الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لنفكِّر في هذه الكلمات

محمد علي عبد الجليل

2013 / 12 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذه دعوة للتفكُّر الحر، ليس على غرار دعوة القرآن المشروطة المنحازة التي تعتمد آليةَ "الانحياز التأكيدي" (Confirmation bias)، وهي آلية تقوم على تفضيل الشخص للمعلومات التي تؤكِّد أفكارَه المسبقة وعقيدتَه بغض النظر عن صحتها. إذْ إنَّ دعوة القرآن للتفكُّر هدفُها إقرار العبودية لفكرة اسمها "الله".

ندعو إخوتَنا في الإنسانية إلى التفكير من دون شروط مسبقة وليس بهدف إثبات وجود خالق أو صحة عقيدة، بل بهدف الرؤية الواضحة.

يستخدم المسلمُ كثيراً عبارات مثل: "الحمد لله على نعمة الإسلام"، "الحمد لله أننا وُلِدْنا مسلمين"، "اللهم ثبِّتْنا على الإسلام"، "الإسلام هو الحل"، "الإسلام دين التسامح"، وغير هذا الكثير من الكلام الفارغ من المعنى.

ندعو المسلمَ العاقلَ، لأنَّ غيرَ العاقلَ غيرُ مكلَّفٍ بحسب الفقه الإسلامي، إلى التفكير ولو في واحدة من هذه العبارات التي يردِّدها ببغائياً بصورة آلية.

إنْ شاء فليفكِّر في أقواله ولكنْ ليس بهدف إثبات صحتها، بل بهدف رؤيتها من كل جوانبها رؤيةً واضحةً فاضحة، بهدف رؤية الدوافع التي جعلَــتْه يقولها ويؤمن بها. المشكلةُ هي أنَّ المسلم، عندما يبحث في قولٍ لقَّنوه إيَّاه منذ الصغر، يوظِّفُ ذِهنَه وقواه العقليةَ لخدمة هذا القول ولإعطائه شرعيةً ومعنىً وقوةً لا إلى نقدِه وكشف عيوبه. مما يؤدِّي إلى تحَــكُّــم ذلك القول في خافية المسلم. وعندئذٍ يصبحُ تفكيرُه وبالاً عليه وتقييداً لقواه النفسية بدلاً من أنْ يكون سبباً في تحرُّرِه من أغلال الأفكار والإيديولوجيا والعقائد. الذهنُ هو أداة طيِّعة كاليد واللسان تنفِّــذ ما يُطلَب منها. وبالتالي يمكن للذهن أنْ يبرِّرَ صحةَ أي شيء ويعطيَه شرعيةً وقوةً مهما كان ذلك الشيءُ غيرَ منطقي. عندئذ يشكِّل الذهنُ بأفكاره الصاخبة المتلاطمة حاجزاً وعائقاً أمام رؤية الإنسان لنفسه رؤيةً واضحة. إنَّ المطلوبَ مِن الإنسانِ هو أنْ يفكِّـــرَ في الدوافع التي جعلَــتْه يقول كلامَه لا في المعنى اللغوي لكلماته بحسب معاجم اللغة. أيْ يجب عليه أنْ يبحث في نفسه هو ليعرفَ من أين جاء قولُه لا أنْ يكتفيَ في البحث في معنى هذا القول. يروي أنتوني دو مِلُّو [Anthony De Mello]، في كتابه "أغنية الطائر"، بترجمة الصديق أديب خوري (دار مكتبة إيزيس، دمشق، 2000)، أنَّ راهباً سأل معلِّمَه: "هذه الجبالُ والأنهارُ والأرضُ والنجومُ كلُّها من أين جاءت؟" فقال المعلِّم: "وسؤالُكَ من أين جاء؟"

على سبيل المثال، فليفكِّر كلُّ مسلم في عبارة "الحمد لله على نعمة الإسلام". ما معنى "الحمد"؟ ولماذا يلجأ المسلمُ إلى الحمد؟ ما الفائدة التي يجنيها من قيامه بفعل الحمد؟ وما تأثيرُ ترديد هذه الكلمات على نفسه؟ هل هو تأثيرٌ تخديري أم تأثيرٌ إيقاظي؟ هل تريحه هذه العبارة؟ ولماذا تريحه؟ هل يفضِّل كذبةً مريحة على حقيقة مؤلمة؟ أمْ أنه يقول هذه العبارةَ بدون تفكير لأنه مبرمَج على قولها؟

ما معنى "الله"؟ وأين هو؟ هل أحسَّ قائلُ العبارة بوجود "الهه"؟ وهل الشيءُ الذي أحسَّ بوجوده هو الله فعلاً أم هو أفكاره هو وأفكار محيطه؟ ما معنى "الحمد لله"؟ كيف يحمد المسلمُ اللهَ؟ لماذا يحمد المسلمُ اللهَ؟ ولماذا اللهُ أصلاً؟ لماذا يقول المسلمُ هذه العبارةَ؟ ما هي الدوافع النفسية التي تجعله يقولها؟ ما هي حالتُه النفسية عندما ردَّدَها؟ وماذا كان سيحدث لو لم يقلْها؟ وماذا كان سيقول لو صدفَ أنْ وُلِدَ في عائلة غير مسلمة؟

إنْ كان اللهُ موجوداً فلماذا يحتاج إلى الحمد؟ وإذا كان الله غنياً عن العالمين فلماذا يحمده المسلمُ؟ وإذا كان حَـــمْـــدُ المسلمِ للهِ مِن أجل تلبية حاجة المسلم لا حاجة الله فما هي حاجة المسلم إذاً؟ وكيف يلبِّيها؟ هل يلبِّيها حقاً إذا تمتم بمثل تلك العبارة؟ أم أنَّ عليه أنْ يبحثَ في جذور حاجته تلك؟

ثم ما هي "النعمة"؟ وما الفرق بينها وبين نقيضها "النقمة"؟ وهل النعمة ثابتة؟ فما تراه أنتَ نعمةً الآنَ أَلَا يمكنُ أنْ يكونَ نفسُه نقمةً غداً؟

ثم ما هو ذلك "الإسلام" الذي تعتبره أنتَ نعمةً وتحمد اللهَ عليه، بينما يحمدُ غيرُكَ إلهَه على أنه لم يولد مثلك في عائلة مسلمة؟ هل هذا "الإسلام" هو حقاً موقفُـــك أنتَ من الحياة ورؤيتُكَ أنتَ أم هو المعتقدات التي وجدْتَ عليها آباءك؟ هل فكَّرْتَ مِن دونِ تشنُّج ولا ردود أفعال بمعاني تلك العبارة ودوافع قولها؟ هل حاولْتَ أيها المسلمُ أنْ تبحثَ في داخلكَ أنتَ عن أجوبةٍ خاصةٍ بكَ أنتَ لا أنْ تستوردَ أجوبةً جاهزةً من المفتي فُلان والشيخ علَّان أو من معتقدات بيئتك ولا أنْ تردِّدَ عباراتٍ لقَّـنوك إياها؟ فما يميِّزكَ عن آلة التسجيل هو قدرتُكَ على فهمِ ما يسجَّل فيكَ وتحليلِه واستيعابِه والإحساسِ به والتفاعلِ معه والارتقاء به.

هل حاولْتَ أيها المسلمُ الكريمُ أنْ تتفحَّصَ عبارةَ "الحمدُ لله على نعمة الإسلام" لترى عيوبَها كما تتفحَّصُ سلعةً تريد أنْ تشتريَها؟ إنْ كنتَ تمحِّصُ السلعةَ لتتأكَّد من صلاحيتها لأنك تدفعُ ثمَنها بضعةَ فلوس من مالِكَ فكيف لا تمحِّص عقيدةً تدفع حياتَكَ ثمناً لها؟

هل فكَّرْتَ في معنى قولك: "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، "عليه السلام"، "جلَّ جلالُه" وفي دافعك لقول ذلك؟ ليس المطلوب منك فقط أنْ تفكِّرَ في معنى "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، بل أيضاً في السبب النفسي الخاص بك والذي دفعكَ إلى قول ذلك. لماذا تطلبُ أنتَ الرحمةَ والثناء على محمد؟ وإنْ كان المقصود التعظيمَ فلماذا تُعظِّم بشراً مثلكَ؟ وإنْ كنتَ تصلِّي على محمد من أجل ثوابٍ لك في الآخرة فأي ثواب هذا وأية آخرة تلك؟ هل أنتَ على يقين أصلاً من وجود محمد ومن وجود الآخرة؟ وهل علاقتكَ بالألوهة علاقة تجارة وربح ومصلحة ومكاسب؟

