الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في علم الاجتماع القبلي (7)

وديع العبيدي

2013 / 12 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وديع العبيدي
في علم الاجتماع القبلي (7)
الصحراء.. هوية ومرجعية قيمية
الجغرافيا البشرية لجنوبي الشرق الأوسط محبطة. حالة غريبة ومقرفة من الجمود والعجز والتسليم. لكن النظام التعليمي على العموم حافل بالتزوير والتدليس والتدجين، أي الأدلجة المسبقة [عروبيا، قوميا، دينيا]. في بداية المتوسطة تعلمنا التاريخ القديم: السومري.. البابلي.. الآشوري. الذاكرة الوطنية بحاجة لصور القوة والفخامة والسيطرة. لكننا.. لا في عمر المتوسطة – ولا بعدها- نتساءل أين هم هؤلاء الأجداد القدماء العظماء، وما يربطنا بهم؟.. مسلة حمورابي، ملحمة جلجامش، مكتبة آشور بانيبال. كانت تلك خطوة في بناء داخلنا الوطني الروحي وهويتنا الثقافية الصلبة.
عند دراستي اللاحقة للاقتصاد وتقسيمات التاريخ الاقتصادي، استغربت استمرار نمط البداوة والبداة حتى العصر الراهن، وتمجيد قيم البداوة الطفيلية غير المنتجة والخالية من ابداع أو تطور. كيف يمكن لهوية ثقافية وطنية أو قومية، أن ترتكز على تنميط حالة الجمود والعجز والتقليد والتكرار الغيبي (الغبي)؟ وهل يمكن الأمة وهي تقدس منظومة بدائية جامدة، أن تتطور وتحلم بمضاهاة ركب الحضارة والتقدم والازدهار؟..
هذه الأسئلة وهذا النوع من التفكير جزء من تجربة ذاتية للبحث عن المعنى والقيمة الوجودية. الانسان ليس حشرة تطير من غصن إلى غصن، ولا مجرد كائن حيواني كلّ ما يشغله هو الحاجة والامتلاء والتفريغ، وكمية من الضجيج والتهريج والضحك الذي لا يجدي ولا ينتج.
ان العلاقة بالأجداد والماضي، إذا كان لا بدّ منها، فيجب أن تكون عاملا ايجابيا محفزا للابداع والانتاج والإضافة. وبغيره تفقد تلك العلاقة مبررها المنطقي والموضوعي. أدركت يومذاك، أن ما يدعى تراثنا الثقافي غير المقدس هو جثة هامدة، ولا يجوز تقديس الجثث وعبادة الأصنام. والسلفية نموذج لنقض الذات/ ذاتها. فهي إذ تحارب الخرافات الاجتماعية، تقدس الخرافات والسفاسف باسم الدين، وإذ تدعو لهدم القبور والأوثان والمجسمات المادية، تقدس الماضي والمأثور عن الأسلاف والأجداد، بزعم الابتعاث الديني.
عقول الأبناء أكثر تطورا من عقول آبائهم، وعقول الآباء أنمى وأنفع من عقول الأجداد. والسلفية تلغي القيمة المضافة للعقل عبر الزمن من خلال تحجر المجتمع والحجر عليه وعلى كل محاولة للتقدم. ومن أجل تقديس الماضي ممثلا في بعض رموزه الصورية والفكرية يجري الغاء تاريخ المستقبل. ومن أجل ذلك تظهر أهمية الاغتيال والقتل في المأثور البدوي السطحي والأجوف والمغرور.
سطحي لأنه لا يخاطب العقل ويخالف المنطق.
وأجوف لأنه عاجز عن المواجهة والمناقشة ومبادلة الرأي بالرأي والانفتاح على الآخر، خشية خسران موضع قدمه.
ومغرور لأنه يخاف النقد والاعتراض ولكي يلغيهما، يقطع النقاد والمعارضين بالسيف والرصاص كما يحدث حتى اليوم، في ظل الدمقراطية السلفية والأمريكية.
موقف البداوة من العقل والحداثة، شبيه بموقف البدو من المرأة التي يجري اختزالها إلى جسد سطحي أولا، ثم يجري اختزال الجسد في بضعة مناطق من الجسد، وخوفا من المواجهة يقوم بتغطية كيان المرأة والتعامل معها عبر ثقوب لا غير.
هذا التراث البدوي أنتج على مدى الزمن شخصيات ضعيفة هشة من الناحية النفسية والفكرية، ليس لها بعدُ.. من شيء تفخر به غير الجسد القوي والجسد السليم. وفي مجال التربية يذكر البعض تكرار مقولة (العقل السليم في الجسم السليم)، في دعاية سمجة لتنمية الجسم (ترتبط بدروس الرياضة)، وليس الدعاية للثقافة وتنمية العقل الذي يقتضي بقاؤه فارغا ليبقى سليما – من العبث-.
العجز عن المواجهة أو التغيير يدفع للتكيف مع الحالة. وبدل استجماع خبرات تقنية تدعم عنصر المواجهة والتغيير، يقود التمادي في الضعف إلى تأصيل الظاهرة فكريا واجتماعيا لتبرير الخضوع لها والمبالغة في تمجيدها لحدّ القداسة والتأليه.
