الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن نلسون مانديلا – من سجن جزيرة روبين

نضال الربضي

2013 / 12 / 6
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية



الخميس 5 ديسمبر 2013، يرحل نلسون مانديلا في سنته الخامسة و التسعين بجسد أنهكته مضاعفات التهاب الرئة. يفقد العالم رجلا ً كان وجوده تأكيدا ً أن الإنسانية حيَّة قوية فعالة مُتجذرة بقوة في جنسنا البشري و أن الظلم و الغضب والكراهية لا يمكنها يوما ً أن تكون عنوان جنسنا، و أن هذه الممارسات هي بقايا حيوانية يمكننا أن نتغلب عليها و قد تغلبنا بالفعل و سنظل نتغلب طالما أننا نُدرك هذه الإنسانية فينا و نمتلك العزم على السير في ضوئها مهما كانت الظروف.

لا أريد أن أروي تاريخ مانديلا السياسي، فشبكة الإنترنت مليئة لمن أراد البحث، لكني أريد أن أروي جزءا ً من معاناته، و أن آخذكم اليوم معه في رحلة، عل بعض الصور تتكلم خيرا ً من آلاف الكلمات، و عل َّ الحب و القوة و العدالة اللاتي عشن في هذا الرجل العظيم يجدن طريقا ً إلى قلوبنا.

قبل أن يصبح مانديلا أول زعيم أسود لجنوب إفريقيا، و أول زعيم يتنازل عن الحكم بعد نهاية أول دورة، و أول زعيم يعقد مصالحة ً لا تسيل فيها نقطة دم ٍ واحدة، و أول زعيم ٍ يحبه أبناء وطنه بجنون، و يقف له أعداؤه احتراما ً، و أول زعيم ٍ يعين نائبا ً له عدوه الأول، كان هذا الرجل سجينا ً لمدة 29 عام، لم يفقد فيها إنسانيته و لم يبني سدا ً من الكراهية و لم يتخلى عن عزمه و إرادته و حلمه في الحياة الأفضل ليس لنفسه لكن لشعبه.

29 عاما ً في السجن، قضى منها 18 عاما ً في جزيرة روبين، في زنزانة ٍ صغيرة قياسها متران و أربعون سنتيا ً في مترين و عشر سنتيات، أصغر من حمام ٍ في بيت ٍ، في هذه الزنزانة مقعد خشبي و حصيرة من القش و دلو ٌ ليقضي فيه حاجته بعد انتهاء موعد العمل في المحجر. زنزانة لا تليق بحيوان حبسوا فيها عملاقا ً كمنديلا فبقيت شاهدة ً على عارهم يصورها كل ُّ من يزور الجزيرة. استطعتُ تصويرها بمشقة ٍ بين الجموع، حتى أنني اضطررت ُ لتصويرها صورة ً عن انعكاس صورتها في iPAD إحدى السيدات:
http://www.flickr.com/photos/27916533@N02/11238496273/
http://www.flickr.com/photos/27916533@N02/11238409255/in/photostream/

لم يستطع الظلم أن يقهر مانديلا، و كانت المعاملة العنصرية التي يتلقاها دافعا ً له كيف يؤمن بالحرية و العدالة أكثر فأكثر، تلك العدالة التي كانت تغيب عن السجن حتى في وجبات الطعام، فالأسود يتلقى حصةَ طعام أقل من الأبيض، مع وجود أنواع ٍ لا يُسمح له بتناولها، تلك القصة التي رواها لنا أحد السجناء السابقين على الجزيرة و الذي يعمل الآن فيها بعد أن تم تحريره بوظيفة دليل سياحي، يرفع أمامنا لوحة ً توضح في شقيها الطعام الخاص بالسجين الأبيض يقابله ذاك الطعام الخاص بالأسود شاهدا ً أخر على عار الإنسانية و عار الظلم. لا أعتقد أنني أستطيع أن أصف ذلك الألم الذي ضربني و أنا أستمع له، ظللت ُ أردد في نفسي مرارا ً: معقول أننا حيوانات إلى هذا الحد؟

http://www.flickr.com/photos/27916533@N02/11238409784/in/photostream/


18 عاما ً من الظلم الذي حمله مانديلا في زنزانته عنصرية ً في القول و الفعل و الطعام، لكنه لم يفقد إيمانه يوما ً، كان المبنى الصغير الذي يرتفع عليه صليب ٌ أقرب شئ ٍ لكنيسة ٍ سمحت سلطات نظام الأبرتهيد العنصري لمنديلا أن يستخدمه للصلاة يوما ً واحدا ً في الأسبوع.

18 عاما ً و هو يثق بالله و يصلي، و يرفع قلبه إلى سيد السلام و الحرية و العدالة حتى إذ ما خرج صنع كما سكب ذاك الصالح في قلبه، فأعطى سلاما ً للعالم، من سلام ٍ عرفه في أحلك ساعات الظلم و العنصرية. كنيسة مانديلا الصغيرة تقف رمزا ً للثقة و الرجاء و الأمل حتى في قلب الشر نفسه:

http://www.flickr.com/photos/27916533@N02/11238400274/in/photostream/


أما في النهار و في باقي أيام الأسبوع حيث كان يُجبر على الأشغال الشاقة في المحجر مع رفاقه، و حينما كانوا يتعبون، يسمح لهم السجانون أن يرتاحوا قليلا ً في كهف ٍ صغير داخل المحجر، و هو نفس الكهف الذي كانوا يُجبرون على التبول بداخله حينما يُضطرون، هذا الكهف الذي وصفه لنا الدليل السياحي قائلا ً بكل اعتزاز و كبرياء: سيداتي سادتي هذا الكهف هو أول برلمان ٍ لدولة جنوب إفريقيا، هنا قد صاغ مانديلا و زملاؤه الدستور.

http://www.flickr.com/photos/27916533@N02/11238527093/in/photostream/
http://www.flickr.com/photos/27916533@N02/11238549593/in/photostream/
http://www.flickr.com/photos/27916533@N02/11238577743/in/photostream/

مُخطئ ٌ من ظن أن إذلال الناس وقهرهم يكسرهم
مخطئ ٌ من ظن أن استعباد الشعوب يُلغي هويتها
مخطئ ٌ من ظن أن استمرار الظلم يقتل العدالة و يمنع تحقيقها

رجال ٌ كمانديلا لا يموتون، يحيون للأبد في القلوب و العقول و التاريخ!

سلام ٌ لروحك سيدي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استطلاع للرأي يتوقع فوز حزب العمال بأغلبية هي الأكبر في تاري


.. نشرة 8 غرينتش | حزب العمال يتقدم في انتخابات بريطانيا... وبا




.. يوصفون بأنهم -يهود من النوع الخطأ-.. يهود حزب العمال البريطا


.. أخبار الصباح | توقعات بفوز ساحق لحزب العمال في بريطانيا..




.. بريطانيا تستعد لتغيير حكومي تاريخي وتوقعات بأن يطيح حزب العم