الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة اللآلئ المتوسطية (المدينة: المكونات الفكرية)

مزوار محمد سعيد

2013 / 11 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


فلسفة اللآلئ المتوسطية (المدينة: المكونـات الفكرية)


المدينة كمفهوم مجرّد هي عبارة عن طبقة معلومة من الوعي الدفاعي، إنّ قيمتها عامة، تشمل الدولة و المجتمع إضافة إلى الضمير الكلّي للإنسانية، إذ أنها تأخذ الصيغة الفلكية حين تتجسد كانعكاس لمساحة غير محصورة، و بالتالي تتغذى من مكوناتها، تلك التي تظهر في الترتيب الموجود بين المواطنين، الإخوة و الأفراد إضافة إلى الأنا المشترك الذي يحدده التوجه المتفق عليه. ".... معنى التحضر: أن يتعلم الإنسان كيف يعيش في جماعة و يدرك في الوقت ذاته الأهمية الرئيسية لشبكة العلاقات الاجتماعية، في تنظيم الحياة الإنسانية، من أجل وظيفتها التاريخية...." إن أردنـا اختصار هذا المفهوم، يمكننا القول أنّ المدينة هي: روح التزام ببنود احترام حلقات الوحدات المشكّلة لها.
1. الماهية:
المدينة هي الحيّز المشترك، للعامل الإنساني دور رئيس في خدمة تنظيمه، إذ يستحوذ هاجس البحث عن الحقيقة النصيب الأكبر خلال اتصال أفراد الإنسانية يبعضهم، بعدما كانوا في الوقت قريب أسرى وجودهم البشري، و على هذا الأساس كانت و لا تزال المدينة أهمّ صورة نمطية أخرجها الفرد الإنساني كتعبير عن حياته التي حاول دائما فصلها من حيوانيته غير المتحكم فيها.
2. الدين:
لقد تركز مفهوم الدين على الحقيقة المطلقة، وهذا ما كلّف الفرد البشري ثمنا باهظا، جعله يدفع بتبعيته للأديان قربان شخصيته، لكن دهاء الإنسان مكنه من الاحتماء بظل الأرضية الجامعة للأتباع، فكانت المدن الصرح الأوّل لخدمة الله و طاعته، هذا يظهر بوضوح في مدن عديدة مثل: القدس، إبونة و روما ..... وغيرهم، من الأماكن التي كان لها نصيب من قداسة هيبة الديانات.
3. الفن:
لطالما كانت الفنون حارسا أمينا على باب عناوين الإنسان التقدمي ممارسة و ترتيلا، بحيث أنصف الفن الإنسان، حين اتخذه هذا الأخير كوسيلة لإفراغ شحناته المعنوية، تلك التي كانت تدخل الفرد دوامة عسيرة، بحيث تؤدي إلى نتائج مفجعة، تمثلت في الكثير من الفترات على هيئة صدامات عنيفة و نزاعات مؤلمة، إنّ الفن نموذج للمأساة الإنسانية قبل وقوعها التواجدي، و بالتالي بقي وفيا لمهده الذي تمثل في حواضر المدن و نواديها مثلما كان في: صقلية و الزهراء.... الخ....
4. العلم:
لم يبلغ الوعي الإنساني مدا أبعد مما بلغه خلال زمن العلوم، و هذا لم يكن له أن يكون سوى في بيئة متحررة، لا يشغلها شاغل عدى رقيّ الإنسانية، بحيث أنّ القدرة التفكيرية تبدأ و تنتهي في حدود مجال تفاعل الأفراد، أي أنّ الفرد الإنساني يأخذ ذروة ترويته في المحيط المعدّل من قبل الموجودين المتصلين بوعيهم العام، و هذا لا يحدث سوى في إطار المؤسسة التي كانت نتيجة من نتائج المباني التي احتضنتها المدينة كما حدث في البندقية و الإسكندرية.....
5. الهوامش:
المدينة لم تكن يوما توليفة مضبوطة بدقة التفاعلات الكيميائية، إنما كائن مرن، قد يختلف الفلاسفة في حياته و جموده، و لكنهم يتفقون حول حيويته، بحيث أنّ المدينة التي تفتقد لحيويتها النابعة من انسجامها هي فاقدة بطريقة رجعية لصفتها المتضمنة في تسميتها، و على هذا! كانت لهذه الحيوية مضاعفات هي أيضا، تركزت في إطارها المجهول، بحيث ينزع بعض أفرادها لباسهم المعطى لهم من طرفها، و يقومون بما يخالف طبيعتها المتجذرة في جوهرها، و بالتالي كان لزاما عليها تغطية عجزها بصرامة ضماناتها، تلك التي تكفل احتواء التقصير في حقها، عبر مراكز الممنوع، المحرّم إضافة إلى بؤر الفحش و المنبوذ، من هذه الخاصية كانت المدينة ليست للجميع، لكن كانت بهم، كما وجد باللاذقية و أثينا على سبيل المثال.
6. العلاقات:
إذا سلّم المرء بأنّ المدن هي تكتلات إنسانية قبل أن تكون كتلا مادية، فإنّ البشر لا يتكتلون إلاّ وفق تبادلهم لوجهات نظرهم ضمن القواعد التي تضبط حدود هذا التبادل، و منه يمكن القول أنّ الإنسان إن ما أراد أن يعيش في المدينة التي تطلق هالتها و تسيطر عليها، عليه أن يساهم في إبقاء تناغمه مع سكان مدينته، بحيث تبقى المدينة مدينة إن ما بقيت روحها التي هي حزمة أرواح إنسانية، تلك التي تبني المدينة ماديـا و تحرسها، كالذي وقع في: اشبيلية، طنجة .... الخ.... ".... المدينة هي فضاء للحقيقة الإنسانية، بأديانها و فنونها و علومها و هوامشها، و لممارسة العلاقات الاجتماعية التي طالما بحث عنها الإنسان في مراحل تطوّره ضمن علاقاته اللا-محدودة، فبعدما كان يعيش في البرية بجبالها و سهولها و خلجانها و كهوفها و وديانها، أو ما يعرف بالإنسان البدائي الجوّال الذي كان يعيش على الترحال، أصبح يعيش داخل المدن و لا يستطيع مفارقتها، كائن يتحسس وعيه اليقظ خلال حياته و هو في ذلك عبارة عن كون صغير، لا يخضع لمكان محدد أو مسكن معيّن، أصبح يعبّر عن ذاته و عواطفه في الشوارع و الأزقة و الحدائق الجميلة المحفوفة بالورود و نافرات المياه... "
7. الاستقرار:
عبر التسلسل التاريخي لأيام الفرد الإنساني خلال حياته، تحوّل نمط العيش من وحدات إنسانية إلى تجمّع هذه الوحدات في قالب واحد. إنّ الوحدات التي أبقت الكائن البشري ضمن تغيير اضطراري لمكانه و مراحل أعماله اليومية، هي على حسب الظروف و الأزمنة، و بالتالي: انعكست هذه الحالة على الفرد الإنساني، فقادته إلى اضطراب نفسيّ هائل، مكّنه من الاستنجاد بالاتحادية الروحية مع الآخر، حتى و لو كان هذا الآخر حيوانـا، نباتا أو حتى قوة من قوى الطبيعة كالبرق، الرعد و الفيضان، بعدها بحث الفرد الإنساني عن إنسانيته، تلك التي وجدها في القالب الذي تحدثنا عنه سابقا، فسماه بـ: المدينة، و عمل على الحفاظ عليه، لأنّ دوام بقائه هو دوام لوجود الهناء المؤقت للفرد الإنساني، هذا الهناء الذي عوّض هذه المعتقدات المكلفة، و الذي جعل من الأفراد أكثر حرية في اختيار نمط وجودهم، و مدى سهولة تحقيق طموحاتهم، التي تمثلت أساسا في تسخير الطبيعة لخدمتهم، و ضمان إذعانها لهم مثلما ظهر في مدينة إسلام بول (اسطنبول)، و بلاد تساليا في وقت من الأوقات.

السيّد: مــــزوار محمد سعيد
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ..هل يستجيب نتنياهو لدعوة غانتس تحديد رؤية واضحة للحرب و


.. وزارة الدفاع الروسية: الجيش يواصل تقدمه ويسيطر على بلدة ستار




.. -الناس جعانة-.. وسط الدمار وتحت وابل القصف.. فلسطيني يصنع ال


.. لقاء أميركي إيراني غير مباشر لتجنب التصعيد.. فهل يمكن إقناع




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - نحو 40 شهيدا في قصف إسرائيلي على غ