الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد الميلاد

سامي حرك

2013 / 12 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


عيد الميلاد
العيد في مصر القديمة هو "حِب", وحروفه في الكتابة الهيروغليفية مكونة من حرفين إثنين, هما حرف (ح) بعلامة الحبل المجدول, وحرف (ب) بعلامة القدم, أي أنه كان يُكتب بحرفين هجائيين من ذوات الصوت الواحد, حيث تعددت طرق التعبير في الكتابة المصرية القديمة, بين الحروف ذات الصوت الواحد أو الصوتين أو الثلاثة!
أما علامات التمييز أو المُخصص لكلمة العيد (حب) فأشهرها وأبسطها علامة بشكل نصف القمر يتوسطها مربع يرمز للإعلان (الدعوة) في الجهات الأربعة, أما عن شكل نصف القمر فتفسيره إرتباط معظم الأعياد بأنوار القمر الليلية, ويمكن القول بأن أعياد المصري القديم هي عبارة عن ليالي, كلها إحتفالات مسائية, بإستثناء مناسبات قليلة كـ عيد ميلاد الشمس (شم النسيم) الذي يحتفل به مع شروق شمس الصباح, ورفع عمود الـ "جد" صباح آخر أيام الحج في أبيدوس, حيث يحتفل الحجيج مع رفع العامود بقيامة أوزيريس وتدبيره لشئون مملكته دورة كاملة حتى موعد الحج القادم, ويتبادلون بينهم التحية الباقية أبدا:
قام أوزير/ بالحق قام
أوزير أنست/ أريس آنست
إذن غالبية أعياد قدماء المصريين كانت مناسبات إحتفالية ليلية, وكثيرًا ما قدموا أو أخروا مواعيد تلك الأعياد لتوازي وتقترب من ليالي أنوار القمر, تمامًا كما هو الأمر في الموالد الحالية, مواعيدها جميعًا في ليالي قمرية, أما لماذا تشكلت علامة العيد "حب" من نصف القمر, أي نصف دائرة, وليس قمرًا كاملاً بدائرة تامة, فأظن السبب كتابي فني, حتى لا تتشابه تلك مع علامة الشمس "رع" وقد سبقت بحيازة شكل الدائرة الكاملة!
لم يحتفل المصريون بموت "أوزير" أول الشهداء في التاريخ, بل توجد في قائمة الأعياد مناسبة للإحتفال بيوم مولده وذلك أول أيام الشهر الصغير "أبد-كوجي", ومناسبة أخرى ليوم قيامته بزرع شجرته, أي عيد شجرة أوزيريس الذي إقتربت أيامه في 15 كيهك الموافق 24 ديسمبر والذي مازال الوجود يحتفي به في نفس الموعد تحت إسم شجرة الكريسماس!
هكذا كانت الإحتفالات كلها للميلاد, حتى مناسبات العزاء في الموت فإنها كانت إحتفالاً بميلاد جديد للروح, حيث في أعياد الـ "واج", وهي إحتفالات بالوجود الأوزيري أكثر من كونها سرادقات عزاء للفقد, فالميت موجود طالما أوزيريس موجود!
"عيد" في اللغة العربية من العادة, وفي اللغة المصرية "حب" من الإجتماع, وفي اللغات الأوربية "feast" من الوليمة, في كل الأحوال العيد هو حالة إنسانية فريدة, دوريات إجتماعية منتظمة, تميز بها الإنسان عن غيره من الكائنات الحية, فلا يوجد أي كائن حي آخر يحتفل دوريًا بمناسباته وذكرياته إلا الإنسان, إذ لا يمكن إعتبار الهجرات الدورية للطيور وبعض الحيوانات, ما بين الشمال والجنوب إلا أنها سعي حثيث للرزق, طلبًا للدفء والطعام وهربًا من البرد, دوريات ينتجها الجهاز المناعي أو يستدعيها الجهاز الهضمي, أما ذاكرة الأعياد فإنتاج حصري للوجدان (القلب/ الدورة الدموية)!
القرائن والأدلة الأثرية على وجود الأعياد في فكر المصري القديم تبدأ من رسوم الجلف الكبير (10000 ق.م) كما تظهر بوضوح أردية طقوس عيد تجديد الشباب الثلاثيني "حب-سد" في آثار نقادة الأولى (4400 ق.م), كما تُعد قوائم الملوك المكتوبة من زمن الأسرة الخامسة (2400 ق.م) على حجر باليرمو, هي أقدم أثر مكتوب يحتوي ذكرًا صريحًا لعدد مُجمَّع من أسماء وتواريخ الأعياد كـ "عيد الجلوس على العرش", وعيد توحيد القطرين "سما-تاوي", وعيد ميلاد الشمس, وكذلك أجمل وأسعد الأعياد, عيد أبو الفصاد - الصقر حورس, "عيد ميلاد الطفل حورس" في مدينة "بوتو", يوم 23 برمهات, حيث سجلت قائمة أعياد حورس في معبد إدفو, "عيد حورس في بوتو" اليوم الثالث والعشرين من الشهر الثالث في فصل الشتاء "بِرِّت"!

- لكاتب المقال كتاب بعنوان "الأعياد", ينتهي بقائمة كاملة للأعياد في مصر القديمة.
- المقال إهداء للصديق الباحث المفكر عصام ستاتي, في عيد ميلاد "مريم".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تنظر الحكومة الإسرائيلية لانتهاء مفاوضات القاهرة دون اتف


.. نتانياهو: إسرائيل مستعدة -للوقوف وحدها- بعد تعهد واشنطن وقف




.. إطلاق مشروع المدرسة الإلكترونية في العراق للتقليل من الاعتما


.. نتنياهو: خسرنا مئات الجنود بغزة.. وآمل تجاوز الخلاف مع بايدن




.. طلاب إسبان يدعمون غزة خلال مظاهرات في غرناطة