تلخص هذه الفقرة الأساس الذي أنتج فكرة الدين والإله، وفي المجال الاجتماعي تنطبق على حالة المرأة التقليدية في العائلة والمجتمع، كما تعكس صورة المجتمع في خضوعه الطويل لحاكم جائر مستبد.
انها في الأساس صورة البدوي العاجز أمام نفسه وبيئته، فاضطر إلى اعتبار البداوة نموذجا يتفاخر به، ثم عمل على تقديسها بالمخلل الديني وربطه بميثولوجيا الغيب وخرافاته.
ما هي الأصالة؟..
الأصالة من الأصل، عكس الاختلاط.
لكن الاختلاط الاجتماعي والفكري يعني الحضارة، وهو العمران بلغة ابن خلدون.
العنصر الكيمياوي [فلز/ لا فلز] في الحالة الذرية لا يمكن الافادة منه إلا بتفجيره. لكن دخوله في مركبات ينتج مواد نافعة كالماء (H2O) مثلا. وباختلاط البشر تتكون الخبرات وتتراكم المعارف وتتشكل قاعدة لنمو الحضارة. وباختلاط رجل وامرأة تتكون العائلة وتتولد أجيال جديدة من البشر، ويحدث تغيير في صورة الحياة. اختلاط الانسان بالعمل يضيف ألوان جديدة للبيئة ويغير وجه الطبيعة. الزراعة والحرف والتصنيع تعني التطور والتجديد والابتكار. فالأصالة بالمعنى الحضاري هي قيمة سلبية جامدة، تؤخر ولا تنفع في شيء.
لكن العرب لا يجادلون في الأصالة، رغم عدم وجودها في وسطهم على الاطلاق. وفي ذلك يؤيدهم ابن خلدون الذي يجد في البداوة والتوحش مثالا على نقاء اللغة والعادات والقيم!!..
ابن خلدون التونسي [1332- 1406م] مثقف كبير وعالم ومفكر قياسا لعصره، وجانب كبير من عصرنا الراهن، ولكن علي الوردي [1913- 1995] وصمه بالانتهازية، بل اعتبره أكثر ميكافيللية من نيكولو دي برناردو دي ميكافيللي [1469- 1527] صاحب امتياز اللقب.
ففي السنوت الأخيرة من حياته عكف على وضع مصنف يجمع فيه تاريخ البشرية منذ أول بدئها حتى أيامه، يجمع فيه بحسب تعريفه [التاريخ هو سفر أيام الملوك والدول] ما أمكن له جمعه ومعرفته من قصص الأقوام والدول والحكومات. لكن الرؤية الرئيسة لبحثه اعتمدت مركزية الحدث العربي (الدولة العربية الاسلامية).
اتخذ ابن خلدون من فكرة (العصبية) محرّكا رئيسا لتاريخه، والعصبية ثيمة بدوية قبلية أكثر من أي شيء آخر. ويعترف أو يعتبر (النسب) دعامة العصبية، مع ترجيح كفة البداوة والتوحش ضامنا لنقاء النسب وصفاء العصبية. فالمثال المقصود هنا هو بناء الدولة الاسلامية على عصبية (قريش) وسلسلة النسب المحمدي المطلبي العدناني الاسماعيلي.
وفي ظلّ تورطه العصبي راح يحاول ربط دول اليونان والرومان والفرس وسواهم بحسب جداول نسب يشتقها من الاسرائيليات تارة ومن المأثور الشفاهي العراقي القديم تارة أخرى، وهو في ذلك لا يأتي على غير الحروب والصدامات العسكرية وأرقام الخسائر الحربية الكارثية، منتهيا منها – على البارولة الاسلامية- بعبارة (والله أعلم).
ابن خلدون يؤكد هنا عنصر (الأصالة) اليعربية محيلا إياها على نقاء حياة البداوة والتوحش. الأصالة هي مرادف لغوي (ثقافي) للعصبية الخلدونية. وكما ساهمت الأخيرة في تأسيس قوة الدولة، فأن الثانية تحولت إلى مركزية قومية تنبع منها اللغة والعادات والقيم والثقافات، على أساس فردانية الصحراء كبيئة حاضنة للبداوة والقبلية.
فكرة الأصالة والعصبية ومظاهرها الثقافية والاجتماعية ليست اكتشافا خلدونيا في أصلها، ويمكن الرجوع بها إلى عصر التأسيس الفكري والتأليف العربي مع أواخر القرن الثامن الميلادي جنوبي العراق، حيث ظهور المركزية الثنائية في الفكر والثقافة العباسية بين مدرستي (البصرة) العقلية و(الكوفة) النقلية. وشيوع مقولة: كلّ ما اختلفتم فيه فردوه إلى أصله مما تناقله الرواة؛ أو استفتوا فيه أهل البادية، فهم أصفى لسانا وأقل عرضة للهجنة.
Wadiobeadiblogspot.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مثلث -حماس- الأحمر المقلوب.. التصويت على قانون يحظره في البر


.. الجيش الإسرائيلي: عناصر من حركتي حماس والجهاد يستخدمون مقرا




.. زعيم الحوثيين يهدد باستهداف منشآت سعودية | #ملف_اليوم


.. حماس.. لماذا تراجعت الحركة عن بعض شروطها؟ | #رادار




.. قصف جوي ومدفعي إسرائيلي على مواقع عدة جنوبي لبنان | #الظهيرة