الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في علم الاجتماع القبلي (1)

وديع العبيدي

2013 / 12 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وديع العبيدي
في علم الاجتماع القبلي (1)
عن النسب والقبيلة..
يمثل القتل صمام الأمان الرئيس في العقل الاجتماعي الشرقاوسطي، وذلك للحفاظ على قداسة إرثه الأبوي الذي بالكاد يعرف جذوره. فالعنف ليس مظهرا من مظاهر البدائية وانعدام التحضر، بل هو المرتكز الأساس في بناء الجماعات البشري الاولى، ومن مضاعفاتها القبيلة والعشيرة. وعلى قدر لزومية الطاعة والخضوع لبناء الجماعة ودوامخا، فلا بديل للعنف والترهيب لفرض الطاعة.
المحافظة على الإرث والاحتفاظ به يعني الأصالة، عرقيا وثقافيا. الكلمة التي يقوم عليها نظام تراتبي اجتماعي متسلسل عبر التاريخ. وقد استخدم المفكر هادي العلوي مصطلح (اللقاحية) رديفا للأصالة. والمقابل النقيض لها هو الهجنة، وهي دالة على اختلاط الدم والعرق والنسب. والهجين من الناس أدنى من الأصيل (صاحب الأصل). وتشكل الهجنة نقطة وسطية للنقطة المتطرفة على مسطرة التصنيف العرقي المنتهية بالعجمة. وهذه تخرج بصاحبها عن دائرة الأصالة، أو مقترباتها الممثلة بالهجنة، التي تتضمن خيطا ضعيفا من الأصالة اختلط بخيوط غير أصيلة.
نظام القبيلة والعشيرة ودوائرها، تستند إلى دستور قومي تاريخي لا يقبل المساس هو شجرة الأنساب. وتحتفظ كلّ جماعة عرقية (قوم) بشجرة أنساب تعود في أساسها إلى أصل الخليقة، ممثلا بآدم الأول- أبي البشر- أو (ابن الإله). ومن البديهي أن كلّ أمة، تحتفظ لنفسها بمستوى مميز في ذرية أصل الخليقة، تتميز به عن بقية البشر، والذراري الأدنى قيمة، أو عديمة الأصل.
يلحظ هنا – نقطة جوهرية- هي أن الاختلاف والتراتبية هو أساس النظام الاجتماعي. والنظام الاجتماعي يتشكل من التعارف والاتصال والتبادل والتعاون في مختلف المجالات والقطاعات والمستويات. وعندما يكون عدم التكافؤ وعدم المساواة أساس العلاقات أو الحياة، فلا تبقى فرصة أو احتمال لمفردات السلام والانسجام والتعاون الحقيقي.
تتجسد شجرة الأنساب في مرجعية مركزية أبوية (بطرياركية) تكون أصلا ذريا للجماعة البشرية ومنبعا لمرجعية فكرية اجتماعية. ومن رموزها العريقة [سام بن نوح]، الذي تأسست عليه فكرة (السامية) بما لها من ثقل فكري تاريخي وسياسي اليوم. ولكن يلحظ في نفس الوقت عدم ظهور أو ولادة فكرة (الحامية) أو (اليافثية) استنادا على مسميات أخوة سام الآخرين.
اعتمد الفكر العبراني مرجعية روحية تمثلت في (أبراهيم)، ومرجعية اجتماعية قبلية ممثلها (يعقوب بن اسحق ابن ابراهيم)، وجاءت الديانة العبرية الموسوية لتأكيد المرجعيات الروحية والقبلية المتوارثة. ولم يتنكر العرب لمرجعية ابراهيم (الروحية)، بينما اعتبروا (اسماعيل بن هاجر المصرية) مرجعيا قبليا لهم، اعتمادا عل نفس المصدر العبراني (التوراة).
