الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في علم الاجتماع القبلي (2)

وديع العبيدي

2013 / 12 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وديع العبيدي
في علم الاجتماع القبلي (2)
الأم ليست الأصل..
المتعارَف في الدراسات التاريخية والفلسفية، اعتبار العائلة أصلا للقبيلة (العائلة، القبيلة، الدولة) كما لدى هيجل، وكان ذلك أحد دوافع الاعتقاد بأن المجتمعات النسوية (الأموية) كانت سابقة للمرحلة الأبوية (البطرياركية) [الثقافة الأبوية- الجنس عند العرب/لابراهيم الحيدري]. لكن مثل هذا الاعتقاد لا يحمل أية دلالة أو إشارة لمفهوم العائلة الذي نعرفه اليوم.
فالعائلة كعلاقة اجتماعية/ اقتصادية منتظمة بين شخصين [رجل وامرأة] تتأسس على التزامات نفسية أدبية تتمثل في حياة مشتركة وانجاب وحضانة وتربية وتنشئة، وصولا لتنشئة حلقة جديدة من عوائل الأبناء والبنات وفق نفس الأسس، وهكذا دواليك..... مفهوم (العائلة) هذا.. حديث استغرق عشرات القرون من التطور الفكري والمدني، لترسيخه وانتشاره كحالة مثالية لتحقيق التعايش والتعاون والأمن والسلام الاجتماعي داخل المجتمع. ولا يمكن تصوره أو تجذيره - بسهولة- كما جرى في بعض الكتب الدينية والتاريخية.
مثل هذا المفهوم لا ينسجم مع الحالة العربية ممثلا في صورة القبيلة، كأساس للنظام الاجتماعي حتى اليوم. أعني ان القبيلة - العربية- وخلافا لطروحات هيجل ليست تطورا للعائلة ولا امتدادا لها، وذلك لسبب رئيس هو مركزية المرأة في العائلة، بينما تعدم وجود المرأة في حياة القبيلة وثقافتها. وما زالت المرأة عند العرب تفتقد المكانة اللائقة ومعيار الشراكة البشرية، كما هي في الغرب.
ويكاد الأدب العربي [ديوان العرب] يعدم قصيدة في الأم كما وصفها معروف الرصافي [1875- 1945م] والتي قد تكون من أول النصوص في هذا المجال. وحتى شعر الغزل العربي يركز على أعضاء المرأة الجنسية أكثر من اهتمامه بانسانيتها، واعتبارا كيانا نظيرا أو ندا صديقا. ويلحظ اليوم انتشار حالات نفسية لدى الرجال تتمثل في [الحنين للأم] أو التصاق الأبناء بشخصية الأم أكثر من الأب في التنشئة الحديثة، وهو من خصائص المجتمعات المدنية الشمالية والغربية، ولا صلة له بالثقافة العربية القبلية القائمة على مركزية الأب ونسبه وإرثه.
العرب في شبه جزيرتهم الصحراوي يختلفون عن أهل الشمال [العراق والشام ومصر] كما يختلفون عن الايرانيين وراء الخليج والبربر وراء البحر الأحمر. حيث تحتل المرأة –تحديدا الأم- مكانة متميزة، كانت تصل إلى درجات القداسة في المأثور المصري القديم، وهي صاحبة الأمر ومركز النفوذ لدى البربر (كنداله) التي تقود شعبها، وهي التي كانت على رأس الجيش البربري في التصدي لغزو العرب لتونس. ولا يزال يمكن تلمّس آثار هذه المكانة في المجتمع والعائلة الايرانية.
للأسف لا يوجد وجه مقارنة بين المرأة العربية –بحسب الثقافة القبلية الصحراوية-، والمرأة في أي مكان من ثقافات الجوار، الذي منه اليمن السعيد. فالحضارات اليمنية القديمة، امتدادا لأصولها البربرية والشمالية حفظت مكانة المرأة ورفعتها فوق مكانة الرجل اجتماعيا ومعنويا، ولعل المرأة اليمنية القديمة، هي الوحيدة إلى جانب البربر، توّجت المرأة على رأس الجماعة السياسية.
