الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانيون والإسلاميون وإمكانية الحوار؟

محمد أوالطاهر

2013 / 12 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نودُّ في هذا المقال المقتضب، توضيح الإشكال القائم بين التيار العلماني والتيار الإسلامي في العالم "العربي"، وكيف أن الطابع الإيديولوجي لكل تيار قد حال دون فتح باب الحوار لتدارك ما يمكن تداركه من نقاط مشتركة قد يكون الرابح الأول والأخير منها هو المجتمع بجميع أطيافه ومذاهبه.
في البداية، لا بد من التذكير بأن العالم اليوم يتكلم لغة الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ غير أن إفرازات النقاش حول هذا المعطى الإنساني في العالم العربي قد طاله الشطط، فكان أن أصبح كل من يحاول المس بهذا المعطى يعتبر رجعيا أو سلفيا، وكل من يدافع عن هذه اللغة الجديدة التي يتكلمها العالم يسمى متغربا أو علمانيا: إنها الثنائية الجديدة التي استطاعت السلطة كبنية كونية لاشعورية أن تؤسسها بعدما فشلت ثنائية القطبين الإشتراكي والرأسمالي، أي إن الثنائية الجديدة التي طفت على السطح في مجتمعنا المغربي كما هو الحال في باقي المجتمعات ذات الغالبية الإسلامية هي بين العلمانيين والإسلاميين.
إن الصراع القائم بين هاذين القطبين قد يجد ما يبرره تاريخيا من خلال ارتباط الحداثة بالإمبريالية والإستعمار، والإسلام بالجهاد ومقاومة الآخر المختزل في صورة المستعمِر؛ غير أن الإشكال كامن في كون هذا التبرير لا يفتأ يُترجم اقتصاديا وسياسيا في مجتمع قد يتم تحديده خارج هذه الثنائية ارتباطا بالمعطيات السوسيو- ثقافية وبالمؤشرات الإقتصادية.
من هنا نلحظ أن تحديد الصالح العام لدى الطرفين (العلماني والإسلامي) يجد جذوره في المخيال التاريخي لكلا التيارين، مما يحتم بداية الوقوف على المكون التاريخي لهذين القطبين، وكيف أنهما ارتبطا بفترة تاريخية اتسمت بطابعها الإيديولوجي أكثر مما كان همها الإصلاح الإقتصادي والتربوي والسياسي للمجتمع.
على هذا الأساس، ندعو إلى تعليق الصراعات الإيديولوجية والتاريخية بين التيارين، قصد بناء رؤية قوامها الإصلاح المجتمعي (قضية التعليم، الصحة، العيش الكريم وبناء المجتمع المنتج، الفعال والمتنوع)؛ بعبارة أخرى، نحتاج إلى فلسفة الاختلاف المرجأ كما صاغها الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، أي أن تصبح هويتنا مؤسسة على حاضرنا وليس قابعة وراءنا، كي تكون مشروعا نبنيه جميعا انطلاقا من قضايا يطرحها مجتمعنا الحالي.
قد نجد لنا ما يبرر هذا الطرح في الحركات الإحتجاجية التي طالت العالم العربي والتي بات يصطلح عليها إعلاميا بالربيع العربي؛ لقد كان لهذه الحركات طابع اجتماعي منطلقه رفع شعارات الكرامة الإنسانية، العيش الكريم وغيرها من المطالب الإقتصادية والسياسية، إذ لم ترتبط هذه الحركات بأي شعارات دينية إلا في مرحلة متأخرة وخاصة لدى صعود الإسلاميون إلى الحكم.
بناء على هذا المعطى، نرى أن على الطرفين (العلماني والإسلامي) تجاوز الطابع الإيديولوجي الذي لا ينسجم وتطلعات المجتمع الشبابي بامتياز، والذي يرنو توسيع مجال الحريات الفردية وصلاحيات المجتمع المدني؛ هذا المعطى يفرض على التيارين فتح باب الحوار المنخرط في أفق توسيع إمكانات هذا المعطى سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. فما مقومات هذا الحوار؟ وكيف يمكن ترجمته في الواقع المجتمعي؟
أولا مقوم من مقومات هذا الحوار هو تحديد المفاهيم (علمانية، إسلامية) والوقوف عند التقابل علماني/إسلامي، الذي يوهم بكون الفريق الأول لا علاقة له بالإسلام وأن الفريق الآخر عدو لكل حداثة وتحديث؛ هذا ما جعل العلمانية في المخيال المجتمعي العربي مرتبطة باللادينية، والإسلام مرتبطا بالإرهاب في المخيال المجتمعي الغربي.
من هنا ضرورة بناء أرضية مشتركة لمحاصرة دعاة التطرف من العلمانيين والإسلاميين معا، أي أولئك الذين يعتنقون فكرا هجوميا ويستخدمون لغة إقصائية تدعي امتلاك الحقيقة وتحارب مخالفيها، وكذلك لتجاوز الإتهامات المتبادلة (إرهابي، متطرف، متغرب، زنديق، متشدد) والخروج من منطق الثنائيات: إما المشروع العلماني وإما المشروع الإسلامي، المتسم بفكرتي الإختزالية وتعميم الأحكام.