فمرجعية أي فكرة ليست مجردة في ذاتها، وانما تعود أهميتها للجماعة المؤسسة والمنتجة والمرسخة لها، ومدى قدرة الجماعة على استمرار صيانة تلك الفكرة ورفعها إلى درجة التقديس. فمن الناحية التأسيسية –حسب المرجعية التوراتية للقصة وأشجار أنساب البشر- تم جعل (سام) ابنا أكبر لأبيه، له كل دلالات وامتيازات البكورية، وثم جرى تدعيمها بقصة رؤية حام ويافث لعورة أبيهم، بينما يقوم سام بتغطية عري والده دون النظر إليه. هذا المفهوم الذي استعاره الفكر الاسلامي وصاغه في مصطلح (الستر) [وإذا بليتم فاستتروا]!.
يشكل (الستر) أحد أبرز مقومات الفكر القبلي (العرقي)، -[أو القومي البدائي] باعتبار الفكر القبلي بداية تأسيس الفكر القومي بمعناه المعاصر-. ويمكن استنتاج صلة القرابة بين الناس ودرجة قوتها من خلال درجة المحافظة على الأسرار، سيما المتعلقة بأمور داخلية أخلاقية أو سياسية أو فضائح وعيوب، يمكن أن تضعف صورة الجماعة وتسيء لسمعتها أمام الناس. فالستر لا يعني عدم وجود عيوب وانما اخفاءها والتستر عليها والتظاهر بعكسها. هنا يلحظ أيضا تسويغ الكذب كقيمة أخلاقية سلبية، تتحول في العرف القبلي أو القومي أو الديني إلى قيمة موجبة، بحسب غايتها في حماية البناء الخارجي للجماعة.
التستر واخفاء الحقيقة يعتبر جريمة في أصول المحاكمات الجنائية، ومن الأمور المشددة لدرجة العقوبة، مما يجعل القانون القبلي والديني على طرفي نقيض مع القانون المدني القضائي.
المراءاة والتظاهر بعكس الحقيقة يجسد معنى النفاق. والنفاق تعبير مشهور في الثقافة الاجتماعي والأدب القبلي والديني، ولكنها قيمة سلبية. كيف تجتمع صفة الستر والتستر كقيمة ايجابية مع المراءاة والنفاق والتظاهر كقيمة سلبية داخل إرث ثقافي واحد؟. هنا تبرز إشكالية قيمية معقدة!
الواقع أن (النفاق) صفة غيرية يجري استخدامها ضد (الآخر)، ويمنع استخدامها داخل القبيلة. فالنفاق صفة أو حكم للحطّ من قيمة شخص أو الجماعة، وكلّ ما يحطّ ويسيء لا يجوز نسبته للجماعة الداخلية، وانما يلحق بالعدو. ينتج من ذلك، أن صورة الثقافة القبلية (العرقية القومية) تقوم على وجهين أو قدمين، ولا تنمو وتتقدم بدونهما.
تقسيم كلّ الأشياء واالمفاهيم والقيم إلى قسمين، خير (موجب)، وشرّ (سلبي). وذلك حسب معيارية الأنا الذاتية المحض [EgoٍSuper- ]؛ فكلّ ما هو خير وموجب ينسب للداخل (الذات)، وكلّ ما هو شرّ وسلبي يجري نسبته للخارج (الأخر). وهذا يكشف المضمون الشوفيني العنصري للثقافة القبلية/ الدينية/ القومية، والقائمة على تزييف الحقائق والوقائع والمفاهيم كمبدأ بنيوي أساس لنشأة تلك الثقافة واستمرارها وسيادتها.
كلّ فرد داخل الجماعة الذرية القبلية ملزم بطاعة النظام الاجتماعي وتبجيل المركزية الأبوية لزعيم الجماعة الروحي وممثله الراهن. والطاعة تستعدي إلى الخضوع، لاستمرار العمل بالمراسيم والطقوس والتعليمات الروحية المتوارثة أو المستجدة مما يرتأيه الزعيم المعاصر. والطاعة والخضوع هنا لها صفة قسرية ملزمة بفعل التربية والتنشئة الأسرية والدينية أو بفعل الأمر والتهديد والتطبيع الجبري.
استمرار الالتزام وتداول المفاهيم والممارسات المتوارثة هو صورة التقليد/ التقاليد الاجتماعية التي يقف كثيرون إزاءها بلا حول ولا قوة، إذ يرددونها أو يكررونها بفعل النطبع والعقل الباطن.
هذا التأسيس والبناء وتسويغه تحت مفهوم القبيلة والعشيرة، قبل عشرات القرون، تحول بفعل عوامل الزمن إلى طابع عام وسائد لمرتكزات القومية أو الأمة، وخرج بمفاهيمه وعناصره من الحدود الداخلية الضيقة إلى الإطار الأوسع بفعل عوامل الدعم والتحفيز والسيادة والانتشار، لما يمكن وصفه بالقبيلة المفتوحة أو الممتدة، وبنوع من الدين الاجتماعي أو الثقافة التقليدية. وفي الدائرة الاجتماعية للشرق الأوسط تخضع مختلف مظاهر النشاط الاجتماعي والفكري لعناصر العروبة والأسلمة، بدء من أنماط التفكير والمنطق الاجتماعي وليس انتهاء باللغة والفكر الديني. فالعروبة والاسلام، تدخل في كلّ الثقافات الاجتماعية للأقوام والمجتمعات الشرق اوسطية ومعظمهم من غير العرب، وهو ما ينطبق على المذاهب والمعتقدات غير الاسلامية.
خروج القبيلة كمنظومة من إطار محدود خاص إلى إطار عام، يعني كذلك خروج قيمها ومظاهرها للعموم، وزيادة مساحة سلطانها الفكري والاجتماعي. كان المفترض أن يكون هذا الخروج دالة تحول تاريخي من مرحلة/ عقلية (القبيلة) إلى مرحلة/ عقلية (الأمة)، كما هو لدى الترك مثلا. مما نتج عنه أمران خارج مجال المنطق والعصر..
- فمن جهة، غلبت قيم البداوة والقبيلة على عموم المجتمع، مما زاد حدة التناقضات الاجتماعية داخل المجتمع.
- ومن جهة ثانية، لم تنجح عوامل وحدة اللغة والدين، في التقريب بين فئات الناس والطبقات الاجتماعية والأثنية والبلدان المختلفة.
هذا التناقض الذي لا يخطر على بال السياسيين والباحثين الاجتماعيين هو المسئول عن مظاهر الاحتراب الاجتماعي والنفسي والفكري بين الناس، وبين الفرد ونفسه، رغما عن الجميع. هذا الاحتراب الذي وصفه ابن خلدون بصراع البداوة والحضارة قبل ثمانية قرون، يمكن توصيفه اليوم، بصراع السلفية والحداثة (العلمانية).
يقول لورنس العرب أنه جاء لتعليم البدوي (المتمرد) طاعة النظام، وعملت الدولة المدنية في القرن الماضي على توطين البدو وتطبيعهم على احترام مؤسسات الدولة وروح المواطنة. ومع بداية الألفية الثالثة، وانتقال الغرب لعصر ما بعد الحداثة، يغرق العرب في حالة من الفوضى الفردية وغياب القانون والنظام وتزداد مظاهر السلوكيات الفردية والعنف غير المسئول. فيما تدعم السلطات الاجتماعية والدينية التقليدية سلطاتها وأساليب عملها المتوارثة، متحدية سلطات الحكومة والشرطة والقانون.
وإذا كان الدين قد اعتمد في ظهوره على نظام القبيلة والعائلة، فأن القبيلة والعشيرة اليوم تستخدم الدين لاستعادة نفوذها التقليدي، وجعل الولاء للقبيلة وزعيمها، بديلا عن المواطنة والدولة. وعلى مذبح القبيلة والدين، تعيش بلدان المنطقة طفرة رهيبة في ارتفاع معدلات الجريمة والعنف اليومي، وتسود مظاهر لا سابق لها من حالات انعدام الأمان والأمل واضطراب القيم والأخلاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء أتال يقدم استقالته للرئيس ماكرون الذي يطلب منه


.. مدير الشاباك الإسرائيلي يتوجه لمصر لمواصلة المحادثات بشأن وق




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على جنوبي غزة وسط توغل بري وإطلاق ل


.. قراءة عسكرية.. فصائل المقاومة تكثف قصفها لمحور نتساريم.. ما




.. هآرتس: الجيش الإسرائيلي أمر بتفعيل بروتوكول -هانيبال- خلال ه