وهناك مفارقة تاريخية اجتماعية بين الامتداد اليمني إلى الشام، على طول خط القوافل القديم [حضرموت- صنعاء- دمشق]، لتشهد ظهور شخصية زنوبيا الغسانية اليمنية التي حاربت جيش الروم ووسعت مملكة تدمر لتشمل بلاد الأناضول والشام جنوبا حتى سيناء. ولكن زنوبيا وأهل تدمر والغساسنة وكثيرين ليسوا من العرب، ومن الجنايات التاريخية القاتلة خلط المستشرقين وتلاميذهم المؤرخين العرب وكتاب التعريب القومي، بين حقيقة الأصول اليمنية وهويتها التاريخية والثقافية الناصعة الوضوح، وبين الأعراب البدو سكان وسط الجزيرة وهويتهم الثقافية المعروفة جيدا؛ دون وقفة علمية مقارنة عند الأصول والعادات والثقافات الاجتماعية المميزة بين أولئك.
وفيما اهتم الباحثون بالدراسات اللغوية وتوقفوا لدى قواميس كلّ جماعة وأقلية وأنظمة النطق لديها ومخارج الأحرف، وأصول بدايات الكلام ونهاياته، مما اندرج في كتب ومصنفات؛ عَدِمَ البحثُ الاجتماعي في حياة الجماعات البشرية تلك، رغم أن العادات ومظاهر السلوك أكثر وضوحا وأهمية لدى الاقتراب والتعامل مع الناس.
وأبرز تلك المظاهر أو الظواهر الاجتماعية هو مكانة المرأة في القبيلة.
النظرة العربية القبلية للمرأة لا تنطلق من قيمتها "الذاتية" ككائن انساني (نظير) الرجل، وانما يتم النظر إليها من قيمتها "الاستعمالية" باعتبارها (سلعة). فالسلعة ليس لها أهمية في ذاتها، وانما قيمتها تكمن في مدى صلاحيتها للاستعمال، والفوائد المترتبة على استخدامها (الوظائف).
هناك كتاب يؤكد الوظائفية السلعية (الجنسية) لجسد المرأة ويحدد صلاحيتها ونفاذها بمدة خمسة عشر عاما [فئة 15- 30، فئة 30- 45]. بينما يحدد عمر الرجل بمعدل يزيد عن (60 عاما). الرقم ستون بالقسمة على (خمسة عشرة) يكون الناتج الرقم (أربعة)، وهو التشريع الفقهي لعدد الزوجات المسموح به في الاسلام. ان جسد المرأة لا يحتفظ بمواصفاته التنافسية خمسة عشر عاما، ولذلك يلجأ الرجل لتجربة أخرى، كما تستطيع هي الحصول على تجربة جديدة. ويلحظ عدم وجود زيجات معمرة في تاريخ العرب [باستثناء زيجة خديجة الأسدية من محمد]. ويتم تطليق المرأة بعد الانجاب أو بعد قضاء الحاجة منها.
وبالمقابل لا يوجد استئثار بالمرأة مهما كان جمالها ونسبها، عند العرب..ويلحظ في قصص تزاوج أعداد من الرجال من نفس المرأة، حيث يطلقها الواحد ليتزوجها الآخر. وثمة نساء أفرادا كن أزواجا لجميع الخلفاء الراشدين وبعض الصحافة على التوالي، وذلك لخصائص حسنهن أو تضخم مؤخراتهن، أو مهاراتهن الحرفية في السرير. وهو ما يبرر ظهور فكرة (امهات المؤمنين) والنص الديني على عدم جواز الدخول فيمن دخل فيهن الرسول. وكان عمر عائشة بنت ابي بكر ما بين [18- 21 عاما] حين ترملت، وعمّرت دون أن يحق لها الزواج، فالتجأت للسياسة، ولم توفق!.
هذا المبدأ الاستعمالي للمرأة (السلعة) هو المرجعية الفقهية التي تقوم عليها كلّ الثقافة العربية القبلية بشأن المرأة. ولا غرابة بعد ذلك – شخصيا كنت أستغرب حقا- من كثرة تصانيف العرب والمسلمين (يجري وصفهم بالعلماء وربما المفكرين) في موضوع [فقه المرأة، فقه النساء، فقه النكاح، المستطاب والمستقبح في أوصاف النساء، غزل النساء] وغيرها مما يدفع مكانة المرأة إلى حضيض التفكير الاجتماعي.
وعلى أساس القيمة الاستعمالية جرى تبرير وتسويغ تعددية الزوجات (في الاسلام) بمرجعية قبلية بدوية واضحة، كتقليد اجتماعي سابق تخذ صفة دينية دائمية. وهناك ثلاثة أوجه لاستعمال المرأة هي [خدمة، متعة، انجاب] تحدد أهميتها ومكانتها لدى (السيد) أو الجماعة. ويلحظ عدم ورود صيغة (زواج) في هذه العلاقة، وكذلك اختفاء فقرة/ فكرة الرضاعة والحضانة فيما يخص الانجاب. حيث يجري التعامل مع كلّ جزء كخدمة مستقلة، يمكن أن يتولاها شخص آخر، بقصدية واضحة.
فصل (الانجاب) عن (الارضاع) الغاء ضمني لمعنى (الأمومة). يترتب عليه تدمير مكانة الأم ليس الاجتماعية في القبيلة والجماعة، وانما مكانتها النفسية بالنسبة للفرد/ الطفل. ومن الخصائص النفسية.. [الحميمية والحنان والدفء والشوق والارتباط الدائم (العِشرة والاستقرار)]، مما يتنافى مع القيم البدوية الممثلة في عدم الاستقرار وعدمية المشاعر والمحافظة على القوة الجسدية العضلية واللياقة القتالية.
في أفلام جيمس بوند المشهور بتصيّد النساء، يلحظ أنه يترك المضجع بعد الجماع مباشرة، تحوّطا من اصطياده وهو نائم، أو تكون المرأة - العشيقة- مصيدة له. مثل هذا السلوك الجنسي تعلمه الانجليز من البدو/ العرب، ويصفه الأديب غالب هلسا [زنوج وبدو وفلاحون/ 1976] في واحدة من قصصه، حيث (يدفر) الرجل المرأة بعد قضاء وطره منها ويبتعد عن فراشها.
فالعلاقة الجنسية العادية بين الجنسين لا وجود لها في العرف القبلي، وهي لا تتجاوز عملية النكاح وهو (الايلاج/ الدخول) ويلحظ أن لفظ الدخول منصوص في [عقد النكاح] كشرط لتوقيع شرعية الارتباط. بينما العلاقة الجنسية (الحياة الجنسية/ الثقافة الجنسية- بتعبير أوسع) هي أكثر من مجرد الايلاج، الذي لا يتحقق تماما من غير مقدمات نفسية وحسية معتبَرة، وتعقبه كذلك جملة ممارسات نفسية وحسيّة على درجة من الأهميّة لبلوغ غاية العلاقة الجنسية للطرفين، وليس لأحدهما دون الآخر.
وصف العلاقة بين الجنسين بالجنس [sex] بالتعبير الانجلو أمريكي، (النكاح- عربيا) يتضمن درجة غير قليلة من التسليع والتجريد النفسي، بينما وصف العملية بالحبّ بالتعبير النفسي الفرنسي أو الألماني يرفع قيمة العلاقة والاتصال النفسي والجسدي بين الطرفين. وعندما ترتفع قيمة العلاقة بين أثنين، ففي ذلك تقدير ضمني متبادل في نظرة كلّ منهما للآخر.
فالاتصال الناجح (communication) بين أثنين يشترط أمرين إلى ثلاثة [التكافؤ- المساواة- الاحترام]، وهو ينطبق على العلاقة الجنسية (الحبّية) في كلّ صورها ومستوياتها، ولا بدّ أن يكون قاعدة أساس للعلاقة الزوجية.