إنْ إنتَ فكَّرْتَ بالامتناع عن قول ذلك عند ذكر محمد فهل ينتابكَ خوف؟ وممَّ تخاف؟ من العقاب؟ أي عقاب؟ عقاب المجتمع بأنْ ينبذكَ إنْ لم توافق على معتقداته؟ أم عقاب الإله؟ هل تحقَّــــقْتَ أصلاً من وجود ذلك الإله الذي خوَّفوكَ منه؟ وهل تحقَّــــقْتَ من حتمية عقابه لك أنتَ؟ لا تتسرَّع بالإجابة بـــ"نعم". بل فكِّر فقط. ولا تسأل "أهلَ الذِّكر" كما لقَّنوك، بل اسأل نفسَكَ. اطرح على نفسِكَ أسئلةً ولا تُجبْ عليها. دع الأسئلةَ تتخمَّر فيك وتفعل فِعلَها لعلَّ ذلك يساهم في نضجكَ. ألقِ أسئلتَكَ في لُجَّةِ نفسِكَ وامشِ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لنفكر في هذه الكلمات - هكذا قالها وائل نجد!
فهد لعنزي ـ السعودية ( 2013 / 12 / 1 - 02:50 )
فار تفكيري فصاحت في شراييني الدماء
لوحة الاديان هل خطت باقلام السماء؟
ام كما قال المعري بمكر القدماء
ام هو الحق بدين الارض لا دين الكتاب
*****
دندن الداعي الى الدين بعود الاندهاش
انبهار الناس بالايحاء سر الانتعاش
انتعاش الروح هذا منع العقل النقاش
شدة الادهاش اولى خطوات الاستلاب
*****
ايها المؤمن جدا لا تبالغ في عنادك
افترض لو كان ميلادك في غير بلادك
اسرة اخرى وتعويد على غير اعتيادك
اي دين ستوالي بانتماء واتساب؟
*****
استمع لي ايها الممنوع من ينبوع عقله
انت كالفلاح يرضى عبث الناس بحقله
انت اذكى فاكسر القيد الذي ضقت بثقله
رشفك الاغمار لن يرويك فاشرب بالقعاب
*****
لا تغرنك في درب جموع السالكين
ربما الكثرة عنوان طريق الهاكين
اهجر الجهل وهاجر لديار المالكين
للبراهين الذي تصطاد الباب الذئاب
*****
هبط التلقين بالناس الى ارذل قاع
اجهز الجاني على الوعي بتقديس الرقاع
زرع الباس بارض الياس في كل البقاع
اسر البؤس رقابا اعتقوا تلك الرقاب
*****
لم اكن املك حين البعث في الدنيا قراري
عشت فيها بعد بعثي مسلما دون اختياري
ارضعوني ماء نور الله من ثدي البخاري
يا ترى هل ارضعوني ماء حق ام سراب؟
*****


2 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 12 / 1 - 19:59 )
تم التعليق في خانة الفيس بوك , و السبب : سعة مساحة الكتابة .


3 - الأستاذ محمد علي عبد الجليل المحترم
ليندا كبرييل ( 2013 / 12 / 2 - 13:36 )
أرجو التفضل بقبول تعليقي وشكراً

المفكر الحر وبدون شروط مسبقة شخص يوظف قدراته الذهنية لنماء الإنسانية، ولتعمير الكون، لا للتهديم، والأديان كلها بدون استثناء دعوة إلى التفكير في حدود ما جاءت به من تعاليم لا أكثر، وإلى التعصب لأفراد العشيرة الدينية، وهكذا ، فهي تعمل على تهديم الإنسانية لا على الإخاء والتعاون كما تدّعي
أوافقك على ما تفضلت به من شرح، إلا أني أقف عند عبارتك
ندعو المسلمَ العاقلَ، لأنَّ غيرَ العاقلَ غيرُ مكلَّفٍ بحسب الفقه الإسلامي ........
أستاذ عبد الجليل
العاقل هو الذي يفكر بحرية ويستخدم عقله في البحث والتحليل، ومثل هذا المقال كمقالاتك الأخرى الممتازة، غير موجهة له، وإنما هي موجهة ولا بد لغير العاقل الببغائي الذي لا يقدر نعمة العقل ومزيته
هناك بعض الناس يتهيأ لهم أنهم يستخدمون عقولهم لمعرفة الكون والله
هؤلاء أطبق الجهل على أذهانهم فما عادوا يستطيعون رؤية أبعد مما تصوره عقولهم المحدودة

مقالاتك خصبة ورحبة الأفق فشكراً لك
مع التقدير والاحترام

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال