر التطور – من الكرومانيون حتى اليوم.

نضال الربضي

2013 / 11 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قراءة من سفر التطور – من الكرومانيون حتى اليوم

يُعتبر إنسان الكرومانيون Cro-Magnon هو الشكل الأقرب في سلم التطور للإنسان الحالي، فهو من نفس الجنس Homo و النوع Sapiens. يُطلق العلماء حاليا ً على هذا الإنسان اختصار EEMH و هي أوائل حروف الكلمات الإنجليزية المُرادفة لجملة "الإنسان الحديث الأول الأوروبي"، و سبب التسمية يعود لكون الأحافير الخاصة بهذا الإنسان قد تم اكتشافها في ملجأ صخري لكهف كرومانيون الموجود في جنوب غرب فرنسا.

يُمثل هذا الإنسان الأوروبي الأول ظاهرة ً فريدة ً بحق في تاريخ التطور البشري، و هو يتشابه تشريحا ً و بُنية ً مع البشر الموجودين قبل هذه الفترة، لكنه مع ذلك يمثل حقبة ً جديدة في السجل التطوري، منفصلة ً عما سبقها، شديدة الخصوصية بهوية فجائية متميزة عن هويات الإنسان الذي سبقه.

يُقدر ظهور هذا الإنسان في الفترة العائدة لأربعين ألف عام قبل الميلاد و في هذه الفترة فقط بدأء العلماء يجدون آثارا ً لآلات موسيقية نفخية مثل فلوت بدائي بسيط، و زينة و تلوين و رسومات دقيقة مفصلة لحيوانات على جدران الكهوف كتلك الموجودة على جدران كهوف لاسكو في جنوب غرب فرنسا، بينما تغيب تلك الأدوات المتميزة و الرسوات الرائعة عن الفترات السابقة في السجل التطوري، و لا يصلنا منها إلى بعض الأدوات الحجرية و المعمولة دون اعتناء بالتفاصيل الدقيقة أو إتقان اللمسة النهائية التشكيلية.

يعتقد بعض العلماء أن هذه الهوية الثقافية الجديدة قد تشكلت مدفوعة ًمن ارتباط مباشر باللغة، و يشترك معهم البروفسور ريتشارد دوكينز في هذا إلا أنه يرى أن اللغة بشكلها البدائي كانت موجودة ً منذ حوالي مليون عام قبل الميلاد في الإنسان المعروف باسم Homo Ergaster أو كما يسمى أيضا ً Homo Erectus و هو الإنسان مُنتصب القامة الأول، لكنه يعزو هذه النقلة النوعية إلى التطور في اللغة لا إلى ظهور اللغة.

يتحدث البروفسور ريتشارد عن هذا التطور حيث يعتقد أن الإنسان الأوروبي الأول كرومانيون قد استطاع أن يطور تقنياته اللغوية بحيث يُعبر عن الإمكانيات و الاحتمالات مُستخدما ً جُملا ً مثل "ماذا لو؟"، و هي جُمل تتيح له أن يتحدث عن أشياء غير موجودة أمامه و حوادث لم تتم لكنها ممكنة الحدوث أو غير ممكنة الحدوث، بعبارة أخرى أن هذا الإنسان الأول قد استطاع تطوير اللغة للتحدث عن خياله بواسطة الجُمل الشرطية. يُورد البروفسور مثالا ً على ذلك بقوله أن الإنسان الأول أصبح يستطيع أن يقول جملة ً مثل: "ماذا لو كان هنالك بُحيرة وراء هذه التلة؟"

إن هذه النقلة النوعية في تاريخ البشرية التطوري و ترافقها مع نهاية العصر الجليدي الأخير و نزوع البشر نحو الاستقرار لبناء المجتمعات الزراعية الأول – و هذه محطة جديدة في التاريخ التطوري- قبل عشرة ألاف عام، قد أنتجت الحضارات البشرية الأولى التي نعرفها و سجلتها لها كُتب التاريخ، و تمت فيها أحداث مهمة جدا ً منها اختراع الكتابة و القوانين المدنية الأولى و الشرائع المكتوبة و إنتاج شراب الخمر رسميا ً. كما أن تلاحم السجل التطوري للإنسان مع ذلك الخاص بحيوانات أخرى قد ساعد بالقطع على تسهيل قيام هذه المجتمعات الأولى. فمن تدجين الكلاب و هي جميعها تنحدر من من الذئب الرمادي Grey Wolf (الجنس النوعي Canius Lupus) حوالي 15000 عام قبل الميلاد إلى تدجين الحصان لاحقا ً 4000 عام قبل الميلاد، متداخلة ً مع الثروات الزراعية و الإنتاج الحيواني، كلُّها عناصر بناء ٍ قد ساهمت في صياغة شكل المجتمعي الإنساني الدولي الأول.