انطلاقا من هذه الأرضية، يكون القاسم المشترك هو مقاومة الإستبداد والقهر بجميع أشكاله، سواء أكان دينيا (باسم الإسلام) كما هو الحال في إيران والسعودية، أو علمانيا (باسم الحداثة) كما كان عليه الأمر في تركيا أيام أتاتورك؛ لذلك يقتضي الأمر على الإسلاميين من جهة، مراجعة مرجعياتهم بخصوص تطبيق الشريعة ونظام الحكم أو مقولة الإسلام هو الحل، وعلى العلمانيين من جهة أخرى، مراجعة مواقفهم من مسألة التراث وقضية حضور الديني في المجال العمومي ومسألة التفريق بين علمانية شاملة وأخرى جزئية كما حددهما المفكر المصري عبد الوهاب المسيري.
هذا الوعي لدى الطرفين يبين مدى إدراكهما أن المساهمة في تغيير المجتمع تقتضي تجاوزا ايديولوجيا والتزاما بقضايا الإنسان والمجتمع من خلال المشاركة في إقامة مشروع ديمقراطي قوامه التعددية السياسية، التنمية الإقتصادية، التنوع الثقافي وتدبير شؤون الدولة والمجتمع انطلاقا من ثقافة إنسانية تنفتح على مشارب متعددة روحية كانت أم فلسفية.
يمكن أن تترجم هذه الأرضية المشتركة في الواقع المجتمعي من خلال عدد من المجالات:
ففي مجال الفن على سبيل المثال، يمكن تجاوز عبارات الفن النظيف والملتزم لبناء ما يمكن تسميته بالفن العادل، أي الإتفاق على معايير الكفاءة والجدارة والأهلية ومحاربة كل أنواع الريع الفني وأشكال المحسوبية والرشوة التي قد تطال هذا المجال.
بخصوص مجال الإقتصاد مثلا، يمكن الحديث عن أخلاقيات الإقتصاد، والبحث في كيفية تحقيق التوزيع العادل للثروات ومحاربة كل أشكال الريع الإقتصادي وتطوير المبادلات المالية، وذلك عن طريق الإستفادة من أحدث ما وصلت إليه النظريات الإقتصادية ولمِ لا الإستفادة كذلك مما بقي فعالا وصالحا في نظريات الإقتصاد الإشتراكي- الماركسي أو الفقهي- الإسلامي قصد تدارك ما اشطط في الإقتصاد الرأسمالي الحديث، دون الوقوع في شراك مقولات ايديولوجية كمقولة الإقتصاد الإسلامي التي قد تسقطنا في مطب الثنائية الفقهية الكلاسيكية: مسلم/كافر، حلال/حرام، دار الحرب/دار الإسلام؛ بهذا يكون الواقع ومتطلباته هو النقطة المشتركة التي من خلالها نحتكم لمعالجة المشاكل التي يعاني منها الإقتصاد الداخلي.
ختاما نقول، إن مقاربتنا هذه قد لا تنفلت من كونها ايديولوجية ترنو تجاوز الصراع القائم حاليا بين التيار العلماني والتيار الإسلامي في العالم العربي، وقد يرى البعض فيها توفيقا أو تلفيقا لا أكثر ولا أقل، حيث إن الصراع محكوم أساسا بالمرجعية الإيديولوجية لكل تيار خاصة إزاء قضايا كقضية المرأة، المساواة، الحرية الدينية، الحرية الجنسية وغيرها؛ بل قد نعتبر مقاربتنا ساذجة إذا أخذنا في الإعتبار كون الصراع في العمق هو صراع مصالح وأن الإيديولوجية التي تطفو على السطح ما هي إلا مؤشر على الطابع السلطوي الذي يحكم السياسة عموما، والتي من خلالها تنكشف حقيقة السياسة الخبيثة بطبعها أنطولوجيا وليس أخلاقيا.
على الرغم من هذا وذاك، فإننا نؤكد على الطابع البرغماتي للقضية، ولعل هذه المقاربة التوفيقية قد يكون لها دور على الأمد البعيد في تغيير العقليات وبلورة ثقافة إنسانية تحتكم لمعطيات الواقع واستنتاجات العقل البشري بمفهومه المعاصر، بعيدا عن أي تحديدات ايديولوجية (عرق، دين، جنس، طبقة...)، وإن كان من غاية وراء ذلك، فهي توسيع رحبة الوجود البشري وتحقيق الكرامة الإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 12 / 6 - 22:37 )
العلمانيّه وجه من وجوه الإلحاد .
الملحد يعترف بـ(الإنتخاب الطبيعي) و يرى الإنسان مجرد حيوان كبقيّة الحيوانات!... الآن لماذا الإنسان الملحد يتمرد على الطبيعه و قوانينها؟! .
مثال : (الإنتخاب الطبيعي) يقول : (البقاء للأقوى) , إذاً , عندما نرى قط يغتصب قطه ؛ فالأمر عادي , عندما نرى حيوان يقتل حيوان ؛ فالأمر عادي , عندما نبيد ملايين البكتيريا ؛ فالأمر عادي .
عندما نرى رجل يغتصب إمرأه ؛ تحصل محاكمه , عندما نرى إنسان يقتل إنسان ؛ تحصل محاكمه , عندما نبيد حضاره إنسانيّه ؛ تحصل محاكمه دوليّه!!! .
لماذا هذا التمرد الإنساني على (الإنتخاب الطبيعي)؟! .
لا يوجد إلا أحد أمرين :
1- القبول بالأديان و مركزيّة الإنسان .
2- القبول بـ(الإنتخاب الطبيعي) و ترك حقوق الإنسان , و العداله , و الحريّه , و لتنتهك الأرض و لينتهك المال و العرض , و يسود قانون الغاب .