وقد ذكرت أن الثقافة القبلية العربية لا تعرف نظام الزواج، أو أن ثقافة الزواج الحضارية غير مضمّنة في الثقافة العربية المتصلة للآن. لأن مكانة المرأة - دونية- سواء في علاقة الزواج أو خارجها. وما زلنا نحن (مدينين!!) جميعا في ثقافتنا الجنسية للغة الشتائم والسباب التي تندلق على كلّ مصاريعها في حالات الشجار والاختصام بين الصغار والكبار، وذلك قبل زمن طويل من تعلم القراءة واصطياد الكتب ذات العلاقة.
وقول على قول في هذا المجال، تحتل الشتائم والتعابير الجنسية أسبقية وأهمية لدى تعلم اللغات الجديدة، قبل أي شيء آخر، وهو أمر لا يقتصر حكمه على العرب، وانما على الأوربيين الذي يتعلمون العربية ويرافقون العرب. ولدى تولي بول بريمر الحاكم الأمريكي أمر العراق، أتقن بعض الشتائم باللهجة العراقية التي كان يستخدمها لنهر أعضاء مجلس حكمه.
وعندما تستند ثقافتنا الجنسية للغة الشجار والخصومة والتحقير، وهي حالات تفرق الناس وتزرع في لا وعيهم ذكريات مرة وخاوية، سوف تبقى تشكل عائقا في طريق الاتصال بالآخر، ومنه الأنثى. ولا يفوتني الاشارة هنا إلى مخزون اجتماعي متراكم من (النكت والحزازير) التي تظهر في حالة مخالفة وهي التسلية والفرفشة. فأعضاء الأنثى ومفاهيم الجنس هي أدوات حربية ينال بها كلّ طرف من الآخر، أو هي أدوات استفراغ نفسي واجتماعي لملء وقت الفراغ دون إرهاق الذهن أو الجسد. والواقع، أن النكتة مهما كانت بريئة، ومنذ البدء، هي سلاح حربي أبيض، قد يخلو من العنف المادي المباشر، ولكنها ليست خلوا من عنف فكري مؤدلج متراكم. وتعتمد كلّ النكات على وجود طرفين، أحدهما يمثل مركز القوة والذكاء، والآخر يوصف بعكس الأول، بالضعف والغباء. أنها اسطورة التفوق والتخلف الحضارية اليوم، وهي تجسيد لعقلية [البقاء للأقوى].
يمكن الخلوص مما سبق لتلخيص واقع المرأة/ الأم في الثقافة القبلية..
- تسليع المرأة وتصيفها حسب الوظيفة، ومنها فصل الانجاب عن الإرضاع والحضانة الذي تتولاه امرأة أخرى بالايجار.
- ومع اعدام دور الأم، ينفرد الأب بمرجعية العائلة والقبيلة، وهو أساس النسب.
وكانت أمي تؤكد في طفولتي أن الناس في يوم (الحشر) يُدعَون بأسماءِ أمهاتهم، وليس آبائهم. وحتى محمد يقال له (ابن آمنة)، و (عيسى ابن مريم). وإذا كان الناس يُنسبون إلى أمهاتهم يوم القيامة، فلماذا لا يفعلون ذلك في هذه الدنيا. هل تختلف هذه الأيام بشيء عن القيامة؟!..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء أتال يقدم استقالته للرئيس ماكرون الذي يطلب منه


.. مدير الشاباك الإسرائيلي يتوجه لمصر لمواصلة المحادثات بشأن وق




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على جنوبي غزة وسط توغل بري وإطلاق ل


.. قراءة عسكرية.. فصائل المقاومة تكثف قصفها لمحور نتساريم.. ما




.. هآرتس: الجيش الإسرائيلي أمر بتفعيل بروتوكول -هانيبال- خلال ه