يُمكننا أن نتابع التطور الفكري منذ ذلك الحين و حتى الوقت الذي كتبت ُ فيه هذه المقالة، فنندهش من قيام حضارات و فلسفات و أفكار و نُتابع بتعجب اندثارها التام أو استمرارها و محياها فيما لحقها من حضارات و أفكار و لو بجلد ٍ جديد و شعارات أخرى بنفس الجوهر أو بعضِه، لكننا بالقطع سنبلغ غاية الاندهاش حين نصل إلى المئة عام الأخيرة و التي مثلت نقلة ً نوعية ً مُخيفة ً استطاع فيها البشر تحديد موقعهم من هذا الكون بشكل أفضل عن طريق اكتشاف المجرات و النجوم و الكواكب و إرسال الرحلات الفضائية و الهبوط على سطح القمر (الإلهة الأولى و رمز الأم الكبرى)، في نفس الوقت الذي استطعنا فيه فهم الحياة بشكل أفضل عن طريق التعرف على مكونات الأجسام في أدق تكويناتها الذرية، مع ازدياد الإنتاجية و تسهيل المعيشة بإنتاج أشكال متطورة من الطاقة كالكهربائية و النووية و بناء المصانع و ظهور الأسواق الاستهلاكية و منتجاتها بشكل واسع جدا ً، مع تحويل العالم إلى قرية صغيرة بواسطة وسائل الاتصالات و تقنيات الطيران.

لم يصل الإنسان إلى نهاية رحلته التطورية بعد، و ما زالت الاحتمالات مفتوحة ً على المستقبل لظهور هوية إنسانية جديدة مُستمدة من نمط الحياة المستقبلي و تأثيره على الجينات مُستتبعا ً بالضرورة تأثيرا ً على تكوين الإنسان العضوي و مهاراته الموروثة، حسب قانون الانتخاب الطبيعي.

السؤال الذي ربما يشكل في حد ذاته رعبا ً لجنس ال Homo Sapiens هو: هل سنشهد هذا التطور أم أن سياسي الدول الكُبرى سيرمون العالم تحت مظلة ٍ شتاء ٍ نووي يقضي علينا و على هذا الكوكب، إلى أين يصعد من تحت الرماد أُناس ٌ جدد لم يعرفونا و لم يعرفوا حضارتنا يبدأون من جديد؟

سيداتي سادتي هذا ليس خيالا ً علميا ً لكن هي نهاية قد تكون حتمية لجنس ٍ لم يكن يجد ما يأكله ينزوي في الليل ناظرا ً نحو القمر من داخل كهفه بخوف، حتى وصل إلى المرحلة التي أصبح فيها يرمي محاصيل القمح في البحر من أجل تثبيت أسعارها و حفظ اقتصاده في الوقت الذي يموت فيه من الجوع مئات الآلاف في ذات القارة الإفريقية التي منها خرج ذلك الإنسان ذات يوم.

لمزيد من القراءة في السجل التطوري يمكنكم تنزيل كتاب البروفسور ريتشارد دوكينز "حكاية السلف" The Ancestor’s tale من خلال هذا الرابط:
http://www.4shared.com/office/hJyNUvRh/Richard_Dawkins_The_Ancestors_.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رسالة من تبون لمحمد السادس.. أكثر من تعزية؟ | هاشتاغات مع غا


.. حزب الله يطلق وابلا من الصواريخ والمسيرات على إسرائيل ردا عل




.. في مدنية جيل البلجيكية.. تقليد فريد لاستقبال المرضى النفسيين


.. إسرائيل مستمرة في اغتيال قياديين في حزب الله عبر استهدافهم ب




.. الغارديان: جهود البيت الأبيض لحماية جو بايدن تتعرض للانهيار