2 - تعليق على تعليق 1
نور ساطع ( 2013 / 12 / 7 - 03:08 )

عبد الله خلف يقول : ( لماذا لا يُحاكم الديك عندما يغتصب دجاجه أو القط عندما يغتصبه قطه
===========================================

نور يقول : ) أولاً لأن الديك يصيح الله ~ ثانياً لأن القط على ظهره الله

ولهذا لم يحاكما بسبب إيمانهما !!


ديك http://www.youtube.com/watch?v=e4HgUFsQMGY


قط http://www.youtube.com/watch?v=KWIOB7KX3ik

: )


3 - تعليق على تعليق 2
نور ساطع ( 2013 / 12 / 7 - 03:11 )

عبد الله خلف يقول : ( عندما نبيد ملايين البكتيريا ؛ فالأمر عادي .
===========================================

نور يقول : ) وهل يعلم المعلق عبد الله خلف هو و أعوانه أكثر شعوب

العالم يبيدون مليارات البكتيريا البريئة كلما يتوضؤون !!

: )


4 - تعليق على تعليق 3
نور ساطع ( 2013 / 12 / 7 - 03:14 )

عبد الله خلف يقول : ( عندما نرى رجل يغتصب إمرأه ؛ تحصل محاكمه
===========================================

نور يقول : ) إذن لماذا لم يحاسب أشرف خلق الله على فعلته الشنيعة؟

عندما أغتصب الطفلة الصغيرة عائشة؟

: )


5 - تصحيح أخطاء عبد، تعليق واحد
ألأمل المشرق ( 2013 / 12 / 7 - 15:11 )
أولا يقول عبد الملحد يعترف بـ(الإنتخاب الطبيعي) ويرى الإنسان مجرد حيوان كبقيّة الحيوانات
وهذا خطأ
الصح: كل الناس العقلاء بمن فيهم الملحدين يعتبرون المسلم المتطرف الإرهابي مثل صاحب التعليق فقط، دون الحيوانات ويعتقدون أنه يجب أن يعامل مثل الحيوانات التي أصابها داء الكَلَب، أما باقي الحيوانات فهي مخلوقات تجب حمايتها ومعاملتها بلطف بما في ذلك الكلاب التي احتقرها الإسلام بشكل عام والحمار الذي اعتبر الإسلام صوته من أتكر الأصوات. فهذا السلفي مثلا صوته ووجهه وما ينطق به، أنكر من الحمار بألف مرة
https://www.youtube.com/watch?v=nxcXMIInswI
ثانياً يقول عبد ان إبادة ملايين البكتيريا أمر عادي وهذا خطأ فاضح، فالبكتيريا التي في الأمعاء ضرورية لحياة الإنسان أما إبادة هؤلاء فهي أمر عادي حفاظاً على البشرية
http://goo.gl/ljLjLN
وتجب إبادة الشيوخ الذي حرضوهم كالعريفي والقرضاوي والعرعور وآلاف غيرهم من شيوخ التكفير بنفس الطريقة

يتبع


6 - تصحيح أخطاء عبدالواوي أبوبدرسعود خلف، تعليق واحد
ألأمل المشرق ( 2013 / 12 / 7 - 15:13 )
ثالثا يقول عبد عندما يغتصب رجل إمرأة تحصل محاكمة وأن هذا يناقض الانتخاب الطبيعي، قوانين العالم تدين الإغتصاب نعم...بينما عبد آل سعود يقدس من اغتصب طفلة بعمر تسع سنوات، واغتصب زوجة ابنه بالتبني وطلقها من زوجها بعد أن رآها عارية فلم يملك إزبّه، واغتصب زوجة كنانة بعد أن قتل كل أقاربها
رابعاً يقول الحل بأحد الأمرين، إما القبول بدين عبد الإرهابي أو الإلحاد وقانون الغاب، وهذا طبعا خطأ فاضح، فالملايين من البشر لم تتقدم وتبدع وتخترع لعبد ما يعتاش من ورائه برمي الزبالة في المواقع إلا بعد ان رمت ديت عبد في مكب النفايات

شكرا

اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي